مقاربات التخطيط الحضري- الثقافي المقارن: إعادة تسمية شوارع حيفا وبرلين الشرقية ومحو الماضي القومي

ماعوز عزرياهو

ترجمة محمود الصباغ

استهلال

خضعت فلسطين – ومازالت- إلى عمليتي “أسرلة ” و “عبرنة” واسعتين عبر تسمية وإعادة تسمية الفضاء الفلسطيني بمشتقاته كافة, وهي عملية, بالأحرى سلسلة عمليات واعية تمارسها السلطة عبر قوانين وتشريعات وخرائط ونظم معلومات.. إلخ, ولا ينبغي أن يفهم من هذا أن الهدف هو إغراق فلسطين بالطابع” اليهودي\ العبراني”, بمعنى الجانب الديني فقط, بل للعملية جانب صهيوني علماني غاية في الأهمية تتبناه الطبقة الحاكمة أو تمارسه بأدق تفاصيله بإخضاع الجغرافيا الفلسطينية تبادلياً للسلطة والقانون الإسرائيليين وبالعكس، بمعنى تأثير هذه الجغرافيا على بنية السلطة, لو جاز لنا استخدام توصيف ميشيل فوكو.  وهدفت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ العام 1948 ،من خلال إعادة تسمية الأماكن الفلسطينية في المناطق التي استولت عليها في أعقاب النكبة، إلى تأمين هذه المناطق داخل حدود الدولة القائمة حديثا. والمصطلح الأكثر شيوعاً لهذه العملية هو “التهويد” الذي تطور خلال مراحل مختلفة عبر سلسلة من السياسات والقوانين التراتبية التي تميل لصالح ” الأغلبية” والتي تحولت إلى وسائل ناجزة ذات صيغة مؤسساتية لاستكمال مهمة الاستيلاء على الأرض، وتحميل هذه الوسائل رموزاً تعتمد في جوهرها على طبيعة النظام الاجتماعي والأخلاقي الجديد من خلال اختيار اللغة كدلالة وقيمة رمزية لهوية الجماعة وللنص الرسمي لخطابها كمثال واضح على التفاعل بين العمليات السياسية الاجتماعية والسيمائية في الثقافة.

….

باتت المدن الحديثة تشبه غابة بفضل شبكة كثيفة من الشوارع تسهّل أكثر فأكثر التوجيه المكاني، نظراً لما تُحمّل من قيمة رمزية إضافية؛ وتمَثّل لـ”نظرية العالم” التي تعتمد على النظام الاجتماعي والأخلاقي الحاكم. وعلى هذا النحو؛ تتشكل أسماء شوارع المدينة (سنطلق عليها هنا لأغراض الدراسة “نص المدينة city-text”)، من قيم وطنية سائدة وأسماء “جغرافيّة” (للمدن والمناطق والأنهار والجبال وما إلى ذلك)، وأخيراً، ولكن بالتأكيد ليس آخراً، تمثيلاً للماضي القومي كما تعينه سرديات أبطال وأحداث يحتفى بهم في لافتات الشوارع. ويضاف، في بعض الحالات، بعد رمزي آخر من خلال اختيار اللغة المستخدمة في هذه اللافتات. فاللغة دلالة على هوية الجماعة، وذات قيمة رمزية، خصوصاً في الحالات التي تتميز فيها لغتان لجماعتين قوميتين بحالة صراع معينة.

ويعتبر نص المدينة بنية ثقافية تضيف معنى لأي نظام اجتماعي وأخلاقي معين من خلال تضمين تمثل “نظرية العالم” التي تعترف بالنص وتجيزه، وهو أيضاً نص رسمي مصرح به من قبل النظام الحاكم. فيحدث اختيار أسماء الشوارع، أحياناً، بناءً على المشاعر الشعبية، بيد أن صيغ وأشكال هذه النصوص دائماً ما تستنبط عن طريق جهات فاعلة معينة. وبالتالي، تعد عملية كتابة أو أعادة كتابة نص المدينة مثالاً واضحاً على التفاعل بين العمليات السياسية الاجتماعية والسيمائية في الثقافة.

وسيكون هدفنا هنا تحري، من خلال المقارنة، العلاقات بين العمليات التي تنطوي عليها عملية (إعادة) بناء نص المدينة وسنختار [لهذا الغرض] حالتين من إعادة التسمية ذات طابع واسع، جرت الأولى في برلين الشرقية، العاصمة السابقة لألمانيا الشرقية، والثانية  ما حصل في مدينة حيفا، الميناء البحري الرئيسي لإسرائيل، في ربيع العام 1951. حيث تغيرـ بشكل كبير، المحتوى الرمزي لنص المدينة في كلتا الحالتين (انظر البيانات المتعلقة بمدينة برلين الشرقية في Verordnungsblatt für GroβBerlin, Vol. 7 (1951), Nos. 23. 32, 40 . والبيانات الخاصة بمدينة حيفا في أرشيف المدينة، ملف رقم 209 ). ومن المفيد لفت النظر إلى أن تزامن هاتين العملتين كان محض توقيت عرضي، فقد احتوت كل عملية على خصائصها وسياقها التاريخي الخاص. ولا يعني هذا عدم وجود قاسم مشترك بينهما، ونقصد بذلك التلاعب السياسي في العمليات الترميزية السيميائية داخل السياق العام لإعادة بناء الثقافة الرسمية في ضوء الانقسامات السياسية الكبرى.

وتعتبر الأسماء موضوعات دلالية ذات رموز تجسد وتنقل المعنى؛ وتحتل، بالتالي موضعاً مركزياً في أي منظومة ثقافية. وتعتبر صياغة -وإعادة صياغة- مجاميع الأسماء الطبوغرافية مثالاً عميقاً على الصلات بين العمليات السياسية والثقافية، حيث تحدث عمليات إعادة تسمية الأماكن، في أغلب الحالات، عقب إعادة استيطان المدن والبلدات المحتلة، ويذكر الإصحاح الأول من سفر القضاة (17 وَذَهَبَ يَهُوذَا مَعَ شِمْعُونَ أَخِيهِ وَضَرَبُوا الْكَنْعَانِيِّينَ سُكَّانَ صَفَاةَ وَحَرَّمُوهَا، وَدَعَوْا اسْمَ الْمَدِينَةِ “حُرْمَةَ”). ويمكن العثور على أمثلة حديثة عن هذا النمط في تاريخ المدن الألمانية السابقة مثل: دانتسيغ، بريسلاو، كونيغسبرغ، التي أصبحت، على التوالي غدانسك، فروكلاف، كالينينجراد، بعد العام 1945. وتبدي الإيديولوجيات الحديثة قدراً كبيراً من الحساسية تجاه الأسماء وقيمها الرمزية، ولا تقتصر إعادة التسمية على المدن والبلدات فحسب؛ بل تشمل الشوارع والدول، فعلى سبيل المثال، حصلت في الاتحاد السوفيتي[السابق] عمليات إعادة تسمية مدن مهمة تيمناً بأبطال بارزين من أبناء النظام الثوري، مثل لينين وستالين وغوركي وكالينين وفوروشيلوف وسواهم كثير. كما غيرت العديد من الدول الأفريقية أسمائها بعد نيلها استقلالها، مثل الكونغو (زائير) وروديسيا (زيمبابوي) وغولد كوست (غانا). وكان القصد من هذه العمليات إعلان العودة الرسمية إلى الجذور “الأصيلة” لما قبل الاستعمار وإيصال معانٍ مختارة بعناية حول وعن الدول الوطنية المستقلة.

وحصل إبان الثورة الفرنسية أن تغيرت عدة أسماء، وارتبط موضوع التغيير بالماضي الملكي ليحل محلّه أسماء تحمل معنى القيم العليا للنظام الثوري، ففي العام 1793 أعيد تسمية “ساحة لويس الخامس عشر Place Louis XV ” في باريس إلى “ساحة الثورة Place de la Revolution “. وبهذا تم تعيين هذا الإجراء بصفته نموذجاً؛ لتصبح عمليات إعادة تسمية الشوارع سمة معروفة في حالات الاضطراب السياسي وتصدع الإيديولوجيات المهيمنة. ويمكن القيام بتحليل أسماء الشوارع  في إطار تخصص أسماء الأعلام، أي الدراسة العامة للأسماء onomastics، أو في مجال أسماء المواقع الجغرافية وأصولها الذي يقع ضمن تخصص الجغرافيا الحضرية، حيث تلعب أسماء الشوارع دوراً واضحاً في النسيج الحضري. وثمة مقاربة أخرى، تلامس ما تتبناه هذه المقالة، حيث تربط أسماء الشوارع بـ “الذاكرة”. ووفقاً لهذه المقاربة، تعتبر أسماء الشوارع (وغيرها من الأشياء، مثل المعالم الأثرية واللوحات التذكارية) مصدراً لقراءة “ذاكرة” مجتمع معين؛ لأن أسماء الشوارع جزء من خزان الذاكرة الرسمية. وعلى هذا المنوال، يمكن العثور على مثل هذا النوع من الأبحاث الأصلية التي تتعلق بالاحتفاء بالأسماء في أبحاث R. W. Stump (1988). والمنظور الذي تتبعه هذه الدراسة هو منهج التخطيط الثقافي الرسمي، أو نمذجة، بمعنى تصميم، البنى الثقافية وفقاً للوصفات الإيديولوجية التي ينفذها وكلاء معينين نيابة عن المجتمع. ويتكون التخطيط الثقافي Cu1ture-planning من تنشيط مجموعة إجراءات وعمليات معدة لغرض المعالجة المباشرة للبنى الثقافية الرسمية. ويصمم المنتج الثقافي، في حالتنا نص المدينة المعدل، بغرض الاستهلاك الدائم بعد صياغته؛ ويفترض به التحول إلى  نص حي في عمليات التواصل الاجتماعي  بصفته جزء من الثقافة الرسمية.  لم يطبق مثل هذا النهج التحليلي بعد على دراسة البنى الثقافية باعتبارها نص المدينة، غير أنه مرتبط بعدد من الدراسات التي تركز على التخطيط اللغوي، أو على نحو أدق: تعديل اللغات وفقاً لأغراض ومتطلبات قومية.( لمعرفة المزيد عن هذه الدراسات ,انظر على سبيل المثال: Fishman 1927).

ملاحظات أولية: تمثيل “الماضي”

يعرض نص المدينة تصوراً معيناً للمكان والزمان، وبقدم خارطة خاصة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بـ”نظرية العالم” بصورة محددة. وسوف نركز، هنا، على جانب مهم من هذه التصورات؛ أي النسخة الرسمية من “الماضي” كما تظهر في لافتات الشارع. وبالتوازي مع هذه النسخة، فهناك أيضاً ثمة نسخ أخرى، وجميعها تقف على مسافة واحدة لجهة صحتها أو عدمها على حد سواء، وتتوقف الاختلافات فيما بينها على طبيعة النظم الاجتماعية والأخلاقية التي تتحدد بها هذه النسخ، فالنظام الحاكم يستحضر نسخته الخاصة، التي تشكل جزءً كبيراً من “نظرته للعالم”. ويتحكم المركز السياسي في وسائل تقديم تصوراته وتمثيلاته للعالم أمام  المجتمع ككل بصورة عامة. ويتأكد هذا المركز السياسي من أنه لا يتم نقل وإصدار سوى التمثيلات المقبولة والمصرح بها من قبله، عبر قنوات الاتصال الاجتماعي الرسمية، أي تمثلات نسخته الخاصة عن الماضي. ويلاحظ إدوارد شيلز في هذا السياق “عندما يتوسع المركز بشكل فعال، سوف يسيطر على مؤسسات الاتصال: كالمدارس والكنائس، وإذا كان المجتمع متعلماً، فسوف تصل السيطرة إلى أي جهاز من الأجهزة يمكنها تقديم تمثيلات وتأويلات العالم “( Shils 1981: 249). يتم قمع تمثيلات المعارضة للعالم، بمعنى استبعادها من جميع القنوات الرسمية. إن لافتات الشوارع، باعتبارها وسيلة رسمية، تشكل نصاً رسمياً يمكن من خلاله قراءة الرواية الرسمية للماضي، بصفة خاصة، وغيرها من التمثيلات والتأويلات الأخرى للعالم بصفة عامة.

إن بناء مثل هذه النظريات ونسخ من الماضي يمليه بحث أكاديمي عن “الحقيقة “الموضوعية . وتكمن أهمية مثل هذه البنى في دورها الاجتماعي السياسي كعوامل شرعية (أو غير شرعية). إن الرواية الرسمية لـ “الماضي” تضفي الشرعية على النظام القائم (ومن ثم حكمه) بحجة أنه نتاج حتمي لـ “التاريخ”. ويمنح “الماضي” النظام الاجتماعي والأخلاقي الحاكم جواً من الطبيعية، مقدماً إياه بوصفه جزء من “نظام كوني” غير مشكوك فيه. تتحدى الروايات المتنافسة على الماضي الرواية الرسمية، وبالتالي، الرواية التي سمح النظام باستحضارها، ولهذا ينظر لتلك السرديات المنافسة على أنها تهديد. يبنى “الماضي” على أنه سرد زمني متقدم [كرونولوجي] في الزمن حيث تنتظم فيه أحداث مختارة وشخصيات تمثيلية في سلاسل متتابعة وسببية ( لمناقشة ما يتعلق بـ”السرد”، أنظر: Hodge and Kress [1988: 229—30] ).

تساق  هذه السلاسل منذ “البداية” (“ولادة أمة” أو أي أسطورة خلق أخرى)، عبر صعود وهبوط وانتصارات وهزائم وكوارث وصراعات ونضالات، إلى الوضع الحتمي الراهن، “الحاضر، “المرتبط بالنظام الاجتماعي والأخلاقي الحاكم وغالباً ما يمثل نص المدينة -موضوعنا الرئيسي هنا- الماضي دون سرده. ولا توفر بينة النص قوساً زمنياً ناجزاً؛ فليس هناك تسلسل زمني، ولا يمكننا تمييز “قبل” و “بعد”. وليس هناك تقدم زمني، وبالتالي، لا يتضمن سببية. وفقط سيتمكن القارئ الذي يملك “رأس مال ثقافي” كافٍ (أي معرفة مسبقة بالثقافة المعنية) من إعادة بناء التسلسل الزمني والروابط السببية من النص، ولكن هذا التسلسل وتلك الروابط لن توجد في النص نفسه.

ويزود محتوى وهيكل نص المدينة القارىء، بمعلومات قيمة حول النسخة الرسمية للماضي. وعلى النقيض من الكتب المدرسية التي تستعرض الأبطال و “أندادهم” (رغم  الظهور البارز للبطل) وتقدم تقويماً يتناسب مع دورهم في التاريخ القومي؛ يحتوي نص المدينة على الأبطال فقط. فنص المدينة تمثيلي أحادي البعد عندما يتعلق الأمر بالشخصيات التاريخية التي تقف على الجانب “الإيجابي” من محور “الخير-الشر” الذي يعكس مزايا أداء خاصة للماضي، و لذلك لا يتم تمثيل الأنداد المعادين للأبطال في نص المدينة لأنهم لا يستحقون التخليد بتضمنيهم  في نص المدينة بالذات الذي يحتوي، من الناحية البنيوية، على مقياس مدمج [غير مرئي] يسمح لقارئه بتحديد الحالة النسبية للأحداث والقيم والأبطال. فالمبدأ التنظيمي الأساسي في كتابة نص المدينة هو ارتباط الحالة النسبية لعناصره بأهمية الشارع المختار في النسيج الحضري. وتنعكس التراتبية في نص من النوع المثالي في توزيع العناصر في النسيج الحضري، التي تنص القاعدة الأساسية فيه على أن الأهمية الاستراتيجية للطريق وأهمية اسمه يجب أن تكون مترابطة إيجابياً. ومع ذلك قد يحدث بعض الانحراف عن هذا النمط، ويرجع ذلك في الغالب إلى إعادة تقويم الأهمية التاريخية للأبطال المكرمين سابقاً أو نتيجة للتطور العمراني .

نشأة نصوص حيفا وبرلين

ينبغي فهم التغيرات في نصوص المدن في السياق التاريخي للنص نفسه، أي في سياق وجود النص في وقت معين وعملية تسجيله. وتخلق مجموعة القيود والحوافز التي تفرضها الشروط الإيديولوجية المسبقة وكذلك الاحتياجات السياسية مجالا للقوى التي تحدد “مضمون” نص المدينة. وبالتالي غالباً ما تكون إعادة كتابة نص المدينة تتويجاً لنزاع مديد بين الخيارات المتنافسة. قد يكون النص جديداً، لكن النسخة الرسمية المصرح بها ربما تكون معروفة جيداً قبل إعادة كتابته كخيار غير رسمي وغير ناجح ينافس الصيغة الرسمية السابقة (كما هو حال برلين)، أو تنطبق فقط، هذه النسخة الرسمية، على أجزاء معروفة جيداً من النص (كما هو حال حيفا).

برلين

بدأ في كتابة نص برلين بتأميم نص المدينة على يد السلطات البروسية في العام 1813. ووفقاً لقانون الدولة، كانت الدولة البروسية ممثلة بشخص الملك هي المسؤولة، وليس المدينة، عن تسمية الشوارع. بقي معمولاً بهذا الوضع الفريد حتى إلغاء النظام الملكي في العام 1918، وانتهى فقط بالتفكيك الرسمي والقانوني لبروسيا بعد الحرب العالمية الثانية. وأظهر نص مدينة برلين في العهد الإمبراطوري مجد سلالة هوهنزولرن الحاكمة، وكذلك الشهرة العسكرية الألمانية بعد العام 1871 (أي بعد توحيد ألمانيا تحت الحكم الملكي البروسي). وقد واجهت هذه النسخة من الماضي، بعد إعلان الجمهورية في العام 1918، تحدياً من قبل الأحزاب اليسارية في البرلمان البلدي، الذين كانوا أكثر راديكاليةً من الشيوعيين، الذين دعوا إلى صيغة بديلة “ديمقراطية” و”تقدمية” لنص المدينة (للاطلاع على تحليل مفصل لهذه المناقشات، انظر Azaryahu 1988). باءت محاولات تغيير نص المدينة بالفشل بسبب المعارضة القوية للدولة البروسية، التي كانت تسيطر على نص المدينة. ثم قام النازيون بنسج نسختهم الخاصة من الماضي على لافتات الشوارع التي تزينت بأبطال الحزب القومي الاشتراكي، وأبرزهم أدولف هتلر، الرمز الأسمى للنظام النازي، وهورست فيسل، الشهيد البارز في “الحركة”.

ألغيت النسخة النازية من لافتات الشوارع بعد انتهاء الحرب مباشرة واستسلام الرايخ. لكن انهيار الدولة النازية لم يكن يعني تلقائياً عودة تلقائية شاملة إلى العام 1932، كما كانت تأمل بعض الدوائر المحافظة. فقد سعى الشيوعيون، الذين لعبوا دوراً حاسماً في سياسة المدينة، وبدعم من الاشتراكيين الديمقراطيين، إلى صياغة نسخة “ديمقراطية” من الماضي القومي باستبدال العناصر العسكرية والملكية (التي لم تكن ممكنة في العشرينيات) بعناصر “تقدمية”. وهذا يعني استبدال أسماء الملوك الألمان وجنرالات بروسيا بأبطال الحركة العمالية وشهداء الثورة البروليتارية الشيوعيين الأسطوريين. ووفقا لإحدى التوصيفات، كان يجب إعادة كتابة ما يعادل عُشْر نص مدينة برلين لتحقيق هذا الهدف. وتوخى أحد المقترحات الأخرى المقدمة لمجلس المدينة، بعد بضعة أشهر، إعادة كتابة أكثر من خُمْس النص -وفقاً لهذه القائمة يجب تغيير نحو 1،785 اسماً من أصل 9،000 -، لإنشاء نص مدينة “ديمقراطي” تماماً يعبر عن ألمانيا الجديدة.

وبالنظر إلى عدد الأنشطة الظاهرة الموجهة نحو إعادة تشكيل النص، التي نفذت في مناطق مختلفة وفي مجلس المدينة نفسه، فقد كان العدد الفعلي لعمليات تغيير الأسماء صغيراً جداً وضئيلاً للغاية: فقد تم إعادة تسمية 40 شارعاً فقط بين أيار 1945 وآب1947 (انظر Azaryahu 1990: 40—46). وبعد العام 1946، وفي ذروة الصراع بين الشيوعيين والأحزاب الأخرى في برلين، تم سحب “تنقية” نص المدينة من جدول الأعمال، ليس لأن المسألة اعتبرت غير ذات أهمية مقارنة بالنضال “الحقيقي” على الهيمنة السياسية؛ بل على العكس من ذلك: حرص الشيوعيون، الذين كانوا في المعارضة منذ تشرين أول 1946 على عدم رفع منسوب التوتر بينهم وبين الأحزاب السياسية الأخرى بتعزيز صراع عاطفي للغاية على الرموز. ولم يمنع هذا من بعض التغييرات نتيجة للتعاون النادر الشيوعي – الديمقراطي الاشتراكي.

وتضاءلت، مؤقتاً، الطاقة والحماس اللذان ميزا الأشهر القليلة الأولى بعد التحرير من النظام النازي، فمع تقسيم المدينة أعيد تعريف علاقات القوة والسلطة، وكان أن أطلقت يد الشيوعيين، أخيراً، لكتابة روايتهم عن الماضي (والتي سيتم الإشادة بها بصفتها النسخة “الديمقراطية” الحقيقية) في قسم المدينة الذي كان خاضعاً لسيطرتهم.

حيفا

يبدأ التاريخ الفعلي لكتابة نص مدينة حيفا في عشرينيات القرن العشرين، الذي ترافق مع التطور العمراني السريع وتحولها إلى مركز صناعي وتجاري لما كان سابقاً مدينة هادئة يسكنها عرباً واليهود على حد سواء، وامتلك كل منهما حجماً مماثلاً منذ أربعينيات القرن العشرين، وقبل ذلك بعقد انفصل اليهود عن العرب بشكل شبه كامل جغرافياً, فاستقر العرب في وسط المدينة، في حين أقام اليهود على سفوح الكرمل وعلى طول شاطئ خليج حيفا. كان تصميم لافتات الشوارع موحداً في المدينة، حيث يظهر الاسم باللغات الرسمية الثلاث : الإنكليزية (التي كانت لغة الحكومة الاستعمارية وتقع في الجزء العلوي من اللافتة)؛ و العربية (لغة غالبية سكان فلسطين وكانت في الوسط)، و العبرية (كلغة للأقلية وكانت في أسفل اللافتة). لم يكن هذا التسلسل الهرمي عفوياً ولا عرضياً بأي حال، بل عبّر عن الوضع النسبي للغات السائدة في فلسطين البريطانية. وبرغم هذا الوضع قدم “مضمون” النص إطارين قوميين متميزين متعارضين في سياق معين من النزاع القومي. وكانت كتابة النص لا مركزية، فلكل حي سلطة كاملة على الجزء من النص الذي “ينتمي إليه” ظاهرياً. وقد أدى هذا الفصل الإثني الواضح إلى ظهور نصين فرعيين منفصلين مكانياً: نص فرعي يهودي – صهيوني ونص فرعي عربي – فلسطيني، يمثل النص الفرعي اليهودي-الصهيوني الربع؛ أما الباقي فيمثله النص الفرعي العربي-الفلسطيني، وكل منهما يقدم الماضي القومي لمجتمعه الخاص به .

كانت القطيعة والتنافس عنوان الحوار بين النصين في السياق السياسي السائد، ولم يكن ممكناً التعايش بينهما إلا تحت مظلة الحكم البريطاني، وتجلى عدم التعايش هذا في النص ذاته عبر عدة أسماء تمثل النظام الاستعماري الحاكم. ويمكن تجسيد الخطاب البيني من خلال ثلاثة عناصر تمثيلية:

أ)”شارع هرتزل” في حيفا اليهودية

ب)”شارع صلاح الدين” في حيفا العربية

ج) “شارع الملك جورج الخامس”.

وجميعها تتعايش في نص المدينة ذاته، وتظهر جوهر الصراع والتوازن غير المستقر. فيحتفى بهرتزل؛ وهو الأب المؤسس للصهيونية، في الشوارع الرئيسية في كل مستوطنة يهودية؛ وتحتفل كل مدينة عربية تقريباً بصلاح الدين، البطل البارز في الأسطورة السياسية العربية الفلسطينية، كونه نظيراً لهرتزل، أما الملك جورج الخامس، الذي يمثل الإمبراطورية البريطانية، ويظهر اسمه على الطرق المركزية في كل مدينة فلسطينية (يهودية أو عربية على حد سواء). ويعرض كل نص فرعي جغرافيا قومية متمايزة. فالنص الفرعي اليهودي الفلسطيني يقدم فلسطين الكتابية والصهيونية، في حين يقدم النص العربي فلسطين العربية التي تتجاوز حدود فلسطين البريطانية.

إعادة كتابة نصوص المدينة: الشرط اللازم

يعد إعادة تعريف النظام الحاكم -وما يلي ذلك من إضفاء الطابع الرسمي على تمثيلاته للعالم عموماً والماضي خصوصاً- شرطاً ضرورياً لتنفيذ التغييرات في نص المدينة. وكانت عمليات إعادة التسمية في العام 1951 في برلين الشرقية وحيفا عبارة عن ظواهر محلية تتعلق بإعادة إعمار ألمانيا الشرقية في أعقاب قيام نظام الحكم الشيوعي، من جهة، وبثقافة رسمية إسرائيلية لها علاقة بالدولة القومية الإسرائيلية من جهة أخرى. وارتبطت عملية إعادة تسمية شوارع برلين الشرقية ارتباطاً وثيقاً بعمليات إعادة تسمية أخرى جرت في مدن ألمانية مختلفة بعد العام 1945، حيث تم تعديل نصوص تلك المدن وفقاً للنظام الاجتماعي والأخلاقي الجديدين -كان هذا النظام يتمثل بوضوح في الستالينية ابتداءً من العام 1948- الذي كان آخذاً في التبلور في المنطقة السوفياتية من ألمانيا المحتلة، التي أعلنت في العام 1949 باسم جمهورية ألمانيا الديمقراطية. أما حيفا فكان ذا التعديل ذو صلة بالهيمنة السياسية التي حققها الييشوف اليهودي على الجزء الأكبر من فلسطين الانتدابية، في أعقاب النصر العسكري اليهودي سنة 1948. وهنا، وجدت الهيمنة السياسية التعبير الواجب والمناسب في تشكيل الثقافة الرسمية الإسرائيلية المرتبطة مباشرة بالنظام الصهيوني القومي الذي قام في العام 1948. وارتبط جزء كبير من هذه الثقافة الناشئة في التسمية الطبوغرافية الصهيونية – العبرية، التي حلت تدريجياً محل الأسماء الطبوغرافية العربية (بخصوص أسماء الأماكن العربية، انظر: Cohen and Kliot 1981: 227—34, and 236ff )

تأسست جمهورية ألمانيا الديمقراطية في 7 تشرين أول1949، في حين تأسست دولة إسرائيل في 15 أيار1948. إلا أن هذه الأحداث سبقتها أحداث محلية ذات أهمية كبيرة تتعلق بإعادة صياغة نصوص المدينة المعنية. ففي نيسان1948، هزمت قوات “الهاغانا” اليهودية الميليشيات العربية في حيفا، وفي غضون أقل من شهر، أصبحت المدينة العربية اليهودية الفلسطينية السابقة مدينة إسرائيلية ذات أغلبية يهودية، وما كان يعد في السابق أحياء عربية أعيد الآن استيطان اليهود فيها ومن بينهم العديد من المهاجرين الجدد. في حين أن مدينة برلين انقسمت في تشرين الثاني 1948، إلى قسمين، وقام الشيوعيون، بدعم واضح و فعال من سلطات الاحتلال السوفيتي، بفصل ثماني مقاطعات شرقية (من أصل عشرين مقاطعة من القطاع السوفييتي) في برلين عن بقية المدينة، وشكلوا وحدة بلدية جديدة  دمجت في وحدة إدارية سياسية لألمانية الشرقية. وبعد عام أصبحت تعرف باسم جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

ولقي النظام الشيوعي الستاليني الجديد الذي ظهر في ألمانيا الشرقية دعماً من خلال “نظرية العالم”  الخاصة به أي (الماركسية – اللينينية) فضلاً عن سردية تتعلق بالماضي القومي الألماني. كانت نسخة الماضي لألمانية الشرقية الرسمية أممية من حيث المبدأ، فاحتضنت ماضي الحركة الثورية العالمية، لكنها كانت في الواقع نسخة قومية ألمانية، على الرغم من أنها تختلف اختلافاً كبيراً عن النسخة البديلة في ألمانيا الغربية، وبطبيعة الحال، عن النسخة النازية للماضي القومي الألماني. إلا أنها احتوت جميع هذه النسخ ضمن الإطار القومي ذاته، وكانت الاختلافات فيما بينها تتعلق بالعناصر التي تتألف من سلاسل زمنية أقل منها في تصنيفها على المستوى الإيجابي / السلبي الذي يميز جميع روايات “الماضي”. وكان الاختلاف الرئيسي بين هذه السرديات المتنافسة في تعريفها للأبطال ولأندادهم :فأبطال سردية ما ليسو أبطالا في سردية أخرى؛ والعكس.

بينما كان وضع حيفا مختلفاً تماماً، فمع قيام دولة إسرائيل، تم حل الصراع القومي في فلسطين وأصبح التصور الصهيوني لرسم خرائط  الفضاء والزمان هو المسؤول رسمياً عن تمثيل نص المدينة. كان النزاع في الواقع بين اثنين من تعيينات متنافسة لم تكن جزءً من إطار قومي واحد، كما كان الحال في برلين (باستثناء “الاستعارة” الأجنبية الناجمة عن الالتزام الدولي للنظام الشيوعي) ومن الواضح أن الصراع في فلسطين-إسرائيل هو صراع بين إطارين قوميين، وليس صراعاً بين خيارين متضمنين في إطار قومي واحد. لم تكن الخرائط القومية المتنافسة على المكان والزمان للفلسطينيين والإسرائيليين جزءً من إطار واحد: بل مثلت تاريخاً  مختلفاً لكلتا المجموعتين من حيث البنية، ولا وجود لعناصر تاريخية مشتركة (في ذلك الوقت). وكان التداخل الكبير الوحيد بين تاريخ الجماعتين يعبر عنه  بالأرض المشتركة (فالصراع بحد ذاته لم يندرج بعد في سردية “الماضي”)؛ بيد أنه من طبيعة الصراعات القومية على الأرض المشتركة ألا يكون الإقليم الجغرافي  عاملاً موحداً، بل على العكس تماماً، سوغ يمثل تجسيداً رمزياً للنزاع بأكمله بسبب المزاعم القومية المتنافسة على الأرض المشتركة. كانت الدولة القومية الإسرائيلية التي قامت في فلسطين في العام 1948 تمثل دولة يهودية صهيونية، وتمت إعادة صياغة نص المدينة البريطاني-الفلسطيني السابق وفقاً لذلك.

أعادت التحولات السياسية التي جرت في العام 1948 تعريف الهيمنة السياسية في برلين الشرقية وحيفا، ونتيجة لذلك كانت إعادة كتابة نصوص المدينة المعنية أمراً لا مفر منه. ومارس التناقض بين المحتوى الرمزي للنص والنظام الاجتماعي والأخلاقي الحاكم  سلطة أدت في نهاية المطاف إلى إعادة كتابة النص. ولم تخفت حدة الضغط إلا بتعديل نص النظام الحاكم الجديد و تمثيلاته للعالم.

ويمثل، من الناحية النظرية، النص الحالي للمدينة والتوزيع الجديد للسلطة نقطة انطلاق وتوجه عام. ويعتمد الشكل الدقيق للنص النهائي للمدينة ونمط صياغتها على عوامل مختلفة، مثل التكوين السياسي للهيئات المسؤولة، ووجود الضغوط وشدتها التي تمارس من “الأعلى” (الحكومة المركزية) أو من ” الأسفل “(السكان عموماً واللوبيات). وتمثل جميع هذه العوامل مجموعات من الأولويات والكتل والقيود والحوافز التي يمكن تعديلها؛ وترقى جميعها بتشكيل أنماط محلية  تختلف من حالة إلى أخرى. وتوفر البنية الدقيقة لمثل هذا النمط إجابات بشأن (كيفية القيام بإعادة الكتابة “التحرير الإنشائي للنص”): هل يتم ذلك بالقضاء، بشكل رئيسي على العناصر غير المرغوبة -أو إدراج عناصر مرغوبة- أم أن هذين العنصرين متساويين في الأهمية؟ هل سيكون “التحرير الإنشائي للنص” فورياً أم مؤجلاً؟ وهل سوف ينفذ دفعة واحدة أم على دفعات؟

أنماط إعادة الكتابة

1) الهدف الخاص

تمثل حالتا برلين وحيفا نمطين مختلفين من عمليات إعادة تشكيل نصوص المدينة الرئيسية. وفي الوقت الذي كان فيه المسؤولون في برلين مهتمين أساساً بمحو أجزاء النص التي تمثل نسخة غير مرغوبة من الماضي القومي، كان توجه التغييرات في حيفا يقوم أولاً على إخال عناصر تمثل النظام القومي الجديد في النص. وترمز التجديدات، بحكم طبيعتها، إلى الاحتفاء بذكرى وإزالة أخرى، وهما في الواقع وجهان لعملة واحدة. وكان هدف التغييرات الرئيسي في برلين الشرقية يتمثل في الإزالة؛ لم تكن العناصر الجديدة (أي التي تمثل الراوية الشيوعية للماضي)، التي حلت محل العناصر التي أزيلت، ذات أهمية ثانوية فقط، وإن كانت بالطبع موضع ترحيب بالغ. وفي حيفا، كان هدف العملية في العام 1951 هو تمثيل النظام القومي الجديد في النص، في حين كان القضاء على الأسماء القديمة، التي تمثل أسطورة قومية مهزومة، أمراً ضرورياً لإدراج الأسماء الجديدة.

كان هدف عملية “تطهير” برلين واضح من تنظيمها، ونفذت في أربع موجات متتالية: تم تغيير اسم ثمانية وعشرين شارعاً في 12 نيسان، وستة وعشرين في 10 أيار، وخمسة وثلاثين في 24 أيار، وتسعة وستين شارعاً في 31 أيار. وفي كل موجة مختلفة كان يتم حذف مجموعة من الأسماء ذات صلة بجانب معين من الرواية القديمة للماضي. تم توجيه الموجتين الأوليين لمحو ذكرى الأسرة البروسية الحاكمة. أما الموجة الثالثة فكانت تهدف إلى إبعاد بسمارك، الذي تم ذكر اسمه في أربع مقاطعات. وكان الهدف من الموجة الرابعة إعادة إحياء التراث العسكري البروسي الألماني الذي يمثل أسماء الجنرالات، مثل غنيسيناو، يورك، مولتكه، رون، أو أبطال الحرب مثل ريختهوفن. ومن ناحية أخرى، لم يتم اختيار الأسماء الجديدة وفقاً لأي مبدأ تنظيمي مواضيعي thematic. وكان الهدف الرئيسي للعملية برمتها “إضفاء الطابع الديمقراطي” و “نزع الطابع العسكري” عن نص المدينة؛ وأكدت الأسماء الجديدة، بطبيعتها التي لا غنى عنها، الصبغة “الديمقراطية” (بالمعنى الشيوعي للمصطلح) للنص، مما يعكس، من خلال الأبطال المحتفى بهم، المثل العليا التي تمثل المنظومة الاجتماعية والأخلاقية الحاكمة.

أما في حيفا، فقد كان الهدف الرئيسي للعملية  يتمثل في إدراج النظام القومي الجديد وأسماء أعلامه في نص المدينة. وكان تصور إعلان الدولة، في الأساطير الإسرائيلية الناشئة، بمثابة تحول ذو أهمية كونية، وفي ذات الوقت نهاية (الاستعباد القومي)، وبداية (السيادة القومية). كانت حرب الاستقلال نضالاً بطولياً، وكان النصر فيها بمثابة الشرط اللازم لإقامة النظام القومي الجديد. وتمثل العناصر الجديدة في النص الفصل الأخير من الماضي القومي، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنص الفرعي المحلي في حيفا؛ فتم الاحتفاء بالجنود الذين سقطوا من خلال اسم “شارع الأبطال”؛ وكانت قوات “الهاغانا”، التي قاتلت في المدينة لها نصيب من الاحتفالية باسم “شارع هاغانا”. حتى أن النظام القومي نفسه تمثل في نص المدينة عبر “شارع الاستقلال”. ولم تحل العناصر الجديدة محل النص اليهودي الصهيوني القائم، بل عززته وعملت على استكماله وتحديثه

ومن الواضح عدم إمكانية إدخال عناصر جديدة دون تغيير النص اليهودي – الصهيوني القائم دون محو عناصر النص غير الصهيوني في وسط مدينة حيفا. وتم التأكيد على الأهمية النسبية لعناصر النص الجديدة من خلال اختيار الطرق المركزية في الجزء العربي السابق في المدينة. وكان لابد من إزالة الملك جورج الخامس [بصفته رمزاً للحقبة الاستعمارية] وصلاح الدين، البطل البارز في الأسطورة السياسية المناهضة للصهيونية الفلسطينية؛ و لايعني محو الاسمين بالضرورة أنهما يمثلان تحدياً للنظام القومي المهيمن وأسماء أعلامه، ولكن نظراً لأن إشارتهما الحضرية كانت ضرورية للعناصر الجديدة، والتي لها أهمية قصوى للمخططين، بقيادة رئيس البلدية.

وينتج، أحياناً، عن الربط المباشر بين الاحتفاء والمحو انحرافات مثيرة للاهتمام للقيمة الرمزية للاسم: فقد يقوم الأعداء السابقون بتبادل أماكنهم على اللافتات “ليحل أحدهم محل الآخر”. وتعبر هذه الانعكاسات المتماثلة بشكل مباشر عن استبدال أسماء الأعلام بأحد المنافسين الآخرين في سياق تاريخي معين. ولا يمكن فهم وتقدير مثل هذه الانقلابات إلا من هم على دراية بالخلفية التاريخية، ولكن حتى هذا القيد لا يثني المخططين عن تنفيذ عملية الاستبدال. وحصل في مدينة حيفا انقلابين من هذا النوع: تم استبدال اسم “الملك جورج الخامس”، ممثل السلطة الاستعمارية السابقة بـ “الاستقلال”، الذي يمثل نقيضه الرمزي كما تم استبدال “صلاح الدين” باليهود المجهولين “الأبطال”، التي مكنت تضحيتهم من قيام النظام الصهيوني في فلسطين. لم يحدث مثل هذا الانقلاب في برلين الشرقية أو بالأحرى لم يتم العثور عليه، ويرجع ذلك أساساً لأن أهم أبطال الأسطورة الشيوعية قد تم بالفعل الاحتفاء بهم في النص.

2) تأجيل التغيير

ثمة أهمية كبيرة للفاصل الزمني بين إنشاء النظام الجديد (أي من منتصف؛ أو أواخر العام 1948) حتى إعادة صياغة النصوص الحضرية للمدينتين المعنيتين في ربيع العام 1951. فالتحولات السياسية لا تتبع بالضرورة على الفور بإعادة تشكيل الثقافة الرسمية، وقد تعمل تمثلات النظام القديم بصور أكثر في بعض مجال الاتصال الاجتماعي الخاضع للرقابة الرسمية بشكل أكثر من غيره من المجالات. وغالبا ما يكون الجمود الظاهر الذي يمنع التعديل بسبب قوى محددة تعمل كعوائق. وأسهل طريقة للخروج من هذا المأزق، بالطبع، الامتناع عن استثمار الطاقة والموارد المالية في تخطيط وتنفيذ التعديلات؛ غير أن هناك أسباباً إيجابية أيضاً لمنع التعديل أو تأخيره، حتى لو كانت تبدو هذه في بعض الأحيان مجرد أعذار. فما هي الأسباب أو الأعذار التي نتطبق في برلين الشرقية وحيفاTop of Form

لاشك أن

هناك فرق كبير بين هاتين الحالتين. فتأجيل التغييرات في نص برلين الشرقية أثر فقط على مكونات نسخة الماضي القديمة، في حين أدرج أبطال بارزين من النظام الحاكم في النص كعلامات مميزة ومختارة كان من بينهم إرنست ثيلمان، بطل الأسطورة السياسية الألمانية الستالينية الشيوعية (احتفي به في آب 1949)، ولينين (نيسان1950)، وستالين، الذي كان اسمه قد أطلق على الطريق الرئيسية المصممة لتصبح درب انتصار نظام ألمانيا الشرقية  وهو الشارع الشهير “الستاليني Stalinallee”، الذي أصبح “رمزاً سيء السمعة”. مثلت هذه الرموز وغيرها النظام اللينيني-الستاليني الحاكم في النص. ويبدو أن حذف أبطال ورموز النسخة السابقة للماضي القومي الأكثر إدانة  والأشد انتقاداً، يبدو أقل إلحاحاً؛ أم لعل نظام الحكم السياسي السليم هو المسؤول عن “الرقابة” الظاهرة؟

كانت برلين الشرقية استثناء بين مدن ألمانيا الشرقية الأخرى، حيث تم بالفعل تطهير النص قبل تأسيس الدولة. وكان الفرق بين برلين والمدن الأخرى هو تحميل برلين، باعتبارها العاصمة القومية السابقة، قيمة رمزية عالية نسبياً شكلت عائقاً أمام منع، أو على الأقل أجّل، تعديل النص. فالنظام، الذي يسعى إلى الاعتراف به واكتساب شرعيته، لم يكن مهتماً بتحمل عبء آخر لا داعٍ له ولا طائل منه: فمن شأن عملية استبعاد الأبطال القوميين الذين يعترف بهم الشعب من نص، إثارة رداً سلبياً وشرساً من الغرب ومن المواطنين أنفسهم أيضاً. وكان لهذا الاعتبار العملي أهمية خاصة في ذلك الوقت، عندما كان نظام ألمانيا الشرقية يبذل جهداً متضافراً لتكريس نفسه بوصفه الوصي الحقيقي على التراث القومي. وكانت برلين، باعتبارها رمزاً وطنياً، موقعاً مثيراً للجدل بشكل كبير، وهذا ما يفسر تردد النظام نسبياً في الانخراط بعملية تطهير فائقة لنص المدينة: وإذن وكشكل من أشكال البروباغاندا تم التضحية بالنقاء الإيديولوجي بهدف تحقيق عدة متطلبات سياسية عملية أكثر إلحاحاً. ولن يستطيع النظام التهرب نهائياً من الضغوط الإيديولوجية المتزايدة لتغيير نص المدينة؛ ففي العام 1950 تم “إبعاد-نفي” نصب تذكاري شهير لفريدريش الثاني (العظيم)من وسط المدينة ونقل إلى بوتسدام، مما أثار احتجاجاً غربياً ترافق مع حملة دعائية واسعة تجاوزت الأكاذيب الصارخة بأن السبب الرسمي المعلن لإزالة النصب هو الأضرار التي لحقت به خلال الحرب.

أما نص مدينة حيفا فقد بقي، من ناحية أخرى، “مجمداً” تماماً حتى ربيع العام 1951. وتمثلت عقبة التغيير في مجلس المدينة الذي رفض من حيث المبدأ  تعديل النص. وقيل إن مجلس المدينة المنتخب حديثاً هو وحده الذي يمكنه اتخذا قرار التغيير. وامتد “التجميد” المؤسسي للهيكل الرمزي لتاريخ حيفا إلى ما هو أبعد من أسماء الشوارع، حيث كانت محاضر الجمعية البلدية مكتوبة باللغتين العربية والعبرية على الرغم من مغادرة معظم العرب للمدينة في أعقاب هزيمة نيسان 1948. وفي حين أقر مجلس البلدية بالحاجة إلى إجراء تعديلات، إلا أنه رفض البدء فيها؛ وكان السبب المعلن وراء ذلك شكلياً بالأساس، وبالتالي لا يمكن اعتباره موجهاً ضد عملية إعادة الكتابة نفسها. وكان لا بد من تشكيل هيئة إدارية جديدة قبل أن يتمكن نص المدينة من التوافق مع الظروف السياسية الجديدة. وجاء الضغط لتنفيذ التغييرات اللازمة من الداخل ومن “أسفل”. فقد طلبت إدارة الشوارع في المدينة في العام 1949 توجيهات متعلقة بالشكل اللغوي الجديد للعلامات (وهذا يؤكد حقيقة أن التغييرات كانت في الواقع أمراً متوقعاً) . كتب المواطنون “المعنيون” رسائل تحث مجلس المدينة على إزالة اللغة الإنكليزية من الإشارات (لتجنب الارتباك فيما يتعلق بمعنى السيادة القومية) أو الاحتفاء بالجنود الذين سقطوا بدلاً من الأبطال العرب والبريطانيين. بل إن أحد المواطنين أعد قائمة مفصلة يشرح فيها لما يعتبره من عمليات إعادة تسمية جديدة مطلوبة. ومن المثير للاهتمام أن هذا الاقتراح لم يتوقع الإلغاء التام للنص الفرعي العربي في مشهد المدينة؛ فوفقاً لهذا الاقتراح، كان صلاح الدين لا يزال مندمجاً في نص مدينة حيفا في حال حدوث التغييرات.

إعادة التسمية أخيرا:

يجب حل أي تناقض داخلي بين نص المدينة ونظام الهيمنة عاجلاً أو آجلاً، واستعادة الانسجام . وهذا التناقض “شرط لازم” لتنفيذ تغييرات نصوص المدينة. وسوف تخضع جميع نصوص المدينة للتعديل حالما تغير الأحداث الدراماتيكية الإطار السياسي فيها. ولكن من أجل إجراء التغييرات المتوقعة في نصوص المدن، يجب التغلب على العقبات التي قد تؤخر العملية من خلال قوى أكثر صرامة. والسؤال المطروح هنا، عما يجعل إمكانية حدوث مثل هذه التعديلات المتوقعة، ممكنة في نهاية المطاف في نصين من المدينة قيد التحليل، حتى وإن تأخرت؟

كانت العقبة الوحيدة في برلين الشرقية في إحجام مجلس المدينة عن الانخراط في عملية “تطهير” شاملة؛ خشية من الأضرار المتوقعة (بتعابير البروباغاندا). حيث تقاس الأمور، بمعايير النزعة الذرائعية، بمقاييس الربح والخسارة، وغني عن القول إمكانية تجاوز هذه العقبة من خلال وعود بتحقيق مكاسب صريحة ملموسة. ومن العوامل الجديدة التي أدخلت في المعادلة كان مهرجان الشبيبة الشيوعي الثالث الذي كان مقرراً عقده في صيف العام 1951 في برلين الشرقية. وكان هذا الحدث، وهو الحدث الدولي الأول بهذا الحجم الذي سيعقد في برلين منذ انتهاء الحرب، ذو أهمية قصوى للنظام. فبالنسبة إلى نظام يشكك في شرعيته كل من سكانه في الوطن والعالم الخارجي (الذي يتشكل في الغالب من بلدان غربية)، فإن هذا الحدث يعني، في واقع الأمر، اعترافاً دولياً بالغ الأهمية، ومرغوباً بشدة. كما أنه يعني استعادة المدينة لمكانتها ومركزها الدولي، وتجسيداً لملامح التضامن الشيوعي الدولي.

كانت حسابات السلطات غاية في البساطة: اعتبر النقاء الإيديولوجي للضيوف القادمين أكثر أهمية من ردود الفعل الغاضبة في ألمانيا الغربية أو سخط السكان المحليين. ودفع اقتراب موعد المهرجان بالسلطات المحلية في المدينة إلى إضفاء “الطابع الديمقراطي” على النص. وليس من قبيل المصادفة مناقشة جوانب التحضير للمهرجان خلال الجلسة التي عقدتها بلدية برلين الشرقية والتي أعطيت فيها بالفعل “الضوء الأخضر” لإعادة التسميات. ويبين إيريش هونيكر “1980” (الذي كان رئيس منظمة الشباب الألماني الحر FDJ حينه، ثم أصبح لاحقاً رئيساً لألمانيا الديمقراطية والمضيف الرسمي والمنظم للمهرجان) في سيرته الذاتية الجهود المبذولة لإظهار ألمانيا جديدة وديمقراطية، فلا مكان لبسمارك، على سبيل المثال، في النسخة الألمانية الشرقية من ألمانيا الجديدة هذه، ولهذا أصبح من الضروري إخراجه من مكانه وإزالته من النص.

أزيلت العقبة التقنية التي أعاقت تغيير نص مدينة حيفا بانتخاب مجلس بلدي جديد في أوائل العام 1951. وعكس تشكيلها الظروف السياسية والديموغرافية الجديدة في المدينة وأدى انتخاب رئيس بلدية حيوي جديد إلى رؤية واضحة للتنمية المستقبلية للمدينة. وبعد ذلك بوقت قصير، قامت دائرة المدينة بإضفاء الطابع المركزي على جميع الإجراءات المتعلقة بتسمية الشوارع عن طريق توحيد جهودها بتعيين لجنة خاصة مهمتها وضع مبادئ توجيهية عامة وتوصيات باقتراح أسماء محددة تعتبر إلزامية. وأظهرت هذه الخطوة حقيقة حدوث تغييرات وربما عاجلاً وليس آجلاً. وكان الحافز المحدد لعملية إعادة تسمية التي أطلقت في ربيع ذلك العام هو حدثا بحد ذاته: يوم الاستقلال الإسرائيلي الثالث، الذي كان احتفالا يعم كافة أرجاء الوطن للاحتفال بالنظام القومي المؤسس حديثاً. وكان من الطبيعي ربط إعادة التسمية بتقديس الدولة القومية في ضوء الغرض من هذه التغييرات، والتي عملت على  تمثيل هذا النظام بعينه في نص المدينة.

ربط النظام القومي بنص المدينة خلق دائرة رمزية: لقد ساهمت المدينة في التقديس القومي الشامل للدولة القومية، والتي حملت بدورها، مكونات النص  الجديد بمعاني “صحيحة” يعززها السياق الزمني بإدراجها في نص المدينة.

وبدأ رئيس البلدية المنتخب حديثاً عمليات إعادة التسمية بطلب من اللجنة المعينة باقتراح أسماء جديدة؛ كما  توجّه إلى منظمة “قدماء محاربي الهاغانا”، التي  تمثل من “حرروا” حيفا في نيسان1948، لاقتراح قائمة بأسماء جديدة لإدراجها في نص المدينة. واقترحت قائمتهم، التي قدمت في اليوم التالي، أربعين اسماً جديداً -تمثل عُشْر نص المدينة الحالي. وكان التواصل من قدماء محاربي الهاغانا مجرد عمل رمزي كنوع من الامتنان. اقتنعت البلدية بخمس تسميات فقط، وكان

للأسماء المقترحة، مع الأسماء التي كان من المفترض أن تحل محلها (والتي لم يتم مناقشة أمرها حتى)، تأثير دائم وكبير على نص مدينة حيفا.

ملاحظات ختامية

تم تعديل نص برلين الشرقية بعملية تنقية وتطهير في ربيع العام 1951 تماشياً مع الرواية الشيوعية للماضي، والتي كانت موجودة بالفعل في مدن أخرى في شرق ألمانيا. ونفذت عمليات مشابهة في معظم المدن الأخرى بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، كما في مدينة لايبزغ السكسونية على سبيل المثال، حيث تم خلال النصف الثاني من العام 1945 محو أسماء معظم أبطال الجيش البروسي الألماني وإرث السلالة الحاكمة من لافتات المدينة. ومن ناحية أخرى، كانت حيفا ضمن المجموعة الأولى من المدن والبلدات الإسرائيلية التي قامت بإدراج النظام القومي الجديد، ونشأة تكوينها البطولي في نصها، وفي هذا الصدد كانت برلين الشرقية آخر من انضم إلى مثل هذا الإدراج من بين مدن وبلدات شرق ألمانية؛ رغم وضعها الخاص بصفتها عاصمة للدولة. وقد أعقب نموذج حيفا نماذج لمدن إسرائيلية أخرى، مما أدى إلى بناء نمط موحد  شامل تقريبا على المستوين القومي واللغوي.

تم تنفيذ ترتيب اللغات في لافتات الشوارع المعاد تشكيلها وتنسيقها في حيفا، كما في مدن إسرائيلية أخرى، وفقا لنمط قومي عام شامل تمثل في وضع النص العبري في الأعلى (مما يشير إلى مكانتها المهيمنة غير القابلة للجدل كلغة قومية)، في حين وضعت العربية (مع أنها لغة رسمية) والإنكليزية، وفقاً لهذا الترتيب، تحت العبرية.

محي اسم سمارك لأنه ينتمي إلى نسخة مقموعة من الماضي القومي، واستبعد صلاح الدين لأنه كان جزءً من أسطورة سياسية لجماعة قومية هزمت في صراعها مع جماعة أخرى منتصرة. بدأت حيفا في ربيع العام 1951، عملية أدت إلى تقارب بين النصين الفرعيين لما كان مدينة يهودية- عربية فيما مضى. وساد في برلين، مع استبعاد بسمارك، ( خلال فترة الانقسام القومي الألماني) تقسيم النص الواحد الموحد إلى نصين فرعيين من الماضي القومي، نص مع الغرب وآخر مع الشرق  طوال فترة التقسيم القومي لألمانيا.

…………

ملاحظات

العنوان الأصلي : The Purge of Bismarck and Saladin: The Renaming of Streets in East Berlin and Haifa, a Comparative Study in Culture-Planning

المؤلف: Maoz Azaryahu

الناشر: Poetics Today 13:2 (Summer 1992). The Porter Institute for Poetics and Semiotics. CCC 0333 -5372/92/-$-2.50.

المراجع والمطبوعات ذات الصلة

Azaryahu, Maoz

1988 “What is to be Remembered: The Struggle over Street Names, Berlin

1921 – 1930,” Tel Aviver Jahrbuch für deutsche Geschichte 18: 241—59.

1990 “Renaming the Past: Changes in ‘City-Text’ in Germany and Austria, 1945—1947,” History and Memory 2(2): 32—53.

1991 Von Wilhelmplatz zu Thälmannplatz. Politische Symbole im Öffentlichen Leben der DDR (Bleicher: Gerlingen).

Cohen, Saul B., and Nurit Kliot

1981 “Israel’s Place Names as a Reflection of Continuity and Change in Nation-Building,” Names 29(3): 227—48.

Fishman, Joshua A. 1972 Language and Nationalism (Rowley, MA: Newbury House).

Hobsbawm, Eric 1983 “Mass-Producing Traditions: Europe, 1870—1914,” in The Invention of Tradition, edited by Eric Hobsbawm and Terence Ranger (Cambridge: Cambridge University Press).

Hodge, Robert, and Gunther Kress 1988 Social Semiotics (Cambridge, UK: Polity Press).

Honecker, Erich 1980 Aus meinem Leben (East Berlin: Dietz Verlag).

Karwelat, Jrgen 1988 “Strassenbenennungen. Eine höchst brokratische Angelegenheit,” in Sackgassen. Keine Wendemöglichkeit fr Berliner Straennamen (Berlin: Nishen Verlag).

Michal, Ron, ed. 1988 The Tale of the Streets. The Story of ha-”Hagana” in Haifa (in Hebrew) (Haifa: Haifa Municipal Press).

Shils, Edward 1981 Tradition (Chicago: University of Chicago Press).

Stump, Roger W. 1988 “Toponymic Commemoration of National Figures: The Cases of Kennedy and King,” Names 36(3—4): 203—16.

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

تسمية شوارع حيفا والقدس وأم الفحم والهوية العربية الفلسطينية: تشكيل شعب في خارطة

ماعوز عزرياهو وربيكا كوك ترجمة: محمود الصباغ استهلال يقول جون بيرغر “تنشغل النزعات القومية -جميعها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *