علم الآثار الإسلامي وأصل الأمة الإسبانية

مارغريتا دياز-أندرو

ترجمة: محمود الصباغ

استهلال

ثمة رأي للمستعرب الإسباني أغناطيوس غوتيريس دي تيران يرى أن عدداً من زملائه المستعربين، [يجهلون اللغة العربية، رغم أنها تمثل العمود الفقري لاختصاصهم الأكاديمي] و البعض منهم يتعاطى مع الموضوع العربي بكثير من العدوانية المقترنة بترفع متغطرس، وهذا -برأيه- أحد أهم عيوب الأكاديميا الاستعرابية في إسبانيا .إذ غالبا ما يميل أهل الاختصاص هناك إلى التعرف على العالم العربي من خلال المراجع الإنجليزية والفرنسية وهذا بزعمه ليس سوى نسخة أخرى للقناعات الاستشراقية الكولونيالية السائدة في الغرب سواء على صعيد الأكاديميا أم على صعيد وسائل الإعلام الغربية التي ترى أن العرب غير قادرين على التعبير عن أنفسهم ولا بد لهم من آخرين يفوقونهم حضارة للقيام بهذه المهمة نيابة عنهم!. ولعل هذا -في إسبانيا تحديداً- أحد نتائج مرحلة سقوط الأندلس، وبداية عملية «تطهير» البلاد تدريجياً من المسلمين. واعتبار فترة العصور الوسطى هي المبتدأ لتدوين التاريخ “القومي” الإسباني بنزعته الأوروبية, فصار ينظر للأثر العربي والإسلامي على أنه دخيل و “تقليد” أو حتى “سرقة” للأصل الإغريقي والروماني, ونقطة سوداء في تاريخ البلد العريق بكاثوليكيته الصارمة، كما لعب، أي الإرث العربي و الإسلامي، دور الأداة المدمرة التي حالت لاحقاً دون لحاق إسبانيا بقطار التطور الأوروبي, فانصبت جهود بعض الدراسات الاستعرابية هناك على إثبات أسبقية المسيحية على الإسلام ( والقصد هنا لجهة مركزية كتابة التاريخ القومي للبلاد)، حيث تميزت هذه الدراسات على الدوام بالمشاركة الاستثنائية لرجال الدين، منذ أن حرص رهبان دير ريبول الكتالاني، على الاطلاع على النصوص العربية ونقلها إلى اللاتينية.
هناك حادثة في التاريخ الإسباني (بالأحرى الإيبيري) تثير حفيظة “القوميين الإسبان” أكثر مما تثير فضولهم ويرون فيها مجرد “مؤامرة ” مع العرب حاكتها من كانت ملكة عليهم لتسليم الأندلس لعبد العزيز بن موسى بن نصير، والمقصود بتلك الحادثة هي زواج هذا الأمير العربي من الملكة إيلونة Egilona زوجة لذريق Roderic ملك القوط الغربيين بعد هزيمة هذا الأخير وقتله سنة 712 م. في معركة وادي لكة لينتقل بذلك تاج المُلك “قانونياً ” إلى الأمير عبد العزيز سنة714م. وحملت إيلونة أو إيلو كما تسميها المرويات العربية لقب “أم عاصم”.
لكن هذا لم يرق للخليفة سليمان بن عبد الملك في دمشق وخاف أن يستقل عبد العزيز بإيبيريا عن الخلافة، فاتهمه بالتنصّر على يد زوجته، مما أثار حفيظة جنده من العرب إلى أن تمّ اغتياله على يد “زياد التميمي” سنة 716م. بينما كان يصلّي في مسجد “ربينه” في إشبيليه التي كان عبد العزيز قد اختارها عاصمة له*. ومن الواضح أن “القوميين الإسبان” يتجاهلون عمداً هذه الروايات عند الحديث عن فترة دخول الجيوش العربية للأندلس، وبالتالي يمكن القول أن ما نعرفه تقليدياً بفتح الأندلس هو في الحقيقة ضم لمملكة القوط إلى ولاية أفريقيا التابعة لدولة الخلافة آنذاك برغبة من الآريوسيين الراغبين في التحرر من الهيمنة الكاثوليكية ومن سيطرة مملكة طليطلة الكاثوليكية مع نهاية القرن السابع الميلادي و بداية القرن الثامن الميلادي ( الأمر يشبه بطريقة ما فتح سوريا).
لنتذكر أنه في العام 587 م. تحول الملك ريكارد الأول Reccared إلى الكاثوليكية، وبالتالي صار جزء من السكان ( الأمازيغ و الوندال) آريوسيين، وجزء كاثوليكي ( السلت و القوط و اللاتين) بالإضافة إلى طائفة الطهرانيبن (كاثارين) في شرق البلاد. وبهذا التحول الملكي بدأ الكاثوليك فرض هيمنتهم رغم أنهم ليسوا من سكان البلاد الأصليين إذ لم يمض على وجودهم أكثر من قرن على أبعد تقدير ، مما أدى إلى أزمات سياسية عصفت بالبلاد سرعان ما تحولت في نهاية القرن السابع م. إلى اضطرابات مسلّحة، وبسبب الضغوط الكنسية والتشريعية والقانونية التي مورست على الآريوسيّين مع نهاية القرن السابع م. تحوّل العديد منهم إلى اليهودية، مما استدعى تدخل مجمع توليدو المسيحي السابع عشر واعتماده سلسلة قوانين صارمة وقاسية اتجاه اليهود والمتهودين سنة 694 م. بغرض دفعهم لمغادرة شبه الجزيرة. فدخلت البلاد في فوضى حقيقية بما يشبه حرباً أهلية بدءً من العام 698 م. حين اشتد الصراع بين أغيلا وآردو ورودِريك (لذريق) انتهت باستيلاء الأخيرعلى العرش و تتويجه ملكاً على طليطلة.
لم يجد الآريوسيين مانعاً من الاستعانة بالأمازيغ الذي كانوا قد صاروا مسلمين حينها وفضلوهم على أبناء دينهم من الأوروبيبن مثلما فعل السوريون حين فضلوا جيوش الفتح على البيزنطيين المسيحيين، وربما شعر الآريوسيين أن جيش الخلافة قادم لا محالة لاحتلال بلادهم ففضلوا دعوته لاحتلال بلادهم عن طيب خاطر بما يضمن لهم مكاسب من خلال هزيمة خصومهم الكاثوليك.
مثلت دعوة الأمازيغ والعرب لدخول الأندلس وتأسيس حكماً إسلامياً فيها، فصلاً جديداً في العلاقات الدولية آنذاك، حين احتلت دولة عظمى”دولة الخلافة الأموية” دولة أخرى بطلب من جزء من سكانها ضد طغيان الجزء الآخر بطريقة تشبه كثيراً ما نراه في عالمنا المعاصر.
……
*إشبيلية مدينة فينيقية قديمة ويعني اسمها “،الأسفل” من الكلمة الفينيقية” إشفال” كونها تقع في قعر وادي، ودعيت في العهد الروماني “إسبالي” ثمّ صارت بعد الفتح الإسلامي تدعى “إشبيليه”. وكانت المدينة مركز الحركة الآريوسية في مملكة القوط الغربيين ولذلك ليس مستغرباً أن تكون هي بالذات التي طلبت النجدة من الأمويين في أفريقيا ليدخلوا الأندلس.

فيما يلي ترجمة خاصة بمركز الجرمق  للدراسة التي أعدّتها الباحثة الإسبانية  مارغريتا دياز- أندرو  Margarita Díaz-Andreu. بعنوان Islamic Archaeology and the Origin of the Spanish  Nation.   وكانت قد نشرت في العام 1996  كفصل من كتاب بعنوان: Archaeology and Nationalism in Europe. M. Díaz-Andreu and T. Champion. London, UCL Press: 68-89.

………

تستند القومية في وجهها السياسي على فكرة الأمة. ويُنظر إلى هذا الأمر على أنه الوحدة الطبيعية لجماعة بشرية لها حق -بحكم طبيعتها- تشكيل كيانها السياسي. وينبغي على الأمم – بحكم تعريفها -إذا ما وجدت أن يكون لها ماضٍ معروف وقابل للترويج، يعمل لصالح الجماعة ويحمي مصالح الأفراد الذين ينتمون إلى هذه الأمم. ولذلك، أدى ظهور النزعة القومية السياسية، منذ نهاية القرن الثامن عشر، إلى تحويل إنتاج هذا التاريخ إلى واجب قومي، وابتدأت الأعداد المتزايدة من المفكرين المعنيين بهذا الإرث التاريخي المكثف الذي أنتج الأمة يرون أنفسهم على أنهم قوميون دون أدن شك. هذا فضلاً عن زعم هذه التواريخ القومية المنتجة أنها ترسم أصول وتطور خصائص كل أمة على حدة، بالإضافة إلى روحها الخاصة عبر كل مرحلة من مراحل تطورها (Kedourie 1970: 36  مقتبس في Blas Guerrero 1984: 87). وتركز هذه المقالة على أول هذه الوظائف، أي تأمّل الأصول التاريخية للأمة. وقد وقع الاختيار على القرون الوسطى، من بين جميع الفترات التي يمكن تعيينها، على أنها تؤرخ لولادة الأمم القومية الأوروبية المختلفة، بدء من ظهورها في القرن التاسع عشر، وحتى وقتنا الحاضر، وهذا لا يمنع وجود العديد من المحاولات التي سعت لتحديد أصول هذه الأمم لفترات سابقة. بيد أنه طوال قرنين من ظهور النزعة القومية، كانت القرون الوسطى الخيار الأكثر شيوعا لتكريس منشأ كل أمة، ويمكن تقديم أسباب مختلفة لتفسير ذلك: فبالنظر إلى سيطرة الإمبراطورية الرومانية على جزء كبير من أوروبا خلال القرون الأولى من عصرنا الحالي، فمن الواضح أنه من غير الملائم البحث في هذه الأصول عن الخصائص المميزة لكل أمة حتى لو اشتق الكثير من الخطاب القومي من دراسة هذه الحقبة كما أظهر ذلك كانفورا (1980) Canfora .  ومن ناحية أخرى، كان الجهل الواسع بتلك الفترات السابقة، في بداية القرن التاسع عشر، يعني أنه يمكن بالكاد دمجها في التاريخ القومي. ومن الجدير ذكره أن التطور اللاحق لدراسات ما قبل التاريخ لم تغير هذه الحالة جذرياً، إذ نجح مؤرخو حقب ما قبل التاريخ جزئياً -على الأقل في البلدان ذات التواجد الروماني، باستثناء اليونان-في فرض أفكارهم. وفي المقابل، طرح أولئك الذين تبنوا البحث عن أصول الأمة في العصور الوسطى حجة قوية ترى أن الدول، التي كانت موجودة آنذاك، هي الوريثة المباشرة لممالك العصور الوسطى. وأخيراً،  يدلّ تمتع المسيحية بأهمية سياسية حتى ذلك الحين في أجزاء كثيرة من أوروبا (لاسيما الكاثوليكية منها) على أن العصور الوسطى هي الفترة التي ينبغي تقديمها، أو على الأقل كانت شائعة لاعتبارها البداية الواضحة لكل أمة أوروبية.

لم يتعرض طرح القرون الوسطى كأصل للأمة لمشاكل كبيرة في توصيفات الماضي القومي لمعظم الأمم الأوروبية، غير أن دولاً مثل اليونان وإسبانيا ,حيث كان الوجود الإسلامي طاغياً خلال تلك الحقبة يعد وجوداً إشكالياً بصورة واضحة، وفي حين اختار المؤرخون في اليونان حذف جميع الإشارات المعبرة عن الفترة التركية من التاريخ القومي, فقد كان هذا الأمر أكثر تعقيداً في إسبانيا، فبين الأعوام 711 م- 1482م. انقسمت شبه الجزيرة الإيبيرية دينياً إلى منطقتين كبيرتين، أحدهما مسلم والآخر مسيحي، ويظهر التناقض الواضح في البناء القومي لأصول الأمة من خلال نسبته للقرون الوسطى لبلد مثل إسبانيا امتاز عبر مئات السنين بالعقيدة الكاثوليكية الصارمة. ونتيجة لذلك، اختار المؤلفون التأكيد على الدور الذي لعبه فرناندو وإيزابيل، الكاثوليكيين، في إنشاء الأمة الإسبانية، عبر توحيدهما للممالك المسيحية المختلفة في شبه الجزيرة، وفتح غرناطة، آخر معقل للمسلمين في البلاد، في العام 1492، والشروع في البدء بأعظم فترة مجيدة في التاريخ الإسباني من خلال دعمهم لكولومبوس والاكتشاف اللاحق لأميركا.


مثّل الفشل في دمج الماضي الإسلامي في إسبانيا في الخطاب القومي، خلال القرنين الماضيين، تبايناً في أهمية البحث عن هذا الماضي في الحقب العربية -مقابل المسيحية- في القرون الوسطى. علاوة على ذلك، وهذا ما أود التأكيد عليه هنا، انعكس هذا التباين أيضاً في الدراسات الأثرية. وهذا المقال، إذن، محاولة لتحليل تأثير وتأثر الإيديولوجيا القومية على تطور آثاريات العصور الوسطى الإسلامية في إسبانيا. وتنبع المشاكل التي تواجه هذه الدراسة من حقيقة أنه، على النقيض من الفترات السابقة التي تكون فيها الوثائق المكتوبة نادرة والبقايا المادية نادرة، توجد كميات هائلة من الأدلة التي تعود لتلك الحقبة، وبالتالي سيكون من الصعب تحديد الدراسات الأثرية البحتة، وفي ذات الوقت تجنب الخلط بينها وبين الدراسات التاريخية للمصادر المكتوبة أو بين التحليلات اللغوية أو الفنية.

 

الأبحاث المتعلقة بالقرون الوسطى الإسلامية في القرن التاسع عشر.


امتازت عملية كتابة التاريخ الإسباني، في الفترة الممتدة من اتحاد الممالك الإيبيرية ضمن نظام ملكي واحد في القرن السادس عشر (بما في ذلك البرتغال بين 1580 و 1640) حتى القرن التاسع عشر، بغلبة الفكرة التي ترى في الإرث العربي كشيء مقحم وغريب عما هو محض إسباني. ويتجلى هذا في المؤلف ما قبل القومي للأب ماريانا Mariana “تاريخ إسبانيا العام Historia General de España ” في العام 1592، الذي ينبغي فهمه في سياق الصراع الإثني الملموس الذي امتد لقرن من الزمن بعد فتح آخر معاقل المسلمين.

لم يكن سقوط مملكة غرناطة، في العام 1492، يعني سيطرة طبقة النبلاء المسيحيين على الموريسكيين (الاسم الذي أطلق على سكان مملكة غرناطة الإسلامية الزائلة وأحفادهم ) بل كان يعني أيضا فرض دينهم، وهو ما تحقق عن طريق القوة عبر المكتب المقدس أو محاكم التفتيش التي أنشئت في القرن السادس عشر، والتهديد بطرد من لم يعتنق المسيحية وتحول هذه التهديد إلى أمر واقع بطرد من تبقى من الموريسكيين نحو شمال أفريقيا في الأعوام 1609 و 1610. و اعتبر الأب ماريانا أن الفترة الإسلامية كانت كارثة كبيرة لإسبانيا. فاليوم الذي وصل فيه المسلمون كان يوماً “مشؤوماً، ويوم دموعٍ وحزن”، حيث “اختفى اسم القوط اللامع، وتبددت قوتهم العسكرية، فولّت معهم أيام الرفعة والسمو، وتلاشى الأمل في المستقبل وهُزمت الإمبراطورية [القوطية] التي صمدت أكثر من ثلاثمائة عام، على يد هؤلاء القساة المتوحشين”. ومن وجهة نظره فقد انتهى الوجود العربي بعد سبعة قرون  إلى هو “شرف ومنفعة لكل إسبانيا”. ومن شأن آراء ماريانا هذه أن يكون لها تأثير كبير على الكتاب اللاحقين بفضل الانتشار الواسع لأعماله، مما أدى إلى نشر عدة طبعات من أعماله حتى في القرن التاسع عشر. ومن الملفت للنظر من خلال الاطلاع على نسخة كتابه المطبوعة في القرن التاسع عشر، والتي اعتمدت في هذه المقالة التأكيد على عدم وجود أي نقش لأي ملك مسلم (مقارنة بوجود نقوش لستة ملوك مسيحيين).


استمر ازدراء العصور الوسطى خلال القرن الثامن عشر، وعلى نقيض الفترة الكلاسيكية، تم النظر إلى العصور الوسطى، كما رآها الكاتب التنويري المحافظ فورنر Forner، على أنها “سبعة قرون من الظلام والجهل في تاريخ إسبانيا” (مقتبس في Maravall 1991: 45). ومع ذلك، وعلى الرغم من انتشار رأي معاكس، شهد هذا القرن أولى الدراسات العربية في إسبانيا، في مجال الفن، حين نشرت أكاديمية سان فرناندو الملكية للفنون الجميلة Real Academia de Bellas Artes de San Fernando في العام 1780 دراسة عن قصر الحمراء. وفي الوقت ذاته بدأ عدد من المؤلفين والكتاب يعبرون عن تقويمهم الإيجابي لإسبانيا الإسلامية مدافعين عنها باعتبارها المعقل الوحيد للحضارة في أوروبا البربرية التي كانت تغرق في الظلام . وكانت هذه الفكرة مشتركة بين العديد من المفكرين الأجانب الذين زاروا إسبانيا (Murphy, 1815) وترافق هذا مع “إضفاء الصبغة الاستشراقية” على صورة إسبانيا. وفي عشرينيات القرن التاسع عشر، علّق الشاعر الفرنسي فيكتور هوغو في كتابه: المستشرقون، بأن إسبانيا “تتمتع بطابع إفريقي للغاية، من خلال التشديد على غرائبيتها، ومن ثم عدم انتمائها لأوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن آراء من هذا النوع عبر عنها مواطنون من الدول المهيمنة لاحقاً، مثل فرنسا وبريطانيا العظمى (وألمانيا منذ العام 1871 ). وتكررت هذه الأفكار طوال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث كان مازال من الممكن قراءة بعض الفقرات مثل تلك التي كتبها ألفريد فوييه Alfred Fouillé في مؤلفه “الحالة النفسية للشعوب الأوروبية Equisse psychologique des peuples européens ” الذي نشره في العام 1903، ويقول فيه “تلقت إسبانيا، بسبب احتلال المورو لها لعدة قرون، ( لاحظوا من فضلكم الدلالة السلبية لاستخدام كلمة مورو) دفقاً قوياً من الدماء الإفريقية.. توجد بعض العناصر السلتية والجرمانية في الشمال والغرب،  وهذه على كل حال محفوظة بصورة رئيسية في الطبقة الأرستقراطية الإسبانية “(Fouillé 1903: 143).

وكان الباحث التنويري خوسيه أنطونيو كوندي José Antonio Conde (1765-1820) أول من أيد الدراسات العربية أو الشرقية في إسبانيا (Moreno Alonso 1979: 506). غير أن هذا الاهتمام المبكر خُنق في مهده بسبب الرقابة الشديدة على الليبرالية، وبالتالي، على النزعة القومية ودراسة التاريخ. وكانت هذه الرقابة قد تأسست في فترة حكم فرديناند السابع (1813-1833) وتبعتها الحرب الأهلية (التي تعرف باسم الحرب الكارلية الاولى ) بعد وفاته والتي انتهت فقط في العام 1840. وفي سياق الثقافة القومية التي كانت، كما سنرى، معادية إلى حد كبير لإدماج العناصر العربية في الماضي القومي (انظر على سبيل المثال Aparisi y Guijarro 1843)، يمكن فهم كيف تم إضفاء الطابع المؤسسي على دراسة إسبانيا الإسلامية من خلال الإشارة إلى تراجع تأثير الكنيسة الكاثوليكية في اسبانيا. ومع إنشاء النظام الليبرالي في العام 1833 اتخذت الدولة عدداً من التدابير لتعزيز قوتها من خلال إضعاف الكنيسة. وتم تنفيذ الإجراءات الرئيسية في العام 1834، عندما تمت السيطرة على عدد من الأديرة، وحل معظم الرهبانيات الدينية ومصادرة ممتلكاتها في العام 1835، مما تسبب في الخراب المالي للكنيسة الكاثوليكية في إسبانيا، واستمر الأمر حتى صعود المحافظين المعتدلين إلى السلطة، في معظم القرن التاسع عشر، فتمكنوا من الحد من هذه الإجراءات. وكل هذا لم يكن يعيق التوقيع على اتفاقية Concordat مع الكرسي الرسولي، في العام 1851، أو إعلان إسبانيا دولة مذهبية في مختلف الدساتير التي سُنّت قبل العام 1868. وظهر، في معارضة هذا الموقف الرسمي موجة شعبية معادية لرجال الدين، وجدت تعبيراً لها في حرق بعض الأديرة أحياناً، وفي العنف غير المنضبط (1834, 1835, 1868). وعلى الرغم من أن الأمر لم يذهب أبعد من ذلك نحو التطرف، فقد ابتعد العديد من المفكرين عن الكنيسة، فمهّدوا السبيل لإمكانية التفكير في الدفاع عن دراسة الماضي الإسلامي للدولة الكاثوليكية. غير أن هذا لم يكن يعني أنهم تخلوا بالضرورة عن كل معتقداتهم الدينية، بل يتعلق الأمر بأسبقية التاريخ على اهتماماتهم الأخرى.

وبهذه الطريقة، وضع الدين نفسه في خدمة الدولة القومية، وحاجتها إلى بناء ماضٍ شبه أسطوري، يشكل مبررا لسبب وجوده raison d être. وعلى الرغم من الخصائص المتميزة المذكورة أعلاه،  إلا أن الترويج للدراسات الشرقية في إسبانيا لم يكن معزولًا عن السياق الأوروبي الأوسع. ويمكن ملاحظة ذلك، على سبيل المثال، من خلال المراسلات النشطة التي أجراها المختصون الإسبان مع نظرائهم الأوروبيين، ومشاركتهم في الاجتماعات واللقاءات الدولية، و إن كان هذا الأمر أكثر ندرة من المراسلات (Marin 1992: 385). , كما أن الاتصال الوثيق لبعض المستعربين الإسبان مع بلدان أجنبية كان يعد استثنائيا، ومثال ذلك قضية باسكوال دي غايانغوس أرسي Pascual de Gayangos y Arce، الذي تزوج من سيدة إنجليزية وقضى معظم حياته في لندن، حيث حقق، هناك، مكانة عظيمة (Enciclopedia 1930 (25): 1118 ).. وضمن هذا السياق، من توسيع الآفاق، تم تأسيس قسم اللغة العربية في جامعة مدريد في العام 1843، وهو منصب سوف يشغله باسكوال غايانغوس نفسه. وبعد ثلاث سنوات، تم تعيين خوسيه مورينو نييتو José Moreno Nieto في قسم اللغة العربية الثاني الذي أنشئ في غرناطة (Moreno Alonso 1979: 506-571) . وفي هذه الفترة، صار من المألوف أيضا سماع تقويمات أكثر إيجابية، وأحيانًا إيجابية بشكل واضح، للإرث الإسلامي لإسبانيا. فأعلن الراهب خواكين رودريغيز Joaquín Rodríguez في كتاب له عن التاريخ نشره في العام 1850، عدم اعتقاده بأن الاختلافات الدينية كانت “دافعاً كافياً لحرمانهم (العرب) من العدالة، وإساءة استخدام أسمائهم وإهانة عقيدتهم. فهذا ضد أخلاقيات المسيحية، وحتى لو لم تكن كذلك. لا يوجد سبباً يدعو للفخر بالانحدار من نسل القوط، ذلك الشعب البربري الذي دمّر العلوم والفنون في أرضنا، كما لا يوجد سبب يجعلنا نتردد في تسمية أنفسنا أحفاداً للعرب الذين، بحكمهم الجيد للبلاد وحكمتهم، أماطوا اللثام عن الجهل الذي أعمانا، وأعطى شخصيتنا تلك الطاقة التي جعلتنا حكام العالم في القرن الخامس عشر” (مقتبس في Cirujano Marín et al. 1985: 62-63).

ومع ذلك، استمرت هيمنة الرؤية السلبية للعالم العربي في إسبانيا، فيربط المؤرخ موديسنو لافوينتي Modesto Lafuente في مؤلفه تاريخ إسبانيا العام Historia General de España الذي نشره في العام 1850، الأمة الإسبانية، حصراً، بإسبانيا المسيحية التي تنتمي للعصور الوسطى، وكان هذا أوضح ما يمكن في معرض ردّه على التساؤل فيما إذا كان الغزو الإسلامي قد أدى إلى اختفاء كل آثار مجتمع القوطيين، وإلى موت إسبانيا كأمة، فكان جوابه بالنفي: لقد ظلت الأمة حيّة “على الرغم من فقرها وعجزها وانحشارها في زاوية صغيرة مما كان ذات يوم مملكة قوية وواسعة” (Lafuente 1850: 57). كما عبّر توماس مونيوز روميرو Tomás Muñoz Romero (1860) عن فكرة مماثلة عندما دعا إلى تعزيز دراسة العصور الوسطى، من خلال مساواتها بالعالم المسيحي فقط. وأكد أن أهمية تلك الفترة تنبع بسبب تشكيل “الممالك المسيحية في شبه الجزيرة، وصفاتها القومية ومؤسساتها، ولغة وشخصية سكانها، وأدبهم وفنهم”. وعلى الرغم من ذلك، فقد رأى أهل الاختصاص أنه من الضروري “استعراض الجدوى من دراسة وترقية اللغة العربية لتوضيح تاريخ أمتنا عبر الوثائق المكتوبة باللغة العربية” (Simonet 1867: 6)، ويمكنهم أيضا تصوير “المستعربين” Mozarabs (وهم المسيحيون الذين عاشوا في العصور الوسطى في الأراضي التي يسيطر عليها المسلمون ) على أنهم احتفظوا في ظل الاحتلال العربي بـ “الدين والروح القومية والثقافة الرومانية القديمة وإسبانيا القوطية المسيحية” ( Simonet 1897-1903:VII). وبموازاة ذلك، ساهم هؤلاء المستعربون رفقة المولدين Muladíes (المسيحيون الذين اعتنقوا الإسلام وعاشوا بين المسلمين) إلى حد كبير “بالنظر إلى عددهم، ومعارفهم وثقافتهم، في رفعة وازدهار الإمبراطورية العربية الإسبانية” ( Simonet 1897-1903: XVII). وعلى ذلك يرى سيمونيه Simonet أن العرب أنفسهم لم يضيفوا إلا القليل لثقافة إسبانيا (Caro Baroja 1957: 153) لأن كل شيء يمكن أن يُنسب إلى أحفاد القوط، بغض النظر عن الدين الذي يعتنقونه (المسيحية أو الإسلام) ويؤكد سيمونيه في مقدمة كتابه على أن العديد من الجوانب المثيرة للإعجاب في إسبانيا الإسلامية كانت نتاج التواصل والاحتكاك مع الشعوب المسيحية في الغرب (de Madrazo 1858: XIII).


كانت الإشارات إلى العالم الإسلامي شبه غائبة تماماً، أو استثنائية في أحسن الأحوال في الأفكار المعروضة للتاريخ في الكتب المتعلقة بالرسم (Díez 1992) والأدب التاريخي في العصور الوسطى (Moreno Alonso 1979: 98)، وتعد رواية فرانشيسكو مارتينيز دي لا روسا بعنوان (المورو La moraima)، (Espadas Burgos & Urquijo Goitia 1990: 398) استثناء، الأمر الذي يشير إلى التباين الواضح مع التمثيلات الوفيرة للعالم المسيحي. وفي ظل هذا المناخ الإيديولوجي بدأت آثاريات العصور الوسطى في الظهور كتخصص معرفي. وباعتباره وريثاً للآثار القديمة، كانت أولى التحقيقات الأثرية في القرن التاسع عشر فنية في الأساس، ومكرسة لدراسة المعالم الأثرية (1859) والنقوش (Lafuente Alcántara 1859 Amador de los Ríos 1875, 1880, and Almagro Cárdenas 1879) والنقود (Conde 1982 [1817], Codera y Zaidín 1979, Rada y Delgado 1892 and Vives y Escudero 1893). عزز علماء الآثار الأوائل رؤية إسبانيا الإسلامية باعتبارها ثقافة غريبة على الثقافة الإسبانية. وقد برر هذا الموقف قناعتهم بأن الدين يشكل عاملاً أساسياً “علامة لا تمحى، للحضارة” ((Monumentos… 1859: [3])). وعليه، فإن الدراسة متعددة الأجزاء للآثار المعمارية في إسبانيا (وهي دراسة كان يجب اعتبارها من ضمن علم آثار، كما هو محدد في المقدمة)، والتي نُشرت في الفترة ما بين 1856 و 1882، عكست الاعتقاد بأن أنسب تقسيم في الفن الإسباني وعلم الآثار كان التقسيم الذي ميز بين الوثنية والمسيحية والإسلام. واعتبرت لجنة الخبراء المسؤولة عن العمل أنه لا يمكن التعامل مع العصور الوسطى ككل، حيث تم تقسيم إسبانيا إلى عالمين عدوانيين وغير متوافقين كليا (Monuments…1859: [3]).
وعلى الرغم من دعوة بعض الباحثين إلى التخلي عن هذه الرؤية، إلا أنها استمرت في الواقع في فهم العالم الإسلامي باعتباره غير إسباني بصورة أساسية، وعلى سبيل المثال كان هذا هو حال المؤرخ إيميليو لافوينتي الكانتارا Emilio Lafuente Alcántara الذي لفت الانتباه في العام 1859 إلى الطريقة التي تم بها تجاهل العالم العربي من قبل الخبراء “كنتيجة لمعارضتهم العميقة للعادات والمعتقدات، وكنتيجة للمأساة التي تلحق بالمهزومين، ولذلك فإن لغتهم وأفكارهم وآثارهم الفنية والأدبية (…) تعتبر ذات أهمية قليلة، وغير قادر تماماً على تقديم أي درس مفيد، وغير جديرة بالاهتمام من المثقفين” (Lafuente Alcántara 1859: V) . إلا أن هذا لم يمنعه من التأكيد على أن أحد السمات المميزة للشعب الإسباني كان ازدراءه لـ “ذلك العرق المتطفل، الذي كان عليه أن يناضل ضده لقرون طويلة”. وعلى نحو مماثل، ينظر مانويل غوميز إي مورينو غونزاليس Manuel Gómez Moreno y González المحاضر في مدرسة الفنون الجميلة في غرناطة إلى العرب بوصفهم كارثة (Gómez Moreno 1890: 3) واضطراب فظيع (Gómez Moreno 1892: 12) على الرغم من كونه أحد أهم الخبراء في علم الآثار الإسلامي (وهو مجال سيتبعه ويتفوق عليه ابنه مانويل غوميز مورينو إي مارتينيز Manuel Gómez Moreno y Martínez).


وفي معارضة الاتجاه العام، بدأ البعض بتضمين ما وصفوه بالفترة العربية الرائعة في توصيفاتهم للتاريخ القومي. ومن الأمثلة على ذلك رودريغو أمادور دي لوس ريوس Rodrigo Amador de los Ríos، الذي كان بإمكانه التحدث باللغة العربية، وقام بتجميع أول كتالوج للقطع النقدية الإسلامية في متحف الآثار القومي Museo Arqueológico Nacional . واعتبر أنه من المهم دراسة النقوش العربية، لأن مثل هذه الدراسات سوف “تسهم، بطريقة ما، في توضيح ذلك الجزء الذي لايزال غير معروف وغير مكتمل من التاريخ القومي وتعزيز التحقيقات الأثرية الشحيحة حتى ذلك الوقت” (Amador de los Ríos 1875: 6). ومن أكثر الشخصيات إيجابية في هذا المجال كان أستاذ اللغة العربية فرانشيسكو كوديرا إي زيدين Francisco Codera y Zaidín (1879: V) والذي شمل التراث الإسلامي في دراسته للتاريخ القومي، حيث جادل، على سبيل المثال، بإمكانية إعادة بناء تاريخ الشعب الإسباني من خلال تحليل العملات العربية-الإسبانية. ولم يكن بمقدوره تصور إمكانية دراسة تاريخ إسبانيا دون معرفة اللغة العربية، ومن ثم دعا إلى تدريسها في أقسام التاريخ في الجامعات، وليس فقط لطلاب فقه اللغة (Codera 1903). ومع ذلك، لاحظ، في تقرير قدمه عن رحلته إلى الجزائر وتونس، “المسافة التي تفصل بيننا و بين السلالة المسلمة” .(Pons Boigues 1952 [1888]: 157)


لم يقتصر الأمر على تضمين الدراسات الشرقية في توصيف التاريخ القومي، ولكنها بطبيعتها كانت دراسات قومية إلى حد ما، لاقتصار مجال تحليلها على إسبانيا، بخلاف الدول الأخرى. ومع ذلك، يمكن اقتراح قراءة مختلفة إلى حد ما لهذه الحالة، ألا وهي افتقار الإسبان الواضح لحماس المغامرات الاستعمارية، بسبب الكساد الاقتصادي الإسباني، والشعور العميق، على المستوى الإيديولوجي بالانحطاط الذي طغى على إسبانيا في القرن التاسع عشر(Jover 1994). في الواقع كانت الحرب الأفريقية (1859-1860 ) من أبرز هذه السمات في القرن التاسع عشر، مما دفع ببعض المتخصصين المعاصرين للقول بأنه كان لها أثر في تحفيز الاهتمام بالدراسات العربية (Fernández y González in López García 1979: 283). وينبغي النظر إلى أعمال الرسام فورتوني Fortuny ضمن هذا السياق، حيث قام بتطوير الاهتمام في اللقى الإسلامية في إسبانيا، فزار غرناطة لرسم قصر الحمراء بعد عودته من أفريقيا ورسم العديد من الصور المتعلقة بالحرب وغيرها من الموضوعات الإثنوغرافية والأكثر شعبية. من ناحية أخرى، ربط المصلح والمفكر خواكين كوستا Joaquín Costa بصورة مباشرة التوسع الإسباني في أفريقيا بالالتزام بتنفيذ الحفريات الأثرية هناك (انظر على سبيل المثال Costa 1887).


كانت الجمعيات الثقافية والأكاديميات واللجان الخاصة بالمعالم الأثرية هي القنوات الرئيسية لظهور بقايا أثرية جديدة في القرن التاسع عشر، ولم تكن هذه القنوات تتعامل بتمييز من أي نوع إزاء المواقع الإسلامية، وقد سجّلت أولى الحفريات المعروفة للقى الإسلامية في غرناطة في موقع مدينة البيرة. Madinat Ilbira وقام بتلك الحفريات أعضاء المدرسة الأدبية والآثارية في المدينة في أعقاب الاكتشافات الأولية في العام 1842 (Gómez Moreno 1888: 5-6). إن توزيع اللقى من هذا الموقع بين متحف الآثار القومي في مدريد والمتحف الأثري في غرناطة، الذي تأسس في العام 1867 و 1877 على التوالي، يقدم شهادة بليغة على الأهمية التي تعلق على هذه المكتشفات والطريقة التي أدمجت بها في توصيف التاريخ القومي .وكذلك حقيقة أنه بعد التجديد الأولي، كانت القاعة الأولى التي تم زيارتها في متحف الآثار القومي مخصصة بالضبط للقى الإسلامية والمدجنة Mudejar – وهذه الأخيرة كلمة إسبانية مشتقة من الكلمة العربية [مدجن] ويقصد بها المسيحيون الذين انتقلوا من المناطق الإسلامية للمناطق المسيحية، وبالتالي، يتضمن إنتاجهم تأثيراً كبيراً من الفن الإسلامي (Marcos Pous 1993: 64).


ومثلما اهتم بعض المثقفين بالماضي القوطي ,ابتدأوا في اعتبار الماضي الإسلامي ذو أهمية كبيرة لعلم الآثار العربي، وكانت أول أعمال التنقيب العلمي عن الآثار العربية على يد المؤرخ بيدرو دي مادرازو Pedro de Madrazo (1855) في مدينة الزهراء التي كان موقعها موضع جدل حتى قام باسكوال دي غايانغوس بترجمة نص المقري باللغة الإنجليزية في الأعوام 1840-1843 . واستطاع كل من دي مادرازو وغايانغوس من خلال نص المقري تحديد الآثار التي عثر عليها في موقع كوردوبا لا فيخا Córdoba La Vieja على أنه مدينة الزهراء (de Madrazo y Gayangos 1855: 407-426). وفي العام 1853، طلب مادرازو وغايانغوس من الحكومة المعتدلة الحصول على إذن للتنقيب هناك، وفي العام التالي عين وزير الأشغال العامة لجانًا في مدريد وقرطبة لتنفيذ المشروع.

إذا كانت النزعة القومية في القرن التاسع عشر في إسبانيا هي من أوجد الصراع بين العرب والمسيحيين، فإن الحركات القومية الطرفية التي ظهرت في نهاية القرن – في كلٍّ من كاتالونيا و إقليم الباسك- شهدت وجوداً هزيلاً أو حتى عدم وجود للعرب في تلك المناطق. وهكذا بدأ التأريخ الكتالوني في التفاخر بتفوق الكاتلان على بقية إسبانيا قياساً بسنوات الحكم القليلة التي خضع لها الإقليم. بدأت معظم التواريخ المبكرة الكتالونية في العصور الوسطى (انظر على سبيل المثال Balari i Jovany 1899 )، وعلى الرغم من العمل المتأخر الذي قام المؤرخ الكتالوني المختص بحقب ما قبل التاريخ بوش غيمبيرا Bosch Gimpera، إلا أن هذا الأمر لا يزال يعد صحيحاً في الكتب المدرسية ذات الجذور المتنوعة التي تم نشرها مؤخراً (Ferret 1980, Puigjaner 1989) . وعلى النقيض من الحالة الكتالونية، ظهر الماضي الإسلامي في الأندلس كمصدر فخر في المنطقة. ويرى خوسيه مورينو نييتو، الذي كان أول أستاذ للغة العربية في جامعة غرناطة، أن بعض الآثار القروسطية تنتمي إلى التاريخ الأندلسي (Moreno Nieto 1864: 27 ). وقد وجدت هذه الأفكار أعظم تعبير لها عند بلاس إنفانتي Blas Infante، زعيم القومية الأندلسية خلال الثلث الأول من القرن العشرين. الذي زعم أن الأندلسيين استدعوا العرب لإنهاء الحكم الجرماني الإقطاعي وأن الفترة الإسلامية كانت فترة من الرقي والحرية الثقافية هيمنت خلالها الأندلس على بقية إسبانيا. وكان الاستعمار المسيحي، وفقاً له، كارثة أدت إلى استعباد سكان المنطقة (Infante 1931: 74-75).

الأصول الإسلامية مقابل القوطية, الادعاءات المتنافسة حول أصل الأمة الإسبانية: العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين.


أدت خسارة إسبانيا لآخر أراضيها فيما وراء البحار (كوبا والفليبين) في العام 1898 إلى أزمة هوية عميقة دفعت، ورداً على ذلك، تم السعي نحو إعادة ترميم هائلة للبنى الأكاديمية وتجديد النقاش حول فكرة الأمة الإسبانية.  ويمكن رد الوعي النقدي للقومية الإسبانية إلى حركة التجدد هذه التي كان خواكين كوستا أحد أكثر الشخصيات تأثيراً ونفوذاً فيها. وظهر الاستيلاء على السلطة في شمال أفريقيا كأحد وسائل استعادة الكبرياء الوطني المفقود، من خلال حملتين رئيسيتين ذات مضامين استعمارية طويلة الأمد في القرن التاسع عشر (1859-1860 و 1893-1894).


اتفقت القوى الأوروبية في مؤتمر الجزيرة الخضراء Algeciras في العام 1906 على تمكين كل من فرنسا وإسبانيا من بسط حمايتهما وسيطرتهما القانونية على المغرب، في حين مُنحت ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا سلطة تجارية ومالية. وابتدأت فعلياً الحماية الإسبانية في المغرب في العام 1912 (والتي ستنتهي في العام 1956 )، ويجب النظر إلى المحاولة الفاشلة لإنشاء مركز الدراسات العربية في العام 1908 في هذا السياق، كما توحي بذلك أفكار خوليان ريبيرا إي تاراغو Julián Ribera y Tarragó، وكان المقصود من هذا المركز أن يكون مؤسسة لدراسة اللغة العربية الكلاسيكية والمحكية وليس فقط تاريخ الأندلس، بل تاريخ المغرب أيضاً من أجل تدريب المهنيين للعمل في شمال أفريقيا. على الرغم من أن الحكومة الإسبانية أصدرت مرسوماً بإنشاء وتمويل المؤسسة، لم يكتب لها النجاح “بسبب التذبذب السياسي الذي دمرها قبل ولادتها” (Asín Palacios & García Gómez 1933: 4-5). كانت دراسة الماضي الإسلامي في إسبانيا ذات أهمية أساسية في هذا المركز. وشدد المروج الرئيسي له، ريبيرا Ribera، أستاذ اللغة العربية في جامعة سرقسطة منذ العام 1887، وفي جامعة مدريد بعد العام 1905، على أهميته “لفحص حقيقي لوعينا القومي”.  كان هذا نتيجة اقتناعه بأن “الجزء من الشعب الإسباني الذي اعتنق الإسلام (أولئك الذين برزوا سياسياً واجتماعياً وعلمياً وفنياً في الأندلس كانوا من الإسبان) سمح لنفسه بالتأثير على تلك الحضارة الإسلامية واكتسب شخصيته الخاصة. في خضم هذا فأن مسلمي شبه الجزيرة (…)، وأكرر (كما سأفعل مراراً وتكراراً، بالنظر إلى أن العدالة تتطلب مني القيام بذلك)، كانوا إسبانيين: إسبان عن طريق العرق وإسبان حسب اللغة وإسبان حسب الشخصية والذوق والميول والمزاج (Ribera 1928: 461, 463, 468, quoted in Marín 1992: 388). وهكذا، وعلى النقيض مما حدث في بلدان أوروبية أخرى، لم يميز المثقفون في إسبانيا بين العمل الاستعماري وبين ماضيهم التاريخي، حيث توحدت كلتاهما مع أهميتهما المشتركة في البناء القومي.


أدى الاحتجاج القومي الذي أثارته عملية بيع واحدة من أكثر قطع الفن الإسباني ما قبل التاريخ، سيدة إلتشي، إلى متحف اللوفر إلى سن قانون يحظر تصدير الكنوز والأشياء الأثرية وينظم الحفريات الأثرية (Bosch Gimpera 1980). ولم يكن من قبيل المصادفة أن أفضل الحفريات التي تم تمويلها خلال العقدين الثاني والثالث من القرن كانت الموقع الكلتية Celtiberian في نومنسيا، واللقى الرومانية في إيتاليكا Italica وميريدا Merida. وما يهمنا هنا بالدرجة الأولى الموقع الإسلامي لمدينة الزهراء (Relación … 1915-23). حيث يعكس تقرير الموقع الأول الفكرة من عملية التنقيب. هنا تم التأكيد على أهمية الموقع في السياق الأوروبي، كما في عهد الخلافة في قرطبة، لم تكن هذه المدينة حاضرة للإمبراطورية الإسلامية بأكملها فقط في إسبانيا وأكبر مركز ثقافي لقرن من الزمن، ولكنها شهدت أيضاً النهضة الأولى للفن في الغرب في القرون الوسطى. تم تسليط الضوء على البعد الأوروبي من خلال مقارنة أهميته الفنية مع تلك التي مثلت اليونان وروما في عصور بريكليس وأغسطس (Hernández 1923: 3, 6). أي أن هناك محاولة “لإضفاء الطابع الكلاسيكي” و “إضفاء الطابع الأوروبي” على العالم الإسلامي حتى يمكن استيعابه بسهولة في بناء ماضي إسبانيا القومي، مما يشير إلى مناخ أكثر إيجابية من ذلك الذي كان موجوداً من قبل، وسمح بتأسيس أول رئيس لعلم الآثار العربية في جامعة مدريد في العام 1915. وقد احتل هذا المنصب مانويل غوميز مورينو إي مارتينيز Manuel Gómez Moreno y Martínez (1870-1970) الذي كان مثالاً على إرث جميع الدلالات السلبية المحيطة بدراسة العالم العربي، وكذلك على تغير العقلية في القومية الإسبانية خلال الثلث الأول من القرن. في البداية، بينما كان لا يزال شاباً وتأثر بشدة بالخلفية الإقليمية التي جاء منها (غرناطة)، أعرب غوميز مورينو عن إيديولوجية معادية لأوروبا. وكان قد أنهى في العام 1911 أطروحته الجامعية بالتأكيد على أن الفن المتعلق بالدين في إسبانيا كان “رمزا للكفاح الذي نشب بين امتصاص أوروبا وتحفظ من التمرد الإسباني يعارض كل ما يأتي من جبال البيرينيه. عرقنا ليس أوروبياً، على الرغم من العديد من أعمال الاستسلام التي تلون تاريخه (Gómez Moreno y Martínez 1911: 28). وقد اعتبر، مثل والده قبله، أن الغزو العربي لشبه الجزيرة الإيبيرية  كان بمثابة كارثة أدت إلى اضطهاد الشعب المسيحي (Gómez Moreno 1928: 270 and 322). وهذا ما يفسر اهتمامه الكبير بدراسة ثقافة المستعربين Mozarabic، الأكثر ارتباطا بالمسيحية في العالم الإسلامي. ومع ذلك، تغيرت قوميته الإسبانية على مر السنين،  حين أعلن قبوله ،لاحقاً، في اعتبار الثقافة الإسلامية  ثقافةً إسبانية تامة. وأعطى للعمارة العربية في إسبانيا شخصية استثنائية، مؤكدا أن “الثقافة الإسبانية الخاصة تطورت من تراثها الخاص: من الروماني، القوطي، مع القليل من التراث البيزنطي الذي أتاها في العصور القديمة. لكن كل هذا كان يجب أن يتم تهيئته لخدمة المجتمع الإسلامي (Gómez Moreno 1932: 66-67). وعلاوة على ذلك، اعتبر عدم وجود “ذلك الخلاف العدائي بين العناصر المسيحية والإسلامية الذي يفصل بين المهزومين من المنتصرين،  بل أن ما بينهما ليس سوى علاقات تعايش مكّنتهم من أن يكونوا مبدعين” (Gómez Moreno 1932: 65). وتم في العام 1932 إنشاء معهد الدراسات العربية Escuelas de Estudios Arabes في مدريد وغرناطة على غرار مشروع العام 1908. قد لا يكون تأسيسه مرتبطاً بتوطيد الحماية الإسبانية في المغرب بعد العام 1925. وتم -مرة أخرى- تبرير هذا القرار بالرجوع إلى الماضي، و إلى “واجب إسبانيا الذي لا مفر منه للدراسة بعمق وتقدير الإرث الثقافي الذي نقلته الحضارة الإسلامية إلينا خلال العصور الوسطى والتأثير العميق الذي امتلكه الشعب المسلم على اقتصادنا. والتاريخ السياسي خلال ثمانية قرون من الهيمنة والتعايش (…) إن إسبانيا العروبية، بخلاف العديد من الدول الأوروبية الأخرى، ليست بالنسبة لنا مجرد فضول علمي، لا علاقة له ببيئتنا ومنقطعة عن اهتمامنا الإنساني, ولا تجمع بين الروحانية الحماس مع المصالح التجارية أو الإمبراطورية. بل -بالنسبة لنا- تعتبر الدراسات العربية ضرورة أساسية ومحببة، وكما قلنا في البداية، فهي تربط بين صفحات كثيرة من تاريخنا، وتكشف عن الخصائص الجديرة بالاحترام لأدبنا، وفكرنا، وفننا، وتغوص عميقاً في لغتنا، وربما، بدرجة أكبر أو أقل في حياتنا (Asín Palacios & García Gómez 1933: 1, 3 ). على الرغم من أن المدارس انشأت بروح مشروع العام 1908، وظهرت بالتالي خطط الدراسات المغربية، إلا أن معظمها بقيت مقتصرة على تاريخ إسبانيا المسلمة (Marín 1992: 386-87).  كانت جريدة الأندلس Al- Andalus صوتهم الجماعي التي طبعت لأول مرة في العام 1933 وتضمنت “تقريراً أثرياً عن إسبانيا المسلمة”، تم تجميعه إلى حد كبير من قبل المهندس المعماري ليوبولدو توريس بالباز Leopoldo Torres Balbás. (حتى وفاته في العام 1960). ومع هذا شهد الثلث الأول من القرن العشرين توطيد حقل جديد من الأبحاث ركزت بشكل خاص على فترة القوط، على يد مجموعة من الباحثين المحافظين الذين شكلوا اتجاهين متميزين وفقا لتفسيراتهم (Olmo Enciso 1991) كان أحدهما مؤيداً علنياً لألمانيا ومرتبطاً بمبادرات البحوث الألمانية وتم تأسيسه على يد علماء آثار وثيقي الصلة بألمانيا. ومن بينهم خوليو مارتينيز سانتا أولالا Julio Martínez Santa-Olalla، الذي تحدث بإعجاب عن “الغزاة الجرمانيين” و ” وجرمانية إسبانيا”. وانضم إلى هذه المجموعة بعض الباحثين الألمان الذين يعملون في إسبانيا، مثل زايس Zeiss، الذي سعى إلى إنشاء منطقة التشتت “الوطنية” للقوط . أما الاتجاه الثاني فقد تركز في جامعة بلد الوليد وكان متأثراً أكثر بعلم الآثار الفرنسي، وبالتالي ركزت هذه المجموعة على الطبقة الرومانية والمتوسطية في عالم القوط (Olmo Enciso 1991) . وقد كانت للصلات الألمانية التي ألهمت الكثير من كتابات علم الآثار القوطي تأثيراً مفيداً، وقد اعتمد الباحثون العاملون في تلك الفترة أساليب تنقيب مبتكرة وكذلك النظريات المؤثرة التي سادت هناك [ أي ألمانيا]، في حين تأخر العاملون في مجال علم الآثار الإسلامية في كلا المجالين، ويعود هذا بدرجة كبيرة لهيمنة المهندسين المعماريين المعزولة عن السجال الآثاري، مثل ريكاردو فيلاسكويز بوسكو Ricardo Velázquez Bosco وفيليكس هيرنانديز خيمينيز Félix Hernández Giménez في مدينة الزهراء أو ليوبولدو توريس Leopoldo Torres Balbás في قصر الحمراء. تجدر الإشارة إلى وجود استثناءين، علماء الآثار الذين عملوا بشكل متقطع على اللقى الإسلامية حيث قام أحدهم بذلك عن طريق الصدفة، لأنه اعتقد أنه بدأ العمل في مستوطنة سيلتبيريا لكنه وجد نفسه في وسط مستوطنة عربية (Mélida 1926). أما الاستثناء الثاني فكان لباحث حفر كهف كنيسي اصطناعي للمستعربين أثناء محاولته لدراسة بقايا القرون الوسطى المسيحية (de Mergelina 1927).

 

الحماسة الجرمانية والرقابة على الماضي العربي (1939-1950).


وضعت الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939) أوزارها، وأدى استلام الديكتاتور فرانشيسكو فرانكو السلطة إلى وضع حد للتقاليد الليبرالية في البلاد، فاختار العديد من المثقفين أو أجبروا على مغادرة البلاد، استمر النقاش العلمي لسنوات ما قبل الحرب في المنفى، في كل من الأرجنتين والولايات المتحدة من قبل المؤرخين كلاوديو سانشيز ألبورنوز Claudio Sánchez Albornoz (رئيس الجمهورية الإسبانية في المنفى من العام 1959 إلى العام 1970) وأميريكو كاستروAmérico Castro في الوقت الذي دافع فيه ألبورنوز عن تصور قشتالي لإسبانيا ، مشددًا على أهمية العناصر الجرمانية بدلاً من المجتمعات اليهودية أو المسلمة، رأى كاسترو (1948) في الأصول الإسبانية ثمرة تعايش بين اليهود والعرب والمسيحيين خلال العصور الوسطى. ويقول ألبورنوز في كتابه إسبانيا لغز تاريخي España, un enigma histórico، الذي نشر في العام 1956: “لا.. لا يمكن للطابع الإسباني أن يتأثر أساساً في التعريب. فالعقبات التي تواجهه موثقة جيداً. وقد تم تأسيس البنى الحيوية لسكان شبه الجزيرة بشكل ثابت قبل أن يصل بربر طارق إلى جبل طارق في العام 711. وكان العالم العربي الإسلامي لا يزال فضفاضاً وغير محدد القوام، والعديد من الأقوام التي أتت إلى إسبانيا لم تكن قد تحولت للإسلام إلا في مراحل متأخرة، ولم تكن قد عُرِبت بعد. لقد احتفظ العالم اللاتيني قبل الإسلام بحيويته وكان التعريب الثقافي للإسبان الخاضعين لهيمنة الإسلام يسير ببطء شديد، ولم يحدث تعريبهم إلا في وقت متأخر أو لم يحدث على الإطلاق (Sánchez Albornoz 1956: 189 ) .

وفي المقابل، اتخذت إسبانيا الفرانكوية موقفاً أكثر محافظة من التيار القومي الإسباني وأرست شرعيتها على الوحدة الدينية والإقليمية التي أنشئت في ظل الملوك الكاثوليك بعد العام 1492 متجاهلة ما كان يدور بين العديد من المثقفين في المنفى. لذلك، لا ينبغي لنا أن نتفاجأ بانحدار الماضي العربي مرة أخرى إلى وضع غير إسباني ويمكن العثور على مثال جيد لهذا الموقف في مقدمة كتاب مينينديس بيدال Menéndez Pidal “تاريخ إسبانيا” Historia de España . وبينما كان من الواضح أنه في الماضي كانت إسبانيا على اتصال وثيق بأفريقيا ، وأنه ينبغي النظر إلى هذا الأمر على أنه إيجابي، لأن “النزعة الإفريقية كانت آنذاك [في القرون الأولى من عصرنا] تعادل النزعة الأوروبية اللاحقة، أي، الميل إلى الخروج من العزلة الثقافية ” (Menéndez Pidal 1947: LXXIV)، وأن الغزو العربي إنما يشير إلى “اختلال خطير في حياة غرب البحر الأبيض المتوسط بأكمله، وخاصة إسبانيا. وأصبحت أفريقيا اللاتينية، المسيحية، الرائعة، العميقة (…) أفريقيا الإسلامية، التي انتزعت من العالم الغربي ليرتبط مستقلها بالشرق الآسيوي (1947: LXXV). كانت أستورياس Asturias [منطقة حكم ذاتي تقع شمال غرب إسبانيا عاصمتها مدينة أوفيديو]، حيث بدأ الاستعمار المسيحي، بالتالي “الممثل الوحيد لإسبانيا الحرة”، وهي إسبانيا المسيحية التي ورثت الإرث الثقافي اليوناني اللاتيني (1947: LXXVI). ويتابع النص في تعريف تبني عادات “الموريسكو” على أنه إهانة للمشاعر القومية (1947: LXXVIII). ويصف إيزابيل الأولى القشتالية بأنها “أميرة أستورياس” (1947: LXXIX). وأخيراً، يذكر أن الدولة الإسبانية “استندت فيما بعد إلى وحدة الإيمان الكاثوليكي” (1947: LXXIX).

في ظل هذا المناخ الأيديولوجي، كان من المتوقع تفكيك جميع المؤسسات المخصصة للدراسات الشرقية، غير أن الأمر لم يكن كذلك، وربما ارتبط بقاء هذه المؤسسات بحقيقة أن الانتفاضة العسكرية التي أدت إلى نشوب الحرب الأهلية قد بدأت في مستعمرات إسبانيا الأفريقية، حيث يتواجد العديد من عناصر الجيش المحافظين، أو إلى الدور الرئيسي الذي لعبته القوات المغربية في انتصار فرانكو. ومع ذلك، ينبغي أيضاً أن يؤخذ عامل آخر في الاعتبار. ففي الفترة التي تم فيها التأكيد على القوة العظمى للإمبراطورية الإسبانية، لم يكن من المستغرب أنه كان من الضروري أن نبرز دور القليل المتبقي منها، ألا وهو الحماية الإسبانية في المغرب والمستعمرات في الصحراء وغينيا. وبعد فترة وجيزة من نهاية الحرب الأهلية، أقيم معهد الجنرال فرانكو للدراسات والبحوث الإسبانية العربية Instituto General Franco de Estudios e Investigaciones Hispano-Arabe برعاية وزارة الشؤون الخارجية لتمويل البحوث المتعلقة بالعالم العربي. ونجح معهد الدراسات العربية الذي افتتح في مدريد وغرناطة في العام 1932 في البقاء على قيد الحياة كفرع من معهد بينيتو أرياس مونتانو Instituto Benito Arias Montano التابع للمجلس الأعلى للأبحاث العلمية (CSIC). Consejo Superior de Investigaciones Científicas على الرغم من أنه من هذا الأخير انضم مانويل غوميز مورينو Manuel Gómez Moreno إلى معهد دييغو فيلاسكويز للفنون و الآثار Instituto Diego Velázquez de Arte y Arqueología. ونتيجة لذلك ، تم تهميش علم الآثار داخل معهد الدراسات العربية، وتم الاهتمام به فقط من خلال النشر في جريدة الأندلس في “التقارير الأثرية” التي كانت تكاد تكون حصرية لأعمال ليوبولدو توريس بالباز. وعانت الجامعات من انقطاع جذري في دراسة علم الآثار الإسلامي, ويعود هذا الانقطاع بدرجة كبيرة إلى ما قبل الحرب الأهلية بقليل، وتحديداً إلى القرار الذي اتخذته مانويل غوميز مورينو إي مارتينيز Manuel Gómez Moreno y Martínez حوالي العام 1934 بمغادرة الجامعة. فلم يتم استبداله، ولم يشغل موقعه أحد، لأنه عندما بلغ غوميز مورينو سن التقاعد في العام 1940، يبدو أن موقعه كان “تاريخ الفن في العصور الوسطى” قد شغله خوسيه كامون أزنار José Camón Aznar. في العام 1942. وكان ينبغي لهذا الموقع -في رأي المتخصصين- أن يكون من نصيب خوان أنطونيو غايا نانيو Juan Antonio Gaya Nuño الذي سجن حتى العام 1943 لأسباب سياسية، وبحسب المشاعر القومية في ذلك الوقت، لم تكن هناك ثمة نية في مواصلة تدريس علم الآثار العربية في الجامعة.

مع تقدم الحرب العالمية الثانية وتحول مسارها لصالح الحلفاء، تم إدخال بعض التغييرات في محاولة لمواجهة العزلة التي شعرت بها إسبانيا الفرانكوية. فاختفى معهد الجنرال فرانكو سالف الذكر, وتم تأسيس (المعهد الثقافي العربي-الإسباني Instituto Hispano-Arabe de Cultura). في إطار المجلس الأعلى للبحوث العلمية، حيث كان معهد بينيتو أرياس مونتانو سابقاً مسؤولاً عن الدراسات العربية والعبرية، تم نقل الأول إلى معهد ميغويل أسين Insituto Miguel Asín الذي أنشئ في العام 1944. وانعكس هذا التغيير في المواقف أيضاً في المجلد الخامس من تاريخ إسبانيا الذي حرره مينينديز بيدال Menéndez Pidal والذي كان مخصصا لإسبانيا المسلمة. بعد أن تم نشره بعد عقد من “المقدمة” المذكورة أعلاه ، قدم تفسيرًا مختلفا تماما للموضوع. وعُهد جزء من العمل إلى ليوبولدو توريس بالباس ، الذي تقاعد بعد الحرب (Roselló Bordo 1985: 9). طعن توريس بالباس في التفسير الذي طرحه بيدال, على النقيض من عالم القوط سريع الزوال عن مقارنته بـ”عظمة الخلافة الأندلسية و حضارتها المصقولة”.. ” لم يكن للقوط متسع من الوقت لإنشاء جذور عميقة في الأراضي الإيبيرية” (…) فلم يتمكنوا من قيادة أي حركة ذات أهمية في شبه الجزيرة ،في حين قدم التيار الإسلامي الشرقي حياة جديدة لبيئة مواتية لتطورها “( Torres Balbás 1957: 333-34)
عكس علم الآثار في القرون الوسطى كل هذه التغييرات. على عكس الحالة المحبطة لعلم الآثار الإسلامي (بالكاد أجريت أي حفريات في هذه الفترة Roselló Bordoy 1985))، ازداد الاهتمام بالقوط الغربيين مرة أخرى بعد الحرب الأهلية. كشف لاورو أولمو إنسيكو Lauro Olmo Enciso (1991) عن الآثار السياسية الواضحة لهذا التطور من خلال التمييز بين مجموعتين من المتخصصين في هذا المجال، كان الأول مركزه في مدريد، ويوصف بأنه أكثر الإيديولوجيات محافظة وكان يدافع عن فكرة أصول الجرمانية الحصرية للقوطيين (Olmo Enciso 1991: 159). وفي المقابل، أكد علماء الآثار المرتبطون بجامعة برشلونة الذين شكلوا المجموعة الثانية الأكثر ليبرالية على الروابط المتوسطية والبيزنطية للقوطيين الغربيين.
على الرغم من اعترافهم بوجود “مجموعة إثنوغرافية” جرمانية، فإن بعض هؤلاء الباحثين، مثل بالول Palol ، تحدثوا عن الحاجة لتصنيف هؤلاء الذين يدعون بـ “القوط الغربيين باسم “القوط -الإسبان”، مما يضعف طابعهم الجرماني( Olmo Enciso 1991. : 158). ومع ذلك، فإن علم الآثار القوطي لا يمكن أن يبقى محصناً ضد نتائج الهزيمة القومية-الاشتراكية في الحرب العالمية الثانية والتقدم الإيديولوجي للجماعات الكاثوليكية الأكثر اعتدالاً داخل النظام الفرانكوي. فمن ناحية، تم تقليص زخم النشاط في الميدان، ومن ناحية أخرى، اختفت منه المواقف الأكثر تأييداً للجرمانية (Olmo Enciso 1991: 160). وتراجعت، خلال الستينات، الدراسات المتعلقة بعلم الآثار في العصور الوسطى ككل.

وعانى علم الآثار القوطي من تأثيرات هوياته المنفتحة سابقاً مع ألمانيا النازية، ويزداد الوضع سوءً فيما يتعلق بعلم الآثار الإسلامي فلم يحدث أي تجديد ضروري و هام في صفوف الباحثين في هذ المجال في الفترة التي تلت وفاة ليوبولدو توريس بالباس Leopoldo Torres Balbás في العام 1960 ومانويل غوميز مورينو Manuel Gómez Moreno بعده بعقد من الزمان، وحتى أولئك الذين باشروا العلم في هذا التخصص، عانوا من قلة الدعم، وتم رفض دمج الفترة الإسلامية في توصيفات الماضي القومي خلال العقدين الأولين من نظام فرانكو. وبالتالي تم استبعاد (أو عدم أدراج ) هذا الماضي في منهج الجامعة، وهذا يعني استبعاد هذه الدراسات من نظام الرعاية الأكاديمي في إسبانيا. وفي العام 1960، مُنع غيوم روسيلو Guillem Roselló من تقديم ورقة عن علم الآثار الأندلسي (علم الآثار الإسلامي) في المؤتمر الوطني للآثار، واستمر هذا الرفض لأعمال علم الآثار في العصور الوسطى حتى العام 1971 (على الرغم من الاستثناءات، مثل قبول بحث في العام 1968 للباحث الشاب المتخصص في الآثار الإسلامية زوزايا Zozaya، وهو بحث يدافع عن دراسة العصور الوسطى على أساس أنها كانت “فترة أساسية تماما في تاريخ إسبانيا” (Zozaya 1968: 849).

 

إحياء علم الآثار الإسلامية.


بدى أن النزعة القومية تراجعت في جميع أنحاء العالم، في نهاية الستينيات وخلال السبعينيات من القرن العشرين، ولم يعد يبدو أن مثل هذه النزعة المثالية لها مكان في عالم اليوم الذي رأى نفسه متفائلاً ومفعماً بالتقدم التكنولوجي، وفي عالم يقر بسيطرته المتنامية على الحياة البشرية.

لقد أثر هذا الحماس أيضاً على “علم الآثار الجديد” في العالم الناطق بالإنجليزية و”الآثار الجديدة” التي لم يتم تعريفها أبداً في قارة أوروبا. وقد ظهر أن تخلي علماء الآثار الواضح عن الإيديولوجية القومية قد مكّن أنواعاً أخرى من الآثار لتنال بمزيد من الاعتراف، وهي التي لم تحظ في السابق بتأييد كبير، كما هو الحال مع علم الآثار الإسلامي في إسبانيا، ولم يعد من الضروري، منذ ذلك الحين، وجود أي تبرير قومي واضح لكتابة التاريخ، حيث تم اعتباره التاريخ مجرد كتاب فارغ يحتوي على الكثير من الجداول التي ينبغي ملؤها بجميع البيانات (بما في ذلك، حالة إسبانيا التي تعود للفترة الإسلامية). في هذا السياق ظهرت أخلاق مهنية جديدة لم تعد ترى أن دور المؤرخ هو ذاته دور الشخص القومي المحب لوطنه .
وفي هذا السياق أيضاً، يجب فهم إحياء علم الآثار الإسلامي. وهذا يتطلب عدداً من الخصائص الجديدة.

فأولاً بدأ هذا التخصص ينأى بنفسه عن تاريخ الفن ويقترب أكثر من الأساليب والتقنيات الأثرية. ومثل هذه النقلة تم تسهيلها من خلال التدريب على مناهج علم آثار ما قبل التاريخ عن طريق باحثين جدد انضموا إلى هذا الحقل في هذه الفترة، ومن بين علماء الآثار الأوائل غيوم روسيللو بورديوي Guillem Roselló Bordoy وخوان زوزايا ستابل-هانسن Juan Zozaya Stabel-Hansen، والمدخل الهام للمدرسة الفرنسية في الدراسات الأندلسية الإيبيرية (Guichard 1990). وثانياً، يعكس الموقف الجديد فيما هو مشترك مع تلك التخصصات الأثرية الأخرى، حيث تبنت المنشورات حيادية واضحة تستند إلى تقديم بيانات دقيقة وأوصاف موضوعية مفترضة. ناقشت المنشورات الحفريات والسيراميك وغيرها من الأشياء التي تم العثور عليها ، كما تم إسقاط الإشارات إلى التاريخ القومي بشكل قاطع (على الرغم من ذلك , انظر Pavón 1975 والجدل بين بارسيلو Barceló وغيتشارد Guichard و روزيليو Roselló من جهة وروبييرا ماتا Rubiera Mata وإيبالزا Epalza من جهة أخرى (Epalza 1985, Roselló Bordoy 1987). علاوة على ذلك، وكما في حالة الدراسات الشرقية (Marin 1992: 388-9) ، لم تعد الأسماء العربية تُعطى في شكلها الأوروبي أو الإسباني. ومنذ ذلك الحين، تم تجنب استخدام المصطلحين إسبانيا الإسلامية أو Hispano-Moslem وما شابه ذلك (جزئياً فقط في هذه المقالة وفقاً لمضمونها التاريخي) واستبدالها بمصطلحات أخرى، مثل “الأندلس” و”علم الآثار الأندلسي” ، إلخ. كما تم استبدال الأسماء القشتالية بمكافئتها العربية كما هو حال اسم مدينة الزهراء. وهذا الميل (رغم عدم اكتماله، حيث ما زلنا نكتب غرانادا و ليس غرناطة) فهو في تناغم تام مع تحول، أو تأثر المشاعر القومية والمنظور التاريخي. وقد أدت إعادة إدخال الديمقراطية إلى النظام السياسي الإسباني في العام 1978 إلى إجراء تعديلات في الدراسات الشرقية. فتم تغيير أسماء وأهداف عدد من المؤسسات المخصصة لدراسة العالم العربي وفقاً للوضع السياسي الجديد. وهكذا أصبح المعهد الثقافي الإسباني-العربي Hispano-Arabe de Cultura يدعى معهد التعاون مع العالم العربي. Instituto de Cooperación con el Mundo Arabe وفي العام 1980 تم تغيير عنوان المجلة من “الأندلس” إلى “القنطرة”، رغم أن ذلك كان إلى حد كبير نتيجة لمبادرة شخصية، بدلاً من مبادرة مؤسسية، فقد سعى محرر المجلة من خلال هذا العنوان إلى ترميز “القنطرة”، التي تحمل معنى الجسر في اللغة العربية بين الفترات الحديثة والقديمة، كما تم الحفاظ على القسم الآثاري في شكله الحالي، وإن كان فقط في دور ثانوي ، إلى أن تم حذفه في عام 1988.

تكفّل استمرار النزعة التي كانت سائدة في السبعينيات في استمرارية ازدهار علم آثار القرون الوسطى، فظهرت، في برشلونة، مجلة جديدة في العام 1980 بعنوان “السجل الآثاري والتاريخي Acta Histórica et Archaeologica”، وبعدها بعام ظهرت في مدينة قادش مجلة ” دراسات تاريخ وآثار العصور الوسطى Estudios de Historia y Arqueología Medievales”، كما تأسست في العام 1982 “الجمعية الإسبانية لآثار العصور الوسطى Asociación Española de Arqueología Medieval” والتي عقدت أول مؤتمر لها في العام 1985 وبدأت في العام التالي إصدار مجلتها بعنوان :نشرة العصور الوسطى Boletín de Arqueología Medieval “. وفي خضم هذا كان لعلم الآثار الأندلسي فضاءه الخاص، بالمقارنة مع مكانة فروع أخرى، مثل علم الآثار القوطي. وعلى ضوء هذه البانوراما من الابتكارات التقنية والمنهجية وحتى اللغوية لغياب الإشارات إلى التاريخ القومي, يمكن الافتراض أن علم الآثار (على الأقل ما علاقه بالعالم الإسلامي) لم يعد بمثابة داعم للإيديولوجية القومية، وهناك الكثير مما يوحي بأن هذا هو الحال بالفعل. ولكن عند النظر للموضوع عن كثب يظهر لنا الوضع أكثر تعقيداً ، حيث أن القوة القومية الحالية تكمن في حقيقة أنها أصبحت طبيعية جداً ومتضمنة في الفكر الغربي بحيث يصعب تمييز التأثير الحقيقي الذي يواصل لعب الدور. ولإعطاء مثال واحد فقط؛ يحدد النظام الأساسي للجمعية الإسبانية لعلم الآثار في العصور الوسطى أهداف المنظمة بأنه يهدف إلى “تطوير دراسة علم الآثار في العصور الوسطى في إسبانيا، دون تجاهل علاقاتها مع الثقافات الغربية أو الشرقية” (Asociación … 1986: 5).. وهذا يعني بصورة واضحة أن الدولة القومية الإسبانية الحالية هي موضوع الدراسة، وسواء كان هذا عن وعي أم لا، فإن عمل الجمعية يساهم في بناء الماضي القومي. ومع ذلك يرغب النص السابق في أن يكون نصاً لا قومياً فتم تبني هذه الصياغة كبديل عن النص الأصلي والقومي الصريح (Zozaya، pers. com). وسوف يكون من الضروري، على مستوى مختلف، تحديد النوايا الشخصية لأولئك الذين يختارون التخصص في علم الآثار الأندلسي. لإعطاء مثالين فقط، من الممكن أن يكون أكثر من أندلسي قد تأثر في هذا السياق بالتعاطف القومي / الجهوي ورفض النزعة القومية الإسبانية القشتالية، أو أن سكان فلنسيا أو جزر البليار قد تفاعلوا بهذه الطريقة مع النزعة القومية الكتالونية. هذا لا يوحي بأن كل النوايا يمكن أن تختزل إلى مشاعر قومية، لأن هناك مزايا واضحة يمكن اكتسابها من الأعضاء الجدد في المهنة الذين يتخصصون في مجال غير مطروق نسبياً مثل آثاريات العصور الوسطى.

أخيراً، على مستوى سمي أكثر، سيكون من المثير للاهتمام أن ننظر فيما إذا كان ما نشهده حقاً هو عملية استبدال الأساطير، فالأسطورة الأكثر شيوعاً، في أيامنا هذه، القول بإسبانيا ذات الثقافات الثلاث (Marin 1992: 380)، حيث ترى إسبانيا العصور الوسطى كمكان للتعايش السلمي بين العرب واليهود والمسيحيين.

وقد عكس دستور 1978 عودة ظهور النزعة القومية الطرفية في إسبانيا في أقاليم كاتالونيا، والباسك وجيليقيا، وتحركات أولى لحركات مماثلة في مناطق أخرى، مثل الأندلس. وقسمت إسبانيا إلى 17 منطقة حكم ذاتي نقلت لها الحكومة المركزية، من بين أمور أخرى، المسؤولية عن الشؤون الثقافية، بما في ذلك علم الآثار. وأدى هذا الوضع الجديد، في البداية، إلى إعادة التأكيد على الحاجة إلى دراسات الماضي كأساس لبناء تاريخ كل مجتمع من مناطق الحكم الذاتي (يمكن اعتبار هذا كتابة تاريخ قومي أو جهوي وفقاً لنجاح القومية في كل منطقة). وقد أثبتت الحكومة الأندلسية هذا الموقف، حيث شجعت على إعادة إحياء علم الآثار الأندلسي عندما أصبحت مسؤولة عن الشؤون الثقافية في العام 1984. واستؤنفت في العام 1985 أعمال التنقيب في مدينة الزهراء، ونشرت مجلة “ملاحظات عن مدينة الزهراء Cuadernos de Madinat al-Zahra ” وفي العام 1989، تم نشر “المجمع الآثاري” لمدينة الزهراء كمؤسسة ثقافية للتراث التاريخي الأندلسي (Vallejo Triano 1988- 90: 183).

أصبح الماضي الإسلامي الآن جزءً من الأساطير الشعبية، كما يمكن أن يلاحظ من قرار فرقة موسيقية أندلسيّة، تملك موسيقاها جواً عربياً خاصاً بها، أن تطلق على نفسها اسم مدينة الزهراء (لكن لاحظ أنه تم استخدام الاسم القشتالي لمدينة الزهراء).

يبدو أن هذا المخطط الموجز للطريقة التي عومل بها علم آثار القرون الوسطى الأندلسي في إسبانيا يشير إلى التأثير الهام الذي لعبته النزعة القومية على تطوره وهو ما يعبر عن مثال جيد للصعوبات التي تواجه تطوير علم الآثار لفترة من التاريخ لا يتوخى الخطاب القومي تأملها، وكذلك للطريقة التي عكست بها المجالات الدراسية التعديلات في النزعة القومية، وتعقيدها وخطابها. تأثر علم الآثار الإسلامي أيضاً بصور إسبانيا التي زرعها الرحالة الرومانسيون في القرن التاسع عشر خارج حدود البلاد، لأن هذا أثر بشكل واضح على تصورات الإسبان الخاصة. وأخيراً، يكشف عن صراع القوميات المعارضة في الدولة الإسبانية. وتحديداً النزعة القومية الأندلسية التي لا تزال في مراحلها التكوينية وتصارع باتجاه الأهمية الكبرى للأندلس في البناء القومي الإسباني، ولا ينبغي أن نغفل النزعة القومية للباليار وبلنسية ( فالنسيا)، حيث ينظر إلى فخرهم في ماضيهم الإسلامي كتعبير عن معارضتهم للأكاذيب القومية الكتلانية التي تهدف إلى تضمين جزر البليار وفالنسيا في كاتالونيا.

وأخيراً، من بين أو فوق كل هذه العوامل، يمكن اعتبار القومية الإسبانية، رغم كونها الأقدم، إشكالية وضعيفة. وتكمن إشكاليتها وضعفها من احتوائها على العديد من القوميات ولكن علم آثار واحد فقط

…..

المراجع BIBLIOGRAPHY

Almagro Cárdenas, A. 1879. Estudio sobre las inscripciones árabes de Granada. Madrid.

Amador de los Ríos, R. 1875. Inscripciones árabes de Sevilla. Madrid.

Amador de los Ríos, R. 1880. Inscripciones árabes de Córdoba. Madrid.

Aparisi y Guijarro, A. 1843. Del prinicipio cristiano de España como element de su nacionalidad. La Restauración, 8 Agost.

Asín Palacios, M. & E. García Gómez 1933. Nota preliminar. Al-Andalus I, 1-5.

Asociación Española de Arqueología Medieval, 1986. Boletín de Arqueología Medieval 0.

Balari y Jovany, J. 1899. Orígenes históricos de Cataluña. Barcelona.

de Blas Guerrero, A. 1984. Nacionalismo e ideologías políticas contemporáneas. Madrid: Espasa-Calpe.

Bosch Gimpera, P. 1980. Memòries. Barcelona: Edicions 62.

Callahan, W. J. 1984. Church, Politics and Society in Spain, 1750-1874.

Cambridge: Harvard University Press.

Canfora, L. 1980. Ideologie del classicismo. Torino: Einaudi.

Caro Baroja, J. 1957. Sobre ideas raciales en España. Razas, pueblos y linajes, 141-154. Madrid: Revista de Occidente.

Castro, A. 1983 [1948]. España en su historia. Cristianos, moros y judíos. Barcelona: Crítica.

Cirujano Marín, P. , T. Elorriaga Planes & J. S. Pérez Garzón 1985.

Historiografía y nacionalismo español 1834-1868. Madrid: Consejo Superior de Investigaciones Científicas.

Conde, J. A. 1982 [1817]. Memoria sobre la moneda arábiga, en especial la acuñada en España por los príncipes musulmanes, leida en la Real Academia de la Historia en junta de 21 de julio de 1804. Facsimile.

Madrid: Mayrit. [Madrid: Memorias de la Real Academia de la Historia V. ].

Codera y Zaidín, F. 1879. Tratado de numismática arábigo-española. Madrid.

Codera [y Zaidín], F. 1903. Estudios críticos de Historia árabe española. Zaragoza: Colección de Estudios Arabes VII.

Costa, J. 1887. Proyecto de expedición arqueológica en el Garb marroquí. Revista de Geografía comercial II (33) (15. 3. 1887), 153.

Díaz-Andreu, M. forthcoming a. Nationalism and Archaeology. Spanish Archaeology in the Europe of Nationalities. In Nationalism, Politics, and

the Practice of Archaeology, P. Kohl & C. Fawcett (ed. ). Cambridge: Cambridge University Press.

Díaz-Andreu, M. forthcoming b. The Past in the Present: the Search for Roots in Cultural Nationalisms. The Spanish Case. In Os Nacionalismos en

Europa: Pasado e Presente J. G. Beramendi, R. Máiz & X. M. Núñez (eds. ). Santiago de Compostela: Servicio de Publiaciones de la Universidade de Santiago.

Díez, J. L (ed. ) 1992. La pintura de historia del siglo XIX en España. Madrid: Museo del Prado. Ministerio de Cultura.

Enciclopedia Universal Ilustrada Europeo-Americana 1930. Madrid: Espasa-Calpe.

Epalza, M. de. 1985. Historia arab-balear: un congres polèmic. Lluc Nov-Dec,240-1.

Espadas Burgos, M. & J. R. de Urquijo Goitia 1990. Guerra de la Independencia y época Constitucional (1808-1898). In Historia de España 11 A. Montenegro Duque (ed). Madrid: Gredos.

Ferret, A. 1980. Compendi d’Història de Catalunya. Barcelona: Claret.

Fouillée, A. 1903. Equisse psychologique des peuples européens. París.

Gómez Moreno [González], M. 1888. Medina Elvira. Granada.

Gómez Moreno [González], M. 1890. Monumentos romanos y visigóticos de Granada. Granada.

Gómez Moreno [González], M. 1892. Guía de Granada. Granada.

Gómez Moreno y Martínez, M. 1911. De Arqueología mozárabe. Madrid.

Gómez Moreno [Martínez], M. 1928. La novela de España. Madrid.

Gómez Moreno [Martínez], M. 1932. El arte islámico en España y en el Magreb.

In Arte del islam H. Glück & E. Díez (eds. ), 63-90. Madrid: Labor.

Guichard, P. 1990. ‘Depuis Valence et en allant vers l’Ouest… ‘ Bilan et propositions pour une equipe. Mélanges de la Casa de Velázquez 31,

163-194.

Hernández, F. 1923. Excavaciones en Medina Azahara. Memorias de la Junta Superior de Excavaciones Arqueológicas 54. Madrid: Junta Superior de

Investigaciones Científicas.

Infante, B. 1931. La verdad sobr el complot de Tablada y el Estado libre de Andalucía. Sevilla: Juntas Liberalistas.

Jover, J. M. 1994. La idea de España en la época de la Restauración. Seminars given at the Residencia de Estudiantes (Madrid) in January and February 1994.

Kedourie. E. (ed. ), 1970. Nationalism in Asia an Africa. Nueva York: New American Library.

Lafuente, M. 1850. Historia general de España III. Madrid.

Lafuente Alcántara, M. 1859. Inscripciones árabes de Granada. Madrid.

Lanon, F. 1987. Privilege, Persecution, and Prophecy. The Catholic Church in Spain 1875-1975. Oxford; Clarendon Press.

López García, B. 1975. Cartas inéditas de Francisco Codera a Pascual de Gayangos (reivindicación de una figura del arabismo). Miscelánea de

Estudios Arabes y Hebraicos 24, 29-39.

López García, B. 1979. Orígenes del arabismo español. La figura de Francisco Fernández y González y su correspondencia con Pascual de Gayangos.

Cuadernos de la Biblioteca Española de Tetuán 19-20, 277-291.

de Madrazo, P. 1855. Recuerdos y bellezas de España. VIII Córdoba. Madrid.

de Madrazo, P. 1858. Prólogo. In Leyendas históricas árabes F. J. Simonet, IXV.Madrid: J. J. Martínez.

Maravall, J. A. 1991 [1957]. El sentimiento de nación en el siglo XVIII: la obra de Forner. In Estudios de la Historia del pensamiento español siglo XVIII.Madrid: Biblioteca Monadori.

Marcos Pous, A. 1993. Origen y desarrollo del Museo Arqueológico Nacional. In De Gabinete a Museo. Tres siglos de historia A. Marcos Pous (ed. ), 21-100. Madrid: Ministerio de Cultura.

Marín, M. 1992. Arabistas en España. Al-Qan_ara XIII, 379-393.

Memoria de Secretaría 1923. Madrid: Junta Superior de Excavaciones y Antigüedades.

Mélida, J. R. 1926. Ocilis (Medinaceli). Memoria de las excavaciones practicadas en 1924-25. Memorias de la Junta Superior de Excavaciones Arqueológicas 82. Madrid: Junta Superior de Investigaciones Científicas.

Menéndez Pidal, R. 1947. Los españoles en la Historia. Cimas y depresiones en la curva de su vida política. In Historia de España R. Menéndez Pidal

(ed) I, IX-CIII. Madrid: Espasa Calpe.

de Mergelina, C. 1927. Bobastro. Memoria de las excavaciones realizadas en las Mesas de Villaverde. El Chorro (Málaga). Memorias de la Junta Superior de Excavaciones Arqueológicas 89. Madrid: Junta Superior de Investigaciones Científicas.

Monumentos arquitectónicos de España 1859. Madrid: Imprenta y Calcografía Nacional.

Moreno Alonso, M. 1979. Historiografía romántica española. Introducción a l estudio de la historia en el siglo XIX. Sevilla: Universidad de Sevilla.

Moreno Nieto, J. 1864. Discursos leídos ante la Real Academia de la Historia en la recepción pública de Don José Moreno Nieto. Madrid.

Muñoz Romero, T. 1860. La Edad Media y la necesidad de fomentar su estudio. Madrid: Real Academia de la Historia.

Murphy, J. C. 1815. Arabian antiquities of Spain. Londres.

Nieto Gallo, G. 1985. Without title [inauguración]. Actas del I Congreso de Arqueología Medieval Española I, 9-11. Colección Actas 7. Zaragoza: Diputación General de Aragón.

Olmo Enciso, L. 1991. Ideología y arqueología. Los estudios sobre el periodo visigodo en la primera mitad del siglo XX. In Historiografía de la

Arqueología y de la Historia Antigua en España (siglos XVIII-XX) J. Arce & R. Olmos (eds), 157-160. Madrid: Ministerio de Cultura.

Pavón, B. 1975. El arte hispano-musulmán en su decoración geométrica. Una teoría para un estilo. Madrid.

Pons Boigues, F. 1952 [1888]. Apuntes de un viaje por Argelia y Túnez. In Estudios Breves, 67-158. Tetuan: Instituto General Franco de Estudios e Investigación Hispano-Arabe.

Puigjaner, J. M. 1989. Catalunya: un pais millenari. Barcelona: Generalitat de Catalunya.de la Rada y Delgado, J. de D. 1892. Catálogo de monedas arábigas españolas que se conservan en el Museo Arqueológico Nacional. Madrid.

Relación de las excavaciones autorizadas y de las subvencionadas por el Estado 1915. Madrid: Junta Superior de Excavaciones y Antigüedades.

Ribera, J. 1928 [1910]. El arabista español. Disertaciones y opúsculos I: 457-488.

Roselló Bordoy, G. 1985. Islam andalusí e investigación arqueológica. Estado de la cuestión. Actas del I Congreso de Arqueología Medieval Española III, 7-24. Colección Actas 9. Zaragoza: Diputación General de Aragón.

Roselló Bordoy, G. 1987. Les donades de studis historics locals: una versió diferent. Lluc 727, 834.

Salvatierra Cuenca, V. 1990. Cien años de Arqueología Medieval. Perspectivas desde la periferia: Jaén. Monográfica Arte y Arqueología 7. Granada: Universidad de Granada.

Sánchez-Albornoz, C. 1956. España, un enigma histórico. Buenos Aires: Sudamericana.

Simonet, F. J. 1867. Discursos leidos ante el claustro de la Universidad literaria de Granada en el acto solemne de la recepción del Ldo. D. Francisco

Javier Simonet como catedrático numerario de lengua árabe en la Facultad de Filosfía y Letras el día 15 de Setiembre de 1862. Granada.

Simonet, F. J. 1897-1903. Historia de los mozárabes de España. Madrid.

Torres Balbás, L. 1957. Arte hispanomusulmán hasta la caida del califato de Córdoba. In Historia de España R. Menéndez Pidal (ed. ) V, 331-788.

Vallejo Triano, A. 1987. ‘Madinat al-Zahra’: pasado, presente y futuro. II Congreso de Arqueología Medieval Española I, 205-217.

Vallejo Triano, A. 1988-90. Crónica años 1988-1990. Cuadernos de Madinat al-Zahra 2, 183-222.

Vives y Escudero, A. 1893. Monedas de las dinastías arábigo-españolas.Madrid.

Zozaya, J. 1968. Arqueología posterior al siglo VIII en España. Congreso Nacional de Arqueología XI: 846-9.

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

أصدقائي الإسرائيليون: لهذا أنا مع الفلسطينيين

إيلان بابيه ترجمة محمود الصباغ ليس سهلاً الإمساك ببوصلتنا الأخلاقية كيفما كنا؛ ولكن إن كانت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *