معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو فلسطين لبناء إسرائيل

كريستين بيرينولي

ترجمة محود: الصباغ

استهلال

أظهرت حرائق الجليل الحالية (حزيران 2024) ومن قبلها حرائق التلال المحيطة بالقدس (2021)؛ وقبل ذلك حرائق الكرمل (2010)، مشهد مكاني أصيل لطالما حاولت إسرائيل الاستعمارية” طمسه، بالأحرى محوه لإنشاء \ اصطناع مشهد بديل، فكان اقتلاع الأشجار خطوة فعّالة على المدى البعيد؛ بالترافق مع تدمير مئات القرى في أعقاب العام 1948. فحُرثت عشرات البلدات الفلسطينية، أو غُرست بالأشجار المستوردة من أوروبا، حتى أنه لم يعد سهلاً التعرف عليها؛ وظهرت مكانها غابات ومساحات خضراء و”متنزهات وطنية”.

وكان الهدف الرئيس من غرس الأشجار، بعد العام 1948، محو الآثار المادية للمشهد المكاني المحلي وتنمية جذور هوية وذاكرة يهودية بديلة لترسيخ أسطورة الأرض الخالية من الناس “أرض بلا شعب”؛ كما يذكر على موقع الصندوق القومي اليهودي: “لم تكن الغابات والمتنزهات جزءً مستداماً من الطبيعية في أرض إسرائيل، وقد وجد الرواد اليهود الأوائل، الذين جاؤوا إلى أرض إسرائيل في نهاية القرن التاسع عشر، أرضاً مقفرة لم توفر لهم أدنى ظل على الإطلاق”. ويفتخر الصندوق بغرسه 220 مليون شجرة منذ العام 1908، أو 3.5 مليون شجرة سنوياً. وهكذا تحولت عملية مصادرة الأراضي، إلى وسيلة لفرض الأمر الواقع ولمنع تطور النسيج الحضري والعمراني للمدن والبلدات الفلسطينية، بتحويل هذه الأراضي إلى مشاريع “مناطق خضراء” ومن ثم إلى مستعمرات؛ كما حصل مع مستعمرة “رامات شلومو”.

أظهرت الحرائق المختلفة “مخلّفات” الحالة الاستعمارية في فلسطين، كما أثبتت عدم النظر إلى المشهد المكاني المصطنع الحالي باعتباره سياقاً طبيعياً قطعاً؛ “سببه كارثة طبيعية أو حرب أو غيرها”، بل علينا فهمه ضمن أنساق أخرى ذات طابع محض استعماري، أقل ما يقال عنها إنها تصور مقصود لـ “مشهد إثني\ قومي”، أي بنية اجتماعية سياسية تنتجها -وتهدف إلى إنتاج- ثقافة وطنية وهوية تميل كفتها لمصلحة المستعمر -على الأقل- في الظرف الحالي-. وهذا ما يضعنا أمام مهام شاقة تفرض علينا البحث عن تعريفات “حقيقية” لطبيعة هذه الإسرائيل -التي ليس كمثلها شيء- والتي اكتسبت صورتها تلك في ضوء تمثّلات الواقع المادي في الفضاء المكاني وفقاً لعلاقات القوة والأدوات التي راكمتها عبر تاريخها الاستعماري.

وسوف يكون من واجب الباحثين وأهل الاختصاص تتبع تلك الأنساق الكولونيالية وما بعدها للتعرف على تأثير قوى الاستعمار وممارساته على الشعوب والثقافات المحلية، وكيفية استمرار أثره في تشكيل الهويات والفضاءات.

في هذا المعنى تعالج هذه المقالة المترجمة إعادة تشكيل الفضاء الفلسطيني لجهة فضاء استعماري استيطاني أوروبي بصيغة يهودية تعكس قيم وسرديات الفكر الصهيونية؛ سيكون هدفها النهائي محو أو تعديل أو إزالة هوية وثقافة الشعب الفلسطيني وذاكرته الجماعية وإحلال محلها مرويات تشتغل على إعادة كتابة تاريخ الإقليم وتمثّله مكانياً. وارتبط جهد التغيير المكاني هذا رسمياً بنكبة العام 1948 بالدرجة الأولى (وإن كانت مفاعيله الأولى سابقة لهذا التاريخ). مع الإشارة إلى صمود الذاكرة الجماعية المحلية الفلسطينية كأحد الآثار المتبقية التي تتحدى السردية الاستعمارية وتقاومها وتقاوم محاولات محوها.

ملاحظة: يحفل النص بالعديد من المصطلحات والتعابير الاختصاصية؛ ونظراً لطبيعة المادة البحثية وحجمها فقد قمنا بتقديم إيضاحات هامشية لبعضها بشكل مستقل في نهاية المقالة. علماً أن جميع ما يرد بين قوسين معقوفين [ ]  من وضع المترجم بهدف الإيضاح .

انتهى الاستهلال.

……

ربما كانت أعظم معركة خاضها الفلسطينيون كشعب هي معركتهم  حول حقهم في حضور مستمر، وحقهم- ضمن هذا الحضور- في امتلاك واستعادة واقع الحقائق التاريخية الجماعية. (إدوارد سعيد 1999، 12).

غالباً ما يعرف الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أنه صراع جغرافي على الأرض، غير أن نظرة أكثر عمقاً ستظهره أكثر من مجرد صراع على الأرض، فهو ، في أحد ملامحه، صراع إيديولوجي حاد بين سرديتين قوميتين متناقضتين وحصريتين، يلجأ فيه، أي الصراع، كل طرف إلى ميادين ومجالات متنوعة، مثل التاريخ والآثار والجغرافيا والخرائط وحتى البيئة، لبناء ذاكرة جماعية وهوية؛ وتخضع مجالات وميادين الصراع هذه لهيمنة الطرف المنتصر  المعروف -بداهةً- بالطرف الذي سيكتب التاريخ. وهكذا في حالة انتصار إسرائيل، سوف لن تتعلق القضية هنا بإحدى نسختي التاريخ المعروفتين أو بكون نسخة أكثر تأثيراً من الأخرى، بل يتعدى الأمر ذلك، إذ تتصل القضية بجهد دقيق ومتعدد التخصصات ومتضافر لجعل الواقع أكثر اتساقاً بما يعكس الأجندة الصهيونية ومحو أي أثر للوجود الفلسطيني من الزمان والمكان.

أظهرت العلوم الأنثروبولوجيّة أن الفضاء ليس مجرد حاوية خاملة تحتضن الحياة الاجتماعية، بل على العكس، تظهر البحوث  الأنثروبولوجية كيف تقوم المجتمعات بتشكيل فضاءاتها لتعكس قيمها وتجسد هويتها وذاكرتها التاريخية (Feld and Basso 1996) بما يعني-في هذا الإطار- اعتبار الفضاء space، أداة مناسبة تماماً للنشر الفوري على وجه التقريب لهذه الموضوعات الرمزية؛ لأنها ستبدو حقائق طبيعية -غير قابلة للنفي أو الإنكار- طالما هي ضمن هذا الفضاء. وبعيداً عن كون الفضاء بيئة بسيطة غير مكررة، فهو، بلا شك، نتاج “بنى محددة من الناحية التاريخية وذات طابع محلي متعدد؛ فضلاً عن كونها مسيسة، ونسبية من الناحية الثقافية (Rodman 2003, 205). .

تحدث عملية تشكيل الفضاء هذه في المجتمعات كافة. غير أنها كانت في فلسطين سريعة ومكثفة بشكل غير عادي (1). وبذل العديد من اللاعبين الأساسيين* agents (على الصعيدين العام والخاص) جهوداً متضافرة لحرمان الفضاء الفلسطيني، بالأحرى تجريده، من جميع معانيه كتمهيد ليحل محله الفضاء الصهيوني. ويمكن تفسير المشهد المكاني  landscapeالإسرائيلي على أنه نتيجة -أو -على الأقل- تعبير- لممارسات تطوير الأراضي التي تهدف إلى إعطاء السرديات التاريخية والقيم للدولة العبرية الجديدة حقائق واقعية مادية.

لقد كان انتصار إسرائيل العسكري في العام 1948 انتصاراً -أيضاً- لتمثيل معين للأرض والأمة، مما ترك أثر ه العميق والفوري على المشهد المكاني. ففي غضون سنوات قليلة فقط، كان المشهد المكاني يعد عملية تعديل هائلة تتوافق مع رؤية الواقع هذه، حيث تعمل المحايثة المكانية الجديدة بدورها على دعم تلك الرؤية. وتحتوي إسرائيل [ اقرأها الفضاء الإسرائيلي- المترجم]، في الوقت الحاضر، على القليل من الآثار المادية التي تتعارض مع الانتصار المدوي للسردية الصهيونية وتداعياتها الجغرافية على الأرض. ويُنظر، في هذا السياق، إلى الذاكرة الفلسطينية كأحد هذه الآثار.

وحتى أثناء عملية أوسلو، التي كان من المفترض بها أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، أقل ما يمكن على جزء من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، تواصلت عملية محو وإخفاء المشهد المكاني الفلسطيني من إسرائيل والأراضي المحتلة بالاستيلاء على الأرض والتدمير المنهجي لها وللمباني المشيدة فوق أجزاء منها بذريعة ضمان الأمن أو إفساح المجال للمستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية. وتلقي هذه المواجهة الرمزية على الفضاء، وتداعيات تصادمها، ضوءً جديداً على هذا الصراع المعاصر وفشل محادثات السلام.

ولا ينبغي أن يُفهم المشهد المكاني، هنا، كسياق طبيعي، بل باعتباره “مشهداً إثنياً** ethnoscape (Appadurai 1991)، أي بنية اجتماعية وسياسية تنتجها -وتهدف إلى إنتاج- ثقافة وهوية وطنية.

لا ترَ هذه المقاربة في الأرض كموضوع يخضع لمطالب دولتين بقدر ما تعتبرها عنصراً رمزياً حاسماً لبناء الهوية والذاكرة عند الفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء، وبالتالي فهي مقاربة تاريخية تأمل في تسليط الضوء على علاقات القوة والأدوات/ الآليات التي اكتسبت من خلالها هذه التمثيلات واقعاً مادياً في الفضاء.

ومن هنا، سأبدأ بمناقشة موجزة حول تمثل الغرب المسيحي لفلسطين كأرض مقدسة، أسهم في تسهيل تأسيس خطاب صهيوني في الفضاء. ثم سأتطرق إلى التدابير المختلفة (التكنولوجية والسياسية والخاصة) التي اتخذتها إسرائيل لتشكيل مشهد مكاني جديد تماماً يتوافق مع أساطيرها [المؤسسة]. وسوف أستعرض، أخيراً، الاستراتيجيات الفلسطينية الهادفة إلى مقاومة هذا المشهد المكاني الجديد ومنح نفسها صوتاً تاريخياً من خلال سرديات الذاكرة التي تحيي مشهداً مكانياً تجاوزه المشهد المكاني الصهيوني فعلاً في الوقت الحاضر. فالشجرة، على سبيل المثال -رمز لجذور الشعب في الأرض- تحتل مكانة مركزية في تمثلات وسياسات كلا الجانبين.

من الأرض المقدسة إلى الأرض الموعودة

يطرح ميتشل (1999، 248) رأياً يرى في مقولة الأرض المقدسة أعظم وهم جماعي عن المشهد المكاني أنتجه الخيال البشري على الإطلاق. علاوة على ذلك، حوّل الصهاينة هذا الوهم إلى واقع من خلال جعل دولة إسرائيل تمثل تجسيداً جغرافياً لأرض الميعاد. وتشكل التمثلات المسيحية [ضمن سياقات وهم الأرض المقدسة-المترجم] صورة وتصور عن فلسطين وسكانها. ورغم امتلاك هذه البقعة الجغرافيّة من الأرض تاريخ طويل في تعريفها كأرض مقدسة، كما يشير وايتلام (1996)، فإن هذا التعريف كتبه الغرب المسيحي وإسرائيل. ويتم [ضمن هذا التعريف] التعرف على سكان الأرض والآثار المادية التي تركوها وراءهم في إطار الخطاب الكتابي فقط. وبدأ، نتيجة لذلك ومنذ القرن التاسع عشر، إنكار وجود الفلسطينيين(2). ولعب الباحث الأمريكي إدوارد روبنسون دوراً رئيسياً في إعادة بناء ما أسماه “المشهد التاريخي الأصيل لفلسطين(وردت فيSilberman 2001, 103 ).

حدد روبنسون، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عشرات المواقع الكتابية، التي صنفها باستخدام طريقة تجريبية*** empirical (بخلاف الأساليب والطرق الدينية المستخدمة لتحديد المواقع). وأظهرت نتائجه توافقاً بين جغرافيا الأرض المقدسة ومفهوم “التاريخ الوضعي**** positive history “. وكان عمله الأول في مراكبة خارطة فلسطين القديمة على الخارطة الحديثة (في ذلك الوقت) من أجل تحديد موقع الكنوز المخفية. وهكذا، وضع، منذ البداية، أسس مشروع مغامرة جديد يدمج البحث والدين والسياسة، أي علم الآثار الكتابي. وبعد العمل الرائد لروبنسون، مارس العديد من الباحثين من جنسيات مختلفة في هذا التخصص، ويرجع الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى صندوق استكشاف فلسطين الذي تأسس في لندن في العام 1865.

وينظر علم الآثار الكتابي إلى المشاهد المكانية الفلسطينية بصفتها تمثلات حية وخالدة للمشهد المكاني الموصوف في النصوص الكتابية [تحديداً نصوص العهدين القديم والجديد]. وينظر الخيال العلمي والفني والشعبي إلى جموع سكان الأرض ويصورهم ويصور حياتهم اليومية باعتبار ذلك قصصاً رمزيةً واستعارات كتابية(3).

ونتج عن هذه المقاربة ارتباط القرى بالمواقع الكتابية التي لم يتم تحديدها حتى الآن، وتفسير أنماط حياة وسلوك الفلسطينيين كوسيلة لفهم دور الموضوعات والمواد الأثرية المكتشفة أثناء الحفريات. ولذلك تم تصوير الثقافة الريفية في فلسطين على أنها ثقافة ساكنة في الزمن. وكان اهتمام العلماء ينحصر فقط في اعتبارها بقايا ثقافية من العصور  الكتابية. وقد أثّر هذا التمثيل سلباً، بفضل التوجهات الكتابية والاستشراقية المنحازة(4)، على المخرجات التاريخية والأثرية. وسوف تعمل لاحقاً آثاره الاجتماعية والسياسية، ضد الفلسطينيين. وانبثق عن هذا التمثل “انقسام أساسي في المشهد المكاني  المادي لإسرائيل بين الماضي والحاضر، الحديث والبدائي، العربي واليهودي” (Silberman 2001, 107). كما مهدت هذه التمثلات الطريق لقبول المشروع الصهيوني، ومن ثم تنفيذه. ولم يكن من الصعب تحويل الأرض المقدسة إلى أرض الميعاد لإسرائيل في ظل خطاب كتابي يخدم كنقطة التقاء بين التفكير التاريخي والأثري الأوروبي والصهيوني. وتأثرت جدوى قابلية فكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” في المجالين الأكاديمي والسياسي بشكل مباشر بالبحث الذي بنى الماضي الكتابي في الوقت الذي تجاهل فيه تماماً الوجود التاريخي ودور السكان الأصليين والفلسطينيين المعاصرين على وجه الخصوص.

لقد تطورت تمثيلات فلسطين، في مطلع القرن العشرين، مع الموجات الأولى من المستوطنين اليهود والحركة الصهيونية التي اكتسبت زخماً، ونمت هذه التمثيلات فلسطين في اتجاهين.

-أولاً، كان الخيال الكتابي لا يزال حياً للغاية -بين المسيحيين بالطبع، ولكن أيضاً بين اليهود أيضاً-. وكان المشهد المكاني  الشرقي (أو حتى الاستشراقي)، في عشرينيات القرن الماضي، من الموضوعات المفضلة للرسامين اليهود؛ فصوّروا مشاهد قديمة تتماشى مع رؤى التاريخ الكتابي أكثر مما تتماشى مع  الواقع الحالي  (Manor 2003)، فكانت صورهم أدوات قوية حين وضعوا وطناً وهمياً في موقع جغرافي حقيقي.

-ثانياً، لافت للنظر ألا تحمل الأعمال الفنية النادرة لأولئك الفنانين والمتعلقة في المشهد المكاني “الصهيوني” بعداً استشراقياً على الإطلاق. بل كانت تلك اللوحات تصور الأراضي التي تم الاعتناء بها جيداً، كما استعرضت الأعمال الفنية فكرة “غزو الصحراء”.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر الصور والبطاقات البريدية انقساماً واضحاً بين العرب واليهود لدرجة لا تبدو فيها كلتا الجماعتين أنهما تنتميان إلى ذات المساحة المكانية أو الإطار الزمني. فيظهر الفلسطينيون في هذه الصور  أفراداً طاعنين في السن، وانطوائيين، ويرتدون ملابس تقليدية، ويتواجدون في أماكن قاحلة جافة ويقومون بأعمال ذات صدى كتابي (راعٍ يرعى قطيعه، رجلاً عجوزاً على حمار، إلخ.) وبعبارة أخرى، يتم تصويرهم على أنهم خارج الزمن، بينما يتم تصوير الصهاينة على أنهم يمثلون الحاضر، والمستقبل على وجه الخصوص، فهم: شباب، مجتهدون، ذوي ملامح حداثية بارزة، وغير منفصلين عن الخيال الكتابي، ولكن بديلاً عن تمثيلهم كرموز وشخصيات كتابية حية فقدت سياقها وتأريخها، يظهرون كرواد يجددون العلاقة مع أرض أجدادهم، من خلال انهماكهم الشاق في أعمال الزراعة التعويضية (Oren 1995).

لقد ركزت عناوين البطاقات البريدية، من تلك الفترة، على مواضيع مثل (“نحن نبني فلسطين”) وكانت التعليقات على الجانب الخلفي للبطاقات تشير إلى العمل في الأرض أو إعدادها لبناء مجتمع يهودي جديد يوحد الشتات (Moors and Wachlin 1995, 17).

حوّلت الصور النمطية المرئية، التي تصور الصهيونية كتجسيد للعلاقة الجديدة بين البشر والطبيعة، المشهد إلى استعارة قوية ساهمت في دعم تأسيس الدولة العبرية. وقدمت الحركة الصهيونية دفوعها هنا بصفتها تمثل الولادة الجديدة أو إعادة الولادة وليس العودة إلى الماضي. وتوضح المواقع التي اختارها المهاجرون الجدد هذا الموقف، حيث يعيش ما يقرب 80٪ منهم في المدن، وتأسست، بدءً من العام 1882، المجتمعات الزراعية في السهل الساحلي، الذي يحتفظ بمكانة هامشية في التاريخ اليهودي. وبالتالي، اتبعت عمليات شراء الأراضي استراتيجية تشكيل إقليم جغرافي سياسي، وليس محاكاة أو تكرار الماضي. ويشهد التناقض النسبي للصهاينة تجاه المواقع التاريخية لليهودية على هذه الحقيقة (Dieckhoff 1996, 165).

كما اعتمدت هذه النهضة، من بين أمور أخرى، على نسج رابط ذي مغزى بين الأرض، والمشهد المكاني، والطبيعة، وانبعاث الأمة، إلى جانب تصور قدرة الرواد  الإيجابية في صياغة المشهد المكاني بصورة أفضل (Selwyn 1995, 114). وبالتالي؛ أصبحت الطبيعة، التي تم تشكيلها وفقاً للإيديولوجية الصهيونية، مكوناً رئيساً في بناء الهوية. وهكذا فقدت فلسطين مكانتها ككيان ملموس ومعاصر بسبب النظر إليها من منظور السرديات الدينية المسيحية واليهودية في أغلب الحالات.

وقد وضعت، في الواقع، ضمن رؤية زمانية مزدوجة كمكان للأصل، كما يصوره السرد التوراتي، وكمكان مستقبلي منظور، سواء كان هذا المكان يوتوبيا دينية تتحدث عن نهاية الزمان أو كمكان يمثل الرؤية والطموح الصهيونيين الأكثر واقعية وراهنية.

1948: كيف غلّفت إسرائيل فلسطين

لم يكن للصهيونية السياسية، في مراحل نشأتها الأولى، أي توجه نحو منطقة بعينها، ولم تختر فلسطين لأسباب دينية، بل بسبب الارتباط التاريخي بأرض يمكن أن يتشكل فيها المصير القومي لليهود. وإذن، كان الارتباط بالإرث التاريخي للإقليم، وليس بقدسية الأرض (Dieckhoff 1996, 161). وكانت الخطوة التالية، بعد اختيار فلسطين، تتمثل في ضمان وجود قاعدة جغرافية هناك عن طريق شراء الأراضي للمهاجرين، والأهم من ذلك، توفير أساس شرعي لإضفاء الطابع الجغرافي الإقليمي على “شعب لا يمتلك أرضاً” وإنشاء دولة إسرائيل(5). ومن أجل تحقيق هذا المسعى، شدد أنصار الصهيونية على فكرة أن الطبيعة، والأرض على وجه الخصوص، هما مصدران للخلاص وقضية بحاجة إلى الخلاص والإنقاذ. وتم تصوير الأرض بأنها فارغة، مقفرة، وتتوق إلى عودة سكانها العبرانيين القدماء  (Zerubavel 1995, 215) . وتنعكس صورة هذا الخطاب تماماً في تفسير حرب العام 1948، الذي تجاهل الفلسطينيين بصورة كلية؛ وصوّر الحرب على أنها حرب ضد البريطانيين من أجل “الاستقلال” (עצמאות) وحرب “تحرير” من نير الوجود المبعثر (שיחרור) (Pappé 1997, 31) .

بعبارة أخرى، تم تصوير الحرب على أنها -ببساطة- شكل نضالي ضد الاستعمار مصحوباً بعودة المنفيين. وسرعان ما وضعت إسرائيل هذه الرؤية للأحداث موضع التنفيذ، عبر تطبيق سياسات تهدف إلى محو آثار ودلالات الوجود الفلسطيني.

لا تتناول هذه الورقة التاريخ [بصفته مبحثاً أكاديمياً] أو العلوم السياسية أو كتم أي تعبير يتطرق إلى الهوية أو الثقافة الفلسطينيتين، اللتان تكثفتا بشكل خاص بعد حرب العام 1967 واحتلال الأراضي الذي أعقب ذلك(6).  إنما تسعى هذه الدراسة إلى تحري السياسات العامة والخاصة المختلفة التي تستهدف بالتغيير الجذري والمستدام للمشهد المكاني من أجل ضمان أن يعكس وجوداً وهوية يهوديتين فحسب.

كان التفسير الصهيوني للنزوح الجماعي الفلسطيني بمكانة إطار نظري خدم سياسات تطوير الأراضي. وقد فُسّر على أنه نزوح طوعي، وفي بعض الحالات، بأمر من القادة الفلسطينيين، مما عزز فكرة أن الفلسطينيين كانوا مهاجرين وصلوا مؤخراً من دول أخرى ولا يحملون أي ارتباط بالأرض. وظل هذا التمثيل -دون اعتراض- عملياً ردحاً من الزمن، باستثناء ما كان يقوله الفلسطينيون أنفسهم. وقد اعتبرت سردياتهم، في العموم، غير مبررة. في حين أنها تبدو اليوم كما لو أنها تتحدى “التاريخ الجديد” لإسرائيل. ومع ذلك، لا يزال هذا التمثيل، أي التفسير الصهيوني للنزوح الفلسطيني الجماعي، حياً ويلقى صدىً ومؤيدين له، ولا تزال تتبناه بعض الأوساط الأكاديمية(7).

لم تعفِ هذه النسخة من التاريخ إسرائيل من أي مسؤولية عن “مشكلة اللاجئين” فحسب، بل إنها رسّخت أسطورة مركزية للإيديولوجية الصهيونية، ألا وهي أسطورة أرض بلا شعب.

في الواقع، أفرغت القرى الفلسطينية ومن ثم دمرت بشكل منهجي عشية  قيام الدولة. وأصبح هذا التدمير، منذ حزيران 1948، تكتيكاً سياسياً لمنع اللاجئين من العودة إلى ديارهم. واستمر الأمر حتى أواخر العام 1948 حين بدأ المجتمع الدولي يمارس ضغوطاً على إسرائيل للسماح بعودة الفلسطينيين؛ وفي أيار 1949، قررت الحكومة محو وطمس، بالأحرى تدمير، جميع القرى المتبقية(8).

وعلى النقيض من الأضرار الجانبية المتوقعة من أي حرب عادية، يصف “فلاح” (1996) نزاع العام 1948 بأنه “حرب شاملة” بسبب الإبادة المنسقة والمنهجية للمشهد المكاني الفلسطيني. وكشفت دراسته المتعمقة في الثقافة المادية الفلسطينية عن اختفاء مساحات المعيش والمباني الأخرى التي يمكن أن تشهد على الماضي الفلسطيني. كانت الهياكل العمرانية المتبقية عبارة عن مدارس أو خانات أو أديرة (ذات علاقات مباشرة بالدول الأوروبية) أو مبانٍ جذابة تعتبر غير عربية (بنيت، على سبيل المثال، خلال الحروب الصليبية)(9)

وأنشأت مستوطنات زراعية جديدة في أعقاب هذا الدمار. فظهرت بين عامي 1948 و 1949 ، 170 مزرعة، و130 أخرى في العام التالي(10). وتوسعت المزارع القائمة لتضم أراضي من القرى العربية المجاورة. وتمتعت هذه المزارع بأهمية عسكرية وسياسية لأنها أقيمت بشكل عام في مناطق تنتمي إلى دولة عربية وفقاً لخطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة في العام 1947. وفي غضون عامين فقط، أعيدت هيكلة الفضاء الفلسطيني بالكامل لتحقيق هدفين: السيطرة على الأرض، ومحو الأماكن كافة، التي تمثل التاريخ العربي للمنطقة. وبالوصول إلى تطهير جليّ للأرض، بات بالإمكان زرع هوية جديدة. وهكذا كلفت مجالات الآثار والجغرافيا ورسم الخرائط بتأميم المشهد المكاني بحيث يعكس المشروع الصهيوني ويشرعنه.

وأصبحت الرؤية الصهيونية للفضاء المحتل، ولا سيما الصلة المباشرة بين الحاضر والماضي، “حقائق موضوعية” بربطها بالأرض، والتي -بدورها- عززتها بمنحها واقعاً مادياً شبه فوري. ويعكس هذا المسعى فكرة “الوطن كمشهد مكاني homescapes (Azaryahu 2002, 149) حيث تحول الوطن من فكرة مجردة إلى واقع يمثله بقدر ما ينتجه. ويعتبر قانون الآثار الإسرائيلي للعام 1978 مثالاً جيداً على ممارسة تتوافق مع السياسة والبحث العلمي بحيث يقال عنها، على سبيل المجاز، كمن يضع قدم هنا وأخرى هناك.

وتم تطبيق القانون فقط على الموضوعات المادية التي تم إنتاجها قبل العام 1700 أو تلك التي تحمل قيمة تاريخية؛ فاستبعد القانون- على سبيل المثال- ثلاثمائة عام كاملة من التاريخ. باستثناء عدد قليل من المباني التي بناها أوائل المستوطنين الرواد اليهود، ولم يعتبر القانون أي مبنى تاريخي آخر من ذلك الوقت كقطعة أثرية ينبغي الحفاظ عليها (Benvenisti 2000, 305) .

علاوة على ذلك، وفي انتهاك صارخ للقانون، تم تدمير بعض المعالم والآثار الفلسطينية التي شُيدت قبل العام 1700 دون تفكير ولو للحظة. وهكذا اختفى الشعب الفلسطيني من فضاء وتاريخ ما بات يشار إليه منذ العام 1948 باسم الفضاء والتاريخ “الإسرائيلي”(11).

 أما فيما يتعلق بالحفريات في القدس، فتسلط [ناديا] أبو الحاج (1998) الضوء على الدور المركزي الذي يلعبه علم الآثار في إنتاج ثقافة مادية تجعل المشهد المكاني يتوافق مع جوانب معينة من التاريخ؛ بينما يتجاهل جوانب أخرى. كما لعب علم الآثار، مثله مثل العديد من المجالات العلمية، دوراً في الصراع بإنتاجه دلالات ملموسة تبرر المزاعم السياسية والثقافية. وبطريقة ما لعبت عملية رسم الخرائط دوراً مشابهاً أيضاً، فقد رفضت السلطات البريطانية، الطلبات الصهيونية بوضع أسماء عبرية لبعض المواقع بالطريقة المعتادة لمثل هذه الأمور. وكانت الخارطة التي رسمها البريطانيون، في الأربعينيات من القرن الماضي، تحتوي على حوالي 200 اسم عبراني فقط، تنتمي إلى مستعمرات يهودية. بخلاف بعض أسماء المواقع الدينية التي كانت لها -بالفعل- أسماء إنكليزية (مثل القدس\ جيروزاليم والخليل\هبرون).

كانت أسماء الأماكن ذات تمثلات مكتوبة باللغة العربية. وبمجرد إنشاء دولة إسرائيل، بُذلت جهود كبيرة لنشر الخرائط التي عكست التغييرات الجذرية التي حدثت في الفضاء واستخدمت الأسماء العبرية للطرق والمواقع والأنهار وغير ذلك. وكان لهذا غرض مزدوج: استعادة أسماء المواقع في الكتاب المقدس، ومراعاة المصالح القومية الناشئة.

ومن المفارقات أن العديد من الأسماء الحالية مشتقة من اللغة العربية. فالأسماء التي تعود لنصوص العهد القديم ومصادر أخرى تاريخية يهودية تبلغ 174 اسماً فقط (Azaryahu 2002, 159). ويعتقد المؤرخون وعلماء الآثار الكتابيون أن أسماء المواقع العربية المعاصرة هي تشويه، أو تحريف للأسماء القديمة. واستخدمت السلطات المعنية، من أجل إعادة التسمية: منهجان في العموم:

أ)-ترجمة بعض الأسماء العربية إلى العبرية

ب)-إنشاء أسماء جديدة على أساس المطابقة الصوتية homophony مع كلمات عربية.

وعلى أي حال، غيرت آلاف الأسماء من معناها. وهذا بحد ذاته محو عالم ليحل محله عالم آخر. وأصبحت الأسماء، كما يشير بنفينيستي (2000، 38-9)، حقيقة واقعة بمجرد إدخالها على الخريطة. على الرغم من أن اللجنة المشرفة على هذا العمل زعمت عدم تغيير أي خصائص مكانية للخرائط، إلا أنها اعترفت بحذف “الآثار غير المرئية”. ومع ذلك، لا تظهر العديد من القرى الفلسطينية على الخرائط رغم وجود آثار مرئية لها.

كما ظهر لبعض الأماكن اسم جديد بجانبه رمز “أطلال قديمة”. وبمجرد أن تغطي الطبيعة أو الزمن هذه “الأطلال القديمة”، تختفي الرموز من الخارطة. لذلك، “استمرت عملية دمج” الخارطة الحالية “مع” الخارطة العبرية” طالما استمرت إزالة جميع علامات السكن في القرى العربية المهجورة. وهكذا تم مسح “الأنقاض والأطلال التي لم يتبق منها أثر مرئي من الخارطة – مع أسمائها”(Benvenisti 2000, 42) .

نُشرت، في أوائل الستينيات، خارطة جديدة للبلاد تحتوي فقط على أسماء الأماكن باللغة العبرية وتصور واقعاً مختلفاً تماماً.

ولم تكن هذه الخارطة مجرد أداة للسيطرة على الأراضي فحسب، بل والأهم من ذلك أنها كانت وسيلة لحرمان من يفتقرون إلى القوة والسلطة لتسمية الأشياء ومن ثم جعلها موجودة: إن عدم وجود اسم عربي لا يعني عدم وجود فضاء عربي. لقد تم اختيار الأسماء وفقاً لمبدأين. ركز أحدهما على “الاستمرارية” الكتابية(12) والآخر على الحداثة والزاوية القومية.

ومن المثير للاهتمام، أن يضفي  انتصار الليكود في العام 1977  إلى حدوث تغييرين مهمين:

أ)-إعطاء الأولوية للأسماء التي تبدو توراتية بدرجة أكبر

ب)-تغيير اسم الضفة الغربية، التي كانت محتلة منذ عشر سنوات، إلى يهودا والسامرة فور فوز الليكود.

أعيدت تسمية الكثير من جغرافية الضفة الغربية باللغة العبرية للإشارة إلى الكتاب المقدس ووطن الأجداد. ورغم أن 20٪ فقط من الأسماء في إسرائيل لها دلالات كتابية، فقد بلغت هذه النسبة في الضفة الغربية إلى نحو 47٪ (Cohen and Kliot 1992, 666).  لذلك، بعد مرحلة العبرنة التي تهدف إلى توطين [بمعنى تأميم-المترجم] الفضاء، جاءت مرحلة تهويد المشهد المكاني من أجل إضفاء معنى ديني عليه. وتوضح هذه الممارسة السلطة المنبثقة من تسمية المكان. فعلى الرغم من عدم ضم الضفة الغربية رسمياً، إلا أن إسرائيل قامت بأعمال رمزية وحقيقية توحي بغير ذلك. فعلى سبيل المثال، اقتصر العديد من الطرق المخصصة لعبور  اليهود فقط؛ والتي استهلكت الكثير من المساحات. ومن الواضح أن القصد كان الاستيلاء على الأرض.

هذا وقد ارتفعت، في أعقاب الأحداث السياسية للعام 1977، مخصصات أراضي المستعمرات الاستيطانية بشكل كبير. ومثلت هذه السياسة حل المفارقة الجغرافيّة  للموجة الأولى من المهاجرين الصهاينة، الذين اختاروا الاستقرار في السهل الساحلي بديلاً عن التلال “الكتابية”.

قام وايزمن وسيغيل (2004، 86) بتحليل المبادئ الكامنة وراء وضع وهندسة هذه المستعمرات وحددا جانباً استراتيجياً أساسياً بالإضافة إلى الجانب الديني. ويعتقدان بأن هذه المستعمرات ليست أماكن إقامة ولكنها تشكل شبكة واسعة من “التحصينات المدنية”. فبعد توزعها واختلاطها بمواقع المشهد المكاني، ستستخدمها الحكومة الإسرائيلية لفرض سلطتها على الفلسطينيين في غياب المؤسسات الرسمية (مثل الجيش أو قوة الشرطة).

في الواقع، يمكن تشبيه هذه المستوطنات باحتلال قمم التلال. بالإضافة إلى حقيقة أنها تلبي حاجة أمنية بتوفير مراقبة شاملة للوديان حيث تقع القرى الفلسطينية، وهي  تساعد في إنشاء منطقتين جغرافيتين وطنيتين تتداخلان على طول محورين أخدهما عمودي والآخر رمزي. على حد تعبير روتبارب (2004، 52):

-في الأعلى، “يهودا والسامرة”، أرض المستوطنات والبؤر العسكرية، والطرق الالتفافية والأنفاق

-في الأسفل، “فلسطين”، أرض القرى والبلدات، والطرق الترابية، والمسارات.

[هذه] هي الطريقة التي ينظر فيها الإسرائيليون إلى المكان/ الفضاء الذي يعيشون فيه، والذي بدوره يرسم القيم بشكل مباشر: المراقِبون مقابل المراقَبين، غيتو شديد العزلة منقطع عما حوله***** مقابل محيط فوضوي، ثقافة مهددة مقابل “صانعي الصحراء” (على حد قول بن غوريون)، المدينة مقابل الضواحي، المستقبل والماضي مقابل الحاضر، اليهود مقابل العرب. لذلك استبدل الفضاء الفلسطيني بالفضاء الإسرائيلي. 

لقد تغير -بالفعل- المشهد المكاني، ودُفنت القرى أو أحاطت بها المستوطنات، ورُسمت الخرائط بأسماء أماكن جديدة. هذه هي التداعيات الجغرافيّة لأي انتصار سياسي وعسكري على “الآخر”.  

تم  اختزال هذا “الآخر” الفلسطيني” ليصبح دون اسم، ودون تاريخ ودون جغرافيا، تم اختصاره إلى مجرد أداة لتبرير الشرعية الإسرائيلية نفسها. ويشير بنفينيستي (2000، 47) إلى أن السبب وراء قيام إسرائيل بمثل هذه الجهود المضنية للقضاء على التاريخ غير العبري هو أنها كانت تدرك تماماً ارتباط الفلسطينيين العميق بأرضهم.  ولعل الذاكرة الفلسطينية هي الأثر الملموس الوحيد للماضي الذي لم تتمكن إسرائيل حتى الآن من القضاء عليه.  حيث يخلق اللاجئون ويعيدون خلق أرضهم ومشهدهم المكاني، من خلال الروايات والعادات، وتشمل الاستراتيجيات الرمزية الفلسطينية لاستعادة الوجود في الماضي والحاضر والمستقبل استخدام خرائط ما قبل العام 1948 (تُعتبر الآن “تاريخية”) ، واستخدام الأسماء العربية للقرى المدمرة بديلاً عن أسمائها اليهودية الحالية، والاستمرار في استخدام أسماء الأماكن القديمة(13).  وفي هذا الصدد؛ لعبت الأشجار دوراً محورياً في هذه الأحداث باعتبارها علامات ورموز تشير إلى تجذر كلا الشعبين في الأرض.

 شجرة مقابل شجرة

قد يبدو اقتلاع الأشجار أمراً  لافتاً للانتباه لدى مقارنته بتدمير عدة مئات من القرى،. وثمة سببان يجعلان منه ذا أهمية خاصة:

أولاً: يعتبر غرس الأشجار وإزالة الغابات، وقطع الأشجار وزراعتها من الطرق الفعالة لتحويل المشهد المكاني على المدى الطويل، والاستيلاء على الفضاء، وتأكيد الهيمنة عليه.

ثانياً: ترمز الشجرة إلى جذور الناس في الأرض. وتعتبر في هذا السياق، وسيلة للذاكرة الوطنية ومقياساً لملكية الأرض المتنازع عليها.

تشيد العديد من الأغاني الشعبية الفلسطينية بأشجار الزيتون والبرتقال، وغالباً ما ترتبط الأشجار التي تعتبر مقدسة بمواقع الدفن. لقد أصبحت الشجرة رمزاً رئيسياً لمقاومة الصهيونية، حيث إن أشجار الزيتون، والصبار، أو أي أشجار قديمة أخرى لديها القدرة على تحديد الأماكن والعودة إلى الأرض المدفونة تحت المشهد المكاني الإسرائيلي.

وعلى صعيد آخر؛ تأخذ الأشجار، بالنسبة للصهاينة، معنىً مختلفاً. فهي تمثل ،أولاً، عملية إعادة زرع ناجحة للوطن “القديم” واستمرارية رمزية بين الماضي، كما هو موصوف في نصوص العهد القديم، والحاضر. وثانياً، يعتبر اقتلاع الأشجار وسيلة لتطهير الأرض من أي دلالة من دلالات التاريخ الفلسطيني قد تتحدى إقامة الدولة العبرية. فاقتلاع شجرة شخص آخر لزرع شجرة هو، لا شك، عمل رمزي قوي.

ومن المثير للاهتمام أن الرمز ذاته أصبح ملمح مركزي في هوية وذاكرة كلا الشعبين، وإن بطرق مختلفة. ثمة ثلاثة أنواع من الأشجار ذات قيمة رمزية كبيرة. النوع الأول: الصبار، التي غالباً ما زرعها الفلسطينيون على حدود قطع الأرض والقرى.

ولا تزل أشجار الصبار شديدة المقاومة وتغطي الأرض على الرغم من المحاولات الإسرائيلية لاستئصالها. 

ترمز الشجرة إلى الوجود المسبق بالإضافة إلى صمود الجذور الفلسطينية في مواجهة الشدائد. وكلمة صبار مشتقة في العربية من “الصبر” و”شجرة الصبار”. وغالباً ما ترمز شجرة الصبار إلى النضالات الوطنية والذاكرة الجماعية في الأدب(14) والأفلام(15) واللوحات(16) والموسيقى(17). . كما أصبح  الصبار يرمز، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلى اليهود المولودين في فلسطين لتمييزهم عن المولودين في الخارج والذين هاجروا إليها(18).  

لم تمثل أشجار الصبار الحقوق المشروعة لهؤلاء اليهود في الأرض فحسب، بل جسدت أيضاً الشخصية الصهيونية الجديدة: بمعنى شخصية صلبة وشائكة من الخارج، لكنها طيبة من الداخل، مرنة للغاية، ومتجذرة بعمق في أرض الميعاد. أما النوعان الآخران من الأشجار فهما البرتقال والزيتون، اللذان يعتبران أيضاً رمزاً في كلتا الثقافتين. قام الفلسطينيون بزراعة أشجار البرتقال الأولى في المنطقة وصدّروا ثمارها قبل أن يصبح برتقال يافا هو التصدير الإسرائيلي الرائد. وترمز شجرة الزيتون (وهي الشجرة الكتابية بامتياز) إلى الارتباط بماضي الأجداد بسبب عمرها المديد.

ولأشجار الزيتون قيمة رمزية كبيرة للفلسطينيين لسببين: أولاً هي جزءً عضوي من ثقافة إقليمية موغلة في القدم، فضلاً عن تمتعها بقدر كبير من المرونة بسبب عمق جذورها؛ وثانياً هي الأشجار التي يقتلعها الإسرائيليون في أغلب الأحيان، وبالتالي فهي تمثل محنة الفلسطينيين والتي تقاوم وتظل متجذرة في الأرض، رغم المحاولات العديدة التي يبذلها المحتل لتغيير هذا الوضع بطريقة ما.

وعلى هذا تعتبر الأشجار موضوعاً رئيسياً في مزاعم كلا الشعبين في حقهم الشرعي بملكية الأرض. فيلجأ، بالتالي، الفلسطينيون والإسرائيليون إلى الطبيعة كمصدر للشرعية الجغرافية. وهنا لا تكون الأشجار دلالة رمزية فقط. بل نراها تلعب دوراً في الصراع ذاته. فمن أجل الاستيلاء على مكان الآخر في الفضاء، يجب اتباع سياسة غير مهادنة في اقتلاع الأشجار ثم إعادة زرعها.

لم تكن سياسة تدمير القرى التي بدأت في العام 1948 كافية لمحو الوجود الفلسطيني، لذلك اتخذت إسرائيل تدابير عاجلة وإجراءات طوارئ لتطهير آثار هذا الوجود وتاريخه كافة؛ من المشهد المكاني (Mitchell 1999, 250) . فصدر، في العام 1948، قانوناً يمكّن وزارة الزراعة من مصادرة الأراضي البور وتسليمها إلى مزارع آخر. كان هذا القانون وسيلة لمصادرة الأراضي الفلسطينية قبل صدور قانون أملاك الغائبين (1950)، الذي سمح بتأميم أراضٍ وممتلكات بمليارات الدولارات(19) . وسلمت الحكومة الإسرائيلية، في العام 1948، 500000 دونماً لمزارعين يهود ليتمكنوا من “جعل الصحراء تزهر وتتفتح” (Benvenisti 2000, 158)

ونظراً لكونه ضرورة لتحديث الزراعة حسب المزاعم الإسرائيلية، فقد جعل نقل الأراضي هذا من شبه المستحيل عودة المزارعين الفلسطينيين، بسبب انتزاع مصادر رزقهم. لقد تم تطهير فضائهم من جميع الأشجار لأن الأشجار كانت بمكانة تذكير مرئي بأن الأرض لم تكن في الواقع مقفرة ولكنها كانت ملكاً لسكان يعتنون بها. غير أن هذه الإجراءات أثبتت أنها غير كافية -على الأقل- بسبب ضغوط المستوطنات الزراعية والرغبة المتزايدة في الاستيلاء على الأراضي من القرى العربية المجاورة، ونتيجة لذلك، أعلن أن أراضي الفلسطينيين في مناطق عديدة مناطق مغلقة، مما منع أصحابها الفلسطينيين من رعايتها وجني محاصيلهم. وبمجرد أن أصبحت أرضهم بور بسبب الإهمال، استولت الحكومة عليها وسلمتها لليهود. كما تعمدت السلطات، في بعض الحالات، غض النظر عن إتلاف المحاصيل من أجل جعل الأراضي الزراعية بور وبالتالي تصبح جاهزة ومؤهلة للمصادرة في أقرب وقت أقرب. تم اقتلاع عشرات الآلاف من الدونمات من بساتين الزيتون من الأرض.

بالتوازي مع هذا التطور، حُرثت عشرات القرى الفلسطينية أو غُرست بالأشجار، فلم يعد من الممكن التعرف عليها. وظهر العديد من الغابات الصغيرة بين الحقول المزروعة كدليل على ازدهار الطبيعة. في الواقع، غالباً ما كانت تلك الكتل من الغابات تخفي بقايا القرى.

لقد علمت مؤلفة هذه الدراسة أثناء سفرها مع أحد كبار السن الفلسطينيين في سيارة أجرة مدى أهمية “خرائط الذاكرة”. “وبعد أن عرّفت الركاب على موضوع بحثي بدؤوا يصفون الجغرافيا التي تم محوها من المشهد المرئي. وقد اكتشفتُ على طول الطريق من غزة إلى القدس، منظراً يبدو مخفياً الآن، لكنه لا يزال حياً في ذاكرة سكانه السابقين”.

معظم الغابات المزروعة كانت  عن طريق الصندوق اليهودي القومي، الذي رعى العديد من المبادرات منذ بداية القرن العشرين. حيث بدأ الصندوق، في أول الأمر، بزراعة أشجار الفاكهة لأنها عززت معنى الخلاص redemption عبر العمل الزراعي الأمر الذي حافظ على بقاء المستوطنات الزراعية الأولى ودعمها. كانت رمزية غرس الأشجار أكثر أهمية خلال تلك المدة لأنها دلت على استعادة الروابط مع الأرض وعززت شرعية المزاعم الصهيونية. وتوضح الأحداث التي وقعت في غابة هرتزل، والتي بدأ غرسها في العام 1906، مدى قوة رمز زراعة الأشجار. فوفقاً لكارول بردينشتين (1999) ، استأجر المهندس الزراعي المسؤول عن غرس الغابة عمالاً عرباً مما أثار حنق واحتجاج العمال اليهود فنظموا مسيرة للمطالبة بالحق في زراعة الأشجار. واقتلعوا خلال المظاهرة الشتلات [التي زرعها العرب] ثم قاموا بزراعتها بأنفسهم مرة أخرى. وفي النهاية تمت تلبية مطالبهم.

كان الهدف الرئيس من غرس الأشجار، بعد العام 1948، محو الآثار المادية للمشهد المكاني الفلسطيني وغرس جذور الهوية والذاكرة اليهودية. واليوم، يستمر الصندوق القومي اليهودي في ترسيخ أسطورة الأرض الخالية من الناس “أرض بلا شعب”. كما يذكر موقعه على الإنترنت: “لم تكن الغابات والمتنزهات دائماً جزءً من  مشهد طبيعة أرض إسرائيل(20). وجد الرواد اليهود الأوائل الذين جاءوا إلى أرض إسرائيل في نهاية القرن التاسع عشر أرضاً مقفرة لم تؤمن لهم ظلال على الإطلاق(21)”

تُصوِّر جميع أدبيات الصندوق القومي اليهودي الصهاينة على أنهم المُلّاك الشرعيون للأرض، على عكس السكان الذين كانوا موجودين بشكل طارئ ومؤقت، مما تسبب في إهمال الأرض وتصحرها. ويضم أرشيف صور الصندوق على صور “قبل” و “بعد” العودة الصهيونية. وتظهر الصور الحركة الصهيونية بالصورة الإيجابية عينها: لقد عدنا، قمنا بإخصابها، ولذلك هي لنا… من حقنا . (Bardenstein 1999, 158–9)

وأصبح، اليوم، غرس الأشجار نشاطاً وطنياً تقريباً، إن لم يكن طقساً إلزامياً. في المدارس، خلال العطلات، لإحياء ذكرى حدث أو وفاة، يتم تشجيع الإسرائيليين واليهود في الخارج، وحتى السياح على زرع شجرة. ويعبر أحد مواقع الصندوق القومي اليهودي على الإنترنت الذي تم إنشاؤه في العام 2003 في ذكرى حرب 1973 بشكل جميل عن رمزية زراعة الأشجار: قام موقع الصندوق القومي اليهودي” كيرين كيميت” بزراعة 220 مليون شجرة منذ العام 1908، أو ثلاثة ملايين ونصف المليون سنوياً. زرع الأشجار يثبت ملكيتنا لهذه الأرض. هذه الأرض لها مالك واحد يطورها ويزرعها [. . .] هناك حاجة لزراعة 20 مليون شجرة إضافية لإعادة تشجير النقب [. . .] كل يوم تُزرع فيه شجرة هو يوم نصبح فيه أكثر تجذراً في أرض أجدادنا(22)..

يصبح هنا للأشجار معنى رمزي مزدوج، فهي لا تمثل أصحاب الأرض فحسب، بل تمثل أيضاً عملهم وقدرتهم على جعل الصحراء  تزهر وتتفتح، أو بالأحرى تزدهر مرة أخرى، حيث يقال إن النقب بحاجة إلى إعادة تشجير. هذه الرمزية تنزع الشرعية عن المطالبات الفلسطينية لأنها تصورهم كمتسببين في تصحر الأرض بسبب قلة عنايتهم وتعلقهم بالأرض.

وبما أن الخلاص يأتي من العمل وينعكس العمل في المشهد المكاني من خلال الأشجار المزروعة حديثاً، فإن الطبيعة تلعب دوراً رئيسياً في بناء الهوية الإسرائيلية.

وفي سياق مماثل، تنظم، كل عام، جمعية حماية الطبيعة في إسرائيل (SPNI) مئات الجولات في الريف والقدس للطلاب والبالغين (المدنيين والعسكريين على حد سواء). ويشرح الموقع الإلكتروني لهذه المنظمة غير الحكومية(23)، التي لها علاقات وثيقة مع الحكومة، بأن هدفها هو تعزيز “الاحترام والحب وفهم الطبيعة والأرض”. لجعل التاريخ الطبيعي والتاريخ الاجتماعي يبدوان مرتبطين ارتباطاً جوهرياً، فهي تدعو الناس إلى أن “نحوّا السياسة جانباً وتقدموا للحفر في التاريخ والأنثروبولوجيا والبيولوجيا”.

وفي الواقع -تعزز هذه الجولات -كما يظهر سيلوين (1995 ، 119-22)- من النزعة الوطنية عبر التثقف العملي أثناء الاتصال المباشر بالأرض والتاريخ الاجتماعي القديم والمعاصر والعمارة مع التركيز على النقاط الاستراتيجية مثل “حرب الاستقلال” أو المستوطنات الحديثة. وتكاد الجولات لا تذكر العرب. وهناك القليل من الإشارات إلى المصريين (فيما يتعلق بحرب العام 1948) وإلى الأفندية، أي كبار ملّاك الأراضي العرب الذين باعوا الأراضي للمستوطنين الأوائل. وتشجع الحوارات والأحاديث التي يتم تقديمها خلال هذه الجولات على الأحكام الأخلاقية بين الذات -التي تعتبر جيدة – والآخر – الذي يعتبر سيئاً ومدمراً للطبيعة والثقافة، والذي يمثل الفلسطينيين، من بين آخرين، وهكذا  تُصوَّر إسرائيل على أنها  الحارس الوحيد والوصي الشرعي على الطبيعة.

ويرتبط الدفاع عن الدولة الدفاع عن الطبيعة في إسرائيل. وتشير الكلمة العبرية הגנה هاغاناه، في الواقع، إلى كليهما. ويُعتقد أن حماية المشهد المكاني هي أضمن طريقة لحماية الأمة، ولهذا السبب تصنف الحكومة الإسرائيلية عمل جمعية حماية الطبيعة في إسرائيل على أنه جهد حربي كما يشير  إلى ذلك سيلوين (131)

وفي الواقع، أصبحت الأشجار أهدافاً في الحرب ورهناً لها، لا سيما في المراحل الأولى من الانتفاضة الأولى. فقد أضرم الفلسطينيون النار في العديد من الغابات، بين عامي 1988 و 1990، بأوامر من قادتهم، وقد تسبب هذا في خسارة مالية لإسرائيل، غير أن تدمير الفلسطينيين للأشجار المزروعة بشكل غير قانوني في أراضيهم للتغطية على قراهم كان بمنزلة عمل رمزي لتدمير المحتل. وكان رد فعل الإسرائيليين قوياً على ما اعتبروه تحدياً لهويتهم الوطنية. وادعى البعض منهم أنه يمثل رغبة تدميرية غير مبررة لدى الفلسطينيين، بديلاً عن تفسير الأمر على أنه عمل سياسي؛ مما جعل إسرائيل تبدو مالكاً أكثر شرعية للأرض (Zerubavel 1996, 85). ونشرت بعض الصحف لإسرائيلية رسم  كاريكاتوري لعرفات يظهر فيه وهو يُصدر شهادة “حرق الأشجار” لمحرقي الأشجار على غرار شهادات غراس الأشجار الصادرة عن الصندوق القومي اليهودي (Bardenstein 2005).

تضمن رد الفعل الإسرائيلي عنصرين متعارضين جذرياً ولكنهما، رغم ذلك، مكمّلان لبعضهما البعض. أولاً، أطلق الصندوق القومي اليهودي بسرعة حملة “شجرة مقابل شجرة” في إشارة إلى المأثور  الكتابي “العين بالعين”. من أجل تغيير المشهد المكاني بشكل واضح، كما شجع الجمهور على إعادة زراعة شجرة مقابل كل شجرة تم نزعها. وبما أن الغابات الإسرائيلية الجديدة أثبتت من هو مالك الأرض -فليس من قبيل المصادفة- أن يقع اختيار التشجير على مواقع القرى الفلسطينية القديمة. وفي غضون ذلك، اقتلعت عشرات الآلاف من الأشجار الفلسطينية في الأراضي المحتلة(24).  معظمها أشجار مثمرة قديمة. ربما كانت العناية التي تتطلبها هذه الأشجار ما زالت تشكل تذكيراً واضحاً للغاية بأن الأرض لم تكن مقفرة قبل وصول المزارعين اليهود. كان معظمها من أشجار الزيتون، وأعيد زرع أكثرها قوة في المستوطنات اليهودية. وعندما لا يتمكنون من اقتلاع الشجرة لسبب أو لآخر، يستخدمون المنشار لقطع الشجرة من أصلها. لكن هذا لم يكن له الأثر المتوقع، إذ بدأت بعد حين براعم جديدة تنبت من جذوع الأشجار، وبدت أشجار الزيتون كأنها ترمز إلى صمود الفلسطينيين أمام محاولات إسرائيل لتدميرهم.

تعني الشجرة التجذّر في الأرض،  وهي بكل المقاييس رمزاً طبيعياً للجذور الاجتماعية والثقافية للشعب. وكان الغرض مما يسمى بالسياسة “البيئية” هو اقتلاع شعب من جذوره لزرع شعب آخر مكانه. وأثرت هذه الممارسات على المشهد المكاني بطريقتين: تصحر الأراضي الزراعية الفلسطينية(25)، (وهذا التصحر يعود في جزء منه إلى استغلال إسرائيل للمياه) وتشجير الأراضي الإسرائيلية. ورسخت تغييرات المشهد المكاني لطبيعة الأرض، الصهيونية بصورة رمزية. كان الإسرائيليون قادرين على تكريس ملكيتهم للأرض بالسيطرة على الفضاء وإثبات تفوق قيمهم بخلق أدلة مرئية على أنهم وحدهم من يستطيعون جعل الصحراء تزدهر.

والآن، كيف يتناسب هذا الوضع مع عملية أوسلو، التي كانت تهدف إلى إحلال السلام وقبول وجود مشترك- لم يعد -حصرياً- على هذه الأرض؟  ولا أقصد هنا تحديد جميع تعقيدات هذه العملية(26) ولكن أود استكشاف النقاط التي أثيرت أعلاه بعمق أكبر من خلال فحص الرواية الصهيونية وتثبيتها في المشهد خلال هذه المدة -بإيجاز-.

الأرض مقابل السلام

ركزت عملية أوسلو(27) على مبادلة الأرض بالسلام. غير أنه ثبت صعوبة تنفيذ مثل هذا التبادل، لاسيما، في هذا الجزء من العالم. ورغم تركيز وسائل الإعلام على أي اتفاق محتمل أو استئناف للمحادثات أو تقدم على الأرض، من النادر ذكر الواقع اليومي في هذه المجالات(28)، ناهيك عن الجوانب الرمزية الكامنة وراء هذا الواقع. ويبدو المشهد المكاني أكثر شفافية من السياسيين.

أقامت إسرائيل، منذ بدء عملية أوسلو، ثلاث مستوطنات جديدة رسمياً (و42 مستوطنة بشكل غير رسمي) في الأراضي الفلسطينية، وبذلك يصل العدد الإجمالي للمستوطنات الرسمية إلى 145 مستوطنة (أو 200 إذا تم تضمين المستوطنات غير القانونية التي تبدو الآن مزروعة  بثبات). وارتفع عدد المساكن في هذه المستوطنات بين أيلول 1993 وتموز 2000، بنسبة 52.5٪(29).  وفي موازاة ذلك، استولت إسرائيل على الأراضي المحيطة باسم “التوسع الطبيعي”. واشتدت العملية  الاستعمارية منذ الانتفاضة الثانية. فبعد خمسة أيام فقط من إعلان انسحابها أحادي الجانب من قطاع غزة في 20 شباط 2005 ، وافقت الحكومة على  بناء 120 مستوطنة غير قانونية وأعلنت عن خطط لبناء أكثر من 6000 منزل في الضفة الغربية في العام 2005. واستولت بين عامي 1995 و 1997، على أكثر من 20 ألف دونم لبناء حوالي ثلاثين طريقاً لربط المستوطنات بإسرائيل. وتمت الموافقة، في العام 1998، على إنشاء 12 طريقاً جديداً؛ 

يتراوح عرض بعضها ما بين 50 إلى 100 متر. ومع ذلك  فهي محاطة بمناطق أمنية محظورة على الفلسطينيين، مما يزيد عرضها الإجمالي إلى 200 متر (Fouet 2000). وأدت هذه الطرق إلى تدمير العديد من المزارع والحقول وعزل الفلاحين الفلسطينيين عن أراضيهم. مما يجعل هذا الفضاء المتشرذم غير صالح للسكن من الناحية الاجتماعية.

وبالإضافة إلى الإجراءات الحكومية، ارتكب المستوطنون أنفسهم انتهاكات عديدة، بما في ذلك اقتلاع الأشجار وإتلاف المحاصيل. وفي بعض الأحيان، تتحول مواجهاتهم مع الفلسطينيين إلى أعمال عنف، مما يؤدي إلى إصابات أو حتى خسائر في الأرواح. ومع ذلك، وبفضل وضعهم خارج  الإقليم، لا يخضع المستوطنون للقضاء الفلسطيني. وتتغاضى السلطات الإسرائيلية، في معظم الحالات، عن أفعالهم. ويشير تقرير دوداي (2002) حول تطبيق القانون على المستوطنين في الأراضي المحتلة، إلى إدانة 7٪ فقط من الإسرائيليين ممن قتلوا فلسطينيين، وغالباً ما كان يغلق نصف ملفات هذه الحالات أو حتى عدم التحقيق فيها، ومعظم العقوبات تكاد تكون رمزية(30).

ويجيز القانون الإسرائيلي، في كثير من الحالات، تدمير الأراضي الفلسطينية. ففي مقال نُشر في صحيفة “هآرتس” ( 23 كانون الثاني 1999)، يروي الصحفي ج. ليفي قصة المزارع الفلسطيني عايش أبو حلوان، من بيت دجن، إلى الشرق من نابلس في الضفة الغربية، يقول ليفي أن أبو حلوان هذا زرع في العام 1987 حوالي 600 شجرة زيتون وقام برعايتها لمدة اثني عشر عاماً. 

وفي العام 1999، أمرت السلطات الإسرائيلية بإتلافها باعتبار الأرض زرعت بشكل غير قانوني، على الرغم من حقيقة أن أبو حلوان يمتلك الأرض. وبسبب التربة الصخرية في هذه المنطقة، تبدأ أشجار الزيتون في الإنتاج فقط بعد اثني عشر عاماً. وعندما كان أبو حلوان على وشك جني أولى ثمار عمله الطويل، “اكتشفت” السلطات الإسرائيلية فجأة أن الزرع غير قانوني.

يبدو هنا، مرة أخرى، أن الفكرة هي إظهار من هو سيد الأرض.

ومع بداية الانتفاضة الثانية، ازداد الوضع سوءً. فقد تم تدمير المزيد من الأراضي واقتلع المزيد من الأشجار. بالإضافة إلى ذلك، ما فتئت إسرائيل تمارس عقاباً جماعياً. ففي قطاع غزة وحده، قام الجيش الإسرائيلي بتجريف أكثر من 7000 دونم بين 29 أيلول 2000 و 14 شباط 2001، كان 80٪ منها أرض مزروعة (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 2001). وقد لاحظت مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان التي تبحث في هذه الأعمال اليومية أن تدمير الأراضي يرتفع خلال موسم الحصاد.

أخيراً، منذ حزيران 2001، منع جدار طوله 660 كيلومتراً الفلسطينيين من دخول إسرائيل. وفي تموز 2004، حكمت محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد هذا الإجراء الأحادي الجانب من قبل الحكومة الإسرائيلية. ويبلغ ارتفاع الجدار 8 أمتار، وتحده منطقة أمنية تمتد على مسافة 50 متراً من كل جانب وبني ما نسبته 90٪ منه على أراضٍ استولت عليها السلطات الإسرائيلية من الفلسطينيين، تمت تعريتها تماماً من الأشجار والغطاء النباتي.

يمنع وجود الجدار الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وبحصرهم في تجمعاتهم العمرانية، فضلاً عن تغيير الفضاء بشكل جذري.

علاوة على ذلك، أعادت حكومة أرييل شارون، في 8 تموز 2004، وبهدوء العمل بقانون أملاك الغائبين للعام 1950، الذي شرّع مصادرة غير قابلة للتعويض لأراض ومبان عزل عنها الفلسطينيون بسبب الجدار. كما نقلت صحيفة هآرتس  (21 كانون الثاني 2005)  عن ميرون بنفنستي قوله إن نصف ممتلكات القدس الشرقية معرضة للمصادرة.

باختصار، تواصل الدولة العبرية إضفاء الطابع الجغرافي على التاريخ والهوية الإسرائيلية عبر مزيج من الإيديولوجية والقيم الصهيونية، باستخدام الخرائط والآثار، وسياسات تطوير الأراضي وغيرها من الممارسات العامة والخاصة، سواء عبر القنوات القانونية أو بالقوة من خلال آليات الفرض.

تنكر هذه العملية شرعية وحتى وجود الماضي الفلسطيني، الذي تم محوه حرفياً من الخريطة. و

من الواضح أن الأرض والمشهد المكاني ليسا في قلب الصراع فحسب، بل أيضاً هما في قلب التمثلات الرمزية الفلسطينية والإسرائيلية. ويعتمد كل من المشهد المكاني والأرض، كخلفية للهويات الوطنية لكلا الشعبين، على الثقافة أكثر من اعتمادهما على الطبيعة، حيث إنهما يعملان-الأرض والمشهد المكاني- عند كلا الجانبين كوسائط بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والنسيان. فيتم نقش الرموز الإسرائيلية في الفضاء كدليل مرئي على الحيازة، بينما تحفر الرموز الفلسطينية في ذاكرتهم الجماعية.

ولا تزل المفارقة قائمة؛ فقد عملت إسرائيل -بطرقها ومستوطناتها وزراعتها المكثفة وغاباتها وجدارها- بتغيير المشهد بالكامل وإرساء شرعيتها في محاولة منها لمحو جميع آثار الماضي الفلسطيني. لم تعد الطبيعة تشبه التصورات اليهودية التي كان يُقصد بها التعبير عن الاستمرارية بين الماضي الكتابي والحاضر. وكما يقول رافي سيغال وإيال وايزمان (2003 ، 92): الشيء ذاته الذي يجعل المشهد “كتابياً” أو “رعوياً” – أي أنماط الاستيطان التقليدية وزراعتها في المدرجات وبساتين الزيتون والمباني الحجرية ووجود المواشي- هو الشيء الذي ينتجه الفلسطينيون الذين جاء المستوطنون اليهود ليحلوا محلهم.

ومع ذلك، أولئك الذين يزرعون “بساتين الزيتون الخضراء” ويجعلون المشهد  كتابياً -هم أنفسهم- مستبعدين من المنظر العام والمشهدية البانورامية.

فالفلسطينيون حاضرون هنا لإنتاج المشهد ثم بعد ذلك يختفون.

….

المصدر:https://www.cairn-int.info/article-E_ETRU_173_0067–erasing-palestine-to-build-israel.htm?contenu=article

هوامش المترجم

* يشير مصطلح agent في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية والأنثروبولوجية إلى الأفراد والمؤسسات والجماعات التي تقوم بأدوار نشطة تؤثر في المجتمع وتتفاعل فيما بينها لتغيير أو تشكيل واقع اجتماعي وسياسي، وهو يدل من الناحية السياسية على الأشخاص الذين ينفذون أعمالاً بالوكالة عن ولمصلحة الآخرين. وفي سياق  المقالة هنا يقصد به الجهات التي تلعب دوراً نشطاً في تشكيل وتنفيذ السياسات أو الإجراءات المتعلقة بالفضاء الفلسطيني والإسرائيلي، سواء عبر هيئات عامة حكومية رسمية أو منظمات دولية أو جهات أخرى خاصة من  شركات ومستثمرين وأفراد يشاركون في تطوير الأراضي أو المشاريع الاستيطانية  لتغيير أو إعادة تشكيل الفضاء لتحقيق أهداف معينة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.

** يستخدم تعبير “ Ethnoscapes” في النص لشرح فكرة المشهد الثقافي والاجتماعي بصفته فضاءً حيوياً يتألف من مستويات متعددة مثل الثقافات والهويات والقوى السياسية والاقتصادية والتكنولوجية وغيرها، حيث تعمل جملة التفاعلات المركبة للفضاء الاجتماعي والجهات الفاعلة على إحداث تغيير متواصل؛ يؤثر /يساهم  في بناء الهويات والثقافات. كما يشير المصطلح إلى معنى “الوطن كمشهد مكاني” للدلالة على الارتباط الوثيق بين الوطن والوطنية والفضاء والهوية الثقافية من خلال المكان والمساحة والجغرافية البشرية، بما في ذلك العرق والشعب والأثنية واللغة والتقاليد وغيرها من الملامح التي تعني اعتبار المكان جزءً من هوية وطنية وتاريخ وطني، وأن الأماكن والمواقع تمثل وتعبر عن الوطن وثقافته وهويته الوطنية. حيث يكون  للعلاقة بين الفضاء المادي والتجربة الثقافية للأفراد والمجتمعات في هذا الفضاء (أي فلسطين/إسرائيل هنا) دور جوهري في تشكيل المشهد المكاني والمجتمعات المحيطة به باعتباره فضاء مشبع بصراعات ثقافية وسياسية، تؤسس الأدوات اللازمة لبناء الهويات الوطنية وتشكيل الذاكرة الجماعية للفلسطينيين والإسرائيليين -على حد سواء.

ويبدو أن الفكرة ترتبط بالسياق الصهيوني لجهة تمثلات الواقع المادي في الفضاء المكاني، حيث أثرت (ولم تزل) الحركة الصهيونية -في سعيها إلى إنشاء دولة يهودية في فلسطين والتأكيد على الارتباط الوطني والتاريخي لليهود بالأرض- على تجربة الأفراد والمجتمعات، في تشكيل الهويات والسياسات في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني واستخدام الرموز المتنوعة.

وفي هذا السياق، يمكن أن يُفهم “الوطن كمشهد مكاني” كجزء من الجهود الصهيونية لترسيخ هوية وطنية يهودية في المكان. وبالتالي محو الوطن الفلسطيني وتغيير المشهد الجغرافي البشري لمصلحة الصهيونية وسوف تستخدم الصهيونية علاقات القوة والسلطة وما يربطها من سياسات لتدمير الهوية والتاريخ الفلسطينيين ومواقع تمثيلهم وتمثيل  تاريخهم، وإقامة مجتمع استيطاني يهودي موازٍ قابل للتوسيع على حساب الأرضي الفلسطينية. وليس هذا سوى جزء من المقاربة الصهيونية لتأكيد وجودها “القومية والتاريخي على الأرض، في ذات الوقت الذي تعمل فيه على تهميش وطمس الهوية الفلسطينية. واستمر الحال بصورة أشد ضراوة بعد العام 1967 حين عملت إسرائيل -ومازالت تعمل- على استخدام الاستيطان آليات تطهير إثني وأبارتيد كأدوات فعالة لتغيير المشهد الجغرافي وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد مجموعة من “سكان أصليين” منقطعين عن الحداثة

*** يشير مصطلح “تجريبي empirical“، إلى النظر في الحقائق والبيانات الملموسة والملاحظات المباشرة في البحث أو التحليل، بدل الـتأمل النظري أو الاستنتاجات الفلسفية. وفي حالة إدوارد روبنسون، يشير النص إلى اعتماده طريقة تجريبية عند تحديد المواقع الكتابية؛ مما يعني اعتماده على البيانات المتاحة والملاحظات الشخصية والأدلة المادية لتحديد هذه المواقع وليس الأساطير أو الأفكار الدينية أو الفلسفية.

**** “التاريخ الوضعي positive history” مقاربة تركز  على تفسير التاريخ بناءً على الوقائع والأحداث والمواقع التاريخية التي حدثت بالفعل، والتي يمكن استخدامها لتأكيد مدى توافقها مع الرواية أو السرد الذي يعتقد أنه يمثل التاريخ “الوضعي”. وفي حالة إدوارد روبنسون، يشير المصطلح إلى كيفية تحديد المواقع الكتابية وفقاً لما اعتبره تركيزاً في البحث عن الأدلة المادية والموثقة التي تدعم القصص والأحداث المذكورة في النصوص الدينية.

***** لم أجد عبارة مناسبة لترجمة redemptive agriculture وما اخترته هو مجرد اجتهاد قد لا يكون دقيقاً. ويمكن استخدام تعبيرات مختلفة لتوضيح المفهوم المقصود مثل “الزراعة ذات الأهداف الروحية” أو “الزراعة التي تهدف إلى التحرير والخلاص”، بما يساعد على توضيح المعنى، ولعل شرحاً إضافياً قد يفيد المعنى، فمن سياق النص يشير المصطلح إلى أسلوب عمل يسعى للتخلص من حالة “سلبية” عن طريق جهود متنوعة (من بينها الجهود الزراعية) بهدف تجديد الروابط مع الأرض واستعادة الهوية والتاريخ الثقافي المفقود. وفي حالة الصهاينة الأوائل، كان يقصد به الجهد المبذول لتجديد روابطهم مع الأرض بصفتها “أرض الآباء”، وبالتالي تحقيق الفداء أو التحرير من حالة الشتات التي عانوا منها في أنحاء العالم (يحلو للبعض تسميتها نفي وعي المنفى). وسوف يكون للنشاط الزراعي دور في إعادة الروح والحيوية للأرض في إطار عملية تجديد الهوية القومية والبناء الثقافي؛ ومن الواضح أن هدف الصهاينة الأوائل كان التركيز  على الأبعاد الثقافية التاريخية بالدرجة الأولى وليس بالضرورة أن تحمل بالضرورة أبعاداً دينية (ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن المستوطنين الأوائل كانوا “اشتراكيين” و”علمانيين” و”قوميين”).

ورغم أن الهدف من هذا النشاط الزراعي كان مادياً تجارياً من الناحية الاقتصادية؛ إلا أنه كان أيضاً تتويجٌ لإيمان روحي وثقافي يعزز الروابط بالأرض والهوية والمجتمع، ولعل فكرة هذا النشاط الزراعي “التعويضي الخلاصي” أتت من النشاط المشترك في المزارع “الكيبوتز” الشبيه بالتجارب الزراعية السوفييتية الاشتراكية “الكولخوز” التي تحمل معاني العمل الجماعي التشاركي لترسيخ قيم وأهداف اجتماعية وثقافية وربما بيئية فضلاً عن كونها عملاً اقتصادياً في المقام الأول.

*****وردت في النص الأصلي Cartesian ghetto [غيتو ديكارتي]؛ وهو تعبير وصفي مجازي للإشارة إلى وضعية فكرية أو اجتماعية تتميز بالعزلة والانفصال الشديدين عن الواقع الأوسع، فالمنهج الديكارتي العقلي الصارم القائم على الشك المنهجي في البحث عن الحقيقة يعبر عن حالة انفصال فكرية وعزلة نظرية عن التأثيرات الخارجية والمعطيات الواقعية. ويمكن لهذا الانعزال أن يؤدي إلى تصورات متحيزة ومحدودة لا تأخذ في الاعتبار  المحيط الحقيقي الخارجي.  أما كلمة غيتو “ghetto” فهي معروفة وتشير إلى منطقة معزولة، غالباً ما تكون فقيرة ومهمشة، يسكنها جماعة معينة (اليهود في الغالب) تُفرض عليها قيود تحد من حرية الحركة والانخراط مع المجتمع الأوسع فتخلق بيئة مغلقة فقيرة من حيث التنوع والتفاعل مع الخارج. وعلى ضوء هذا؛ يمكن استخدام المصطلح لوصف مواقف أو نظريات تتبنى وجهة نظر واحدة جامدة وثابتة، تتجاهل التغيرات المحيطة، مما يؤدي إلى فهم محدود وضيق للواقع. وفي سياق النص، قد يكون استخدام هذا التعبير للإشارة إلى كيفية تبني بعض الأطراف أو الفاعلين منظوراً محدوداً ومعزولاً يتجاهل تعقيدات وتداخلات الفضاء الاجتماعي والسياسي. وهكذا عند دمج الكلمتين معاً نحصل على توصيف لموقف يتميز بالعزلة والانغلاق الشديد. بمعنى آخر، يوحي التعبير بعزلة فكرية شديدة تجعل التفكير محدودًا ضمن إطار معين دون التفاعل مع التحديات والتعقيدات الخارجية. لنتخيل -على سبيل المثال- أن هناك جماعة بشرية تتبنى طريقة تفكير معينة تقوم على التحليل العقلي الدقيق والشك المنهجي، مثل طريقة ديكارت. ولكنها -في المقابل- تفعل ذلك بطريقة تجعلها معزولة عن التفاعل مع الأفكار والتطورات الخارجية. بمعنى أنها تعيش في “غيتو” فكري ضمن حدود ضيقة ومعزولة رغم تفكيرها العقلاني والمنهجي.

هوامش المؤلف

  1. يشير هذا المصطلح هنا إلى فلسطين التاريخية؛ ما لم يذكر خلاف ذلك
  2. للمزيد حول التمثيلات والممارسات الغربية وسياسات القوة للدول للسيطرة على المواقع الدينية، انظر، Silberman (1982).
  3. قام موريس (2001) بتحليل صور فلسطين المتداولة بين أواخر القرن التاسع عشر والعام 1948 وأظهر كيف تحولت فلسطين إلى “متحف حي” وليس دراستها في ضوء معالمها التاريخية والمعاصرة.
  4. للمزيد حول التوجهات الكتابية المتحيزة في التاريخ، انظر، ويتلام (1996)؛ وبخصوص علم الآثار، انظر غلوك (1995) و [ناديا] أبو الحاج _1998)، وللمزيد عن تحيز المستشرقين في الإنتاج العلمي والأدبي، انظر، [إدوارد] سعيد (1980).
  5. حققت هذه السياسة نجاحاً محدوداً. في العام 1948 ، كان اليهود يمتلكون 7٪ فقط من أراضي فلسطين (Farsoun and Basso 1998, 78).
  6. للمزيد حول كيفية انعكاس ذلك في البحث الأكاديمي ، انظر Kimmerling and Migdal (2003), Pappe (1997), Said and  Hitchens (1988), and Whitelam (1996). وبخصوص القمع الإسرائيلي للثقافة الفلسطينية، أو في بعض الحالات، إعادة الاستيلاء عليها، انظر، Abu-Hadba (1994) and Benvenisti (1983).
  7. فعل ذلك على سبل المثال Peters (1984) في عمل حديث له، والذي، بعد أن أشاد به بعض النقاد، اتهمه Finkelstein (1995, 22) بأنه من بين “أكثر عمليات الاحتيال إثارة التي تم نشرها عن الصراع العربي- الإسرائيلي “. نقلاً عن وثائق أرشيفية دحض Finkelstein (1995) and Said and Hitchens (1988) مزاعم بيتر. لمعرفة المزيد عن أسطورة الهجرة الجماعية الفلسطينية، انظر، Flapan (1987)
  8. تم الاستشهاد بأرقام مختلفة. أحصى موريس (1987) 369 قرية، بينما أحصى فلسطينيون آخرون ما يصل إلى 480 قرية. يزعم الخالدي (1992, xix) أنه تم إفراغ 418 قرية، 382 منها دمرت بالكامل تقريباً. وبقيت سبع قرى فقط سليمة إلى حد ما وأعيد توطينها من قبل اليهود.

تم بناؤها -في معظم الأحيان- في القرى من قبل البريطانيين.

  1. أو 300 في أقل من ثلاث سنوات. وبالمقارنة، أنشأ 243 مستعمرة زراعية خلال 66 عاماً من الهجرة اليهودية إلى فلسطين قبل إنشاء دولة إسرائيل (Benvenisti 2000).
  2. تم هذا المحو أيضاً من خلال المصطلحات المستخدمة للإشارة إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل. عندما لم يكن متاحاً إزاحتهم، فأصبحوا “العرب الإسرائيليين”. وكان يشار إلى أولئك الذين صودرت ممتلكاتهم أو الذين حُرموا من بعض الحقوق المدنية تمت الإشارة إليهم باسم “الغائبين“.
  3. هذا في الواقع استمرارية وهمية تربط بين الأزمنة الكتابية بالدولة العبرية الجديدة، لأنها تتجاهل تماماً  كل ما حدث خلال المدة الزمنية الولية الممتدة بينهما.
  4. عمل الدباغ (1966) والخالدي (1992) عبارة عن مجموعات موسوعية لمعلومات تاريخية وديموغرافية وجغرافية وبيئية عن القرى التي اختفت، وقدما مواقع هذه القرى على الخريطة. وتشمل أعمالهما أيضاً روايات شخصية مباشرة لفلسطينيين يصفون تخطيط قراهم المدمرة.
  5. للمزيد حول رمزية الأشجار في الأدب والشعر الفلسطيني والإسرائيلي ، انظر Bardenstein (2005).
  6. انظر الفيلم الوثائقي عن الذاكرة الفلسطينية بعنوان الصبار للمخرج السويسري باتريك بيرج (2000).
  7. قام [كمال] بلّاطة (2001) بتحليل لوحات عاصم أبو شقرة لأشجار الصبار وفحص معناها في الفن الفلسطيني والإسرائيلي.
  8. تطلق فرقة فلسطينية على نفسها اسم sabrîm (جمع صبر). وتستوحي موسيقاها من الفولكلور والتراث الشعبي، وتصف كلمات أغانيها الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في الضفة الغربية.
  9. يستخدم مصطلح صابرا sabra، وهو نسخة مشتقة من تسابار tzabar العبري، أيضاً في الفرنسية للإشارة إلى الصهاينة المولودين في فلسطين وإسرائيل لاحقاً.
  10. كان تعريف أملاك “الغائبين” واسعاً جداً. ويشمل ذلك أي شخص كان يعيش في دولة عربية، أو ترك مكان إقامته العادية في إسرائيل، أو كانت ممتلكاته تقع في مكان تحت سيطرة قوى تعمل ضد إقامة إسرائيل، انظر،(Abu Hussein and McKay 2003, 70) . ووفقًا لـ Kimmerling and Migdal (2003) ، تمت، بموجب هذا القانون، مصادرة 40٪ من الأراضي الفلسطينية، أي ما يعادل 2 مليون دونم (وحدة قياس عثمانية مستخدمة في المنطقة وتساوي 1000 متر مربع).
  11. هذا هو المصطلح العبري لـ “أرض إسرائيل” ويشير إلى جميع الأراضي التي كانت في وقت ما جزءً من إحدى الممالك اليهودية. بالإضافة إلى كل فلسطين التاريخية ، فهي تضم أيضاً جزءً من الأردن الحديث.
  12. التشديد من المؤلف؛ تم الوصول إليها من الرابط التالي : http://192.116.234.203/kkl/french/profile.asp
  13. انظر، www.kkl-sud.org/print.php?sid=237
  14. يمكن الاطلاع عليه من الرابط التالي www.mcjc.org/ MJTRAVEL/MJtis001.htm
  15. يكشف التحديث رقم 6 الخاص بحقوق الإنسان عن اقتلاع أكثر من 160 ألف شجرة في الضفة الغربية من كانون الأول 1987 إلى آذار 1993 (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 2001).
  16. يرجع أحد أسباب هذا التصحر أيضاً إلى سياسة إدارة المياه في إسرائيل التي تقيد بشكل كبير استخراج المياه أو نقلها أو ربطها بالمرافق أو استهلاكها في الأراضي المحتلة (Selby 2003).
  17. قام بذلك آخرون على جانبي الطيف السياسي. انظر على سبيل المثال Botiveau (1999) and Giacaman and Dag Jrund Lonning (1998).
  18. بدأت عملية أوسلو في المصافحة بين ياسر عرفات واسحق رابين في 13 أيلول 1993، في واشنطن في حفل التوقيع على إعلان المبادئ الذي سيكون إطار للمحادثات. ورغم الانتكاسة الكبيرة بسبب فشل كامب ديفيد الثاني في تموز 2000، إلا أن العملية لم تنته رسمياً حتى أيلول التالي عند إعلان الانتفاضة الثانية.
  19. للمزيد عن تدهور الظروف المعيشية أثناء عملية أوسلو ، انظر روي (1999) ولتكوين لمحة عامة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي منذ الانتفاضة الثانية، انظر بوكو وآخرون (2003).
  20. تم الاستشهاد بهذه الأرقام في تقرير لمنظمة “السلام الآن” الإسرائيلية غير الحكومية بعنوان “بدء الإسكان في المستوطنات منذ اتفاقية أوسلو” القدس، كانون الأول 2000. بين كانون الأول 1993 وحزيران 1999 ، زاد عدد السكان بنسبة 52٪ ، مع توقع زيادة بنسبة 72% بحلول نهاية العام 2000.
  21. يذكر التقرير حالة مستوطن حُكم عليه بالسجن ستة أشهر في خدمة المجتمع بعد إدانته بقتل طفل فلسطيني يبلغ من العمر 11 عاماً.

….

مصادر البحث

Abu El-Haj, Nadia. 1998. “Translating Truths: Nationalism, the Practice of Archeology, and the Remaking of Past and Present in Contemporary Jerusalem.” American Ethnologist 25:166-88.

Abu-Hadba, Abdel Aziz. 1994. “How Zionist Authorities Dealt with Palestinian Folklore.” In Folk Heritage of Palestine, edited by Sharif Kanaana, 55-92. Birzeit: Research Center for Arab Heritage.

Abu Hussein, Husayn and Fiona McKay. 2003. Access Denied: Palestinian Land Rights in Israel. New York: Zed Books.

Appadurai, Arjun. 1991. “Global Ethnoscapes: Notes and Queries for a Transnational Anthropology.” In Recapturing Anthropology: Working in the Present, edited by Richard G. Fox, 191-201. Santa Fe, NM: School of American Research Press.

Azaryahu, Maoz. 2002. “Homelandscapes: Zionist Landscapes of a Hebrew Homeland. Three Cases.” In Homelands: Poetic Power and the Politics of Space, edited by Ron Robin and Bo Strath. Oxford: Peter Lang.

Bardenstein, Carol. 1999. “Trees, Forests, and the Shaping of Palestinian and Israeli Collective Memory.” In Acts of Memory: Cultural Recall in the Present, edited by Mieke Bal, Jonathan Crewe, and Leo Spitzer, 148-70. Hanover, NH: University Press of New England.

Bardenstein, Carol. 2005. Cultivating Attachments: Discourses of Rootedness in Palestine/Israel. Stanford, CA: Stanford University Press.

Benvenisti, Meron.1983. Israeli Censorship of Arab Publications: A Survey. New York: Fund for Free Expression.

Benvenisti, Meron. 2000. Sacred Landscape: The Buried History of the Holy Land since 1948. Berkeley, CA: University of California Press.

Bocco, Riccardo, Matthias Brunner, Isabelle Daneels, Jalal Husseini, Frederic Lapeyre, and Jamil Rabah. 2003. Palestinian Public Perceptions on their Living Conditions. Geneva: IUED.

Botiveau, Bernard. 1999. L’état palestinien. Paris: FNSP.

Boullata, Kamal. 2001. “Asim Abu Shaqra: The Artist’s Eye and the Cactus Tree.” Journal of Palestine Studies 30:68-82.

Cohen, B. Saul and Nurit Kliot.1992, “Place-Names in Israel’s Ideological Struggle over the Administered Territories.” Annals of the Association of American Geographers 82:653-80.

al-Dabbagh, M. M. 1966. Bilâduna Filastîn (Palestine, our homeland), VIII: al-diyâr al-ghazziyya (Gazan villages). Beirut: Dâr al-Talîea.

Dieckhoff, Alain.1996. “Les dilemmes territoriaux d’Israël.” In L’international sans territoire, edited by Bertrand Badie et Marie-Claude Smouts, 159-70. Paris: L ’Harmattan.

Dudai, Rona. 2002. Tacit Consent: Israeli Policy on Law Enforcement towards Settlers in the Occupied Territories. Jerusalem: B’Tselem.

Falah, Ghazi. 1996. “The 1948 Israeli-Palestinian War and Its Aftermath: The Transformation and De-Signification of Palestine’s Cultural Landscape.” Annals of the Association of American Geographers 86:256-85.

Farsoun, Samih and Christina Zacharia. 1998. Palestine and the Palestinians. Oxford: Westview Press.

Feld, Steven and Keith H. Basso, eds. 1996. Senses of Place. Santa Fe, NM: School of American Research Press.

Finkelstein, Norman. 1995. Image and Reality of the Israel-Palestine Conflict. New York: Verso.

Flapan, Simha. 1987. The Birth of Israel: Myths and Realities. London: Croom Helm.

Fouet, Sylvie. 2000, “La Palestine d’Oslo au quotidien.” In Palestiniens et Israéliens: Le moment de vérité, edited by Jean-Paul Chagnollaud, Régine Dhoquois-Cohen, and Bernard Ravenel, 25-36. Paris: L’Harmattan.

Giacaman, George and Dag Jrund Lonning, eds. 1998. After Oslo: New Realities, Old Problems. London: Pluto Press.

Glock, Albert. 1995. “Cultural Bias in the Archaeology of Palestine.” Journal of Palestine Studies 24:48-59.

Khalidi, Walid. 1992. All That Remains: The Palestinian Village Occupied and Depopulated by Israel in 1948. Washington, DC: Institute for Palestine Studies.

Kimmerling, Baruch and Joel S. Migdal. 2003. The Palestinian People: A History. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Manor, Dalia. 2003. “Imagined Homeland: Landscape Painting in Palestine in the 1920s.” Nations, Nationalism 9:533-54.

Mitchell, William J. T. 1999. “Landscape and Idolatry: Territory and Terror.” In The Landscape of Palestine: Equivocal Poetry, edited by Ibrahim Abu-Lughod, Roger Heacock, and Khaled Nashef, 235-54. Birzeit: Birzeit University Publications.

Moors, Annelies. 2001. “Presenting Palestine’s Population Premonitions of the Nakba.” The MIT Electronic Journal of Middle East Studies 1:15-27.

Moors, Annelies and Steven Wachlin. 1995. “Dealing with the Past, Creating a Presence: Picture Postcards of Palestine.” In Discourse and Palestine: Power, Text, and Context, edited by Ilham Abu Ghazaleh, 11-26. Amsterdam: Het Spinhuis.

Morris, Benny. 1987. The Birth of the Palestinian Problem, 1947-1949. Cambridge: Cambridge University Press.

Oren, Ruth. 1995. “Zionist Photography, 1910-1941: Constructing a Landscape.” History of Photography 19:201-10.

Palestinian Center for Human Rights. 2001. “Uprooting Palestinian Trees and Leveling Agricultural Land.” Fifth Report on Israeli Land Sweeping and Demolition of Palestinian Buildings and Facilities in the Gaza Strip. Ramallah.

Pappé, Ilan. 1997. “Post-Zionist Critique on Israel and the Palestinians: The Academic Debate.” Journal of Palestine Studies 26:29-43.

Peters, Joan. 1984. From Time Immemorial: The Origins of the Arab-Jewish Conflict over Palestine. New York: Harper and Row.

Rodman, Margaret C. 2003. “Empowering Place: Multilocality and Multivocality.” In The Anthropology of Space and Place: Locating Culture, edited by Denise Lawrence- Zuñiga,, 204-23. Oxford: Blackwell.

Rotbarb, Sharon. 2004. “Homa Oumigdal: Mur et tour, matrices de l’architecture israélienne.” In Une occupation civile: La politique de l’architecture israélienne, edited by Rafi Segal and Eyal Weizman, 39-58. Paris: Éditions de l’Imprimeur.

Roy, Sara. 1999. “De-Development Revisited: Palestinian Economy and Society since Oslo.” Journal of Palestine Studies 28:64-82.

Said, Edward W. 1980. L’orientalisme: L’Orient créé par l’Occident. Paris: Seuil. [Originally published in English as Orientalism, New York: Vintage Books, 1978].

Said, Edward W. 1999. “Palestine: Memory, Invention, and Space.” In The Landscape of Palestine: Equivocal Poetry, edited by Ibrahim Abu-Lughod,  Roger Heacock, and Khaled Nashef, 3-20. Birzeit: Birzeit University Publications.

Said, Edward W. and Christopher Hitchens. 1988. Blaming the Victims: Spurious Scholarship and the Palestinian Question. London: Verso.

Segal, Ravi and Eyal Weizman. 2004. “La montagne: Principes de la construction sur les hauteurs.” In Une occupation civile: La politique de l’architecture israélienne, edited by Ravi Segel and Eyal Weizman, 77-99. Paris: Éditions de l’Imprimeur.

[Originally published as “The Mountain: Principles of Building in Heights,” in A Civilian Occupation: The Politics of Israeli Architecture, edited by Rafi Segal and Eyal Weizman, …. Tel Aviv: Babel, 2003].

Selby, Jan. 2003. Water, Power and Politics in the Middle East: The Other Israeli-Palestinian Conflict. London: Tauris.

Selwyn, Tom. 1995. “Landscapes of Liberation and Imprisonment: Towards an Anthropology of the Israeli Landscape.” In The Anthropology of Landscape: Perspectives on Place and Space, edited by Eric Hirsch and Michael O’Hanlon, 114-34. Oxford: Clarendon Press.

Silberman, Neil A. 1982. Digging for God and Country. New York: Knopf.

Silberman, Neil A. 2001. “Structurer le passé: Les Israéliens, les Palestiniens, et l’autorité symbolique des monuments historiques.” In Les usages politiques du passé, edited by François Hartog and Jacques Revel, 99-115. Paris: EHESS.

Whitelam, Keith W. 1996. The Invention of Ancient Israel: The Silencing of Palestinian History. London: Routledge.

Zerubavel, Yael. 1995. Recovered Roots: Collective Memory and the Making of Israeli National Tradition. Chicago, IL: The University of Chicago Press.

Zerubavel, Yael. 1996. “The Forest As a National Icon: Literature, Politics, and the Archeology of Memory.” Israel Studies 1:60-99.

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

دور حدّادي أفريقيا و”صنع” الثورة الصناعية في أوروبا

جيني بولسترود ترجمة محمود الصباغ استهلال قرأت هذا النص حين نشرته مجلة History and Technology …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *