فلسطين/ كفر قاسم، المصدر موقع تلفزيون الغد

سيدي و”السنديانة”

“سيدي وصاني وقلي إن ضاعت البلاد: لا تبقى ع المصلي وتنسى الجلاد..  لا تستسلم وتخلي غيرك صياد.. تنسى زيتون التلة وتوقف تمثال.”

بقيوا يلي بقيوا، وهج يلي هج.


تجولت في مخيلتي بمشاهد عديدة أبدأ بها كتابة ما أريد أن أكتب، هل أبدأها من مقهى فلسطيني على ميناء حيفا يتجمع به عمال ذلك الميناء من كل فلسطين وأحياناً من شتى البلاد العربية؟ أم أبدأه من ديوان في بلدة ريفية يجتمع أهلها حول مذياع صاحب ذلك الديوان في المساء بعد يوم حافل بالحصاد؟ هذا المذياع الذي تعبأ “بطاريته” من أقرب كبانية لليهود، البُعدا ذوي اختصاص بهذه التقنية آنذاك، لأن المدينة بعيدة ويلزم بهيمة للسفر إليها.  فالأوتومبيل لا يصل للقرية وأجرة البهيمة باهظة.

 أم أبدأ بموسم حصاد والغمارات ترجد وراء الحصادين بمواسم الحصاد؟ أم أبدأ من ليلة قمراء دخلت السكون وأحدهم يتكئ على تعب النهار ليستريح وهو يتمدد على سطح البيت يتلحف بنجوم فلسطين؟ لفلسطين نجوم أيضاً. أم أبدأه من حاكورة أحد البيوت ساعة صياح الديك.. لسيدة فلسطينية تعجن وتعد الطابون لتخبز خبز ذلك النهار وتودع “زلمتها” الساري الى أرضه” وتبدأ بعدها بِبَح غسيلها باللجن، فتنهي عمل البيت لتلحق في ركب زوجها في الأرض؟

سأترك كل ما مضى وأتريث في البدء لحين تخمُّر الفكرة لأنني أعشق البدايات لأن فلسطين أم البدايات.

بدأت الإذاعات تتناقل عبر الراديو أن العصابات الصهيونية دخلت دير ياسين وذبحت أهلها ذبح النعاج، حاميات القرى الفلسطينية بدأت تنهار تحصيناتها وتفقد الذخيرة وجيوش عربية يقودها البريطانيون، استشهاد القائد عبد القادر الحسيني والعديد من القيادات الفاعلة على الأرض، مجازر أخرى في غير مكان.

 بدأ الفلسطينيون يتحسسون رؤوسهم ويستعدون للموت في حال وصلت العصابات الصهيونية لبلداتهم ومدنهم، لم يبقَ خيار أمامهم إلا الموت على أرضهم أو الخروج في هجرة كبرى لا يزال واقعها مستمر حتى اليوم.

 رفض سيدي في بداية الأمر ترك بلدتنا (السنديانة) القابعة على سفح جبل الكرمل جنوب حيفا هو وعدد من أهالي البلد، فبدأت تطلق الإشاعات عليهم من الذين قرروا الهجرة، وأطلقوا عليهم لقب (الخوارج)، أي خرجوا عن إجماع الهجرة من البلد. أصبح الذي يريد البقاء خارجاً وكأنه هو من قتل عثماناً وتمرد على عليّ في عصر اختلط فيه الحابل بالنابل، بعد أن سمع سيدي هذه الاتهامات قرر الهجرة وترك البلد وقال: “بدشّرْ البلد وبهاجر ولا أخلّي التاريخ يكتب عني خاين”. هاجر الناس بعد أن أوهمهم السماسرة (أذناب الاستعمار) بأنه لن تطول هذه الهجرة عن أسبوع. هؤلاء السماسرة هم الذين كانت تهتف جماهير الشعب الفلسطيني ضدهم قبل النكبة:
“هالسماسرة الخاينيين، من غير ذمّة ومن غير دين، باعوا أرض بلادنا، وما أحلى أرضك فلسطين، وما عاش اللي يذلك يا فلسطين”

ولم ينتهٍ هذا الأسبوع ومازال مستمراً حتى هذا اليوم، تجاوز السبعة عقود، أصبح نكبة ولجوء.

عن شريف الحاح حسين

شاهد أيضاً

في جدليّة الكاتب الإنسان والكاتب الاصطناعي

لا شكّ في أن الكتابة عبر الذكاء الاصطناعي قد تطورت بشكل كبير خلال السنوات الماضية؛ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *