في شريط فيديو شاهدته أصغيت إلى فلسطينية من غزة احتجزت في الحرب الحالية لفترة، ثم أطلق سراحها، تأتي على ما ألمّ بها. طلب منها الجنود أن تنزع ثيابها فاعترضت واقترحت إحضار مجندات إسرائيليات.
في 23 24 / 3 / 2024 تحدثت جميلة الهسي، من غزة وتقطن قرب مجمع الشفاء عن اغتصاب فلسطينية حامل وقتلها وجنينها، وبعض الروايات زعمت أن الاغتصاب تم أمام زوجها.
اختلفت ردود الأفعال إزاء سلوك الاغتصاب، فقسم صدق وتذكّر أسطر مظفر النواب عن القدس عروساً تغتصب، وقسم قال: إنها شائعات يقصد من وراء بثها تهجير الغزاويين، وربما أهل الضفة الغربية، وطلب من الفلسطينيين ألا يروجوها وألا يكرروا تجربة 1948، حيث استغل الإسرائيليون موضوع العرض لتسهيل تفريغ الأرض.
إحدى الغزيّات في شريط فيديو منقول عن فضائية رددت أسطر مظفر النواب عن ظهر قلب، إذ رأت أن ما قاله ينطبق الآن على غزة.
ما سبق ذكرني بما ورد عن الاغتصاب في أدبيات الصراع الفلسطيني الصهيوني منذ 1948، خاصة أنني أعيد قراءة رواية عدنية شبلي «تفصيل ثانوي» (2017) التي تأتي على حادث اغتصاب ضابط إسرائيلي وجنوده، في آب 1949، فتاة بدوية في صحراء النقب، معتمدة على قراءة ساردتها مقالة صحافي إسرائيلي عن حادث الاغتصاب.
وأنا أكتب عن رواية أكرم مسلم «بنت من شاتيلا « (الأيام الفلسطينية 4 / 8 / 2019) أشرت إلى فعل الاغتصاب فيها وفي روايات أسبق مثل «الطريق إلى بئر سبع» لإيثيل مانين و «بلد المنحوس» لسهيل كيوان، وفي كتاب (إيلان بابيه) «التطهير العرقي»، ويمكن العودة إلى المقال.
صدرت رواية «تفصيل ثانوي»، والأصح القصة الطويلة (النوفيلا) عن دار الآداب، في بيروت، وتقع في 127 صفحة، وقد نقلت إلى الإنجليزية والألمانية ونافست على القائمة القصيرة لجائزة (مان بوكر) البريطانية للرواية المترجمة، وحصلت على جائزة (ليبيراتور برايس) من ألمانيا وكان يفترض أن تتسلمها الكاتبة في تشرين الأول 2023 في فعاليات معرض الكتاب في فرانكفورت، لولا تأجيل الحفل بسبب الحرب التي انحازت فيها ألمانيا الرسمية إلى إسرائيل، ما أثار ضجة حول الموضوع كون الكاتبة فلسطينية، علماً أنها تقيم في بريطانيا وتدرس في إحدى جامعاتها. ومن يرد أن يقرأ عن الضجة التي أعقبت الحدث فما عليه إلا أن يكتب اسم المؤلفة وعنوان روايتها وعبارة حرمان من الجائزة ليرى كيف تحولت «تفصيل ثانوي» إلى تفصيل رئيس وشغلت الصحافة والقراء.
تتكون النوفيلا من قسمين بلا عناوين فرعية، يدرج الأول تحت الرقم (1) ويمتد من صفحة 5 إلى صفحة 61، والثاني تحت الرقم (2) ويشغل الصفحات 63 إلى 127. ويسرد الأول، بضمير الغائب/ الـ»هو»، سارد غير محدد الملامح، والثاني بضمير الأنا وتسرده باحثة شابة فلسطينية من الضفة الغربية، من مناطق «أ» تحديداً، وتقيم في رام الله، وتروي عن شغفها بالبحث عن قصة اغتصاب الفتاة الفلسطينية البدوية، والباحثة من مواليد 1974، وهو تاريخ ميلاد عدنية شبلي، «ومرة أخرى، مجموعة من الجنود يأسرون فتاة، يغتصبونها، ثم يقتلونها في ما سيصادف بعد ربع قرن يوم مولدي، هذا التفصيل الثانوي، الذي لا يمكن إلا أن يستهين به الآخرون، سيلازمني إلى الأبد رغماً عني ومهما حاولت تناسيه، حيث ستبقى حقيقته تعبث بي بلا انقطاع، بما فيَّ من ضعف وهشاشة..».
تغامر الباحثة التي لا يسمح لها بدخول المناطق المحتلة 1948 والقدس، فتوافق على عرض زميلتها المقدسية المتمثل بإعارتها هويتها لتسافر بها إلى يافا فتل أبيب فصحراء النقب مكان الاغتصاب، ويستأجر لها صديق مقدسي باسمه أيضاً سيارة، وتحضر للمكان خارطتَين، واحدة لفلسطين قبل العام 1948 والثانية إسرائيلية، وتحكي من خلالهما عن تهويد المكان وعبرنته، وتتمكن، بعد جهد جهيد، من الوصول إلى مكان الاغتصاب لتعاين حيثيات الجريمة وفجأة تدخل منطقة عسكرية فتقع في ورطة إذ ماذا لو اتصل جنود الجيش بالشرطة واكتشف أنها بهوية مزيفة وتقود سيارة مستأجرة باسم شاب. وتنتهي النوفيلا بالأسطر الآتية:
«فجأة يغمرني ما يشبه الحريق الحاد في يدي ثم صدري، يليه أصوات إطلاق نار بعيدة».
والنهاية تترك مجالاً للاجتهاد. هل أطلق الجيش النار على الساردة فقتلها أم أنها، في لحظة اكتشاف الجيش لها رأت مصير الفتاة البدوية المغتصبة في العام 1949؟
هل ثمة دلالة رمزية لحادث اغتصاب الفتاة أم أنه واقعي؟
في طريق الساردة/ الباحثة من رام الله إلى يافا إلى النقب تركز على المكان الذي تتحرك فيه وتنظر في الخارطتين وتقارن بينهما. كان الاسم وصار الاسم. هل هذه التغيرات في الأماكن وإخفاء المكان الفلسطيني يوازي اختفاء الفتاة البدوية، وبالتالي تصبح الفتاة رمزاً لفلسطين أرضاً، وفي القسم الأول الذي يأتي على حادثة الاغتصاب نقرأ عن مرايا الذات والآخر – أي الفلسطيني واليهودي، نقرأ ما قرأناه في الأدبيات الصهيونية والعربية، فالبدوية رائحتها كريهة نتنة واليهودي يهتم بنظافته، والأرض بأيدي العرب صحراء قاحلة سيحولها اليهود إلى جنة.. إلخ.. إلخ، وهذا الموضوع يحتاج إلى كتابة خاصة يسأل فيها إن اختلفت الصورة المقدمة في الرواية عنها في سابقاتها.
المصدر