استيطان الفضاء المكاني الفلسطيني: البنية الاستعمارية في نظم التخطيط الإسرائيلية

أورين يفتحئيل

ترجمة محمود الصباغ

استهلال

يقال؛ عندما بدأ الوفد الفلسطيني مفاوضات أوسلو، مع الإسرائيليين، أذهلهم حجم العراقيل الإسرائيلية أمام التوصل إلى تفاهم من أي نوع وبأية صيغة. فقد كانت خطتهم -كما يبدو- تقضي بجعل الفلسطينيين يغيّرون من رؤيتهم للجغرافية الفلسطينية (ليس بمعنى الجغرافيا فحسب، وإنما بمعنى الهوية أيضاً)، أي تجريدهم من “التصور المادي” لفكرة الوطن، وبالتالي تجريدهم من حقهم في “الدفاع ” عنه أو “المطالبة” به أو حتى “الانتماء” إليه. وفي الحقيقة لم تتكلف إسرائيل كثيراً لتنفيذ استراتيجيتها هذه؛ فضلاً عن عدم تقديمها أي تنازلات ذات معنى في هذا الصدد؛ وهذا يعني، من بين أمور عدة، أن العقل الصهيوني ما زال غير مستعد لقبول الفلسطيني (الإنسان والجغرافيا والمعيش اليومي وفوق كل هذا الوجودي والسياسي-الاجتماعي)، فهو، إي العقل الصهيوني، لن يقبل مشاركة الأرض مع آخرين؛ وستكون إسرائيل مهتمة فقط بإدارة الأزمة وليس حلها؛ وبالاستخدام المفرط للقوة مع الحفاظ على فارق القوة كأسلوب ردع “تأديبي انضباطي” كلاسيكي. ولن تجدي الضغوط الخجولة عليها من هنا وهناك؛ ولا مسوغات الشرط الإنساني للحياة في ثنيها عن سياستها.

يستعرض، في هذه الدراسة، الباحث الإسرائيلي ” أورن يفتحئيل” المبادئ الاستراتيجية التي قام عليها التخطيط المكاني للمشروع الصهيوني في فلسطين، وارتباطه بشخصيات صهيونية بارزة كان لها كبير الأثر على الجغرافيا السياسية والعسكرية والقانونية.  وساهمت هذه المبادئ المتنوعة (استيطان/ أمان، توسع، تمركز إثني، سيطرة/ تسويق) في تقديم إطار تجريبي عنصري فوقي لتنفيذ عملية تهويد فلسطين.

يعتمد يفتحئيل على تصورات ما بعد كولونيالية فضلاً عن مقاربات “غرامشي” و “لوفيفير” لرسم صورة هذا التخطيط كوسيط بين القوى المهيمنة والمضطهدة في صيرورة اجتماعية متواصلة لإنتاج فضاء أو مجال مكاني تترجم فيه مبادئ النظام إلى خطط ومؤسسات وخطاب/ نقاش وتغيير مكاني.ويؤكد أن هذه الصيرورة لا تعني فقط تنفيذ سياسات مكانية، أو عنصراً هاماً في مشروع “التحرير اليهودي”(بمعنى نزع الصبغة الاستعمارية عن إسرائيل) ، بل مثلت، وما زالت، أساساً حاسماً لنظام جديداً يعيد صياغة  المجتمع والفضاء؛ ويحدد العناصر الرئيسية للمواطنة، مثل السلطة والملكية، والتنقل، والحقوق.

ومن ثم، فقد شكلت استراتيجية التخطيط المكاني، في سياق الصهيونية السياسية، دعامة مركزية في النظام الإثنوقراطي الإسرائيلي (أي النظام المتمركز إثنياً.. وهو تعبير ملطف يستخدمه الباحثون الإسرائيليون لتجنب الخوض في نقاشات “عرقي” تذكهم بالسلوك النازي)، بمنح الشرعية للجغرافيا الخاضعة لمبادئ التخطيط القائمة على “الفصل [العنصري] وعدم المساواة” والذي أصبح جزءً من البنية التحتية لعملية “الأبارتيد التدريجي الزاحف”. ومن هنا سوف يتولد لدينا تصور لا نستطيع حتى من خلاله  قياس أو مشابهة فلسطين المحتلة بالسجن، فما هو ممتد على مساحة المشهد المكاني لفلسطين شيء أكبر من سجن، شيء لا يعوقه زمن، ولا يعترف أصلاً بالزمن؛ ففي حين لا يشكل قانون السجن سوى مجال معين من قانون العقوبات يقع ضمن النظام القضائي، نرى كيف تعبر كوكبة الأحكام العرفية والتشريعات القانونية وحالة الحصار.. إلخ التي تقف في وجه المشهد الفلسطيني، بصورة واضحة عن تحوله إلى فضاء مطلق لحالة الاستثناء، فهو يختلف طبوغرافياً عن فضاء أي حبس أو سجن..

لقد تحولت فلسطين وفضاؤها إلى “سردية” نكبة وتشرد ومشهد مكان ضبابي غير واضح المعالم. وطن محمول على ظهور أبناء المخيمات، صورة تعتريها الغشاوة والنوستالجيا أينما حل حاملها.

…..

المقدمة

-“أتيت للعيش هنا، بعفوية وبراءة، في مستوطنة جماعية، متجانسة، و.. نعم، يهودية. لم أسعَ لطرد أحد؛ بل رغبت العيش مع أشخاص يشبهوني. ولو انتقل عربي إلى هنا سيتبعه آخرون بكل تأكيد، وسنفقد تماثلنا ومجتمعنا وهدفنا في التواجد في هذا المكان الرائع.. يؤسفني قول ذلك.. يؤسفني القول بعدم استطاعتنا قبول العرب في مستوطنتنا في هذه المرحلة (بنينا؛ من سكان مستوطنة ركيفيت؛ رداً على التماس ضد استبعاد إقامة العرب في المستوطنة 2010)(1)

-“أين يمكنني العيش؟ في قريتي المتداعية ؟(التي يسميها الجميع غيتو أو حياً فقيراً)، قريتي التي فقدت معظم أراضيها ولاتزال “غير معترفاً بها”؟.. أين يمكنني العيش؟ في قرية عربية أخرى متهدمة؟ في مدن صغيرة دون قطعة أرض؟ مع اليهود؟ في كيبوتز منغلق؟ في عراد؟، في بئر السبع؛ أو في ديمونة؟ حيث لا مدارس عربية، ولا حتى مسجد؟ أنا مواطن من الدرجة الثالثة، كمان لو أنني داخل سجن، أسكن قرية بدوية غير معترف بها [زي أهلي، زي ولادي] (.. عطية من سكان قرية بدوية غير معترف بها: Goldberg Committee)(2)

تشير هذه الاقتباسات إلى صلة بنيوية بين الفضاء والسلطة تتجلى بأدوات تخلق بها الجغرافيا “حزماً” مختلفة من المواطنة؛ كما تلمح بأحد مستوياتها، إلى قضايا محض محلية، غير أنها تلامس، على مستوى آخر، قواماً مركزياً يلعب فيه التخطيط دور مباشر في التأثير على طبيعة النظام والمجتمع والعلاقات الإثنية، كما تجمع، أي الجغرافيا، بين وجهين من وجوه الفصل المكاني الذي أصبح طبيعة ثانية للمساحات السكنية في إسرائيل / فلسطين؛ وتبرز التناقض الصارخ لوضعية اليهودي الذي يسكن في مستوطنة مزدهرة “مجتمعية مشتركة”  (أي مجتمع ضواحي الطبقة الوسطى الغني)، بالمقارنة مع وضعية العربي البدوي الذي يسكن في قرية فقيرة غير معترف بها.

سنقوم هنا بتحري الصلات البنيوية بين الفضاء والسلطة بتحليل تأثير التخطيط المكاني على النظام القائم في إسرائيل / فلسطين منذ العام 1948، ونركز على الأنشطة التخطيطية لاثنين من أشد المخططين تأثيراً على الفضاء خلال تلك الفترة؛ وهما أرييه شارون وآرييل شارون (لا صلة قرابة بينهما رغم تشابه الأسماء). ويشار إلى التخطيط هنا كوسيط بين السلطة والفضاء، بمعنى مجال أو مساحة تترجم فيها مبادئ النظام إلى خطط ومؤسسات وخطاب/ نقاش وتغيير مكاني. ولا تجرِ عملية التخطيط في اتجاه واحد، بل تتحول إلى نطاق تبادلي

 تترجم فيه مبادئ النظام إلى عناصر تخطيط وأنماط تنمية مكانية، تترجم، بدورها، إلى بيئة مؤسسية ونظام. وبالتالي، تعمل شبكة وثائق التخطيط والخطابات والقوانين والممارسات الكثيفة كموقع ينبني عليه تطبيع وتشريع أنظمة السلطة (شكل 1). مما يوفر للتخطيط مجالاً رئيسياً لتحليل علاقته بالنظام المقام في إسرائيل / فلسطين

شكل (1) ديناميات السلطة والفضاء والنظام

وسوف يكون هدفنا التأكيد على العلاقة بين المكان/ الفضاء والسلطة،  وتثبيت بنية النظام وتشكيل المواطنة بتأثير من ديناميات الفضاء المكاني التي تشتمل على الإنتاج المتواصل لسياسات الأراضي والتخطيط والإسكان، وتوطيد الحدود، والهجرة، والاستيطان، والتنمية، والتنقل، وسهولة الوصول، والطيف الكامل من التقنيات المكانية الحكومية.

لقد تحولت، باعتقادي، الأوضاع المكانية والتخطيطية الناشئة عن السياسات الإسرائيلية المعنية بقيادة أرييه شارون وأرئيل شارون إلى مبادئ نظام مستدامة. وأسست هذه الديناميات نظاماً استعمارياً إثنياً متواصلاً يخلق صيرورة معاصرة لمنظومة “أبارتيد تدريجي زاحف”، حيث تستند الأوضاع المكانية السياسية على مبدأ “الفصل وعدم المساواة”. ويندفع التخطيط المكاني في مثل هذه الأوضاع على مسار عمليات فصل سياسي بنيوي طويلة الأجل بين السكان تأسيساً على أصلهم الإثني. وسوف نحدد، بإيجاز، بعض الخيوط التي تربط فترات مختلفة معاً ساهمت في صياغة فضاء إسرائيل / فلسطين. كما سنشير، بشكل تخطيطي، إلى فترة “شارون الأول ” \ أرييه شارون، الذي قاد مشروع إعداد أول خطة رئيسية قومية لإسرائيل، وخلق مذهب تخطيطي ذو أهمية تاريخية عميقة، وكذلك إلى فترة “شارون الثاني”\ أريئيل شارون، الذي صاغ، من خلال قيادته، معظم عمليات التخطيط الإسرائيلي منذ سبعينيات القرن الماضي وصولاً إلى السنوات الأولى من القرن الحالي. وثمة، بالطبع، اختلافات كبيرة بينهما؛ إذ يمثلان، ظاهرياً، وجهات نظر سياسية متعارضة (الأول ارتبط بحزب مبام اليساري، والثاني انتمى في البداية لحزب الليكود اليميني)، ونشط كلاهما في سياقات تاريخية وجيوسياسية مختلفة.

كان “شارون الأول” مخططاً محترفاً / مهندساً معمارياً، في حين كان الثاني جنرالاً وسياسياً. ورغم هذه الاختلافات البارزة، فهناك أوجه تشابه قوية بين النماذج المكانية التي وضعاها، واستمرار دعم تصورهما للتخطيط المكاني في إسرائيل كعنصر قوي ومستقر للنظام.

وسوف نعمل على ربط التخطيط مع أنماط المعرفة الأخرى، كالعلوم السياسية والتاريخ والنظرية الاجتماعية، لتخدم النقاش حول التأثيرات العميقة للتخطيط الإسرائيلي. وعلى هذا سنعرض بصورة أساسية حجة مفاهيمية أساسية دون الدخول في تحليلات تاريخية وإدارية وجغرافية مفصّلة، التي يتم عرضها في أماكن أخرى(3). وسوف نتبع مقاربة تفكك “الحقائق” المهيمنة التي تقدمها الأنظمة والجماعات السلطوية كجزء من “النظام الطبيعي للأشياء”، فيتم، نظرياً، استخلاص التحليل من خلال مقاربات غرامشي ولوفيفير والأفكار ما بعد الكولونيالية. وكما أظهر غرامشي؛ تستخدم “الحقيقة” المهيمنة” على نحو متواصل  رهانات “الحاجة” إلى تنمية وتطوير “المجتمع بأسره”، بيد أنها تسهّل، في الواقع، نقل السلطة والموارد إلى فئات ضيقة من الطبقات والجماعات الثقافية. ويؤطر هذا التسهيل ما يدعوه غرامشي “الواقع الصلب” الذي يرفض الخضوع لخطابات “تبييض” شرائح السلطة السائدة (Gramsci, 1971, 2004; see also Lustick, 1996). وسيكون لمقاربة لوفيفير النقدية دور مباشر هنا من حيث صلتها بالنزعة القومية كإطار يدمج عمليات التمثيل والتخطيط والعنف الضمني أثناء” إنتاج الفضاء المكاني”.

تستعرض كتابات لوفيفير المتنوعة التخطيط كنشاط يخفي تناقضاً بنيوياً استراتيجياً على طريق الهيمنة السياسية\ الرأسمالية. ويقدم التخطيط، وفقاً للوفيفير، حلقة محورية تسوّغ وتشرعن العلاقات الرأسمالية والاستغلالية، باعتماده خطاباً تنظيمياً وإصلاحياً(2009: 35-37). وعلى هذا النحو، سيكون بحثنا، تأسيساً على هذه الزوايا، جزء من طيف صغير ولكنه متنام من الأعمال النقدية التي تتحرى استخدام التخطيط المكاني كأداة للسيطرة والتنظيم وإخضاع الجماعات الأقلية، والتي غالباً ما تعرف باسم “الجانب المظلم” للتخطيط (Fenster, 2002; Flyvbjerg, 2000; Huxley, 1994; Marcuse, 1997; Thomas, 2008; Watson, 2006; Wilson, 1991; Yiftachel, 1998)..

سوف نسترشد أيضاً بأعمال عدد من المفكرين النقديين في مجالات التخطيط والدراسات العمرانية والحضرية والجغرافيا القانونية، الذين يركزون على العملية الديناميكية للتوسع والاستحواذ؛ فيصبح التخطيط المكاني، في سياقات كهذه، أداة تكريس وتطبيع وتأسيس وتشريع أنماط العلاقة الإثنوقراطية والاستعمارية بين النخبة أو الاستيطان بصورة أساسية، وتوسيع نطاق وأطر الجماعات، والأقليات الضعيفة والجماعات الأصلية(Blomley, 2003; Kedar, 2003; King, 2002; Njoh, 2002, 2007; Perara, 1998, 2002) . غير أننا لن نسعى باستعراض الملاحظات النقدية فقط، بل سنتجاوز ذلك لنساهم في عملية التحول، على أمل أن ندفع القارئ إلى فهم ضرورة تغيير النماذج المكانية التي أنشأها أرييه وأرئيل شارون للتقدم والانتقال إلى مصالحة ما بعد كولونيالية يمكن لليهود والعرب جني فوائد التخطيط الفعال والعادل والديمقراطي لتشكيل فضاءات المستقبل الإسرائيلي الفلسطيني.

تعاريف

-النظام: منظومة قانونية مؤسساتية تترجم منطق السلطة في بقعة جغرافية معينة لتحوله إلى نظام حكم وآليات تخلق أطر تنظيمية مديدة وعلاقات اجتماعية دائمة.

-التخطيط: شكل ومحتوى وتطبيق السياسة المكانية.

-الاستعمار: احتلال جماعي منظم لأرض وموارد جماعة أو دولة أخرى؛ يترافق مع إضفاء الصبغة المؤسساتية لآليات السيطرة والإخضاع التي يمارسها الطرف الأقوى على الطرف الأضعف. يمكن أن يكون الاستعمار “خارجياً” يتعدى حدود السيادة، أو “داخليا” يؤثر على المناطق الحدودية الداخلية، وسوف يكون لهذا الأخير أهمية خاصة في بحثنا، باعتماده على أنماط ونماذج فصل تمييزية، في سياق صيرورات تطوير الأراضي، ضد أقليات المناطق الحدودية، والعمل على استغلالهم وتهجيرهم. وتكون العلاقة بين المستوطنين والمطوّرين العقاريين والسكان المحليين في المنطقة مماثلةـ أي مشابهة، للعلاقة الاستعمارية بين الدول. ينتج الاستعمار الداخلي موارد وسلطة للفئات المقربة من جهاز الحكومة، بينما يستبعد في العموم السكان الأصليين المختلفين في هويتهم الإثنية أو الدينية أو العرقية.

-الإثنوقراطية: نظام حكم تقوم فيه جماعة إثنية \قومية مهيمنة بالسيطرة على البنية السياسية واستغلالها لتعزيز مصالحها السياسية والمادية والهوياتية باستخدام  تقنيات شبه ديمقراطية أو ديمقراطية بصورة جزئية.

-الأبارتيد: نظام يقوم على الفصل القسري وعدم المساواة الرسمية بين الجماعات على أساس هوياتهم الجمعية(4)

وسوف يستند تحليلنا النقدي إلى ديناميات الجغرافيا الإثنية في إسرائيل / فلسطين باعتبارها سلطة مركزية، لا سيما إطارها الفوقي الذي يشكل هذه الجغرافيا، أي دينامية تهويد الفضاء المكاني، علماً أنه غالباً ما يحدث تجاهل أو إغفال لهذه السلطة المركزية من التحليلات والتوصيفات السياسيّة أو الجغرافيّة لإسرائيل من قبل معظم السرديات الرئيسية، رغم تشكيلها البنية التحتية القوية للنظام. وبعبارة أخرى، يصوغ تهويد الفضاء الطريقة التي تترجم فيها علاقات القوة والسلطة إلى أوضاع مؤسسية وقانونية ومكانية، وبالتالي إلى واقع عميق متواصل. وساهم التخطيط الإسرائيلي، بقيادة أرييه وأرئيل شارون في هذه العملية بشكل كبير. إذ ينظر إلى تهويد الفضاء المكاني كآلية استعمارية من حيث الجوهر؛ تسيطر فيها جماعة واحدة على الفضاء وتعمل على حيازة معظم الأراضي والموارد التي هي، من حيث المبدأ، ملكاً؛ أو كانت ملكاً، لجماعة أخرى أو تسيطر عليها أو تسكنها. وهذا هو معنى التهويد في الإطار العام. غير أن الصهيونية الاستعمارية تختلف، إلى حد ما، عن معظم الحركات الاستعمارية الأخرى، بحكم تطورها كحركة تحرر ترافقت مع إنشاء وطن قومي لمجموعة مشتتة ومضطهدة من المجتمعات اليهودية. وحدث هذا، في المقام الأول، في ظل قمع وتدمير مجتمعات اليهود الأوروبيين بالتركيز على الوطن الأسطوري للشعب اليهودي، أي أرض إسرائيل، كوجهة “لعودة” اليهود بالهجرة والاستيطان فيها. وحدث تضخيم الطابع الأولي للصهيونية لخلق ملاذ آمن لليهود مع استيعاب كتل واسعة من جموع اليهود الذين طردوا من معظم دول الشرق الأوسط. وحولت هذه الخصائص الصهيونية إلى ظاهرة استعمارية معقدة ومتعددة الأوجه.

يمكننا تمييز عدد من المراحل التاريخية الرئيسية في الاستعمار اليهودي، بخصائصه التاريخية والعسكرية والأخلاقية المتنوعة. بدءً من “استعمار اللاجئين” المهاجرين والهاربين من أوروبا؛ وسيصبح هذا الاستعمار في العام 1948 عسكرياً بفضل سياسات التطهير الإثني التي أدت إلى (النكبة الفلسطينية) وأسست لاستقلال إسرائيل؛ وسوف يتواصل “الاستعمار الداخلي” حتى العام 1967؛ ليصبح حينها استعماراً سياسياً لقومية توسعية يتمدد ويحطم الحدود، ويرتبط على نحو متزايد بسرديات دينية مسيانية.  هذا وقد دخل الاستعمار (اليهودي)، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي مرحلة خامسة تتمثل في “الدمج الجائر” لتنازلات جغرافية جزئية مع علاقات مكانية جديدة، استناداً إلى تقوقع عميق للفلسطينيين (للمزيد: Yiftachel, 2006:Ch. 4; وانظر أيضاً Khamaissi, 2003; Masalha, 2000 ).

يغطي إطارنا التحليلي مساحة الاستيطان اليهودي\ الإسرائيلي، من النهر إلى البحر؛ وأي تحليل آخر للتشكيل المكاني الذي أوجده النظام الإسرائيلي سيكون غير كامل وغير موضع ثقة؛ ليس لأن إسرائيل تسيطر على الفضاء بين النهر والبحر لأكثر من 40 عاماً فحسب، ولا لأن إسرائيل ما زالت تتمتع، بعد اتفاقات أوسلو، بسيادة رسمية (وإن كانت مؤقتة) على الغالبية العظمى من الضفة الغربية فحسب، إنما لأن حوالي نصف مليون إسرائيلي، الذين هم جزء عضوي لا يتجزأ من المجتمع اليهودي \الإسرائيلي، قد استوطنوا واستقروا في مناطق من [يهودا والسامرة وغزة ]، مما أدى إلى توسيع المساحة الإسرائيلية. بالإضافة إلى مواصلة إسرائيل، في ذات الوقت، السيطرة على الجيوب الفلسطينية وقمعها بشكل مباشر أو غير مباشر – في غزة والضفة وتسيطر بإحكام أكثر [على الفلسطينيين] داخل إسرائيل نفسها.

بالنتيجة؛ لقد حدد التخطيط الاستيطاني منهجياً تصميم الفضاء الفلسطيني وأثر على العلاقات الإثنية على جانبي الخط الأخضر… بيد أن جغرافيا السيطرة السياسية  لا تتطابق في المجالات جميعها رغم الاشتراك بالمنطق الإثنوقراطي. ويستخدم النظام مجموعة تقنيات مكانية تشكلها نطاقات السلطة المقترنة بظروف جيوسياسية. وهناك عدد من الأمثلة توضح ذلك. فمثلا تعتبر غزة جيباً مضطهداً محاصراً يختلف عن الأراضي المحتلة في الضفة الغربية. وتحظى القدس اليهودية باهتمام خاص يؤثر على مدى التوسع اليهودي وتوجهه وكذلك على الجيوب والأحياء الفلسطينية والغيتوات التي أقيمت داخلها، في حين يستفيد سكانها العرب جزئيا من “مزايا” المقيمين. كما قسمت مدينة الخليل، المدينة الثانية التي يسكنها اليهود في الأراضي المحتلة، إلى مدينتين بناءً على اتفاق دولي. وأصبحت بئر السبع مساحة حضرية تؤوي مجموعة واسعة من عرب مستبعدين جزئياً يقطنون في قرى غير معترف بها “مخفية” عن أعين المخططين ومحرومة من الخدمات الأساسية. كما أن مدناً مثل بيتار عيليت، ومتيتياهو وإيمانويل تعتبر أمثلة على المدن الحريدية (الأرثوذكسية المتشددة) البعيدة عن المركز، وتربط مواقع استيطانهم في الأراضي سكانها بالهوية الهامشية الطرفية والاستعمارية. وأخيراً، تنبثق في منطقتي الجليل وشرق سهل شارون “مناطق مجتمعية” في الضواحي اليهودية، تطل، معظمها، على بلدات وقرى عربية كبيرة وتقسم الفضاء بحدة.

ويكتسي التحليل المقترح أهمية خاصة الآن في النقب والجليل والضفة الغربية، حيث يجري استعمار داخلي واسع النطاق ومكثف؛ وتعزيز مستمر للحدود الإثنية. بالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من المناطق الواقعة في وسط البلاد من عمليات مماثلة (وإن كانت أقل كثافة)، بإنشاء أحياء مجتمعية (تستخدم مثلها مثل المجتمعات المحلية لجان اختيار لفحص سكانها)، وخصخصة الأراضي وإنشاء مشاريع إسكان انتقائية، أو تحييد فعّال للسكان العرب بتحويلهم إلى سكان غيتوات، كما هو الحال في يافا والرملة واللد. ومن الممكن في الواقع أن يؤدي الاتفاق السياسي في المستقبل إلى تقسيم الأراضي السيادية الفلسطينية و”إسرائيل” بشكل مناسب، مما سيزيل تلك المناطق من التحليل، ولكن حتى ذلك الحين، ما زالت تشكل جانباً مهماً من نظام التخطيط الإسرائيلي فضلاً عن إدارتها .

ومع بداية التسعينيات؛ بدأ يتطور اتجاه جديد ليتحول إلى مشروع جيوسياسي إسرائيلي، مما أدى به للوصول إلى مرحلة خامسة جديدة، وصفتُها بـ “الدمج الجائر أو القمعي”. اللافت في هذه المرحلة، خمود النزعة التوسعية الإسرائيلية، حتى أن الدولة انسحبت جزئياً أثناء إعادة تنظيم الفضاء، غير أن هذا لايعني أو لا يشير إلى مصالحة إثنية قومية، لأنها لا تزال تقتات على اعتبارات إثنوقراطية تحكم عقلية السيطرة اليهودية على المكان ما بين النهر والبحر. وتعمل هذه الدينامية على تحويل الإثنوقراطية “الأفقية” إلى نمط “عمودي”، فيتكثف فعل الفصل والسيطرة في المناطق المتبقية تحت السيطرة اليهودية (Yiftachel, 2006:Ch.3). ويمكن ضمن هذا السياق الجيوسياسي، تحديد مجموعة من المبادئ التوجيهية باعتبارها نواة استراتيجية الفضاء المكاني التي قادها أرييه شارون وأريئيل شارون. وتترافق هذه المبادئ معاً لرسم “العمود الفقري” لمستقبل الفضاء الجماعي المشترك، حول النقاط التالية:

-الاستيطان: تكثير المستوطنات اليهودية وتوفير الأمن للفضاء اليهودي.

-التوسع : السعي المستمر للبحث عن حدود يمكن من خلالها الاستيلاء على أراضٍ جديدة.

-الأثننة: نقل الفضاء إلى اليهود وحصر الفلسطينيين في جيوب منعزلة “غيتوات” .

-السيطرة : إبقاء الفضاء تحت رقابة وسيطرة النخب السياسية والعسكرية والاقتصادية الصارمة

-التسويق :صبغ الفضاء بطابع تجاري عن طريق الخصخصة وتفكيك وإلغاء الضوابط التنظيمية.

لا تستمد هذه المبادئ من وثيقة محددة، بل من تحليل مجمل المبادرات السياسية الإسرائيلية في تطوير الفضاء المكاني بأنشطة الاستيطان المستمر، ويظهر التحليل من (شكل 2) أن الديناميات المرتبطة بمفاهيم التخطيط المكاني المتنوعة السابقة  قادت مع مرور الوقت إلى عملية “أبارتيد تدريجي زاحف”؛ بمعنى تعزيز وتثبيت حالة ” الفصل واللاتكافىء” على أساس الإثنية.

وخلق هذا الشكل من التنمية المكانية أنماطاً عميقة من الاضطرابات والمعارضة بين الجماعات الهامشية الطرفية، كما سمح أيضاً بتحرير وتسويق مساحات “مفضلة”. فإذا كان الأمر كذلك، فسوف تكون التنمية المكانية تحت إشراف “الشارونين” قد ساهمت في تقسيم المجتمع وطبقاته، ووجهت ضربة قوية لمبادئ الديمقراطية. صحيح أن جذور هذه الاستراتيجية كانت موجودة قبل عقود من ظهورهما على الساحة، أي منذ بداية حركة الكيبوتز. ولكن تكمن أهميتهما في تأسيس مفاهيم مبادئ التخطيط المكاني هذه عبر جهاز الدولة القوي، وترجما، بالتالي، مبادئ التخطيط المكاني إلى مبادئ للنظام. وتبدو الأهمية الاستراتيجية لهذه المبادئ بالنسبة للنظام الإسرائيلي شديد الوضوح حتى يومنا هذا، كما يظهرها مثالان حديثان:

-إصلاح نظام الأراضي الذي صدر في صيف العام 2009، بعد مناقشة عامة عاصفة، تضمن لأول مرة فقرة خاصة في قانون أراضي إسرائيل تسمح صراحة بتشكيل لجان اختيار في المجتمعات السكنية. وتنص المادة 104 (القسم الفرعي 20) من القانون المعدل على ما يلي: “إن منح الحيازة من قبل السلطة، في ممتلكات تقع ضمن مستوطنة مجتمعية .. سيكون مشروطا بموافقة مجتمع المستوطنة، والوكالة اليهودية لإسرائيل، أو المنظمة الصهيونية العالمية، حسب الاقتضاء”.

-ضمان الهوية اليهودية لفضاء الاستيطان في أحد الأقسام المركزية لمشروع الدستور الإسرائيلي الذي بجري مناقشته حالياً في الكنيست، ويسمح بالاستيلاء على الأراضي لصالح المستوطنات التي توجد فيها “تجمعات منفصلة” حصراً(5). وبعبارة أخرى، وعلى عكس ما هو مقبول في بلدان ديمقراطية أخرى يكفل فيها مبدأ المواطنة حرية التنقل والإقامة في كامل المساحة السيادية، تسعى إسرائيل في دستورها إلى تثبيت قدرة جماعة الأغلبية على تنظيم الفضاء ومنع جماعات الأقليات من الإقامة فيه. وبفضل [أكثر من] 60 عاماً من التخطيط الذي كرس شرعية القاعدة التمييزية في الفصل فقد باتت هذه العنصرية المكانية أمراً مفروغاً منه في إسرائيل اليوم. ومن المهم، عند هذا الحد من النقاش، توضيح هذه البيانات والقول كيف قدّم إنتاج الفضاء في إسرائيل العديد من المساهمات الإيجابية المهمة، بصورة أساسية في تعزيز المجتمع والاقتصاد اليهودي في إسرائيل.

شكل (2) عدد المستوطنات اليهودية في فلسطين/ إسرائيل حسب العقود الزمنية

رأى المشروع الصهيوني في السيطرة على الأراضي المترافقة مع عمليات التخطيط والتنمية، قضية مركزية لتعزيز السيادة اليهودية.

لنتذكر، تألفت الصهيونية أساساً من مهاجرين ولاجئين أجبروا على الفرار من أوروبا المعادية للسامية قبل الهولوكوست وبعده، ثم من دول الشرق الأوسط القمعية وتالياً من الاتحاد السوفياتي المنهار. وهكذا كان اليهود في الواقع مدفوعين نحو وطن أسطوري خلقه التخطيط الإسرائيلي. وساعد أيضاً في المجتمع اليهودي \الإسرائيلي شرائح أضعف من السكان والأطراف الجغرافية والإثنية، كما خلق في السنوات الأخيرة أشكالا أكثر ديمقراطية لعمليات صنع القرار، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني النشطة والمؤثرة (Alterman and Han, 2004). ومن المهم أيضاً رؤية نشاط السياسة المكانية الإسرائيلية في سياق سياسي تاريخي يتضمن بيئة عربية عدائية في بعض الأحيان؛ وموجات من العنف والإرهاب. وتمثل جوانب التخطيط هذه موضوع العديد من التحليلات القياسية، سواء الأكاديمية أو داخل المجتمع الإسرائيلي، في حين أن الكثير لم يحاولوا الولوج إلى التحليل النقدي-البنيوي المقدم هنا.

شارون وشارون

يتم تمثيل تأسيس الفضاء المنتشر والمنفصل برمزين -أرييه شارون وآرييل شارون- قادا صياغة الرؤية التخطيطية – الجغرافية – السياسية وترجمتها إلى لغة التنمية والاستيطان والفضاء. كان أرييه شارون مهندساً معمارياً ومخططاً ذائع الصيت؛ هاجر إلى إسرائيل في عشرينيات القرن الماضي، وهو أحد مؤسسي كيبوتس غان شموئيل. وقد عاد لاحقاً إلى أوروبا للدراسة في معهد باوهاوس Bauhaus الألماني المرموق، وبعد عودته أصبح أحد رواد التخطيط الحديث في الييشوف اليهودي (التجمعات السكانية ما قبل الدولة). وصل شارون إلى ذروة حياته المهنية، في سنوات التأسيس، عندما عُيّن من طرف مكتب رئيس الحكومة ليقود فريق خبراء عمل مهني كبير لوضع خطة وطنية لدولة إسرائيل الفتية في 1949-1952. ولا تزال خطة العام 1951 معروفة على نطاق واسع باسمه، وقد وضعت الأسس التاريخية والمؤسسية والمهنية لهيمنة التخطيط الإسرائيلي، وتشكل جزءً كبيراً من البنية التحتية المكانية لبرنامج بناء الأمة الصهيوني. استقال شارون من عمله في مكتب رئيس الوزراء في العام 1952، احتجاجاً على ما اعتبره تنفيذاً جزئياً ومشوهاً لخططه، وعاد للعمل في القطاع الخاص، حيث خطط للعديد من المشاريع المعمارية، معظمها في إسرائيل وأفريقيا.

ويُعرف أرييل شارون، بالطبع، بكونه زعيماً عسكرياً وسياسياً؛ أصبح رئيس لوزراء إسرائيل في أوائل القرن الحادي والعشرين. كان أرييل شارون أيضاً مخططاً مكانياً مؤثراً للغاية، منذ أن كان جنرالاً، عندما غيّر وجه وواقع مخيمات اللاجئين في غزة إلى شروط تسمح بسيطرة إسرائيلية أفضل. وتضمنت أنشطته مساعٍ تخطيطية لم تتركز في وثيقة واحدة، غير أنها تسببت في سلسلة من التغييرات المكانية بالغة الأهمية (Weizman, 2006). كان شارون، من نواح كثيرة، الشخصية الرائدة التي دفعت الاستيطان اليهودي للتقدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ووقف وراء خطة بناء المستوطنات على رؤوس التلال (ميتسبيم mitzpim) في الجليل، وكذلك مخطط كوخافيم Kochavim Plan على طول الخط الأخضر في وسط البلاد. وفي التسعينيات، بدأ في تعزيز سياسات خصخصة الأراضي في إسرائيل، وبصفته رئيس الوزراء كان مسؤولاً عن فك الارتباط الذي تم فيه إخلاء وتدمير 21 مستوطنة يهودية، خاصة في غزة. في الوقت نفسه، قاد مشروع “الحاجز الأمني” (سور، جدار) واستمرار الاستيطان المتسارع في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالإضافة إلى كونه وراء خطة تجميع البلدات البدوية بالقوة في النقب وتأسيس مزارع يهودية خاصة في الجنوب. وهكذا، كان شارون الثاني ناشطاً في سياق جيوسياسي مختلف عما كان عليه شارون الأول، حيث إن الأمة الصهيونية قد تأسست فعلياً ضمن دولة معترف بها، ويقع تحت سيطرتها أراضٍ فلسطينية محتلة يستوطنها مئات الآلاف من اليهود.

تسلل منطق الاستراتيجية المكانية والأدوات المنبثقة عنها التي وجهها أرييه شارون وأرئيل شارون إلى العديد من المجالات الأخرى غير التخطيطية في الحياة الاجتماعية، مثل التوظيف والأنظمة التعليمية واللغة والثقافة الشعبية وسوق العقارات والاتصالات. ويبدو هذا المنطق مختلفاً نوعاً ما، لكن مبادئ الاستيطان، والتهويد، والقيود، والفصل، والتسويق والخصخصة مؤخراً، تظهر باستمرار كنقاط مرجعية في الخطاب العام بصفتها عوامل رئيسية في تشكيل المجتمع، وتخلق حدوداً إثنية واجتماعية يومية تنشأ من وجهة النظر التي تشعها الفضاءات الشارونية على النحو المبين أدناه.

يمثل أرييه وأريئيل شارون قمة الجبل الجليدي المنهجي لمعنى الهيمنة المكانية القوية والمتعددة الأوجه، والتي تشمل القوات المسلحة، وقوانين الأراضي، وآليات التخطيط ومجموعة متنوعة من المؤسسات والشركات المالية والتجارية وتنظيم المشاريع. ويجب ملاحظة دورهما كمحفزين لطرح رؤية تخطيطية. وكما ذكرنا سابقاً، كانت هناك اختلافات جوهرية بينهما -خلافات سياسية بشكل أساسي، فضلاً عن اختلافات في موقفهما العام. كانت أنشطة أرييه شارون تستند على أسس مهنية بالدرجة الأولى، بينما تحول أرييل شارون من كونه جنرالاً إلى زعيم سياسي.

نشط أرييه شارون، الذي ينتمي إلى اليسار، داخل حدود السيادة الإسرائيلية فقط، بينما انتهك أرييل شارون تلك الحدود وقام بسلسلة من الأنشطة المخالفة للقانون الدولي. قاد كلاهما، رغم هذه الاختلافات، استراتيجية استعمارية مكانية متشابهة تماماً في تهويد الفضاء وتشكيل نظام تطوير حديث وجيد التخطيط، والمساهمة، بالتوازي مع ذلك، في نزع الطابع العربي ضمن نطاقات واسعة لمحو الماضي الفلسطيني والسيطرة على الموارد العربية ونقلها إلى اليهود كلما أمكن ذلك.

شارون الأول

نُشرت أول خطة هيكلية وطنية، برئاسة أرييه شارون، في العام 1951 تحت عنوان “الخطة المادية لإسرائيل”؛ سرعان ما تحولت لأسس بناء نظام إثنوقراطي إسرائيلي، حيث تتعامل الخطة بصورة مفصلة مع مسألة تهويد الدولة ومأسستها؛ ومنح شرعية سياسية لاستيطان وتطوير التخوم الداخلية. تم تنفيذ الخطة بشكل أساسي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ونتج عنها تأسيس أكثر من 400 مستوطنة يهودية ريفية وحوالي 30 مدينة جديدة أو مجددة. سعت هذه العقيدة التي وضعها وطوّرها أرييه شارون إلى تحقيق أهداف جغرافية وسياسية وأمنية بتعميم سياسة مكانية كان على رأس أجندتها استيطان الأرض وشغلها بالسكان بالتوازي مع تحديث منظومة الاستيطان. واستخدمت، لتحقيق هذه الأهداف، مقاربة المكان “المبعثر” والتي تعني قيام “أكبر عدد ممكن من المستوطنات على أكبر قدر ممكن من الأرض” وإعطاء الأولوية لإنشاء مستوطنات جديدة على حساب دعم المستوطنات القائمة؛ ومنح الأسبقية للمباني الجديدة على حساب ترميم أو الحفاظ على تقاليد البناء القديم ضمن إطار يعطي الأولوية للجمهور على حساب تفضيلات خاصة (Shachar, 1998)، وهكذا وضعت خطة أرييه شارون تصوراً لإسرائيل بعدد سكان يصل إلى نحو 2.65 مليون نسمة، وهو الهدف الذي تم تحقيقه في وقت مبكر من العام 1966. تم إعداد خطة شارون الأول برعاية مباشرة من أول رئيس وزراء إسرائيل، دافيد بن غوريون، الذي اعتبرها جزءً عضوياً من عملية فرض الحكم اليهودي على المناطق المتنازع عليها وجزءً من المشروع الصهيوني لبناء الأمة. وسوف نرى لاحقاً أن هذا التصور كان جزء من أنشطة شارون الثاني.

وكان بن غوريون قد وضع، في السنوات الأولى من عمر الدولة فريق التخطيط ضمن طاقم مكتب رئيس الوزراء ومنحه موارداً واسعة لإعداد وتنفيذ الخطة بسبب أهميتها الاستراتيجية؛ ويمكن رؤية المقاربة المكانية والدفاعية لدى بن غوريون في خطاب له يعود للعام 1948: “لا يقتصر أمن الدولة على القوات المسلحة وحدها. سوف يحدد أسلوبنا الاستيطاني أمن الدولة بما لا يقل عن إنشاء الجيش. إن تأسيس مستوطنات زراعية كثيفة على طول الحدود -قيام  سلسلة منها في الشمال وعلى الساحل وعلى طول نهر الأردن وفي النقب- هو وحده الذي سيعمل كدرع موثوق لأمن البلاد من الهجمات الخارجية، ما سوف يحمينا ليس حصون حجرية بكماء، بل جدار بشري حي وعامل ومنتج يمكنه حماية حدود بلدنا؛ وهو الجدار الوحيد الذي لا يمكن أن تردعه أو تؤذيه نيران العدو مهما بلغت قوتها (مذكور في Tzfadia, 2009b:47).

ترجم شارون وفريق عمله هذا الموقف الاستراتيجي إلى أدوات عملية، بالاعتماد على أسلوب تطوير المناطق وفقاً للتصورات والنظريات الأوروبية بطريقة مباشرة وغير مباشرة، بما في ذلك نظرية المكان المركزي للجغرافي الألماني والتر كريستاللير ومفهوم غاردن سيتي التي طورها المفكر البريطاني، إيبينيزر هوارد. فقسمت الخطة البلاد إلى 27 منطقة تطوير من المقرر لها تحقيق استقلالية اقتصادية، كما  مثلت رمزاً لمركزية التخطيط “من الأعلى” بطريقة بلشفية تقريباً (Efrat, 2005)، وحددت أحجاماً ومواقع دقيقة لمئات المستوطنات، بما في ذلك عشرات من المدن الجديدة (سميت في النهاية “مدن التطوير”)، وتحديد مدينة بئر السبع كعاصمة للنقب ومركز للتنمية المكثفة. كما طورت أنظمة البنية التحتية الوطنية، كالتخطيط الواسع لنظام المياه، الذي أصبح أساساً لبناء ناقل المياه الوطني، ومراكز التطوير والتوظيف، بما في ذلك ميناء أشدود، ومعظم المحميات الطبيعية والمواقع والمشاهد المكانية في إسرائيل. وتظهر أهداف شارون الأساسية -التخطيط الموجّه والتسلسل الهرمي للمستوطنات المتفرقة- في مقدمة الخطة؛ إذ يجب أن يستند كل التخطيط المادي الذي يحدد الاستخدام المقصود للمناطق في الدولة ويشكل صورتها المكانية على أساس اقتصادي واجتماعي وعوامل الأمن القومي. وأول شرط لنجاحها يعني تنظيم وتنسيق ودمج هذه العوامل في التخطيط الذي يجب أن تتبعه التطوير (Sharon, 1951:5). وسيترتب عن غياب مثل هذه السياسة، أن تقود القوة الاقتصادية الطبيعية السكان إلى مسار مقاومة أقل باتجاه المراكز الكبيرة الموجودة -مما يترك مساحات شاسعة من الأرض شاغرة من السكان والمشاريع (Sharon, 1951:8).

حددت الخطة مبادئ التوسع السكاني، مع التركيز على تطوير الحدود وامتصاص الهجرة اليهودية. كما عملت على تصحيح ما أطلق عليه “التشويه الاستعماري”؛ أي تركيز السكان في ثلاث مدن كبيرة، حيث كان 82 ٪ من السكان في ذلك الوقت يعيشون على طول الساحل. وتجدر الإشارة، إلى أن هذا “التشويه” و”الفراغ” في المحيط الطرفي نتجا بالطبع عن طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين خلال [حرب الاستقلال]، والتدمير المنهجي لأكثر من 400 قرية زراعية، ومنع عودة سكانها إلى داخل الحدود الإسرائيلية (النكبة الفلسطينية). بعبارة أخرى، إسرائيل هي المسؤولة عن هذا “التشويه” الجغرافي، الذي تسعى الآن إلى “تصحيحه” من خلال خطة شارون. وتتجاهل الخطة وتفسيراتها العديدة هذه الأسباب المكانية والتاريخية تماماً.

وتوضح الأشكال 3 (1، 2، 3)، في هذا السياق ثلاث خرائط تمثيلية من خطة شارون نلاحظ فيها، كمثال، عدم ظهور التجمعات الفلسطينية التي بقيت في إسرائيل، حتى على الخريطة التي تصف التجمعات السكانية الموجودة في إسرائيل حالياً. بالإضافة إلى ذلك، تم تخطيط تأسيس مدن يهودية جديدة في بعض الأحيان في مواقع مدن فلسطينية مدمرة، مع ظهور اسم المدينة الجديدة فوق القديمة، في عملية مسح وتدمير واستبدال واضحة. ولم تكن عمليات المحو هذه، بالطبع، عرضية وتشهد على الطبيعة الإثنوقراطية للتخطيط الإسرائيلي في ذلك الوقت. كما سعت الخطة إلى إصلاح “التشويه” من خلال الاستيطان اليهودي المتسارع وفقاً لنظام المناطق حول المدن المركزية، وخاصة في الشمال، وفي سهل شفيلة، وممر القدس، وفي النقب.

شكل 3-1 مخطط مدينة بيتشان (على أنقاض مدينة بيسان)

شكل 3-2 مخطط مغدال غاد ، عسقلان ( على أنقاض مدينة المجدل)

شكل 3-3 الكثافة السكانية 1951

كان للخطة الوطنية الشاملة الوطنية وموقعها في مكتب رئيس الوزراء، تداعيات هائلة على التخطيط المكاني. وأدت هذه الخطوة إلى خلق ثقافة تخطيط واستيطان كاملة، عبرت، من ناحية، عن تطوير لغة مهنية سياسية يمكن رؤيتها في المصطلحات العبرية الحديثة التالية:

  • هيتياشفوت Hityashvut – “مستوطنة”- وتشمل حصراً البلدات يهودية فقط.
  • هيتياشفوت عوفيديت Hityashvut Ovedet – “مستوطنة عمالية” وتشمل المستوطنات اليهودية من أنواع معينة.
  • هاغشاما Hagshama – الوفاء، تحقيق / تنفيذ – وتشير إلى الاستيطان اليهودي في المناطق الطرفية والهامشية.
  • بليشا لكركاوت هامدينا Plisha l’Karkaot HaMedina – غزو أراضي الدولة – تعني تقريباً محاولات العرب الاستيطان.
  • بتسور أوحلوسياPizur Ochlusiya – “تشتت السكان” يعني تشتت اليهود.
  • فتوح هغليل في هنيغيف Pituach HaGalil vehaNegev – تطوير الجليل والنقب وإنشاء مستوطنات يهودية ونقل الموارد إلى المناطق اليهودية الهامشية.
  • أوحلوسيا حاتساكا Ochlusiya Chazaka – “عدد السكان القوي” وتعني في العموم اليهود المتعلمين.

الأهم من ذلك، تعيين شارون الأول، على الأقل من الناحية الإعلامية، كأحد رموز مدرسة التخطيط الاشتراكية، حيث تبنى نظريات ونماذج بريطانية وألمانية وروسية، فضلاً عن بنية خطاب العدالة التاريخية والاجتماعية، عبرت عنها نماذج غربية، مثل استراتيجية غاردن سيتي، والتوازن المناطق الإقليمية، واللامركزية، وتطوير المناطق الطرفية، وقيود النمو المفروضة على المدن الكبيرة. وتعتبر فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي “العصر الذهبي” للتخطيط في العالم، بسبب التنمية الواسعة بعد الحرب واعتماد النهج الكينزي، الذي يرى الدولة كوكيل مستنير لتشكيل المجتمع والاقتصاد. وتلقى آرييه شارون الكثير من الثناء من قبل المخططين والنقاد والباحثين، لاعتماده الاسمي لمبادئ التخطيط الاشتراكي الغربي وعلاقاته باليسار الصهيوني، (على سبيل المثال، Carmon, 1998; E. Efrat, 1998; Z. Efrat, 2005; Hershkowitz, 2008; Mazor, 1997; Shachar, 1998).

ولكننا نصاب هنا في بعض الحيرة. إذ يبدو أن النظريات استوردت إلى إسرائيل كـ “أوعية” فارغة من محتواها الاشتراكي والديمقراطي. ويبدو أن تبني النماذج لم يكن من أجل التنمية الحقيقية للمنطقة خدمةً لسكانها، كما كان مقصوداً في الأصل، وإنما للمساعدة في عملية تهويد المناطق التي كان يسكنها أو يزرعها الفلسطينيون سابقاً. بعبارة أخرى، استخدمت خطة شارون التخطيط والخطاب الاشتراكي لنشر وإضفاء الشرعية على التحول السكاني القسري من العرب إلى اليهود؛ في المناطق المتنازع عليها. بالإضافة إلى ذلك، وخلافاً للنماذج الأوروبية المستوردة، كان اليهود الذين استقروا في المناطق الحدودية في الغالب من المهاجرين أو اللاجئين المحرومين من العالم الإسلامي، وبالتالي أصبحت عملية الاستيطان شكلاً من أشكال التهميش المعدة مسبقاً، مما تسبب في إقصاء وعزل عدد كبير من السكان عن المراكز الاجتماعية والجغرافية في إسرائيل، وليس تحقيق التحرر والتطوير والتحديث، كما ادعت خطة شارون للعام 1951 (Shenhav, 2003; Yiftachel and Tzfadia, 2008).

وكما ذكرنا سابقاً، تأسس هذا النظام المكاني عن طريق الفصل الأولي بين أنواع المستوطنات اليهودية، خاصة بين المستوطنين الأوروبيين (الأشكناز) والمستوطنين الشرقيين (المزراحيم) الذين تم تعيينهم إلى حد كبير في مناطق مختلفة. ثم المحافظة على النظام عبر مؤسسة رئيسية من مؤسسات منظومة التخطيط الإسرائيلي ترتبط مباشرة بطبيعة الفضاء الشاروني لاستراتيجية مبادئ التخطيط المكاني-أي لجنة الاختيار (Va’adat Kabala) العاملة في مئات المستوطنات اليهودية لفحص السكان المحتملين والتأكد من أن الأشخاص “المناسبين” هم فقط من يمكنهم السكن في المنطقة. وغني عن القول تسبب هذا الأمر ليس في انفصال عميق بين العرب واليهود فحسب، بل أدى أيضاً إلى أنماط مميزة من الفصل بين الأجيال بين الطبقات الإثنية اليهودية (Blank, 2006; Ziv and Shamir, 2003). كما عمل استيراد أنماط التخطيط الأوروبي، في مواجهة هذه السياقات الإسرائيلية / الفلسطينية والتمثيل الرسمي للمؤسسة الإسرائيلية، على إضفاء الشرعية على خطة “حديثة” و”متطورة” أدت في الواقع إلى خلق أشكال الكولونيالية الداخلية، ومنح الشرعية لاستراتيجية مبادئ التخطيط المكاني إلى جانب ما بترتب عليها.

شارون الثاني

بنى شارون آرييل في أنشطته لنطاق التخطيط السياسي على مقاربة آرييه شارون المكانية، وعمّقها على مر السنين من خلال التوزيع المكاني المكثف للقوى العسكرية وقوى السوق وتوسعها. فعزز العمليات الاستعمارية الداخلية والخارجية التي خلقت خريطة مثيرة للجدل لإسرائيل / فلسطين الشكل (4) توضح فعالية تهويد الفضاء: فتم تقييد وحصر الفلسطينيين، الذين يشكلون الآن 46٪ من السكان في المنطقة ما بين النهر والبحر؛ في جيوب منفصلة تغطي نحو 14٪ فقط من مساحة تلك المنطقة. ويتضح هذا الأمر أكثر داخل الخط الأخضر؛ حيث يشكل الفلسطينيون 18٪ من مجوع مواطني إسرائيل، لكن المساحة الواقعة تحت سيطرتهم أقل من 3٪ وهم ممنوعون فعلياً من الاستيطان في حوالي 80٪ من مساحة بلادهم(6). علماً أن اليهود امتلكوا قبل العام 1948؛ 1.4 مليون دونم فقط، أو 7٪، من الأراضي في فلسطين الانتدابية، بينما كان في حوزة الفلسطينيين خمسة أضعاف هذا الرقم (Fischbach, 2003). وعكست عملية التهويد، من نواحٍ عديدة، نظام السيطرة على الأراضي قبل العام 1948، بنزع ممتلكات الفلسطينيين على نطاق واسع، وفقاً لاستراتيجية مبادئ التخطيط المكاني الشارونية.

ومن الواضح غلبة وتعقيد إرث شارون الثاني أكثر مما تركه شارون الأول، لا سيما لجهة تعميق وتعديل ثلاثة مبادئ من استراتيجية التخطيط المكاني التي أشرنا إليها في البداية؛ وهي: جغرافية المستوطنات؛ أمن الفضاء المكاني وعسكرته؛ والخصخصة. وفي الوقت الذي ساهم فيه نموذج شارون الأول بإنشاء “مورفولوجيا استيطانية مبعثرة” للفضاء اليهودي من خلال الاستيطان الموسع والفصل الإثني. قام شارون الثاني بتكثيف هذه العملية ليس فقط بالاستيطان في المناطق الشاغرة، بل بتوسيع الاستيطان في قلب المناطق العربية المأهولة على جانبي الخط الأخضر، وأضاف أيضاً بُعداً رأسياً إلى هذه المورفولوجيا؛ أي استيطان اليهود “فوق” العرب (Azoulay and Ophir, 2008; Efrat, 2002; Gordon, 2008; Weizman, 2007). بمعنى آخر، خلق استمرارية إثنية مكانية بتحويل المورفولوجيا المبعثرة إلى طوبولوجيا ثلاثية الأبعاد [تضاريس]، مثل بناء مستوطنات على قمم التلال في الجليل والضفة الغربية، وسوف تؤكد هذه الاستمرارية الإثنية المكانية على توحيد الفضاء اليهودي على كلا جانبي الخط الأخضر.

الشكل 4: الجغرافيا الإثنية في إسرائيل / فلسطين، 2009

خلقت هذه العمليات توغلاً جغرافياً قسرياً للجماعة السكانية المتوسعة في فضاء جماعة السكان الأصلية، الذي ما انفك يتقلص، مع المحافظة المستمرة على منظومة الأبارتيد. وقد حدث هذا أساساً في السبعينيات والثمانينيات، عندما تحوّلت جهود التخطيط نحو الأراضي المحتلة بإنشاء حوالي 140 مستوطنة “قانونية”، وفي وقت لاحق، حوالي 100 “بؤرة استيطانية” (مستوطنات دون موافقة تخطيطية)(7). وتسارع هذا النهج من نطاق عمليات الاستعمار الخارجية، حيث أدى تخطيط الاستيطان إلى زيادة “النزعة الإثنية” للجماعات الإثنية، وإنشاء حدود للهوية بينها تخضع لمنطق تاريخي بيولوجي لا يمكن تجاوزه. وخلق الاستيطان الواسع الذي خطط له أرييل شارون للمناطق أساساً جغرافياً مكانياً -إثنياً وقانونياً لنظام الفصل العنصري/ الأبارتيد، حيث عزلت الفضاءات الإثنية تماماً وخلقت بينها تراتبية واضحة. وانتعش الخطاب الديني الداعم للاستعمار، فانضمت المستوطنات اليهودية إلى المواقع الكتابية المنتشرة في الضفة الغربية، وبرزت ظاهرة تقديس “أرض إسرائيل الكاملة” كأرض وعد يقتصر على اليهود. ويجب الانتباه، في هذا السياق، إلى تحول الخطاب الديني ليصبح محورياً أيضاً لدى الفلسطينين في إطار معارضتهم للاستعمار الإسرائيلي؛ وسوف يؤكد الخطاب الفلسطيني الحديث على مركزية فلسطين كوقف إسلامي، وعلى القدس كعاصمة فلسطينية مستقبلية، فضلاً عن كونها مركزاً مقدساً للعالم الإسلامي يقع حالياً في قبضة اليهود “الكفار”.

وجدت حركة الاستيطان، بفضل تأثير وتشجيع أرييل شارون، تعبيرها أيضاً داخل الخط الأخضر، عبر الزخم الاستيطاني الذي شحذ الحدود الإثنية. وهذا ما حدث في مشروع “تهويد الجليل” في أواخر السبعينيات، حيث أقيمت 60 مستوطنة على قمم التلال. كما تأسس، في ذات الوقت، 20 مستوطنة صغيرة في النقب، يقع بعضها على أراض يطالب بها السكان العرب المحليون، كما أنشأ، مؤخراً، حوالي 50 “مزرعة خاصة” هناك. وهكذا، “انتشر” مئات الآلاف من اليهود في قلب المناطق العربية، مما خلق وجود واضح “منفصل ومتفاوت” وغير متساوٍ في النقب والجليل. ويمكن هنا الكشف عن فعل كلاسيكي من أعمال الاستعمار الذي يخلق أوضاعاً طويلة الأمد من الفصل العرقي العنصري وعدم المساواة، مما يؤدي عمداً إلى إثارة الاحتكاك.

أما المبدأ الثاني الذي قدمه آرييل شارون فكان “إضفاء الطابع الأمني على التخطيط أو تأمين التخطيط”. مستنداً بذلك إلى مصطلح كارل فون كلاوزفيتز الشهير، “الحرب استمرار للسياسة لكن بوسائل أخرى”، لتصبح في الفضاء الشاروني، “التخطيط استمرار للحرب لكن بوسائل أخرى”.

تبدأ عملية التوسع والهيمنة عموماً بالاحتلال العسكري، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد، بل تستمر عند تأسيس الترتيبات الجغرافي الجديدة وشرعنتها، ووضع التخطيط كأساس مركزي للتنظيم والتنسيق والسيطرة، وغالباً ما تستخدم الأسباب الأمنية لشرعنة وضعها المكاني غير المتكافئ. وقد أصبح الأمن، في حقبة شارون الثاني، ركيزة أساسية لمشروع التخطيط الإسرائيلي، فوفر منطقاً عميقاً لاستراتيجياته المكانية، حيث يتبع التحصين المدني، في أحيان كثيرة، الفترة الأولية من السيطرة العسكرية (Weizman, 2006).

وفي الواقع، استوحيت العديد من الاعتبارات التخطيطية خلال الفترتين، وخاصة الثانية، من التفكير الأمني- العسكري، كما يتبين ذلك من خطاب التخطيط الذي يتضمن عبارات شديدة التكرار: “الحدود”، التهديدات (الديمغرافية أو المكانية)، “المناطق العازلة”، “الأسافين”، “السيطرة على الشرايين الرئيسية [طرق المواصلات الرئيسية]”، “النقاط الاستراتيجية”، “حماية الأراضي الوطنية”، “الغزو”، “الاختراق”، و”البؤر الاستيطانية” (لمزيد من التفاصيل، انظر Tzfadia, 2009a). من اللافت استخدام مثل هذه اللغة في معظم الخطط الخاصة بالمناطق الحدودية، كما هو الحال في التعاون النشط بين سلطات التخطيط مع الجهاز العسكري(8). وهكذا، أصبح التخطيط جزءً من النظام العسكري، سواء في أشكال واضحة أو كامنة كما هو حال أكثر من 40% من الأراضي في إسرائيل اليوم التي يستخدمها الجيش بشكل مباشر (Oren and Regev, 2008). وتشرف الحكومة العسكرية (من خلال “إدارتها المدنية”) على جميع أنشطة التخطيط في المنطقة “ج” من الضفة الغربية، وطوّر  مجلس الأمن القومي استراتيجية التخطيط الحكومية الحالية للتعامل مع البدو في النقب.

وبشكل أكثر دقة، يتم تعزيز عسكرة التخطيط بشبكات غنية ومتنوعة من  صلات تربط سلطات الأمن والتخطيط معاً- مثل مشاركة العديد من الضباط العسكريين في مجالس التخطيط؛ والخطاب العام الذي يربط باستمرار الفضاء بالمخاوف الأمنية؛ والمراقبة المستمرة للمساحات العامة (الحدائق ومراكز التسوق ومباني المكاتب والحرم الجامعي والمصانع) من قبل شركات الأمن؛ وإخضاع مخطط التخطيط لـ”الاحتياجات الأمنية” التي تحددها مؤسسة الدفاع نفسها، دون أي نظام مهم للضوابط والتوازنات.

وتكون المؤسسة المركزية التي تترجم الاعتبارات العسكرية إلى خطط مكانية هي “لجان التثبيت الأمني” المنتشرة في كل منطقة إسرائيلية. وبموجب المادة 6 من قانون التخطيط والبناء الإسرائيلي، تضم هذه اللجان المكونة من ثلاثة أشخاص: اثنان من الأجهزة الأمنية ومخطط واحد من المنطقة. ويتمتع هؤلاء بسلطة القانون لاتخاذ قرارات تخطيطية كبرى بشأن “المنشآت العسكرية” بالمعنى الأوسع. وتعمل اللجان بسرية تامة، دون رقابة عامة أو تدقيق؛ ولا تحتاج إلى طلب تنسيق مع جهات أخرى، بل لا تتم حتى الإشارة لعملية التخطيط المدني المفتوحة (Oren and Regev, 2008).

غير أن هناك قوى أخرى غير الجيش تعمل في الفضاء الإسرائيلي/الفلسطيني. ففي التسعينيات، وصل محور التخطيط الذي اتبعه أرئيل شارون إلى شعبتين استراتيجيتين استمرا في النمو بشكل متوازٍ (الشكل 5). ويمكن وصف الشعبة الأولى بـ “تسويق” موارد الأراضي على المستوى الوطني وإخضاع التخطيط لاعتبارات وأرباح المستثمرين المحليين من الطبقات الوسطى في الضواحي. وتشير الثانية إلى رأس المال التجاري -الإسرائيلي أو الدولي- للتطوير والاستثمار العقاري الواسع. وأدت هذه الاستراتيجية إلى اعتماد أجندة توسع حضري وخصخصة وتكثيف حضري، ما فتأ يتقدم لها نظام التخطيط منذ ذلك الحين. وتؤكد هذه الأجندة على الجانب الطبقي من مضامين أرئيل شارون التخطيطية. وفي ذات الوقت تحقيق “الأهداف الوطنية” -مثل انتشار و”بعثرة” المستوطنات اليهودية في يهودا والسامرة وغزة؛ لإسكان موجة الهجرة الهائلة القادمة من الاتحاد السوفيتي وإثيوبيا- شجع أرييل شارون على خصخصة وعمران المناطق الحضرية الريفية القريبة من المدن. وتنقل هذه العملية الكثير من الموارد العامة إلى المجموعات الأكثر تماسكاً داخل المجتمع بالدرجة الأولى؛ أي اليهود الإشكناز؛ من يسيطرون على موارد الأراضي منذ الخمسينيات (انظر أيضاً Kedar and Yiftachel, 2006).

قاد أرئيل شارون، في ذات الوقت، بناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في الأطراف النائية لإيواء موجة المهاجرين، ومنح ضمانات حكومية سخية للمطورين العقاريين. وهكذا، أبعد شارون المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق (الروس) عن مراكز السلطة والموارد في المجتمع الإسرائيلي بطريقة مشابهة لإنشاء مدن التطوير في الخمسينيات؛ وبهذا يواصل العمل بأجندة أرييه شارون حيث سيجد المهاجرون المحرومون أنفسهم على الهامش محرومون -إلا ما ندر- من فرص الهروب من وضعهم. وفي أماكن أخرى، أُطلق على هذه الديناميكية اسم “عملية الحدود”، حيث تقوم الدولة بتعبئة الموارد والسكان للأطراف من خلال بنائها كحدود وطنية مجيدة. غير أنها  ستتخلى عن تقديم الاستثمار والأولوية بمجرد تهويدها، مما يخلق ظروفاً محيطية جغرافية واجتماعية واقتصادية (Yiftachel and Tzfadia, 2008;انظر أيضاً Hasson, 1991). ومن خلال هذه العملية، منح أرييل شارون امتيازات كبيرة لملاك الأراضي والمطورين العقاريين، يمنحهم فرصة تطوير وحدات سكنية صغيرة ورخيصة بسرعة ودون أي مخاطر مالية تقريباً.

وخلال الفترة 1991-1996، بدأت الدولة أيضاً عملية تخطيط سريعة للتنمية الطرفية، تجاوزت مشاريع الإسكان الجديدة عبر العديد من لوائح وقيود التخطيط (Tzfadia and Yiftachel, 2004). وأدت هذه الخطوات إلى تعزيز مكانة رأس المال في عملية التخطيط إلى حد كبير، مع خلق فجوات طبقية اجتماعية غير مسبوقة في المجتمع الإسرائيلي (Adva Center for Social Equality, 2009). أما الفرع الثاني من استراتيجيات أريئيل شارون المكانية فقد تحرك في اتجاه مختلف، ولو بشكل أولي وجزئي. وأعني هنا التماسك المكاني الصهيوني والانسحاب الجزئي الذي قاده شارون في أواخر عهده. وشهدت التحركات المكانية الانفصال عن غزة في العام 2005 وبناء السياج الأمني (الجدار والحاجز) خلال الفترة 2003-2007. وقامت إسرائيل، لأول مرة في تاريخها، بإخلاء وتدمير مستوطنات يهودية، فضلاً عن إنشاء حاجز دفاعي بري ضخم داخل أرض إسرائيل (أي إسرائيل/فلسطين). بالإضافة إلى اعترافها، في سياق صراعها مع البدو في الجنوب، بعشر بلدات عربية حاولت طرد سكانها على مر السنين. وتؤكد هذه التحركات على دور التخطيط في الانتقال إلى مرحلة “الدمج القمعي” الحالية للجغرافيا السياسية.

ومن المحتمل تمتع هذه العملية بأهمية ما وتعارضها فعلياً مع الزخم الاستعماري. غير أنها لا تبشر بتغيير بنيوي، بل تشير إلى تغيير في التكتيك ليس إلا، لعدم ترافقها مع تحول إيديولوجي أو أجندة تصالحية صادقة. وكما أشرنا، يخلق الانكماش الجزئي ما يمكن وصفه بـ “إثنوقراطية عمودية” تعيد تنظيم المناطق اليهودية في البلاد مع الاستمرار في محاصرة الجيوب الفلسطينية المجاورة وإضعافها، في ظل الهيمنة الجيوسياسية اليهودية الثابتة. بالإضافة إلى ذلك، تتناسب عملية الانسحاب الجزئي تماماً مع استراتيجية “التسويق الوطني” من حيث تخليها عن العبء الاقتصادي/الدفاعي المفرط وتركيز موارد الأمن والتنمية في المناطق التي يمكن لتهويدها أن يحظى بشرعية إسرائيلية وحتى دولية كاملة، وبالتالي تحمل أيضاً ثماراً اقتصادية.

وتتيح خطوات آرييل شارون لإسرائيل مواصلة اندماجها في الاقتصاد العالمي وتسريع التنمية في المناطق اليهودية مع الاستمرار في استبعاد الفلسطينيين عبر وسائل جغرافية واقتصادية وقانونية. ومن المهم التأكيد على عدم خطية النماذج الشارونية الموضحة في الشكل(5)، فقد تحدث جميعها في وقت واحد أحياناً، مثل الأسهم المتوازية التي تتقدم عبر الفضاء المتنازع عليه. إذ يمكن أن يتجلى نهج بسيط للتاريخ بصفته سلسلة عصور متغيرة.

وهكذا، على سبيل المثال، رأى الخطاب العام أن فترة أوسلو تبشر بعصر مدني، بينما مثلت الانتفاضة عصر قومية متجددة. ومن ناحية أخرى، يسعى النهج الغرامشي المتبع هنا إلى دراسة التاريخ كسلسلة متواصلة من النضالات الجماعية التي يتم خوضها في وقت واحد لتأسيس هيمنة وطنية واقتصادية. وتتوافق تصرفات آرييل شارون مع هذا الفهم الغرامشي، لأنها تشهد على حاجة مشروع الهيمنة إلى التغيير والمرونة مع الحفاظ على جوهر جهود التخطيط -تعزيز وترسيخ الحكم اليهودي على الأرض من خلال التنمية الاقتصادية المستمرة والحفاظ على وضع النخبة الإسرائيلية ومكانتها الرفيعة.

ويلخص الشكل 5 الاستراتيجيات المكانية التي قادها أرييه شارون وأرئيل شارون، مما يدل على الاستمرارية والاختلاف بينهما.

وكما يتبين من الشكل، يعتبر إنجازاً لافتاً لأرئيل شارون ما حققه من تعايش ناجح لصيرورتين تبدوان غير متوافقتين بنيوياً: الليبرالية والنزعة الإقليمية القومية. ويتم تحقيق ذلك من خلال وضع حاجز جغرافي واقتصادي ودفاعي يمنع الفلسطينيون من الدخول بشكل كبير في عملية الخصخصة والعولمة المربحة. ولذلك يظل تسويق الفضاء عملية يهودية حصرية تقريباً. وهكذا، قام أرييل شارون بعزل الإمكانيات المحتملة للحرية والمساواة الكامنة في عملية لبرلة بدأت في التسعينيات، وبدلاً من ذلك حولها لخدمة النظام الإثنوقراطي والوضع الإثني الاجتماعي الراهن (انظر أيضاً Hasson and Abu-Asbeh, 2004).

وكما ذكرنا، كان أحد مبادئ التخطيط الرئيسية التي أرساها أرييه شارون وأرئيل شارون هو الفصل القسري وغير المتكافئ لشرائح من السكان، وبالخصوص الفصل على أساس إثني قومي وطبقي إثني. النقطة الأساسية في نقاشي العام تتمثل في تأثير التقنيات المكانية على النظام المبني في هذا الفضاء المنفصل على مدى العقود الستة الماضية. والجدل المركزي يدور هنا حول قيام الإثنوقراطية اليهودية المعنية بتخطيط وإضفاء الطابع المؤسسي على الفضاء المعزول، بتوليد عملية “الأبارتيد الزاحف” تبدو  عميقة جداً في أجزاء من الضفة الغربية، و”صلبة” بطريقة أكثر تقييداً في معظم المناطق الأخرى داخل إسرائيل/فلسطين، مثل النقب و”المثلث” والجليل.

لماذا “الأبارتيد”؟ لأنه لا يوجد مصطلحاً أفضل في معجم العلوم الاجتماعية لوصف مساحة سياسية مكانية تقسم سكانها، سواء قانونياً أو واقعياً، إلى طبقات، وفقاً للهوية الإثنية والعرقية. عندما يصبح هذا الفصل قانونياً ومؤسسياً من خلال القوانين والسياسات التي تحكم الهجرة وتخصيص الأراضي والقيود على الحركة والتمييز في أسواق الأراضي والإسكان والاستبعاد من مراكز السلطة، يتم إنشاء أوضاع النظام (Blank, 2006). ومن ثم، فإن الآلية المكانية، المدمجة في المذاهب التي يتزعمها أرييه شارون وأريئيل شارون، أصبحت أسس نظام الفصل الحاكم بين إسرائيل وفلسطين.

شكل (5) التصور الشاروني المكاني: الاستمرارية والتغيير في استراتيجيات التخطيط المكاني

فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا، إذن، هو أبارتيد “زاحف وتدريجي”؟

أولاً، لأنه لم يتم الإعلان رسمياً عن نظام الفصل العنصري، ولا تزال حالة عدم المساواة تعتبر “مؤقتة” من الناحية القضائية والرسمية، خاصة فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية والمناطق البدوية.

ثانياً، هناك إجراءان متوازيان يميزان الطبيعة التدريجية الزاحفة للخطة أثناء عبورها الخط الأخضر. وسوف تخلق الأسرلة المستمرة للأراضي الفلسطينية مساحة يهودية موحدة تضم الآن إسرائيل وما يقرب من نصف الضفة الغربية. ويرجع ذلك إلى فرض القانون الإسرائيلي على جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ومناطقها البلدية، والبنية التحتية للنقل والأمن التي تربط بشكل مباشر، لليهود فقط، الأجزاء اليهودية من الضفة الغربية وإسرائيل. وفي الوقت نفسه، هناك عملية موازية “تستورد” أدوات سياسة تستخدمها إدارة الاحتلال في الضفة الغربية للسيطرة على الفلسطينيين داخل إسرائيل، بما في ذلك القيود على التخطيط والبناء، وهدم المنازل، والقيود على الحركة، والزواج وحرية التعبير والانتهاكات المستمرة، ورفض الاعتراف بعشرات القرى، خاصة في منطقة بئر السبع.

ثالثاً، أصبحت سياسات إثبات السيطرة على الفلسطينيين داخل إسرائيل تشبه في الآونة الأخيرة الآليات المستخدمة في الأراضي المحتلة، وإن لم تكن نسخة مكررة. وتشمل هذه استخدام أنظمة الطوارئ، والقيود على الهجرة والزواج، وتسلل العملاء السريين، والقيود على تحويلات الأموال، ومراقبة الأجهزة الأمنية العامة للمنظمات الديمقراطية واستمرار القيود المكانية والتخطيطية. صحيح أن العرب في إسرائيل يتمتعون بحرية مدنية وسياسية أكبر من نظرائهم في المناطق، ولكن حتى داخل الخط الأخضر تعمق الفصل ضدهم وزادت عزلتهم عن الدولة الإسرائيلية. وفي هذه الحالة، يتم توسيع الوضع الاجتماعي المنفصل والمتدرج وإضفاء الطابع المؤسسي على جانبي الخط الأخضر، حيث يتمتع الفلسطينيون على الجانبين بالقليل من السلطة لوقف هذه العملية البنيوية

ولا بأس من إعادة القول عن الارتباط المباشر للسياسة المكانية بعملية “الأبارتيد التدريجي الزاحف”. حيث ترتبط العديد من المساحات المخططة للهيمنة على الفلسطينيين بالاستراتيجيات المكانية والتخطيطية للفصل غير المتكافئ الذي ناقشناه أعلاه (انظر أيضاً Hanafi, 2009; Handel, 2007; Qumsiyeh, 2008). وبرزت في السنوات الأخيرة مساحة إثنية- عرقية، تذكرنا بنظام جنوب أفريقيا قبل العام 1994، وإن كان ذلك عبر ظروف تاريخية وجغرافية وسياسية مختلفة. وكما يتبين من الشكل (6)، أنشأت استراتيجية مبادئ التخطيط المكاني جغرافية من المساحات المنفصلة في  جميع جوانب الحياة تقريباً على أساس الهوية. وتظهر ثلاث مجموعات هوية مكانية أساسية: اليهود (في كامل مساحة إسرائيل/فلسطين)؛ الفلسطينيون في إسرائيل؛ والفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وتنقسم كل مجموعة بدورها إلى مجموعات فرعية، مما يخلق 11 “فئة للحقوق المدنية” منفصلة ومختلفة في ظل النظام الإسرائيلي (لمزيد من التفاصيل، انظر Yiftachel, 2006, 2009). ومن خلال القياس على الوضع في جنوب أفريقيا، يمكننا الإشارة إلى ثلاثة أنواع من التوضعات “العرقية”، والتي تمنع دولة إسرائيل الاختلاط بينها عملياً. وتشكل المناطق اليهودية “المساحة البيضاء” التي تشمل معظم المنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، بما في ذلك النصف اليهودي من الضفة الغربية. وهذه المساحة “سلسة” نسبيا وتسمح بحرية الحركة والاستثمار والحيازة العقارية في جميع أجزائها.

يعيش اليهود في جيوب مقسمة إلى شرائح حسب الطبقة والعرق، لكن حدودهم قابلة للاختراق نسبياً من قبل اليهود الآخرين (باستثناء الحريديم، الذين يعيشون في عزلة طوعية). ومن ناحية أخرى، يمتاز الفضاء الفلسطيني بأنه “خشناً.. بمعنى غير (سلس)” ويتكون من جيوب وغيتوات منفصلة لمجموعتين أساسيتين: “الملونين” و”السود”. وهذه الجيوب مقيدة بالقوة. وفي إسرائيل نفسها، يكون التقييد غير مباشر، وينتج عن التضييق المكاني ومنع التنمية وعدم قدرة معظم المواطنين الفلسطينيين على اكتساب الحيز اليهودي والاستيطان والاندماج فيه. وتخضع الغيتوات “السوداء” في الأراضي المحتلة للسيطرة المباشرة، ويتم حظر حركتها وممراتها ويتم تقليل التخطيط والتنمية إلى الحد الأدنى. وتنتشر الجيوب “الملونة”، التي يعيش فيها حوالي 1.2 مليون فلسطيني، على حوالي 2% من الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل (حوالي 3% من مساحة إسرائيل)، في حين يتم تقليص الجيوب “السوداء”، حيث يعيش حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني. إلى حوالي 12% من المساحة (المنطقتين أ وب ). ويعيش الفلسطينيون على حوالي 14% من المساحة، لكنهم يشكلون ما يقرب من نصف سكان إسرائيل/فلسطين. وليس هنا المكان المناسب لتفصيل الاختلافات التي نشأت بين “الفئات” المتنوعة لجهة الحقوق والفرص في المساحات “البيضاء” و”الملونة” و”السوداء”.  ويكفي ذكر العديد من المؤشرات التي تظهر بوضوح امتياز الحيز اليهودي في جميع الجوانب -الدخل والتعليم ونوعية الحياة والتنمية وحقوق التخطيط والحماية من العنف والدمار (Adva Center for Social Equality, 2009; Azoulay and Ophir, 2008; Bimkom, 2008; Roy, 2007). وسأكتفي بأمثلة في مجالين رئيسيين: الاقتصاد والتخطيط.

الشكل (6) الفضاء اليهودي والجيوب الغيتوية الفلسطينية

بلغ متوسط دخل الفرد بين السكان اليهود في جميع أنحاء إسرائيل/فلسطين في العقد الماضي ضعف ما يحصل عليه المواطن الفلسطيني في إسرائيل، وأكثر بـ 12 مرة (!) مما يحصل عليه المواطن الفلسطيني في الأراضي المحتلة. وفيما يتعلق بالتخطيط، بين عامي 2000 و2008، دمرت سلطات التخطيط الإسرائيلية 1,626 منزلاً فلسطينياً في المنطقة (ج) (Bimkom, 2008) ونحو نصف هذا العدد في التجمعات الفلسطينية داخل إسرائيل، 604 منها في التجمعات العربية في النقب (Negev Coexistence Forum, 2009). وخلال الفترة نفسها، دمرت السلطات حوالي 70 مبنى يهودياً. علاوة على ذلك، تبرز في القطاع اليهودي سياسة “التبييض”. ومن بين أكثر من 16 ألف مبنى غير مرخص في البلدات اليهودية شبه الريفية، تم تدمير ثلاثة فقط بين عامي 2000 و2004، والباقي في طور الحصول على الموافقة. وبالتوازي مع ذلك، تم الاعتراف فيما بعد بحوالي 60 تجمعاً سكانياً على قمم التلال في الجليل ونحو 50 “مزرعة عائلية” بنيت في النقب دون موافقة لجان التخطيط وربطها بمجموعات كاملة من البنية التحتية التنموية. صحيح أنه حصل “تبييض” في البلدات العربية لبضعة مئات من المباني غير المرخصة، لكن إدراجها في الخطة كان أبطأ وأكثر تعقيداً مما هو عليه في المستوطنات اليهودية، ويكون دائماً ضمن حدود المنطقة القائمة، وليس تأسيس مستوطنة جديدة كما هو شائع في القطاع اليهودي (Gazit, 2000).

أخيراً، يتمثل أحد التكتيكات الحكومية الشائعة للحفاظ على التراتبية الهرمية والامتيازات اليهودية، في تنظيم الشعب الفلسطيني في “مساحات مادية”. ويشير هذا إلى الأماكن والتطورات والسكان الذين يقعون بين قطبي الشرعية والأمن والاندماج الكامل من ناحية، والطرد والدمار والموت من جهة أخرى. وتقع الغالبية العظمى من الفلسطينيين بينهما، في وضع من “الراهن دائم” الذي ما زال بلا “حل” منذ ستة عقود. تحوّل الدولة، بالتالي، سكان تلك الفضاءات إلى أسرى صراع مستمر من أجل الحصول على الحقوق والحماية والقدرات المسلم بها في الفضاءات “المبيضة” اليهودية. ويلعب التخطيط المكاني دوراً مركزياً في بلورة هذا النظام المكاني الاجتماعي، حيث يوفر الأدوات والتعاريف والمؤسسات لتصنيف المساحات والسكان على أنهم “رماديون”. ومن الأمثلة على ذلك عدم الاعتراف بالمستوطنات، وعدم استكمال المخططات، والحد من المساحة وتقليلها، وإنشاء تصاريح هجرة مقيدة وقوانين زواج، واستبعاد الاندماج في المواطنة المتساوية بسبب المخاوف الإثنوقراطية (مثل “الأمن”). وتخلق عملية الاندماج هذه من خلال الفصل إلى تأسيس وجود إثني مكاني متدرج وعنيف على وجه العموم (لمزيد من التفاصيل، انظر Yiftachel, 2009).

وبطبيعة الحال، هناك سلطات قوية أخرى تقف وراء السياسة المكانية تؤثر أيضاً على الفضاء الإسرائيلي/الفلسطيني، مثل الاعتبارات الأمنية، والعقيدة الدينية، والأزمات المالية، فضلاً عن الإرهاب الحكومي والفلسطيني. من المهم أيضاً التذكير بأن الفلسطينيين لا يقفون موقفاً سلبياً، بل ينشطون بلا انقطاع في إعادة تشكيل المساحة المتنازع عليها عن طريق مجموعة متنوعة من تكتيكات المعارضة العنيفة والمدنية، ومن خلال تأجيج الحالة الجدلية غير المتكافئة التي تؤدي إلى الفصل القسري. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن الفضاء اليهودي، المعزول، المجزأ والمتعدد الطبقات، الذي تم إنشاؤه في مكاتب العمل وفي عقل كل من أرييه شارون وأرئيل شارون، لعب دوراً رئيسياً في الصراعات القومية والإثنية والطبقية المستمرة في هذا البلد.

ومن المهم أيضاً تحديد هذه البيانات. فليس كل فصل سلبياً، وفي بعض الأحيان لا يكون علامة على القمع، بل استراتيجية تستخدمها مجموعات متميزة للحفاظ على هويتها. بالإضافة إلى ذلك، لا تشير الصورة الثابتة للفصل إلى أهميته دائماً.

ومن أجل فهم التداعيات الاجتماعية والسياسية للجغرافيا المنفصلة، علينا تحري ديناميكيات السلطة التي تخلق هذا الفصل. على سبيل المثال، لا تشبه أوضاع الفصل المستقر في إيرلندا الشمالية، أو بين أحياء المهاجرين الفقيرة والطبقة الوسطى في برلين، أوضاع الفصل الناتج عن توسيع “الحصون” ضد الأحياء اليهودية المنفصلة “الغيتو” بالقوة، كما هو الحال في الفضاء الإسرائيلي/الفلسطيني (Marcuse, 1997). إن ما يجعل الوضع في إسرائيل/فلسطين متقلباً وحساساً هو المستوى العالي من الفصل بين المستوطنات والأحياء، بالإضافة إلى الاتجاه الأحادي الجانب للعملية. ويشمل ذلك السيطرة اليهودية غير المتناسبة على موارد الأراضي والآليات التي تعوق العرب عن التقدم التنموي والفرص بشكل عام، ومن المساحات اليهودية بشكل خاص. ولذلك، فقد طبع تشكيل الفضاء على النحو المستوحى من النماذج الشارونية بصماته العميقة في سياسات الفصل العنصري، وعزل الأقليات، وتأمين [من الأمن] الفضاء، وعدم المساواة الاجتماعية، ومعها نظام معقد من الحدود يهدف إلى تعزيز مورفولوجيا استراتيجيات مبادئ التخطيط المكاني. وغني عن القول أن المسؤولية عن هذا النظام تتجاوز دور المتخصصين في التخطيط، لأن العديد من الحدود الاجتماعية يتم إنشاؤها في مناطق أخرى من المجتمع، مثل الأسواق وأماكن العمل وقوانين الضرائب والتعليم. ومع ذلك، يلعب محترفو التخطيط دوراً مهماً في إنشاء واقع مادي قوي يخلق أطراً طويلة الأمد ولا مفر منها للوجود.

كلمة أخيرة: هل يجب تفعيل الأخلاقيات المهنية؟

تعبّر عملية تشكيل الفضاء عن صيرورة غير مكتملة. وقد انقضى عصر الشارونين، لكن العمليات المكانية التي خلقتها استراتيجياتهما حول مبادئ التخطيط المكاني لا تزال ترتسم عميقاً في إسرائيل/فلسطين؛ وستستمر على هذا المنوال في تشكيلها لأجيال عدة قادمة. لقد مهد القبول الهادئ لاستراتيجية مبادئ التخطيط المكاني من قبل غالبية العاملين في التخطيط المكاني في إسرائيل، مثل المخططين والجغرافيين والمحامين والمهندسين المعماريين والمهندسين، الطريق لفصل مثير للقلق بين النشاط المهني والأخلاق القيمية/ الاجتماعية. لقد أسس أرييه وأرئيل شارون بصفتهما ممثلين للنظام برمته، إيديولوجيتهما التخطيطية من خلال تشكيل سياسة “من فوق”، تمثل حالة “موضوعية” مزعومة تفتقر، بالأحرى، تتجاوز القيم و الأخلاق أو السياسة. وهكذا؛ فقد أنجز أرييه شارون ذلك من خلال استيراد وتطبيق النماذج الغربية الدولية لخلق فضاء قومي واشتراكي، وكذلك فعل أرئيل شارون ذلك بتبني “الأمن” وعولمة التنمية كمحركات نهائية للتحول المكاني. وهكذا تكثفت استراتيجية مبادئ التخطيط المكاني، ولا تزال تعمل حتى اليوم من خلال التمويه المتعمد لأهميتها السياسية والأخلاقية المدمرة.

وسياق النقاش هنا ليس مجرد حجة أخلاقية، بل يعبر عن حجة مهنية وسياسية.

لقد قوض الفضاء الذي خلقه أرييه وأرئيل شارون بشكل كبير رفاهية المجتمع الإسرائيلي وإمكاناته التنموية، وخلقت استراتيجية مبادئ التخطيط المكاني مساحة استعمارية معزولة وغير متكافئة وغير مستدامة. وعلى الرغم من البدايات المهمة للتفكير التقدمي والانتقادات في السنوات الأخيرة، فإن جيل المخططين الجدد، وخاصة في السلطات العامة والشركات الخاصة، يواصل بهدوء اتباع طريق أرييه شارون وأرئيل شارون ويساهمون في عملية الفصل وعدم المساواة. ودون تغيير جوهري في التصور وإصلاح تخطيطي كامل يعزز المساواة والانفتاح والعدالة، فمن المعقول الافتراض أن الأجيال القادمة ستواجه صراعات مستمرة حول قضية الفضاء ذاتها. ورغم جيع ما ذكرناه، فيوجد للتخطيط “جانب مشرق” أيضاً يتضمن تاريخاً طويلاً من التحول والتحسين التقدمي الاجتماعي والمكاني.  ومن المؤكد إمكانية تعافيه وتحقيق تحسن مكاني في روح المهنة التي تولد من الرغبة في خلق مساحة عادلة ومتاحة ومنظم لكل قطاع من قطاعات المجتمع، مع تفضيل الضعفاء والمهمشين. مثل هذا التخطيط سيفتح الفرص لجميع السكان وفقاً للمبادئ الديمقراطية للاحتياجات والعدالة التاريخية والإنصاف. وهذه ليست مجرد مفاهيم إيديولوجية أو أخلاقية، بل هي أيضاً مبادئ سياسية تضمن قدرة المجتمع في الانتقال من الصراع إلى المصالحة؛ ومن النظام الاستعماري إلى النظام ما بعد الاستعماري. وبقدر ما يشكل التخطيط الفصلي وغير المتكافئ أساس النظام الإثنوقراطي، فيمكنه أيضاً العمل على تحويل يبدأ “من الأسفل” للنظام القمعي من خلال فتح مساحاته والتحرك نحو قدر أكبر من المساواة والعدالة في السكن والأرض والمشاركة.

ويمكن للتحسينات أن تحدث بصيغ وأشكال مختلفة، حيث توجد نماذج متنوعة تعزز المساواة والاعتراف واللامركزية والاستقلال الذاتي والتوزيع العادل. وأمام التخطيط الإسرائيلي الكثير ليتعلمه من أمثلة عديدة في إسبانيا وجنوب أفريقيا وكندا وإيرلندا الشمالية، حيث تحولت العلاقات الإثنية المكانية القمعية إلى أنظمة تخطيط أكثر مساواة وعدالة، مسترشدة بالاعتراف والمساواة والاتفاق وتصحيح الأخطاء السابقة. ولكن لكي يحدث ذلك، يجب توقف استراتيجية مبادئ التخطيط المكاني الشارونية وتحولها إلى صيرورة مكانية خالية من التوسع العرقي والهيمنة الاستعمارية والقمع المكاني. ويلعب مجتمع المهنيين المكانيين الإسرائيليين دوراً خاصاً في هذا التغيير. وحتى مجموعة منظمة صغيرة يمكنها فتح خطاب من شأنه إيقاظ الأغلبية النائمة بين المخططين ويوضح مضامين السياسة الحالية.  والمبادرات في هذا الاتجاه واضحة بالفعل، خاصة من مجموعات المجتمع المدني، مثل بيمكوم Bimkom، وآدم تيفا دين Adam Teva V’Din (الاتحاد الإسرائيلي للدفاع القانوني البيئي)، والمركز العربي للتخطيط البديل، وعدالة، وجمعية العدالة التوزيعية، والحزب الديمقراطي المزراحي Mizrahi Democratic Rainbow . ولكن لا يزال هناك طريق طويل أمام هذه المبادئ لتتغلغل في التخطيط السائد وإنشاء الأراضي.

قد يكون من المناسب أن نختتم كلامنا بالكلمات الثاقبة للكاتبة الهندية أرونداتي روي، التي تعلّق على دور الشهود المحترفين في طرد الجماعات المهمشة من قراهم باسم “التخطيط”: “تكمن المعضلة باستحالة تجاهل الحرب حال رؤيتها [أي حرب الدولة ضد الجماعات الهامشية]. وحالما تراها، يصبح التزام الصمت وعدم قول أي شيء،  عملاً سياسياً يشبه تماماً التحدث العلني عنها، لا مكان للبراءة هنا؛ وفي كلتا الحالتين، أنت مسؤول (Roy, 2001:7).

…..

العنوان الأصلي   From Sharon to Sharon: Spatial planning and separation regime in Israel/Palestine

المؤلف:  OREN YIFTACHEL

الناشر: HAGAR Studies un Culture, Polity and Identities Vol.10 (1) 2010: 73-106

ملاحظات

1-مقابلة شخصية، في إشارة إلى قضية تعرف باسم فتنا أبريك-زبيداتFatna Abrik-Zubidat وآخرون ضد سلطة أراضي إسرائيل،  المحكمة العليا 80361/07.

2–عطية كان واحدا من 124 شاهداً في اللجنة الخاصة المعينة التي عينتها الحكومة الإسرائيلية لدراسة وتوصية التنظيم المستقبلي لمستوطنات البدو في النقب (Goldberg, 2008:1)

3- انظر، على سبيل المثال، هذه السلسلة من الدراسات التجريبية الواسعة للتخطيط الإسرائيلي: Alfasi, 2006; Alterman, 2002; Carmon, 1998; E. Efrat, 1998; Z. Efrat, 2005; Gradus, 2003; Hasson, 1991, 2002; Hershkowitz, 2008; Kellerman, 1997; Tzfadia, 2009a; Shachar, 1998, 2000; Weizman, 2007; Yacobi, 2009; Yiftachel, 2006

4–للاطلاع على تعريفات مفصلة، انظر Abercrombie et al. (2000) and the Dictionary of Human Geography (2009).

5- تنص الفقرة 14 (“أراضي الدولة”) من الدستور المقترح على ما يلي:

(أ) تظل أراضي الدولة في حوزتها.

(ب) تتم مصادرة الأراضي من قبل الدولة وفقاً للقانون.

(ج) لا يجوز مصادرة الأراضي إلا وفقاً للقانون، وبتعويض مناسب.

(د) تفتح الدولة مواردها من الأراضي لصالح جميع سكانها. وسيحترم تخصيص الأراضي طريقة حياة المجتمعات المتميزة. انظر http://www.huka.gov.il/wiki/index.php.

6- تم التوصل إلى هذا الرقم عن طريق حساب المناطق الخاضعة للسيطرة العربية على جانبي الخط الأخضر: المنطقتان (أ) و (ب)  في الأراضي المحتلة، ومنطقة البلديات العربية المحلية داخل إسرائيل. والمناطق التي يمنع فيها العرب الإسرائيليون من الإقامة هي المجالس الإقليمية، حيث تستخدم معظم المستوطنات لجان فحص. وحتى حكم قعدان، الذي قضت فيه المحكمة العليا بأن استبعاده كعربي من منطقة محلية من “الحيز العام” كان غير قانوني، لم يغير كثيراً الوضع، بسبب زيادة سلطة لجان الفحص، كما ذكرنا سابقا.

7- وبطبيعة الحال، فإن كلا النوعين غير قانونيين بموجب القانون الدولي.

8- على سبيل المثال، ناحال مستوطنة عسكرية أصبحت “مدنية” لاحقا  ومندرجة في الخطط الإقليمية؛ يقوم الجيش بتعيين أفراد “الدفاع المدني” في المناطق الحدودية من بين المستوطنين؛ ولدى وزارة الدفاع هيئات تنسيق دائمة تعمل مع قادة المستوطنين والمجالس الإقليمية للمناطق الحدودية والمستوطنين اليهود الجدد في مزارع النقب.

 المصادر

Abercrombie, N., Hill, S., and Turner, B. S. (2000). The Penguin Dictionary of Sociology (4th ed.). London: Penguin Books.

Adva Center for Social Equality. (2009). ―Israel: Social profile.‖ http://www.adva.org

Alfasi, N. (2006). ―Planning policy? Between long-term planning and zoning amendments in the Israeli planning system.‖ Environment and Planning A 38,3:553–568.

Alterman, R. (2002). Planning in the Face of Crisis: Land, Housing and Mass Immigration in Israel. London: Routledge.

Alterman, R., and Han, I. (2004). Protection of Open Spaces: What Can We Learn From Other Countries and Implement in Israel? Haifa: Shmuel Neeman Center, Technion (Hebrew).

Azoulay, A., and Ophir, A. (2008). This Regime Which is Not One: Occupation and Democracy from the Jordan to the Sea. Tel Aviv: Resling (Hebrew).

Bimkom. (2008). The Forbidden Zone: Israeli Planning Policy in the Palestinian Villages in Area C. Jerusalem: Bimkom. See also http://www.bimkom.org/publications.asp

Blank, Y. (2006). ―Community, space, subject: Theses of space and law.‖ Haifa Law Review 2:19–61 (Hebrew).

Blomley, N. (2003). ―Law, property and the geography of violence: The frontier, the survey and the grid.‖ Annals of the American Association of Geographers 93:121–141.

Carmon, N. (1998). Housing in Israel: The First Fifty Years. Haifa: Center for Urban and Regional Studies (Hebrew).

Efrat, E. (1998). Cities and Urbanization in Israel. Jerusalem: Carmel (Hebrew).

———. (2002). Geography of Occupation: Judea, Samaria, and the Gaza Strip. Jerusalem: Carmel (Hebrew).

Efrat, Z. (2005). ―The plan.‖ In Z. Efrat (Ed.), Border Disorder (pp. 111–132). Jerusalem: Bezalel (Hebrew). See also English version: http://apjp.org/archives/2006/7/16/the-plan-zvi-efrat.html

Fenster, T. (2002). ―Planning as control: Cultural and gendered manipulation and misuse of knowledge.‖ Hagar–International Social Science Review 3,1:67–86.

Fischbach, M. (2003). Records of Dispossession. New York: Columbia University Press.

Flyvbjerg, B. (2000). ―Bringing power to planning research: One researcher‘s story.‖ Paper presented at the Planning Research 2000 conference, London School of Economics and Political Science, March.

Gazit, S. (chair). (2000). Report of the Inter-Ministerial Committee for Examining Illegal Construction in Israel. Jerusalem: Government Printers (Hebrew).

Goldberg, E. (chair). (2008). Report of the Special Committee for the Regulation of Bedouin Settlement. Jerusalem: Ministry of Housing, Government Printers (Hebrew).

Gordon, N. (2008). Israel’s Occupation. Los Angeles: UC Press.

Gradus, Y. (1993). ―Beer Sheva: Capital of the Negev desert.‖ In Y. Golani, S. Eldor and M. Garon (Eds.), Planning and Housing in Israel in the Wake of Rapid Changes (pp. 251–265). Jerusalem: Ministry of the Interior.

Gramsci, A. (1971). Selections from the Prison Notebooks. New York: International Publishers.

———. (2004). On Hegemony: Selections from the ―Prison Notebooks.‖ Tel Aviv: Resling (Hebrew).

Hanafi, S. (2009). ―Spaciocide.‖ Teoria Uvikoret [Theory and Critique] 27:190–221 (Hebrew with English abstract).

Handel, A. (2007). ―Control of space by means of space: Uncertainty as a control technology.‖ Teoria Uvikoret (Theory and Criticism) 31:101–126 (Hebrew).

Hasson, S. (1991). ―From frontier to periphery.‖ Eretz Yisrael 22:85–94 (Hebrew).

———. (2002). ―Without directed land regulation, Israel is likely to become a polarized product of suburbs, ghettos, and slums.‖ Karka 55:74–78 (Hebrew).

Hasson, S., and Abu-Asbeh, K. (Eds.). (2004). Jews and Arabs Facing a New Reality. Jerusalem: Floresheimer Institute for Policy Studies (Hebrew).

Hershkowitz, A. (2008). Spatial Planning in Israel: Politics Anchored in Earth. Haifa: Center for Urban and Regional Studies, Technion (Hebrew).

Huxley, M. (1994). ―Planning as a framework of power: Utilitarian reform, enlightenment logic and the control.‖ In S. Ferber, C. Healy and C. McAuliffe (Eds.), Beasts in Suburbia: Reinterpreting Culture in Australian Suburbs (pp. 148–169). Melbourne: Melbourne University Press.

Kellerman, A. (1997). Society and Settlement: Jewish Land of Israel in the Twentieth Century. The Hague: Kluwers Academic.

Kedar, S. (2003). ―On the legal geography of ethnocratic settler states: Notes towards a research agenda.‖ In J. Holder and C. Harrison (Eds.), Law and Geography: Current Legal Issues (pp. 401–442). Oxford: Oxford University Press.

Kedar, S., & Yiftachel, O. (2006). ―Land regime and social relations in Israel.‖ In H. de Soto and F. Cheneval (Eds.), Realizing Property Rights: Swiss Human Rights Book (pp. 129–146). Zurich: Ruffer & Rub.

Khamaissi, R. (2003). ―Mechanisms of land control and Judaization of space in Israel.‖ In M. Al-Hag and U. Ben Eliezer (Eds.), In the Name of Security (pp. 421–448). Haifa: University of Haifa Press (Hebrew).

King, A. (2002). ―Urbanism, colonialism and the world-economy.‖ In G. Bridge and S. Watson (Eds.), Blackwell City Reader (pp. 524–541). Oxford: Blackwell.

Lefebvre, H. (2009). State, Space, World: Selected Essays (Eds.: N. Brenner and S. Elden). London: University of Minnesota Press.

Lustick, I. (1996). ―Hegemonic beliefs and territorial rights.‖ International Journal of Intercultural Relations 20,3–4:478–492.

Marcuse, P. (1997). ―The ghetto of exclusion and the fortified enclave: New patterns in the United States.‖ American Behavioral Scientist 41,3:311–326.

Masalha, N. (2000). Imperial Israel and the Palestinians: the Politics of Expansion. London: Pluto.

Mazor, A. (1997). ―Introduction.‖ In A. Mazor (Ed.), Israel 2020: Master Plan for Israel of the 2000s. Haifa: Faculty of Architecture and Town Planning, Technion (Hebrew).

Negev Coexistence Forum. (2009). ―Fact database,‖ http://www.dukium.org

Njoh, A. J. (2002). ―Development implications of colonial land and human settlement schemes in Cameroon.‖ Habitat International 26:399–415.

———. (2007). Planning Power: Town Planning and Social Control in Colonial Africa. London: UCL Press.

Oren, A., and Regev, R. (2008). A Land in Khaki: Geographic Dimension of Defense in Israel. Jerusalem: Carmel (Hebrew).

Perera, N. (1998). Society and Space: Colonialism, Nationalism and Postcolonial Identity in Sri Lanka. Boulder: Westview Press.

———. (2002). ―Indigenizing the colonial city: Late 19th-century Colombo and its landscape.‖ Urban Studies 39,9:1703–1721.

Qumsiyeh, M. (2008). ―The next sixty years for Palestine.‖ Israel-Palestine Journal 15,1–2:181–188.

Roy, A. (2001). Power Politics. New Delhi: South End Press.

Roy, S. (2007). Failing Peace: Gaza and the Israeli-Palestinian Conflict. London: Pluto.

Shachar, A. (1998). ―Reshaping the map of Israel: A new national planning doctrine.‖ Annals of American Political and Social Sciences 555,1:209–218.

———. (2000). ―The state of four metropolises.‖ Pnim: A Journal of Culture, Society and Education 13:3–11 (Hebrew).

Sharon, A. (1951). ―Fundamentals of physical planning in Israel.‖ In Physical Planning in Israel (pp. 5–11). Jerusalem: Government Press (Hebrew).

Shenhav, Y. (2003). ―Introduction.‖ In Y. Shenhav (Ed.), Space, Land, Home (pp. 5–19). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).

Thomas, J. (2008). ―The role of minority planning in the search for the just city.‖ Planning Theory 7:227–247.

Tzfadia, E. (2009a). ―Militarism and space in Israel.‖ Israeli Sociology 10:337–361 (Hebrew, with English abstract).

———. (2009b). ―Settlement in Israel: A view of militarism.‖ In A. Oren (Ed.), Defense Space: A New Look at the Use of Land Resources for Defense and the Military in Israel (pp. 45–59). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).

Tzfadia, E., and Yiftachel, O. (2004). ―State, space and capital: Immigrants and socio-spatial stratification.‖ In D. Filc and U. Ram (Eds.), The Rule of Capital: Israeli Society in a Global Era (pp. 197–222). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).

Watson, V. (2006). ―Deep difference: Diversity, planning and ethnics.‖ Planning Theory 5,1:31–50.

Weizman, E. (2006). ―The architecture of Ariel Sharon.‖ Third Text 20,3–4:337–353.

———. (2007). Hollow Land: Israel’s Architecture of Occupation. London: Verso.

Wilson, E. (1991). The Sphinx in the City: Urban Life, the Control of Disorder, and Women. Berkeley: University of California Press.

Yacobi, H. (2009). The Arab-Jewish City: Spatio-Politics in a Mixed Community. London: Routledge.

Yiftachel, O. (1998). ―Planning and social control: Exploring the dark side.‖ Journal of Planning Literature 12:395–406.

———. (2006). Ethnocracy: Land, Politics, and Identities in Israel/Palestine. Pennsylvania: Penn Press.

———. (2009). ―Creeping apartheid in Israel/Palestine.‖ Middle East Report 253:7–37.

Yiftachel, O., and Tzfadia, E. (2008). ―Frontiphery: The development towns and Mizrahi space.‖ Block: Architecture/City/Media/Theory 6:22–30 (Hebrew).

Ziv, N., and Shamir R. (2003). ―Build your home: Big and small politics in the struggle against land discrimination.‖ In Y. Shenhav (Ed.), Space, Land, Home (pp. 84–112). Jerusalem: Van Leer Institute (Hebrew).

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

تسمية شوارع حيفا والقدس وأم الفحم والهوية العربية الفلسطينية: تشكيل شعب في خارطة

ماعوز عزرياهو وربيكا كوك ترجمة: محمود الصباغ استهلال يقول جون بيرغر “تنشغل النزعات القومية -جميعها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *