تسمية شوارع حيفا والقدس وأم الفحم والهوية العربية الفلسطينية: تشكيل شعب في خارطة

ماعوز عزرياهو وربيكا كوك

ترجمة: محمود الصباغ

استهلال

يقول جون بيرغر “تنشغل النزعات القومية -جميعها بلا استثناء- في أعماق أعماقها بالأسماء بوصفها من أكثر ما اخترعه الإنسان مادية وأصالة”. وبهذا المعنى، يحاول كلاً من ماعوز عزرياهو (جامعة حيفا، قسم الجغرافيا) وربيكا كوك (جامعة بن غوريون، قسم السياسة والحكومة)  التعرف على الآليات المعتمدة أو تلك التي اعتمدت سابقاً  لاختيار أسماء شوارع المدن الفلسطينية باعتبارها جزء من عملية متواصلة من رسم خرائط حدود الأمة. وتبحث هذه المقالة في ثلاث مجموعات من أسماء الشوارع العربية الفلسطينية -في كل من حيفا ما قبل 1948، والقدس وأم الفحم بعد العام 1948- باعتبار هذه الأسماء “نصوص هوية” محلية الصنع في السياق التاريخي والسياسي لخلقها الرسمي. كما تحاول هذه المقالة، دراسة حالات تسمية شوارع المدن الثلاثة المذكورة، رسم الاتجاهات الإيديولوجية العريضة الممثلة والرسائل السياسية الكامنة في هذه المظاهر النصية الثلاثة المختلفة  المعبرة عن الهوية الوطنية العربية الفلسطينية. كما يركز التحليل على مفاهيم التراث التاريخي والثقافي كما تم التعبير عنها في اختيار أسماء الشوارع. وسوف تقدم، في الأخير، تقويماً تأويلياً  لهذه العملية، ووضعه في سياقات أوسع من الناحية الإيديولوجية والتاريخية أوسع.

…..

المقدمة:

تبدو أسماء الشوارع المرتبطة بذكرى وطنية معينة ذات شحنة إيديولوجية واضحة، وحاضرة، على درجة من الأهمية في البنية الرمزية للهوية الوطنية، لا سيما إذا ما تعلق الأمر بمعنى التراث التاريخي. فإذا كان الأمر كذلك، فسوف تنتمي هذه الأسماء إلى بنية خطاب الهوية السياسية وإلى تجربتها عند حدود المعيش اليومي. وسوف نعمل، لتوضيح هذا الأمر، على دراسة وتقصي ثلاث مجموعات من أسماء الشوارع العربية الفلسطينية باعتبارها “نصوص هوية” منتجة محلياً في السياق التاريخي والسياسي لإنشائها الرسمي، كما سنهدف إلى تحديد التوجهات الإيديولوجية العريضة الممثلة لها والرسائل السياسية الكامنة في هذه الظواهر النصية لهذه لمجموعات الثلاث المختلفة المعبرة عن الهوية الوطنية العربية الفلسطينية. غير أننا لن نحاول تحري ردود الفعل الشعبية على الأسماء الرسمية، أو مدى قبول (أو عدم قبول) السكان المحليين لها.

بل سنحاول دراسة أسماء الشوارع في التجمعات العربية الفلسطينية كأحد الجوانب الإجرائية لعملية تشكيل الهوية الرسمية التي تعكس، بدورها، المقدمات الإيديولوجية والشعور بالهوية السائد بين تلك النخب المحلية المسؤولة عن تسمية الشوارع. وسوف نركز على مفاهيم التراث التاريخي والثقافي كما تعبّر عنها اختيارات أسماء الشوارع. وسوف نقدم في نهاية البحث تقويماً تأويلياً لهذه العملية، ووضعه في سياقات أوسع من الناحية الإيديولوجية والتاريخية. وبرغم عدم محاولة اتباع منهجية مقارنة في هذه الدراسة، غير أنه من الضرورة بمكان التذكير بتوفير السياقات التاريخية والجغرافية والسياسية المختلفة فرصة للقيام ببحوث ودراسات في البنية الرمزية للتراث التاريخي والثقافي العربي الفلسطيني، وكذلك البحث في الإطار الجغرافي الذي يشكل بنية مرجعية في بيئات محلية محددة. وسوف تسلط هذه المقالة، في هذا الصدد، الضوء على هذا الجانب، الذي يبدو مهملاً حتى الآن، في دراسات تشكيل الهوية السياسية الفلسطينية-العربية.

على الرغم من الأهمية السياسية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تبقى الأدبيات التي تدور حول الهوية الفلسطينية العربية محدودة نسبياً. وتتوفر للمطلع مجموعة متزايدة من الأدبيات التي تتناول الجوانب المختلفة من تاريخ العرب الفلسطينيين (Doumani 1995; Kimmerling and Migdal 1993; Miller 1985; Scholch 1993; Khalidi 1997)، تركز معظمها على المواضيع المتعلقة بتطور الحركة الوطنية الفلسطينية (Porath 1977; Muslih 1990). ولا يعد هذا مفاجئاً، بطبيعة الحال، نظراً لأهمية الحركة الوطنية في التعريف الوطني للفلسطينيين العرب منذ نهاية الحرب العالمية الأولى. ولذلك، ليس مفاجئاً أيضاً، تمحور النقاشات التأريخية داخل هذه الفئة من الأدبيات حول السؤال عن أصول الحركة، وما إذا كان،  خلق الشعور القومي العربي لدى الفلسطينيين أتى رداً على الحركة الصهيونية أم لا؛ وإلى أي مدى كان ذلك. ونكاد لا نعثر على أبحاث استقصائية ودراسات تتعلق بالهوية العربية الفلسطينية من حيث بناؤها الرمزي  في خضم هذا الكم الهائل من الدراسات حول الجوانب المختلفة لتاريخ العرب الفلسطينيين والتركيز على تطور الحركة الوطنية الفلسطينية،. وهذا ما يضعنا أمام سؤال هام، في هذا السياق، يتعلق بالأشياء التي يحتفل بها، عند التسمية، لجهة ارتباطاتها بالتراث التاريخي والإرث الثقافي.

وعلى هذا، تقدم هذه المقالة بحثاً استقصائياً عن الهوية العربية الفلسطينية مع الأخذ في الاعتبار عوامل ثلاثة: الهوية الوطنية، (وهي ضرورية لإضفاء الطابع التاريخاني على “التاريخ” كإرث مشترك)، ويعنى العامل الثاني بعدم الانجرار وراء القول باحتواء الهوية الوطنية فكرة متسقة متماسكة ونهائية لسردية التاريخ الوطني، بل على العكس، ينبغي فهم الهوية الوطنية كمجموعة من الخيارات التي، وإن لم تكن متبادلة، تظهر اختلافات على درجة من الأهمية عندما يتعلق الأمر بالقضايا الرئيسية. ويستتبع ذلك، في الحالة العربية الفلسطينية، ضرورة التمييز بين الصيغ المختلفة للتراث التاريخي وكذلك المفاهيم المختلفة للوطن التي يتم الترويج لها في فترات وسياقات مختلفة على يد النخب المحلية العربية الفلسطينية. ويوفر أسلوب البحث هذا فرصة ثمينة للتمييز بين نماذج الرمزية المختلفة للهوية. أما العامل الثالث فيتعلق بالدور الأساسي الذي تلعبه الرموز في المعمار السياسي للهوية الجماعية أو الوطنية ويعود ذلك إلى توضع الرموز في موضع وسط بين النخب السياسية والناس “العاديين”. وبناءً على ذلك، تثبت عملية تحليل الأسماء الاحتفائية للشوارع معنى الهوية باعتبارها جانباً رمزياً للتجربة الحية بدلاً من مجرد وضعها في الخطابات الفكرية أو التصريحات البرامجية.

وهكذا، سوف تؤمن دراسة مجموعات مختلفة من أسماء الشوارع العربية الفلسطينية، التي تمثل فترات وسياقات سياسية مختلفة، فرصة لمناقشة النماذج المختلفة للهوية العربية الفلسطينية التي تروج لها النخب السياسية المسيطرة على هيئات الحكم المحلي. وينبغي التذكير، على الدوام، أن هذا البحث يقوم أساساً على توجيه يرى بوجود خيارات وبدائل مختلفة لتكوين هوية عربية فلسطينية.

تنتمي أسماء الشوارع إلى النسيج الحضري العمراني، وتعمل الجهة الإدارية البيروقراطية المسيطرة على إدخالها في الجغرافيا المحلية كإجراء تدبيري. وبدء العمل في استخدام أسماء الشوارع لأغراض تذكارية في فلسطين لأول مرة في المستوطنات اليهودية الجديدة آنذاك، وعلى الأخص في المستوطنات الحضرية الكبرى مثل تل أبيب، وفي حيفا اليهودية فيما بعد (Bar Gal 1987).

ووجهت حكومة الانتداب البريطاني، التي تأسست في فلسطين في أوائل عشرينيات القرن الماضي، كلاً من البلديات اليهودية والعربية بإدخال أسماء الشوارع في مخططاتهما(1).

وكان الأمر، من وجهة النظر البريطانية، ذو طابع إداري بحت ولا يحمل أي صبغة سياسية، لكن النتيجة كانت أن مثلت  أسماء الشوارع “اليهودية” و”العربية” التي ظهرت في هذه الفترة الهويات السياسية لكلتا الجماعتين القوميتين [العربية واليهودية]. واستمرت الجهود البريطانية على وجه الخصوص في المدن الكبرى، لاسيما تلك التي تحتفظ فيها بمصالح واضحة من الناحية السياسية والاستراتيجية كالقدس، عاصمة فلسطين الانتدابية، وحيفا، الميناء البريطاني الرئيسي على الساحل الشامي. وباستثناء حيفا، وعلى النقيض مما هو عليه الحال في مناطق المستوطنات اليهودية، لم تظهر النخب المحلية العربية اهتماماً كبيراً باستثمار تسمية الشوارع بأسماء يمكن أن تؤدي أغراضاً تذكارية واحتفائية ومن ثم أغراض سياسية.

وكانت السلطات البريطانية قد بدأت أنشطتها، قبل العام 1948، في تسمية الشوارع على نطاق واسع في القدس، وفي مدينة يافا العربية المتاخمة لتل أبيب، فاعتمدت رسمياً تسمية سبعة شوارع فقط. فأطلق اسم الملك جورج الخامس على واحد منها، وأطلقت أسماء شخصيات محليّة على ثلاثة أخرى، أما الثلاثة الباقية فأطلق عليها أسماء رموز سياسية تمثلت في أسماء ثلاثة ملوك من الأسرة الهاشمية (حسين وفيصل وغازي). كما التزمت المدن والبلدات الأخرى باتباع الطريقة التقليدية للتسميات الشعبية التي تحتفي بالمعالم الطوبوغرافية المحلية التي كانت بعيدة كل البعد عن أية إشارات أو ملامح سياسية.

وتمثّل تسمية الشوارع في إسرائيل المعاصرة التطور الهام لهذه العملية، حيث تحظى السلطات المحلية باستقلالية في اختيار أسماء الشوارع، وأكثر ما يمكن ملاحظته في هذا السياق الاهتمام والاحتفاء الذي توليه الحركة الإسلامية لاستخدام أسماء الشوارع، في المناطق التي تخضع لسيطرتها المحلية والبلدية، كتذكارات تستند إلى موقفها الإيديولوجي. وهذا هو حال مدن أم الفحم وكفر قاسم، الخاضعتان لسيطرة الحركة الإسلامية وهيمنتها الواضحة على السلطات المحلية أيضاً والتي ظهرت من خلال إنشاء مجموعة شاملة من أسماء الشوارع وفقاً لمفهوم الحركة للتراث الإسلامي، بما يشهد على قوة أعضاء الحركة الإسلامية ونموهم في تلك البلدات من خلال استغلال أسماء الشوارع كأدوات احتفائية تذكارية تعكس إيديولوجية الحركة ونشاطها السياسي. وهكذا، سوف تكون تسمية الشوارع، في هذه الحالة، طريقة تعبيرية أخرى من طرق “أسلمة” الحيز العام.

ولا ينبغي إهمال نمو وتطور الحركة الإسلامية بالنظر إلى أن التجمعات العربية الأخرى في إسرائيل لم تقم بتسمية الشوارع بصورة شاملة. ومن ثم، لا تشكل أسماء الشوارع، في العديد من التجمعات العربية، علامات تدل على الهوية السياسية. ففي الناصرة، أكبر مدينة عربية في إسرائيل، لم يتم تسمية سوى عشرين شارعاً، كان من بينها أسماء تعود لبعض قادة الحزب الشيوعي، الذي يسيطر على البلدية منذ سبعينيات القرن الماضي. في حين يحتفي اسم الشارع الرئيسي في الناصرة  بذكرى البابا بولس السادس، الذي زار المدينة في العام 1964. ونلفت نظر القارىء إلى عدم تتبع هذه المقالة تسمية الشوارع في المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية. وما يجعل إجراءات التسمية هذه مختلفة هو القيام بها، لأول مرة، في سياق بناء الدولة العربية الفلسطينية. غير أن مثل هذه الإجراءات لا تتمتع بالشفافية، حتى الآن، ولم تسفر عن تغيير كبير بعد.

ختاماً، تشكل القدس وحيفا العربيتين، في حقبة ما قبل العام 1948، المجموعتين الشاملتين الوحيدتين لأسماء الشوارع التي يمكن التعامل معهما على أنهما مظاهر نصية تعبر عن هوية عربية فلسطينية. كما أصبح بادياً للعيان، بالإضافة إلى ما سبق، قيام الحركة الإسلامية، في إسرائيل المعاصرة،  بإدراج عملية تسمية شاملة للشوارع في البلديات التي تسيطر عليها في سياق أجندتها العمرانية والتخطيطية الرئيسية. ومن هنا، استند اختيارنا لأم الفحم كونها أكبر مدينة تسيطر عليها الحركة منذ العام 1989 (كان عدد سكانها في العام 1998 حوالي 38000 نسمة، وبلغ عدد سكان كفر قاسم حوالي 15000 نسمة). وهكذا، يشمل تحليلنا حالتين تاريخيتين، حيفا العربية والقدس العربية قبل العام 1948، وحالة معاصرة واحدة؛ وهي أم الفحم. ولكن ينبغي، في المقابل، التشديد على أن هذه الحالات الثلاث لا تستنفد جميع الخيارات الممكنة للهوية العربية الفلسطينية، وتكمن أهميتها في طرحها خيارات مختلفة مارستها السلطات المحلية رسمياً.

ومع الأخذ بالاعتبار، أخيراً، اختلاف مواد كل حالة، فالمواد المتوفرة من أرشيفات مدينة حيفا لا تحتوي تقريباً على أية مواد وثائقية تتعلق بالإجراءات الفعلية لعملية صنع القرار، لأن أسماء الشوارع اقترحت من قبل الأحياء العربية وليس من قبل البلدية. وما بين أيدينا من مواد ليست سوى اعتبارات عامة وقائمة بالأسماء العربية. وبالمثل، امتنعت سلطات بلدية أم الفحم عن تقديم أي معلومات حول إجراءات التسمية في المدينة. وكانت الحجة الرسمية هي أن الأسماء المعدة في خرائط المدينة حددها مهندس المدينة. وتختلف حالة القدس تماماً، حيث توضح المواد الموجودة في أرشيف المدينة إجراءات اتخاذ القرار بدقة، من خلال البروتوكولات والخرائط. وتعتبر المواد المتعلقة بإجراءات اتخاذ القرار من طبيعة مميزة لأنها تفصّل المقدمات الإيديولوجية التي استندت إليها عملية التسمية، كما أنها، أي المواد تلك، تسلط الضوء على الآراء التي سادت بين صانعي القرار. ولكن، حتى مع  غياب مواد أرشيفية ذات صلة، فسوف ينتج عن تحليل محتوى مجموعات أسماء الشوارع، إن وجدت، معلومات مفيدة، لا سيما عند وضوح التوجه الإيديولوجي لصانعي القرار.

التركيبة الرمزية للهوية السياسية

من الشائع القول استخدام الرموز والتمثيلات المشتركة في عمليات بناء واختبار الهوية الجماعية، بما يجعلها تدعم الهوية، وتبرز، في ذات الوقت، هذه الرموز والتمثيلات فتجسدها وتجعلها أكثر موضوعية. ولزيادة فعاليتها من الناحية الاجتماعية، ينبغي لها أن تكون الهوية الجماعية من طبيعة مشتركة ثقافياً. ويتم تعريف الشعور بالهوية والحفاظ عليها بالارتباط بالرموز والتمثيلات، وتعتبر قوة هذين العاملين في طرق استحضار الهوية بين الأفراد أمراً حاسماً في تحديد الأهمية الاجتماعية لهما. ويجب الإشارة هنا إلى الهويات لا تبنى رمزياً فحسب، بل يتم النقاش حولها اجتماعياً أيضاً وذلك في سياقات تاريخية وظروف سياسية محددة. كما يعكس البناء الرمزي للهوية المصالح السياسية وعلاقات القوة السائدة، وخصوصاً بعض الاحتياجات المعينة لفئات النخب السياسية وقدرتها على التلاعب برموز ومفاهيم التراث المشترك (Kertzer 1996: chs. 5, 6 and 8).

تستلزم عملية تشكيل وصياغة التكوين الرمزي لهوية الجماعات والمنظمات بعض التمثيلات البارزة [الأيقونية]، مثل الأعلام والشعارات، كما تستلزم، بصورة أكبر، ما يمكن تسميته ترميز التاريخ، حيث يوفر هذا الأخير مناخاً، بالأحرى، إحساساً بالتواصل مع الماضي، وغالباً ما يتخذ التاريخ، المصمم لخدمة الأغراض الاجتماعية والسياسية، شكل الأسطورة: فالتاريخ -أو، بالأحرى، رواية محددة منه وتأويل محدد للماضي- يجعله منطقياً ومفهوماً في الحاضر بدرجة ما. ويعمل على إضفاء الشرعية على المزاعم الإيديولوجية ويسوّغ التطلعات والطموحات التي لم تتحقق بعد. وبالتالي، لا يكون التاريخ، في هذا الإطار المرجعي، مسعىً علمياً أو سعياً خالياً من المصلحة اتجاه “الماضي كما هو حقاً”. فالتاريخ، في نهاية المطاف، إرثٌ وتراث. وهو الذي يحدد “من نحن”، عبر سردية جماعية تتناول الأصول المشتركة [للجماعة/ الأمة] والسيرة الجماعية التي تتجاوز السيرة الذاتية المحددة لكل فرد. فالتاريخ هو سرد للماضي، تمثل فيه الأحداث والأبطال تفاصيل بالغة الأهمية من “تاريخنا”.

وتأخذ عملية صنع التاريخ أيضاً شكلاً من أشكال إحياء الذكرى التي ترقى لأن تكون عملية صياغة “سجل تاريخ مقدس” (Schwartz 1982: 377; see also Gillis 1994; Hobsbawm and Ranger 1983). وتقوم آلية الإجراءات الاحتفائية بدمج التاريخ في التجربة الحية للمعيش اليومي، وتسمح للأفراد بمشاركته ثقافياً. وفي حين تجسّد النصب التذكارية هذا التاريخ من حيث الموقع والتمثيلات الرمزية [الأيقونية]، تقدم أسماء الشوارع التذكارية نمطاً تذكارياً احتفائياً مختلفاً (Azaryahu 1996). حيث يمكن لهذه الأسماء أن تقوم بتعريف التاريخ من حيث الموقع، لكنها تفتقر إلى هالة القداسة التي تجسدها النصب التذكارية. وتدخل هذه الأسماء، من ناحية أخرى، الذاكرة التاريخية إلى مجال النشاط البشري الذي يبدو منفصلاً عن عالم الإيديولوجيا. وبرغم أن تسمية الشوارع تعتبر عملاً سياسياً يعبر عن القوة والسلطة (Palonen 1993)، فسوف تسمح لها منظومتها الظاهرية السطحية إشراك السياسة في ممارسات الحياة اليومية. وتشكل أسماء الشوارع، في الواقع، ساحة نموذجية للتعبير عما وصفه مايكل بيليغ بـ “القومية المبتذلة”، أي إعادة إنتاج مجموعات معقدة من العادات والتصورات التي تشكل معاً الهوية الجماعية للأمة بطريقة  متهافتة وعادية (Billig 1995 ). فتكون أسماء الشوارع التذكارية ذات طبيعة محورية من بين أسس رموز الهوية، سواء تم التلاعب بها أو تم استغلالها.

وتبدو الميزة الرئيسية لأسماء الشوارع التذكارية، من منظور المسؤولين عن تشكيل البنية التحتية الرمزية للمجتمع، من خلال عرضها رواية معتمدة من التاريخ ينعكس في الأماكن العادية من الحياة اليومية. فتقرر السلطات المسؤولة ما هو الاحتفال المناسب (وبشكل افتراضي ما هو الاحتفال غير المناسب). وينظر إلى تسمية الشوارع، من هذا المنظور، كجانب من جوانب سياسة إحياء الذكرى العامة.

وينتج عن مطابقة الاحتفالات والشوارع تسلسل تراتبي للذاكرة التاريخية. وليس بالضرورة أن تعبر عملية التوزيع المكاني للاحتفالات لأسماء الشوارع والهوية العربية الفلسطينية عن فكرة التماسك التاريخي. غير أن جميع هذه الاحتفالات تكون مترابطة، بمعنى أن انتماءها إلى مجموعة محددة، وفي أي وقت محدد، يعمل كمظهر نصي للتراث وبالتالي للهوية. وتمثل هذه المجموعة قائمة مشتركة، من الناحية الثقافية، بين جميع مستخدمي الشوارع، بغض النظر عن مواقفهم السياسية وتفضيلاتهم الإيديولوجية. وسوف تكون مجموعة أسماء الشوارع، بوصفها نصاً للهوية، عرضة للتقويمات التأويلية. وينظر إلى أهمية التأويل الرسمي هنا باعتباره تمثيلاً للنوايا السائدة بين المسؤولين عن النص. غير أن الأمر ليس كذلك على الدوام، مثلما هو الحال مع النصوص الأخرى، حيث لا يوجد تأويل نهائي بل ثمة هناك تأويلات عديدة محتملة تعكس وجهات نظر مختلفة. وينعكس معنى أسماء الشوارع التذكارية من خلال النشرات والنداءات الشخصية والإيديولوجية. ولكن ما يهم هنا هو معقولية التأويلات، وأخيراً (وليس آخراً) الرنين ورجع الصدى الاجتماعي لتأويلات معينة ما قد تجعل من هذه التسميات شديدة الصلة، لمن يستخدمونها، من الناحية الثقافية والسياسية.

الحالة الأولى/ حيفا: 1934 – 1948

تكشف دراسة بروتوكولات بلدية حيفا كيف اتسمت أسماء الشوارع في الأحياء العربية، في عشرينيات القرن الماضي، بالطابع المحلي الدارج شديد الوضوح. وتشكلت “لجنة أسماء الشوارع” غير الرسمية في تشرين الأول 1934 كاستجابة للضغوط البريطانية لتحديد وتخصيص أسماء ولافتات الشوارع على الترتيب. كما قررت البلدية إضفاء الطابع الرسمي على عمل اللجنة التي كان في عضويتها اثنين من العرب ويهودي واحد(2)، وأعيد تنظيمها في مرحلة لاحقة لتشمل في عضويتها اثنين من العرب واثنين من اليهود بما يضمن التكافؤ بين الجاليتين. وتجدر الإشارة إلى قيام كل طرف بتعيين أسمائه، كل على حدة، وانحصر عمل اللجنة في الموافقة على الأسماء التي تقترحها الأحياء المختلفة. ونظراً لأن العرب واليهود كانوا يعيشون في الغالب في أحياء منفصلة، فقد تضاءلت فرص الصراع المحتملة بشأن الأسماء، ونجم عن هذا الأمر، في الواقع، مبدأ تنظيمي يرى بمنح المناطق العربية أسماءً عربيةً والمناطق اليهودية أسماءً يهوديةً. من ناحية أخرى، أدخلت التسمية العربية الرسمية إلى حيفا في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات(3).

تم إعداد وتحديد قائمة رسمية من سبعين اسماً عربياً في العام 1948، قبل اندلاع النزاع المسلح بين العرب واليهود، الذي أدى، فيما بعد، إلى هيمنة يهودية على المدينة في الفضاءين السياسي والديموغرافي(4)، ويمكن النظر إلى هذه القائمة كنص جغرافي للهوية تمت صياغته سياسياً. ويظهر تحليل القائمة الطريقة التي  يحدد بها، إلى جد كبير،  التراث التاريخي والثقافي الهوية العربية بالمعنى الأوسع للمصطلح. ومن الشخصيات الثقافية التي احتفلت بهم أسماء الشوارع علماء وفلاسفة وشعراء وجغرافيون من العصر الذهبي للثقافة العربية الإسلامية، مثل ابن سينا (985-1037)، وابن رشد (توفي 1198)، والإدريسي (1160-1251) والبخاري (821 – 897). وكان من بين الشخصيات أيضاً رموزاً سياسيةً تنتمي للتاريخ الإسلامي أمثال خالد بن الوليد (القرن السابع) وعمر الخطاب (584-664) وهارون الرشيد (786- 809). وأكد الخلط بين العنصرين العربي والإسلامي على رؤيتهما يشكلان معاً العناصر الأساسية لتعريف الهوية الفلسطينية العربية. كان العنصر المسيحي، في حيفا، حيث كان العرب يتألفون من مسيحيين ومسلمين، غائباً فعلياً. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ تخليد العرب المسيحيين في أسماء شارعين فقط، وهما الأخطل، الشاعر المسيحي الذي عاش في القرن السابع والذي خدم في بلاط ملك مسلم، والآخر هو  الشاعر [ناصيف] اليازجي الذي عاش في القرن التاسع عشر.

كما خلدت أسماء الشوارع ذكرى ثلاثة رموز سياسية معاصرة، تمثّل التاريخ المحلي للمدينة بالرمز الأول من خلال إطلاق اسم حسن شكري، الذي شغل منصب رئيس بلدية حيفا حتى وفاته في العام 1940، والرمز الثاني كان إطلاق تسمية “ساحة فيصل” تخليداً لذكرى زعيم عربي معاصر ارتبط اسمه بمحاولة إقامة سلالة عربية مستقلة في بلاد الشام والذي أصبح فيما بعد ملكاً هاشمياً على العراق. وتجدر الإشارة،  إلى أن التكريم العام لذكرى الملك فيصل في حيفا أحيا أيضاً ذكرى تاريخية محلية، فبعد وفاته في أوروبا في العام 1931، مرت رفاته على ميناء حيفا في طريق العودة إلى العراق. أما الرمز الثالث كان بمثابة بيان قومي واضح لا لبس فيه، تمثل في إحياء ذكرى عمر المختار زعيم الثورة ضد الحكم الإيطالي في ليبيا الذي أعدمته السلطات الاستعمارية الإيطالية، كان إحياء ذكرى عمر المختار، بصفته شهيداً مقاوماً للاستعمار الأوروبي، دليلاً على التضامن العربي وعلى المشاعر المناهضة للاستعمار.

وقد عبّرت أسماء الشوارع العربية في حيفا عن البعد الجيوسياسي للهوية. وشملت القائمة أسماء أشارت إلى جغرافية فلسطين الانتدابية مثل بيسان واللد وشفاعمرو والناصرة. وكانت اللد هي المكان الوحيد الذي لا يقع  في شمال فلسطين. كما تضمنت القائمة الجغرافية أسماء مدن ومناطق خارج حدود فلسطين. وشملت نجد والحجاز (المملكة العربية السعودية) والموصل والبصرة (العراق) والليطاني وصور (لبنان). كانت الموصل مصدر خط أنابيب النفط الذي يربط شمال العراق بحيفا، والإشارة إليها في حيفا تدل على المكانة الجيوسياسية لحيفا في الإمبراطورية البريطانية. إلا أن الإشارات إلى إربد وعجلون والعقبة وعمان والسلط، وجميعها تقع في شرق الأردن، خلقت خارطة للمنطقة تجاوزت الحدود الإدارية الرسمية لفلسطين الانتدابية، وبجانب المراجع الجغرافية لأماكن في فلسطين، حددت منطقة عربية لا تتوافق مع التقسيمات السياسية الإدارية التي أنشأتها الإمبراطورية البريطانية؛ على الأقل فيما يتعلق بأسماء الشوارع في حيفا، حيث شكلت فلسطين والأردن منطقة عربية جغرافية واحدة.

كان العصر الذهبي في التاريخ السياسي العربي الإسلامي واضحاً في أسماء الفاتحين والقادة العسكريين.

فكان اسم طارق [بن زياد]، الفاتح العربي لإسبانيا في العام 711، يمثل أحد هؤلاء الأبطال التاريخيين المحتفى بهم. كما احتفل ببطل بارز آخر هو صلاح الدين [الأيوبي]، الذي تحتفي به الأسطورة السياسية العربية باعتباره “محرر القدس”.

كان الاحتفال بصلاح الدين مهماً لأنه لم يكن مجرد لفتة تذكارية، بل لأنه يصوغ مفهوماً أسطورياً عربياً إسلامياً معاصراً عن التاريخ. فقد جسّد صلاح الدين، بصفته “محرر” القدس من حكم الصليبيين، الالتزام الإسلامي، وبالتالي العربي، بالدفاع عن القدس كمدينة إسلامية مقدسة لا ينبغي أن يحكمها غير المسلمين. لقد جسد صلاح الدين، كبطل تاريخي إسلامي بارز، أسطورة سياسية عربية مهمة ومعاصرة ارتبطت بقوة بالجانب الإسلامي للهوية العربية والتي كانت تتخللها، من خلال استحضارها المعاصر، مشاعر عداء لبريطانيا وللصهيونية بصورة أساسية.

كما ظهر في السياق العربي الفلسطيني ذاته، احتفاءً آخر على درجة من الأهمية وهو إحياء ذكرى [معركة] اليرموك. ويعبر الاسم ظاهرياً كاسم جغرافي لأحد الروافد الرئيسية لنهر الأردن، أما في السياق التاريخي فهو اسم للمعركة التي هزمت فيها الجيوش العربية الإسلامية الجيش البيزنطي في العام 636 م. وعنى هذا الانتصار العسكري العربي نهاية الحكم البيزنطي المسيحي في فلسطين وبداية تاريخها العربي.

الحالة الثانية: القدس: نمط استعماري، 1920 ± 1946

تعتبر حالة أسماء الشوارع العربية التي أدخلت أو اقترحت في مدينة القدس قبل العام 1948، من الحالات الفريدة من نوعها لأنها تمثل نمطاً استعمارياً للتسمية وليس نمطاً وطنياً. ورغم انخراط السلطات الانتدابية النشط في تنظيم أسماء الشوارع؛ إلا أنها كانت عازمة على الحد من الخلافات القومية [بين العرب واليهود]. وفضلت السلطات البريطانية، ضمن هذا السياق، الاحتفاء بالأسماء ذات العلاقة بالتاريخ المتواصل للمدينة ومكانتها كمدينة مقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين على حد سواء. يضاف إلى ذلك، كما سوف يتضح بعد، إمكانات متاحة لكل جالية على الاحتفاء بتراثها التاريخي-الثقافي كل على حدة، طالما يتم تأويل هذه الأسماء من منظور تاريخي أو ثقافي أو ديني بعيد عن أي تأويل يحمل الطابع القومي.

ومن المعلوم تمتع القدس، باعتبارها عاصمة فلسطين الانتدابية، بوضع خاص بين المدن الفلسطينية، علاوة على أنها محكومة بالحساسيات التاريخية والدينية بوصفها مدينة مقدسة، وهذا ما جعل السلطات البريطانية تبدي اهتماماً خاصاً، أمام هذه الحقائق، عند تسمية شوارع المدينة، وقد ظهر هذا الاهتمام بوضوح عبر أنشطة “جمعية حماية القدس Pro- Jerusalem Society” التي تأسست بعد الاحتلال البريطاني للمدينة في أعقاب الحرب العالمية الأولى. حيث عملت هذه الجمعية، التي كان يرأسها الحاكم البريطاني للمدينة، على تأكيد التزامها بتحسين وضعية المدينة لصالح سكانها وفقاً لأهميتها التاريخية والدينية، فاقترحت، بناء على ذلك، مجموعة من الأسماء تعكس تاريخ المدينة كبديل عن الإرث الطائفي الخاص لكل جالية، وبعيداً عن الإيديولوجية السياسية، مع التركيز بشكل خاص على تاريخ الصليبيين، وهم الحكام الأوروبيون السابقون للمدينة.

وهكذا ظهر طيف من الأسماء الاحتفائية تضم صلاح الدين “محرر القدس” وبلدوين، حاكم مملكة أورشليم الصليبية، سواء في منطقة القدس العربية الجديدة أو في شمال البلدة القديمة. ويبدو أن مصدر اهتمام الجمعية الرئيسي كان يحوم، بالدرجة الأولى، حول تاريخ المدينة كسرد تاريخي تدريجي ضمن منظور موضوعي تاريخي، بحيث يمكن جعل هذين الرمزين السابقين، أي صلاح الدين وبلدوين، متسقين، بدرجة ما، بدلاً من تعارضهما أو استبعاد أحدهما للآخر.

وقد حبذت هذه المقاربة البريطانية الاعتماد على التاريخ  بدلاً من الاعتماد على الأساطير ذات الطابع السياسي، حيث بدت هذه الأخيرة ذات تأثير ضعيف إلى حد كبير، وظهرت أهمية هذه المقاربة من خلال تمكنها من اختيار أسلوب تسمية مقبول من جميع جاليات المدينة، وحاولت بلدية المدينة، لاحقاً، إدخال أسماء جديدة للشوارع الرئيسية في المدينة تمثل الطوائف الدينية الرئيسية وفقاً لترتيب مسبق.

كان من بين الأسماء التي وافقت عليها البلدية قبل العام 1938 تسمية شارع الملك جورج، كما تمت الموافقة على أسماء أخرى يتعلق معظمها بالأسرة العربية الهاشمية المتحالفة مع الإمبراطورية البريطانية رغم أنه لم يتم استخدامها، مثل “شارع الملك علي” و “شارع الملك فيصل” و “شارع غازي” و “شارع الأمير عبد الله”.

كما حاولت البلدية، بعد العام 1938، تنظيم أسماء شوارع القدس، من خلال تعيين لجنة خاصة تعرف باسم لجنة تسمية الشوارع Street Naming Committee عكس أعضاؤها، اليهود والمسيحيين والمسلمين، التركيبة الدينية للمجلس البلدي(5)، وتلقت هذه اللجنة الدعم والإرشاد من قبل لجنة فرعية يهودية خاصة بالإضافة إلى مجموعة عربية من “علية القوم المتعلمين” الذين أبدوا ترحيباً للتعامل مع اللجنة بصفة استشارية. وفي الوقت الذي شاركت اللجنة الفرعية اليهودية بفعالية في أعمال لجنة تسمية الشوارع، “لم تتمكن النخبة العربية الاستشارية من لعب الدور المنوط بها”(6). وصدر في العام 1938 قانوناً محلياً للبلدية لتنظيم تسمية الشوارع وفقاً للسبل القانونية المتبعة(7). وظهر اقتراح في العام 1939 يقضي بتعيين مدير دائرة الآثار كرئيس للجنة التسمية(8).

عقد مجلس بلدية القدس اجتماعاً في 23 كانون الأول 1940؛ وكان على جدول أعماله المبادئ التوجيهية المتعلقة بتسمية الشوارع وفقاً لتوصيات لجنة التسميات(9).  وتقرر، في هذا الاجتماع، عدم تسمية الشوارع بأسماء أشخاص ما زالوا على قيد الحياة، إلا في حالات استثنائية يتم الاتفاق عليها من قبل المجلس. علاوة على توصية أغلبية الأعضاء بتسمية “الشوارع بأسماء أشخاص مهمين ومن لهم مكانة على المستوى التاريخي”. ورأى أقلية من أعضاء المجلس، بوجوب عدم الموافقة، ماعدا الحالات الاستثنائية، إلا على الأسماء التي تتعلق بتاريخ المدينة. وكان تأثير القرار هو أن “المستوى التاريخي” لا يقتصر على تاريخ المدينة، بل قد يتعداه ليعكس أيضاً تواريخ طائفية معينة ضمن السياق السياسي لهذه الفترة، ما قبل القومية.

كما عملت اللجنة على ضمان التجانس الجغرافي للروايات المحتملة للإرث التاريخي بإقرار تقسيم المدينة إلى ثلاث مناطق، واحدة ذات أغلبية عربية وأخرى بأغلبية يهودية ومنطقة ثالثة مختلطة؛ مما يعني دعوة أعضاء اللجنة العرب لاقتراح أسماء مناسبة للشوارع في منطقتهم والأعضاء اليهود للعمل في منطقتهم. أما فيما يخص المنطقة المختلطة، فقد كان على اللجنة برمتها أن تقترح أسماء مناسبة لشوارعها(10). ويعني هذا الاقتراح حفاظ كل جالية على استقلالها القومي من خلال اختيار اسماء الشوارع ضمن إطار التجانس القومي. وتسلط الاعتراضات، التي أثارتها بلدية القدس ضد توصيات محددة اقترحتها اللجنة، الضوء على التحرك الدقيق والضروري لمثل هذا النوع من السياسات. وظهرت أبرز هذه الاعتراضات ضد الأسماء التي تقع خارج نطاق “السلطة الطائفية” لجاليات المدينة. فعلى سبيل المثال، اقترح أعضاء من المجلس اليهودي اسم شارع بديل لاسم الجغرافي العربي الشهير ابن بطوطة، لأن الشارع كان يقع في الحي اليهودي، كما اقترح الأعضاء العرب في المجلس البلدي تغيير اسم “شارع بلدوين” باسم  شخصية عربية “حيث  يمر الشارع بالكامل في منطقة عربية”. ورفض اليهود والعرب على حد سواء اسم “شارع غودفري دي بويون” واقترحوا تسمية بديلة “أكثر سهولة ووضوحاً”(11).

وفي صيف العام 1945 حلّت الحكومة البريطانية المجلس البلدي، وأنشأت بدلاً منه لجنة بريطانية. وفي تشرين الأول 1945، أطلقت حكومة البلدية الجديدة مبادرة جديدة بهدف التوصل إلى مجموعة منتظمة وشاملة من أسماء الشوارع في المدينة. واستمر هذه الأنشطة على هذا النحو إلى منتصف العام 1946. وتم إعداد مقترحات لجنة التسميات من قبل مستشاريْن عربي وآخر يهودي وممثل عن دائرة الآثار، برئاسة مندوب بريطاني(12).

كان توجهات الحكومة بشأن المبادئ المتبعة في تسمية الشوارع تتمثل في “ارتباط الأسماء المختارة، قدر الإمكان، بالمساهمات التاريخية وطبيعة المدينة باعتبارها مدينة مقدسة للديانات الثلاثة ورعاياهم المنتشرين في أرجاء العالم”(13). إلا أن اللجنة أعادت تحديد المعايير بطريقة تجعل من الأهمية بمكان النظر إلى مكوّن السكان المحليين كعامل ينبغي الأخذ به، بالإضافة إلى الأهمية المعطاة في بعض المناطق لتاريخ المدينة نفسها. وتقرر، بوجه خاص، الأخذ في الاعتبار أيضاً “التاريخ السابق وطبيعة السكان المقيمين في المدينة”. وكان ذلك بمثابة إعادة تأكيد لمبدأ الحكم الذاتي الطائفي الذي اتفق عليه سابقاً والذي تمت ممارسته فعلياً في الأجزاء اليهودية من المدينة، وكان التركيز الرئيسي لعمل اللجنة على تسمية شوارع البلدة القديمة باعتبارها منطقة خاصة، حيث بدا 92 اسماً أقرتها اللجنة، والتي كانت أسماءً رسمية، هي أساساً أسماء شعبية محلية وتقليدية(14). أما المناطق العربية الواقعة خارج أسوار البلدة القديمة فتشمل تلك الواقعة شمال البلدة القديمة (الشيخ جراح) والأحياء الجديدة جنوب غرب المدينة القديمة، مثل القطمون والبقعة والطالبية، حيث يقيم عدد كبير من العرب المسيحيين من أفراد الطبقة الوسطى.

وأظهرت أسماء الشوارع المختارة، وفقاً لسياسة اللجنة، إرثاً تجاوز  الانتماء الطائفي يضم كل من الشخصيات التاريخية العربية الإسلامية والأباطرة البيزنطيين المسيحيين، فضلاً عن آباء الكنيسة المسيحية البارزين. وكان إقرار تسمية الطريق المؤدي من بوابة هيرود شمالاً باسم “شارع هارون الرشيد” يعني تكريماً للخليفة العباسي الذي يحتل مكانة بارزة في التاريخ العربي الإسلامي المبكر(15)؛ وبالمثل، كانت تسمية شارع باسم طارق [بن زياد]، الفاتح العربي المسلم لإسبانيا، يعني احتفاءً بالتوسع العسكري للخلافة الإسلامية في الفترة التكوينية(16). وتظهر تسمية الشوارع بأسماء ابن خلدون، الجغرافي العربي من القرن الثاني عشر، والمتنبي، وابن شداد، وابن سينا والمعري احتفاءً بتخليد العصر الذهبي للثقافة العربية(17). كما تضمنت الأسماء رموزاً لشخصيات ثقافية حديثة تتضمن كتاب وشعراء مثل الرصافي (العراق 1875-1945)، المنفلوطي (مصر 1876-1924)، محمد عبده (مصر، 1849 – 1905)(18). وفي المجمل، شهد الفترة قبل العام 1948، احتفاء المدينة بأسماء عربية تنتمي للثقافة العربية ذات النزعة القومية؛ ومن المثير للاهتمام عدم تخليد شخصيات محلية عربية فلسطينية.

ومما له دلالته أن أسماء الشوارع التي احتفلت بالعصر الذهبي للتاريخ العربي كانت مصطبغة بصبغة إسلامية واضحة في أغلب الحالات. علماً أن الجانب المسيحي للهوية العربية الفلسطينية لم يتم التعبير عنه من سياق التاريخ العربي أو الثقافة العربية، بل من خلال الإشارة المباشرة إلى تاريخ الكنيسة المبكر. وهكذا، ظهر الاحتفاء بالتاريخ الديني بدلاً من الهوية القومية عبر تسمية الشوارع والطرق بأسماء الآباء الأوائل للكنيسة المسيحية، مثل بروكوبيوس وصفرونيوس ونيقوديموس والقديسين سابا وجيرونيموس وأوثميوس وجيرونيموس وبورفيروس ونيقوفوروس في الأحياء العربية في جنوب غرب القدس(19).

ويظهر وضوح الطابع المتنوع  للتراث التاريخي، الذي اتخذ الصفة الرسمية لدى لجنة التسمية، ليس فقط في ذكرى محددة، ولكن أيضاً من خلال التجاور المكاني الذي كان يشكل بياناً في حد ذاته. فتسمية طريق عام في القدس الغربية باسم “شارع عمر”(20)، إنما يحتفل ليس بخليفة عربي مسلم كبير فقط، بل يشير أيضاً إلى تاريخ القدس ذاته: لقد كان عمر باني مسجد عمر، وهو ضريح مركزي في جبل الهيكل [المسجد الأقصى والحرم الشريف]. غير أن ما يثير الاهتمام التقارب الجغرافي الكبير بين الاحتفاء بعمر ويوستينيان، الإمبراطور البيزنطي الذي عاش في القرن السادس الميلادي والذي يعتبر أحد البناة البارزين للقدس المسيحية قبل العربية. كما تمت تسمية طريق آخر باسم هيراكليوس(21)، آخر إمبراطور بيزنطي حكم فلسطين. وقد مهدت هزيمة جيشه في العام 636 م، في معركة اليرموك، الطريق أمام الحكم العربي الإسلامي لفلسطين. غير أنه يتم الاحتفال بالإمبراطور هيراكليوس، في التقليد المسيحي، بوصفه المدافع عن الإيمان الذي استعاد الصليب المقدس الأكثر تبجيلاً بين الآثار المسيحية، من الفرس الساسانيين الذين غزوا المدينة في العام 614 م.

غير أن التراث التاريخي الذي احتفت به لجنة التسميات أقر التاريخ الطائفي والقضايا ذات التركيز والاهتمامات الخاصة، ومحاولة تجاوزها ضمن تاريخ القدس كإطار متماسك مقبول لمختلف الطوائف القومية والدينية. ومن المثير للاهتمام إقرار عدم تسمية الشوارع بأسماء “كتابية أو أمور مشابهة والتي يعتقد أنها لن تكون مقبولة بوجه عام من قبل جميع الأطراف والجاليات”(22). كانت الأسماء تكسب شرعيتها عندما تكون من طبيعة “تاريخية بشكل عام” أو تعبر عن ذكرى أحداث مهمة مثل “المعارك والمعاهدات وغيرها”. لقد كان التمسك باختيار تاريخ المدينة للتسمية مع تجنب اختيار الأسماء التي قد تتعرض بشكل خاص لجالية معينة، سواء يهودية أو مسيحية أو إسلامية، سبيلاً مناسباً لموازنة المصالح المختلفة، بل والمتضاربة.

وقد أدى الاهتمام العميق الذي أبدته السلطات البريطانية للقدس كمدينة مقدسة للأديان الرئيسية الثلاثة إلى تكوين تراث تاريخي فريد من نوعه، يعترف بمصالح مختلف الطوائف القومية (اليهود والعرب)، ويرضي المفاهيم البريطانية بخصوص تمثيل تاريخي مناسب. وبهذه الطريقة، لم تظهر أسماء الشوارع العربية التي وافقت عليها لجنة التسمية هوية عربية- فلسطينية معينة. وقد أدخل التراث التاريخي والثقافي العربي الإسلامي إلى المشهد المكاني للمدينة، غير أنه يجب ملاحظة غياب أي إشارة مباشرة إلى الاهتمامات والمخاوف السياسية الراهنة للفلسطينيين العرب كمجتمع سياسي منفصل. ونظراً لعدم إدخال الأسماء الجغرافية للشوارع، لم يكن هناك تضميناً لأي سياق إقليمي أو جغرافي تاريخي لأسماء الشوارع كدليل على الهوية الفلسطينية، باعتبارها علامات عن الهوية، وتم تعريف الهوية العربية فقط من خلال الشخصيات التاريخية التي وجد أنها جديرة بالاحتفال والتقدير. ومثّل التركيز على التاريخ المحلي وتسليط الضوء على العناصر والأبعاد التاريخية والثقافية والدينية على حساب ما هو عنصر قومي كمحددات للتراث والهوية، استراتيجية وليس تأويلاً نهائياً. وليس ثمة مفر من الإقرار بتأثير بعض الأسماء في الأساطير السياسية. وكان مفهوم صلاح الدين الذي ينتمي إلى التاريخ المحلي للقدس خياراً مشروعاً؛ ولكن ما كان يهم عملياً كيف كانت تنظر الأساطير العربية الإسلامية، كما ظهرت في عشرينيات القرن الماضي، إلى صلاح الدين، كبطل قومي بحكم كونه “محرر” القدس. وعلى هذا النحو، فإن أهميته السياسية في الوعي العربي الإسلامي تجاوزت أي محاولات لإشراكه مع الأباطرة البيزنطيين والملوك الصليبيين والحكام المماليك والسلاطين الأتراك الذين مثلوا تاريخ القدس كتعاقب ديناميكي للحكام والأنظمة.

أم الفحم: الحركة الإسلامية، تسعينيات القرن العشرين

حصلت عملية تسمية الشوارع في أم الفحم من خلال تقارب عمليتين مستقلتين، عبرت إحداهما عن التنمية العمرانية للمدينة واستثماراتها الرسمية بتحولها إلى وضعية بلدة إسرائيلية في العام 1985. ومثلت العملية الأخرى الهيمنة السياسية للحركة الإسلامية التي فازت بالانتخابات البلدية في المدينة في العام 1988. وتجلى التصميم الشامل لأسماء الشوارع، في العام 1993، في الوعي الحضري العمراني الجديد الذي اكتسبته السلطات المحلية؛ حيث أثبتت، مجموعة محددة من الأسماء، وجهة نظر الحركة الإسلامية في إسرائيل وتوجهها الإيديولوجي. ودمج تجميع قائمة شاملة لأسماء الشوارع بين التخطيط الحضري والتأكيد الذاتي الإيديولوجي. وأظهرت أسماء شوارع المدينة سمة حضرية احتفائية من خلال تميزها بسمة عمرانية ضمن خارطة مميزة للمدينة وموضحة في كتيب خاص أعده ونشره مركز أم الفحم التربوي (Jamil 1994)، غير أن هذا لم يمنع أن تكون بعض الشوارع (التي يُفترض أنها مسماة بالفعل) الموضحة في الخريطة مجرد حبر على ورق ولم يتم إنشاؤها بعد، وكانت أسماؤها مجرد أسماء مسقطة على الخارطة عكست مفاهيم الهوية الجمعية السائدة بين أعضاء الحركة الإسلامية داخل إسرائيل.

وبرغم تأثيرها الظاهري المحلي، يمكن اعتبار قائمة الأسماء أصدق تمثيلاً للإيديولوجية السياسية للحركة الإسلامية المتجسدة على صعيد الحكم المحلي. وتوفر قائمة أسماء شوارع المدينة، علاوة على ذلك، نظرة  عميقة للمواقف السائدة في وقت إعداد هذه القائمة التي لا تمثل، في هذا المعنى، المنتج النهائي لعملية تراكم تدريجي، كما هو الحال عادة مع أسماء الشوارع، بقدر ما تمثل محاولة لتوفير إطار صارم يراعي التطورات الحضرية المستقبلية، الأمر الذي من شأنه تحديد المحتوى الرمزي للمشاهد المكانية المحلية من وجهة نظر الحركة الإسلامية في أوائل التسعينيات. ومن المثير للاهتمام، عدم تنظيم حظر رسمي لإجراءات التسمية. ووفقاً للسلطات المحلية، كان الأمر قراراً داخلياً اتخذ في مكتب مهندس المدينة. ولا يتوفر، على الصعيد الرسمي محاضر توثق الإجراءات المتبعة في عملية صنع القرار، وبالتالي سوف يكون من شبه المستحيل تقويم العملية برمتها. وسوف يعبر التردد في حد ذاته، مهما تكن أسبابه، في كشف عملية صنع القرار عن بيان سياسي يحمل بعض الأهمية، وربما يدلل على وعي المنخرطين في احتمالات اختراق ممكنة قد تنطوي عليها القائمة التي أعدوهاعدوهاأ.

وبصورة عام، تتضمن القائمة 65 اسماً لرموز وشخصيات تاريخية موضع تكريم واحتفاء، تضم الغالبية منها (63) اسماً لشخصيات تاريخية تنتمي إلى التاريخ المبكر للإسلام. ومن بين هؤلاء أسماء خلفاء وقادة العسكريين وأصحاب مراتب دينية وشعراء وعلماء. ويتم التأكيد على الجانب الإسلامي من خلال أسماء أصحاب المراتب الدينية الذين نالوا شهرتهم بسبب تفانيهم في خدمة الإسلام وتعاليمهم الدينية (21 اسماً)، ومن بين هؤلاء مؤسسي المذاهب الدينية، ومن يتمتعون بأهمية خاصة بسبب اعتناقهم المبكر للإسلام وارتباطهم المباشر مع النبي مما يمنحهم هذا مميزات وسمات خاصة. ويتعزز موضوع المجد الإسلامي المبكر عبر إحياء ذكرى الانتصارات الإسلامية الشهيرة. وتشمل هذه الفئة سبعة رموز يمثلون التاريخ البطولي الإسلامي المبكر؛ تظهر أربع منها انتصارات إسلامية مبكرة وفترة توسع الإسلام مثل بدر وأحد والخندق والقادسية، كما تنتمي أسماء أخرى إلى مرحلة الفتح الإسلامي واستعادة فلسطين مثل اليرموك وحطين، حيث يشير اسم اليرموك إلى المعركة التي مهدت الطريق للاحتلال الإسلامي لفلسطين، بينما يشير اسم حطين إلى المعركة التي استعاد بعدها صلاح الدين فلسطين من الحكم المسيحي.

وتكشف هذه الأسماء تركيز المجلس البلدي للمدينة على اختيار أسماء تنتمي إلى الفترة الأولى من التاريخ الإسلامي الممتدة من القرن السادس إلى القرن الثاني عشر، وتمثل حقبة توسع إقليمي وديني وفتوحات عسكرية (لاسيما في القرنين الأولين من عمر الإسلام)، كما تمثل هذه الفترة عهد الإنجازات الفكرية والعلمية، فضلاً عن الإنجازات الدينية. ويتم استثمار هذه الاحتفالات التاريخية بالمعنى الخاص المكرس في الفكر الأسطوري في عصر التأسيس، وتعيد أيضاً إنتاج الأسطورة العربية الإسلامية عن العصر الذهبي. حيث توفر هذه الفترة مصدراً للفخر في فترة تعاني فيها الأمة من مصاعب، كما تؤمن، في نهاية المطاف، نموذجاً لعملية الإحياء، والنهضة المحتملة وهو ما يشكل مصدر اهتمام رئيسي للحركات الإسلامية المعاصرة.

وسوف يكون الوجود الإسلامي في إسبانيا، في هذه المناسبة، موضوعاً تذكارياً آخراً، حيث وقع الاختيار على تسمية أربعة شوارع بأسماء تمثل إعادة إنتاج التاريخ الإسلامي في إسبانيا، غير أن الرسالة الضمنية التي تنطوي عليها هذه الاحتفالية تتجاوز مثل هذا العدد الصغير نسبياً، فالاحتفاء بتسمية طارق [بن زياد]، الفاتح الإسلامي لإسبانيا، يتعلق أيضاً بالتاريخ العسكري الإسلامي المبكر الذي كان في حالة انتشار وتوسع، ويظهر اسم ابن رشد (1126 -1198)، الفيلسوف الأندلسي الشهير، كمثال بارز على العظمة الفكرية التي تجسد مساهمة الأندلس في الثقافة الإسلامية. ولكن هذين الرمزين ليسا رمزين “أندلسيين” نقيين تماماً، لأنهما يسلطان الضوء أيضاً على مواضيع تذكارية أكثر عمومية، مثل التاريخ العسكري الإسلامي (طارق [بن زياد]) أو الإرث الثقافي الإسلامي (ابن رشد).

 ويتجلى الموضوع الأندلسي بوضوح في اثنتين من الإشارات الجغرافية المحددة وهما قرطبة والأندلس.

وتشكل الإشارات الجغرافية إلى إسبانيا الإسلامية استثناءً في قائمة لا تتضمن إشارات أخرى إلى الأقاليم الإسلامية. والتفسير المعقول لهذا الأمر قد يكون بسبب الوضع الخاص لإسبانيا المسلمة باعتبارها “الأرض المفقودة” التي كانت في السابق ملكاً للعالم الإسلامي، فقدت لاحقاً نتيجة [حروب] الاستعادة المسيحية التي بلغت ذروتها في سقوط غرناطة في العام 1492. ولا تتضمن الإشارة إلى الأندلس المسلمة وانتمائها إلى التراث الإسلامي على فكرة التعلق بمنطقة خاضعة للإسلام فقط، وإنما تنطوي أيضاً على التزام ديني بانتمائها إلى “دار الإسلام”، أي أمة الإسلام. وسوف تتضمن الرسالة الدقيقة، في سياق الصراع العربي الإسرائيلي، التي تحتويها هذه الإشارة التي تبدو وكأنها نوستالجيا إلى الأندلس يمكن أن تمثل تأكيداً على الالتزام الإسلامي تجاه فلسطين كعنصر أساسي مكون لدار الإسلام.

يتمثل الجانب الفلسطيني في التاريخ البطولي الإسلامي باسمين. أحدهما [الظاهر] بيبرس، سلطان مصر المملوكي (1228 – 1277)، الذي ساهم بشكل كبير في القضاء على الوجود الصليبي في فلسطين. وتم التأكيد على مكانة صلاح الدين البارزة في الأساطير السياسية الإسلامية من خلال الاحتفال المزدوج باسمه، حين أطلق اسمه على الشارع الرئيسي في وسط المدينة، وتسمية مسجد باسمه.

ومن بين الشخصيات التاريخية التي تحتفل بها السلطات البلدية، ينتمي اثنان فقط إلى التاريخ السياسي المعاصر. هما عمر المختار (1858 – 1931) وعز الدين القسام (1882-1935). ويمثل كلاهما رمزاً للنضال والاستشهاد في مواجهة الحكم الأجنبي. وكان عمر المختار قد أعدم على يد الحكومة الاستعمارية الإيطالية في ليبيا، وتم الاحتفال به في مختلف المدن والأحياء الفلسطينية العربية قبل العام 1948، بما في ذلك مدينة حيفا. وبهذا المعنى، أشار الاحتفاء به إلى استمرارية الأنماط التذكارية السابقة.

وإن كان الاحتفال بذكرى عز الدين القسام ضئيل الأهمية من منظور حضري، إلا أنه يستحق مزيداً من التدقيق بسبب سياقه ومعناه المعاصرين. وقد بدأ القسام، بصفته إماماً وناشطاً إسلامياً، الترويج في أواخر العشرينيات من القرن الماضي إلى موقف يدعو إلى ضرورة القيام باستعدادات عسكرية سرية من أجل معركة محتملة ضد الحكومة البريطانية والمشروع الصهيوني (Porath 1977: 134-139; Seikaly 1995: 240-245; Khalidi 1997: 189-190). وابتدأ ينظم، في أوائل الثلاثينيات، مجموعة من الأتباع  المخلصين المنضوين تحت إمرته الذين انخرطوا في أنشطة عنيفة، بما في ذلك جرائم قتل في الجليل الأدنى وشمال السامرة. وتحول القسام، بعد موته، في العام 1935 أثناء اشتباك مسلح مع القوات العسكرية البريطانية، إلى نوع من التقديس بوصفه “رمز الرد راديكالي” (Seikaly 1995: 241)، كشهيد لحركة المقاومة الإسلامية. وقام أتباعه بدور نشط في  الثورة العربية الكبرى في سنوات 1936 – 1938. وتم التأكيد مجدداً على المكانة القانونية الشرعية لـ “عز الدين القسام” بين جماعات الحركة الإسلامية في أوائل التسعينيات، عندما تم اعتماد اسمه من قبل الجماعة الإرهابية لمنظمة الجهاد الإسلامي في فلسطين وأطلقت ما بات يعرف باسم “كتائب عز الدين القسام” التي أعلنت مسؤوليتها عن بعض أكثر الأعمال الإرهابية عنفاً داخل إسرائيل بدءً من العام 1994. [ يخلط الكاتب بين حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” وتوصيف الأعمال بأنها “إرهابية” ليس مستبعداً من كاتب إسرائيلي-المترجم]

وتعتبر الإشارة التذكارية إلى القسام في أم الفحم، وبالتالي تكريسه كبطل من قبل السلطات البلدية، بمثابة تثمين للإرث التاريخي الذي مثله في سياق معاصر. حيث لم تذكر السيرة الذاتية الرسمية، كما وردت في الكتيب الصادر عن مجلس المدينة، سوى حقائق تاريخية ظاهرية، مثل حياته السياسية في سوريا وظروف موته في فلسطين. ويسلط الاستعراض الرسمي التعليمي الظاهري لشخصية القسام “التاريخية” بصفته رمزاً اكتسب، بصورة معينة، شرعية الاحتفاء به، الضوء على كل من الاحتياجات والقيود المعاصرة، فيعتبر الامتناع عن تمجيد الاستشهاد جانباً مهماً. ولكن الأهم من ذلك، أن هذا المقطع لم يذكر المحتوى المعادي لليهود / الصهيونية في إيديولوجيته ونشاطه. ويبدو أن هذا الإغفال ليس من قبيل الصدفة، إلا أنه يعمل على توضيح الإرث الذي ينطوي عليه اسم القسام من منظور تاريخي وليس من منظور سياسي معاصر. وبعيداً عن مستوى هذا الاستعراض الحذر والمدروس، تظل الحقيقة البادية للعيان تتمثل في أن الرسالة الضمنية للاحتفال تعبر عن وجود استمرارية تاريخية بين الصراع الذي اندلع في الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى التسعينيات. وعلى الرغم من الصلة الإرهابية لهذا الرمز، فإن إحياء ذكراه باعتباره البطل الفلسطيني “المحلي” الوحيد يؤكد على المقاومة الإسلامية باعتبارها تقليداً تاريخياً مستمراً.

وفي ضوء السياق الذي تعرف فيه الجمهور الإسرائيلي على شخصية تاريخية كانت مجهولة بالنسبة له حتى وقت قريب، فإن إحياء ذكرى عز الدين القسام في بلدة إسرائيلية يعد أمراً إشكالياً إلى حد ما. على الأقل الصدى الذي يتركه هذا الأمر على مسامع اليهود الإسرائيليين، حيث لا يستحضر اسم القسام معنى لشخصية تاريخية ذات مزايا محل نزاع شديد، بل يستحضر، بالأحرى، استراتيجية  مرعبة لمعنى الإرهاب السياسي. وقد أثار قرار المجلس المحلي لمدينة كفر قرع، الذي تحكمه الحركة الإسلامية أيضاً، تسمية شارع باسم عز الدين القسام  انتقادات شديدة من الناحية الفعلية (Rahat 1997: 3).

من المهم أيضاً إحياء ذكرى القسام كبطل وحيد في فترة ما قبل العام 1948. ومن الجدير ذكره عدم إحياء ذكرى أي زعيم سياسي أو عسكري أو إسلامي أو وطني آخر -بجانب القسام- لفترة ما قبل 1948 في تسمية شوارع أم الفحم. وبالتالي، فقد خلت القائمة من اسم الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس وأبرز زعيم عربي فلسطيني، كما خلت من أسماء قادة عسكريين بارزين للثورة العربية 1936-1938، والصراع العسكري في العام 1948، وعلى رأسهم عبد القادر الحسيني والعقيد [فوزي] القاوقجي السوري المولد. وقد يعكس ذلك مفهوماً سائداً بأن القادة العرب الفلسطينيون البارزون في حقبة ما قبل العام 1948 يمثلون الفشل وليس النجاح، أو ربما يعكس هذا الخيار رفضاً إيديولوجياً للجانب القومي (على نقيض الجانب الديني) من تراثهم. وبعيداً عن هذه الاعتبارات المبدئية، تجدر الإشارة إلى اعتبار القسّام مثالاً للنزعة الراديكالية الإسلامية. وبالإضافة إلى وظيفته كرجل دين مسلم، فإن التمييز الأساسي بين الزعماء  المذكورين وبينه كونه كان شهيداً للمقاومة الإسلامية، ومن ثم تجسيداً للمثل العليا لمعنى التضحية بالنفس في سبيل الجهاد، وسوف يتم التأكيد على أهمية القسام في الإرث البطولي لفلسطين العربية من خلال إطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة كتعبير عن النضال وعن الهوية العربية الفلسطينية لفلسطين الإسلامية.

وتستكمل مصفوفة الهوية المقترحة في أسماء شوارع أم الفحم بأسماء جغرافية توفر، في العادة، مؤشراً جغرافياً بمنزلة خارطة طريق إقليمية بالمعنى الجغرافي للوطن القومي. وتضمنت سلسلة أم الفحم الجغرافية خمسة أسماء هي: القدس والخليل، وحيفا، ويافا، وصرفند. ومن السمات الرئيسية لهذه القائمة غياب المدن العربية الكبرى مثل الناصرة أو نابلس أو غزة. إن ما تتضمنه هذه القائمة، وما تستبعده، يبدو كأنه يفيد ضمناً بأن الرسالة الرئيسية لم تكن محاولة لتحديد الإطار الإقليمي لفلسطين العربية، بقدر ما هي تؤكد على الجانب الإسلامي لفلسطين العربية بالإشارة إلى المدينتين المشهورتين بمقدساتهما الإسلامية: القدس، مع المسجد الأقصى، والخليل، مع ضريح البطاركة [ الحرم الإبراهيمي]. ولا تعين الأسماء الجغرافية الثلاثة الأخرى الهوية العربية لفلسطين (القومية) من الناحية الجغرافية، بل تشير إلى الجغرافيا التاريخية الإسلامية، وهي الجغرافيا التي تم استئصالها واستيطانها في العام 1948 عندما تأسست دولة إسرائيل.

إن الإشارات إلى القدس والخليل هي بمنزلة إشارات احتفائية بفلسطين المسلمة Muslim Filastin عن طريق موقع  اثنين من أضرحتها الإسلامية الأبرز. كما تمثل يافا وحيفا وصرفند، من ناحية أخرى،  الماضي الإسلامي للأرض. وسوف تؤكد يافا وقرطبة، بمعنى ما، على الرغم من أنهما ينتميان إلى سياقات جغرافية وتاريخية مختلفة، صحة تعبير دار الإسلام كمفهوم ديني جغرافي يتجاوز الواقع السياسي الحالي للحاضر، ويمثل، بالتالي، التزاماً أساسياً. وتؤكد “الجغرافيا” المتضمنة في أسماء الشوارع في أم الفحم، من هذا المنطلق، على هوية المدينة الإسلامية، المعرفة من الناحية الدينية والتاريخية على حد سواء، باعتبارها ملكاً أساسياً للفلسطينيين تتجاوز الظروف السياسية المعاصرة. ويمكن النظر إلى هذه الحجة الإيديولوجية من احتمال تعريفها كحجة متمردة [بالنسبة لإسرائيل]، وتتجاهل، كما هي تمارس فعلاً، التاريخ الحديث للمنطقة، وبالتالي توفر أساسا لتقويض شرعية دولة إسرائيل.

خلاصة

تشير أسماء الشوارع، بوصفها أسماء احتفالية تذكارية، إلى أكثر من مجرد توجهاً مكانياً. كما أنها توفر توجهاً تاريخياً، و”خارطة تاريخ”، فضلاً عن رواية رسمية للتراث التاريخي. وتساهم الأسماء، كمجموعة من الاحتفالات، في البناء الرمزي للهوية. وبناءً على ذلك، تفسر قراءة الأسماء فك رموز نص الهوية المبني رسمياً والذي يعكس مصالح ومواقف النخب السياسية المحلية. وبهذا المعنى، يتيح فحص مجموعات مختلفة من أسماء الشوارع فرصة للتعرف على الاختلافات والتشكيلات التي قد تعكس أطراً مرجعية إيديولوجية مختلفة. وتمثل دراسات الحالة الثلاث المعروضة في هذه الدراسة تباينات في موضوع الهوية العربية الفلسطينية. وتكمن أهمية هذه الاختلافات في أنها تعرض نسخاً أو روايات مختلفة عن الهوية العربية الفلسطينية كخيارات قابلة للتطبيق.

وتمثل القدس استثناءً من بين تلك الحالات، نظراً لأنها تبرز التاريخ المحلي للمدينة باعتباره مادة بناء التراث التاريخي للصيغ الاحتفائية لأسماء الشوارع، وهو ما شجعته السلطات البريطانية حين ركزت على مفهوم التراث هذا، ولا  يعكس هذا، بالضرورة، الأفكار السائدة بين أفراد القيادة السياسية العربية الفلسطينية، فيحتفل نموذج القدس بالتاريخ المحلي بدلاً من الأساطير الوطنية، ويتم التعبير عن التراث بشروط شاملة من خلال  التاريخ المحلي كمبدأ تنظيمي أساسي، حيث يتم نقل الصراعات القديمة والمنافسات إلى جوانب ذات مغزى من تاريخ المدينة.

من ناحية أخرى، اقترحت حيفا العربية كنموذج قومي عربي شامل للهوية. وقد تم تعريف الإرث التاريخي من حيث هو تاريخ الثقافة العربية مع التركيز على العصر الذهبي للتاريخ العربي خلال وبعد إنشاء الخلافة. إلا أن الاحتفاء بشاعرين عربيين مسيحيين هو بمثابة اعتراف بمفهوم الهوية العربية التي تجاوزت الثقافة العربية الإسلامية، أما من الناحية الجغرافية، فقد كان التوجه العربي واضحاً من حيث الجغرافيا التي تجاوزت الحدود السياسية والإدارية لفلسطين الانتدابية.

وعلى النقيض من النموذج العربي الذي يحتفل به في أسماء الشوارع في حيفا العربية، يحتفل النموذج الذي اقترحته أسماء شوارع أم الفحم بنسخة إسلامية من الهوية العربية الفلسطينية. فالجانب “الفلسطيني” موجود، لكنه متجسد في سياق إسلامي، من حيث المقاومة الإسلامية ومن حيث مفهوم فلسطين الإسلامية كجزء من دار الإسلام. ويمثل وجود خيارات مختلفة جانباً من جوانب الهوية الجمعية، حيث تنتمي التحولات إلى ديناميات تشكيل الهوية. وتشترك كل من حيفا قبل 1948 وأم الفحم المعاصرة في التركيز المشترك على العصر الذهبي للتاريخ العربي الإسلامي. على الرغم من أنهما تمثلان خيارين مختلفين: يحتفل أحدهما بتوجه عربي، بينما يميل الآخر نحو اتجاه إسلامي.

وتجدر الإشارة، أخيراً، إلى خضوع الجانب الفلسطيني المحلي، في كلتا الحالتين، لإطار تضامني أوسع وتحديد الهوية يتجاوز فلسطين في حدودها السياسية .إلا أن هذا لا يستبعد إمكانية وجود خيارات أخرى، أبرزها التأكيد على “الفلسطيني” أكثر من “العربي” لجهة الإرث التاريخي والإحساس بالوطن القومي. وقد تظهر الأبحاث المستقبلية حول أسماء الشوارع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا والأردن مفاهيم الهوية الفلسطينية التي تؤكد على الجغرافيا الفلسطينية-العربية لفترة ما قبل العام 1948. ويمكن، في هذه الحالة، أن تطرح التطورات الحالية والمستقبلية في المناطق التي تسيطر عليها السلطة الوطنية الفلسطينية أفكاراً وخيارات جديدة للهوية العربية الفلسطينية تتطور في سياق محدد من تشكيل الدولة.

…..

ملاحظات

العنوان الأصلي: Mapping the nation: street names and Arab-Palestinian identity: three case studies

المؤلف: MAOZ AZARYAHU and REBECCA KOOK

المصدر: Nations and Nationalism 8 (2), 2002, 195-213.  ASEN 2002

……..

هوامش

1- انظر رسالة نائب حاكم المنطقة إلى رئيس بلدية تل أبيب ، 28 كانون الثاني 1925 في أرشيف بلدية تل أبيب برقم 3/76، بعنوان: رسالة من نائب حاكم المنطقة إلى رئيس بلدية يافا، 6 شباط 1925 (أرشيف بلدية تل أبيب 3/76).

2-بروتوكول اجتماع بلدية حيفا، 4 تشرين الأول 1935 (أرشيف بلدية حيفا).

3- للحصول على تاريخ شامل لحيفا في ظل الانتداب البريطاني، انظر Seikaly 1995 رغم عدم مناقشته أسماء الشوارع.

4 توجد هذه القائمة في الملف 209، أرشيف بلدية حيفا. تستند المناقشة التالية إلى تحليل قائمة أسماء الشوارع هذه.

5 في العام 1938 كان الممثل المسيحي أنستاس حنانيا، والمندوبان المسلمان هما سعد الدين الخليلي وحسن صدقي الدجاني. كان الدجاني (1898-1938) منتمياً سياسياً لعائلة وعشيرة النشاشيبي ومعارضاً لقيادة الحسيني. اغتيل في العام 1938. وفي العام 1940 كان رئيس المجلس الوطني السوري يعقوب فراج (1874-1944)، زعيم طائفة الروم الأرثوذكس في القدس، الذي دعم البريطانيين، وشغل لسنوات عديدة منصب نائب رئيس بلدية القدس.

6 “تقرير عن تسمية الشوارع”، من رئيس بلدية القدس إلى مفوض لواء المنطقة، 19 تموز 1938، أرشيف مدينة القدس JCA رقم  833 / A 18-6.

7 تقرير عن اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 1 كانون الثاني 1940.

8 رسالة من رئيس بلدية القدس إلى مفوض اللواء، 9 أيار1939، JCA 833 / A 18-6.

9 قرارات اتخذها المجلس في جلسته 180 المنعقدة في 23  كانون الأول1940، البند 1212: تقارير اجتماع لجنة تسمية الشوارع المنعقد في 8 تشرين الأول1940، أرشيف مدينة القدس JCA.

10 القرار الذي اتخذه المجلس في اجتماعه 180 المعقود في 23 كانون الأول1940.

11 تقرير اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 18 تشرين الأول1940، أرشيف مدينة القدس JCA.

12 هم الدكتور يوجين ويبر والشيخ ضياء الدين الخطيب، مفوض المحاكم الإسلامية. دائرة الآثار ومثلها السيد برامكي. حول وضعهم كأعضاء استشاريين، انظر محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 11 تشرين الأول1945.

13 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 11 تشرين الأول1945، أرشيف مدينة القدس JCA.

14 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 13 كانون الأول1945، أرشيف مدينة القدس JCA.

15 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 3 كانون الثاني1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

16 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 7 آذار1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

17 المرجع نفسه؛ محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 7 شباط1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

18 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 7 آذار1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

19 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 7 شباط1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

20 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع، 3  كانون الثاني1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

21 محضر اجتماع لجنة تسمية الشوارع 7 شباط1946، أرشيف مدينة القدس JCA.

22 مذكرة، 2  تشرين الأول 1945، أرشيف مدينة القدس JCA.

المراجع

Azaryahu, Maoz. 1996. `The power of commemorative street names’, Society and Space 14: 311±30.

Bar Gal, Yoram. 1987. `Names for the streets of Tel Aviv: a chapter in cultural-urban history (1909±1934)’, Cathedra 47: 118±31 (Hebrew).

Billig, Michael. 1995. Banal Nationalism. London: Sage. Doumani, Beshara. 1995. Rediscovering Palestine: the Merchants and Peasants of Jabal Nablus, 1700±1900. Berkeley, CA: University of California Press.

Gillis, John R. (ed.). 1994. Commemorations: the Politics of National Identity. Princeton, NJ: Princeton University Press.

Hobsbawm, Eric and Terence Ranger. 1983. The Invention of Tradition. Cambridge: Cambridge University Press.

Jamil, H. W. 1994. The Key to the Knowledge of Street and Road Names in Umm el Fahm. Umm el Fahm: Pedagogic Center, the Municipality of Umm el Fahm and the Ministry for Education, Culture and Sport.

Kertzer, David I. 1996. Politics and Symbols: the Italian Communist Party and the Fall of Communism. New Haven, CT: Yale University Press.

Khalidi, Rashid. 1997. Palestinian Identity: the Construction of Modern National Consciousness. New York: Columbia University Press. 212 Maoz Azaryahu and Rebecca Kook

Kimmerling, Baruch and Joel Migdal. 1993. Palestinians: the Making of a People. New York: Free Press.

Miller, Ylana. 1985. Government and Society in Rural Palestine 1920±1948. Austin, TX: University of Texas Press.

Muslih, Muhammad. 1990. The Origins of Palestinian Nationalism. New York: Columbia University Press.

Palonen, K. 1993. `Reading street names politically’ in K. Palonen and T. Parvikko (eds.), Reading the Political, Exploring the Margins of Politics. Tampere: The Finnish Political Science Association, 103±21.

Porath, Yehoshua. 1977. The Palestine Arab National Movement 1929±1939. London: Frank Cass.

Rahat, M. 1997. `A street in Kafr Kara is named after `Izz al-Din al-Qassam’, Maariv, 9 September: 3.

Scholch, Alexander. 1993. Palestine in Transformation, 1856±1882. Washington DC: Institute for Palestine Studies.

Schwartz, Barry. 1982. `The social context of commemoration: a study in collective memory’, Social Forces 61(2): 374±402.

Seikaly, May. 1995. Haifa: Transformation of an Arab-Palestinian Society, 1918±1939. London: I. B. Tauris.

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

العدوان على غزة: أجندة إسرائيل السياسية والأمنية

في صباح السابع من تشرين الأول 2023 شنت حركة حماس هجوماً مسلحاً على مواقع وبلدات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *