محو فلسطين لبناء إسرائيل: تحويل المناظر الطبيعية وتجذير الهويات الوطنية

كريستين بيرينولي

ترجمة محود: الصباغ

ربما كانت أعظم معركة خاضها الفلسطينيون كشعب هي حول الحق في وجود متذكر، وبهذا الوجود، الحق في امتلاك واستعادة واقع تاريخي جماعي.

(إدوارد سعيد 1999، 12).

يمكننا، ربما، تعريف الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أنه صراع جغرافي على الأرض، غير أنه يشمل أكثر من أن يكون مجرد صراع على الأرض، فهو ، في أحد ملامحه، صراع إيديولوجي حاد بين سرديتين قوميتين متناقضتين وحصريتين، يلجأ فيه كل طرف إلى ميادين متنوعة، مثل التاريخ وعلم الآثار والجغرافيا ورسم الخرائط وحتى علم البيئة، من أجل بناء الذاكرة الجماعية والهوية. وإذا كان من الحقائق  البديهية المعروفة للجميع أن التاريخ يكتبه المنتصرون، فلا يجب أن يغيب عن بالنا أن هؤلاء المنتصرون، يسيطرون، أيضاً، على ميادين ومجالات الصراع المذكورة أعلاه. وهكذا في حالة انتصار إسرائيل، فسوف لن تتعلق القضية هنا بإحدى نسختي التاريخ المعروفتين على نطاق واسع أو بكون نسخة أكثر تأثيراً من النسخة الأخرى، بل الأمر يتعدى ذلك، فالقضية تتعلق بجهد دقيق ومتعدد التخصصات ومتضافر لجعل الواقع يعكس الأجندة الصهيونية ومحو أي أثر للوجود الفلسطيني من الزمان والمكان. أظهرت العلوم  الأنثروبولوجيّة أن الفضاء ليس حاوية خاملة للحياة الاجتماعية، بل على العكس من ذلك، تقوم المجتمعات بتشكيل الفضاء بحيث يعكس قيمهم ويجسد هويتهم وذاكرتهم التاريخية (Feld and Basso 1996). وذلك ، يعد الفضاء، في ضوء ذلك، أداة مناسبة للغاية لنشر هذه الأشياء الرمزية على الفور تقريباً لأنها سوف تبدو طبيعية بمجرد وجودها في هذا الفضاء،  وبالتالي تتحول إلى حقائق لا يمكن إنكارها، وبعيداً عن كون الفضاء بيئة بسيطة غير مكررة، فهو، بلا شك، نتاج “بنى  نحلية ومتعددة ومسيسة، نسبية ثقافياً، محددة تاريخياً” (Rodman 2003, 205). وتحدث عملية تشكيل الفضاء هذه في المجتمعات كافة. غير أنها كانت في فلسطين(1) سريعة ومكثفة بشكل غير عادي. بذل العديد من الوكلاء (على الصعيدين العام والخاص) جهوداً متضافرة لحرمان الفضاء الفلسطيني من جميع معانيه لتمهيد الطريق أمام الفضاء الصهيوني ليحل محله. ويمكن تفسير المشهد المكاني الإسرائيلي على أنه نتيجة -أو على الأقل تعبير- لممارسات تطوير الأراضي التي تهدف إلى إعطاء السرديات والقيم التاريخية للدولة العبرية الجديدة حقيقة مادية. لقد كان انتصار إسرائيل العسكري في العام 1948 انتصاراً لتمثيل واحد للأرض والأمة أيضاً، وكان له تأثير فوري على المشهد المكاني. ففي غضون سنوات قليلة فقط، كان المشهد المكاني متماشياً مع رؤية الواقع هذه، حيث تعمل المحايثة الجديدة بدورها على دعم تلك الرؤية. وتحتوي إسرائيل اليوم على القليل من الآثار المادية التي تتعارض مع الانتصار المدوي للسردية الصهيونية وتداعياتها الجغرافية على الأرض. ويُنظر إلى الذاكرة الفلسطينية كأحد هذه الآثار. حتى أثناء عملية أوسلو، التي كان من المفترض أن تؤدي إلى إنشاء دولة فلسطينية، على جزء على الأقل من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، استمر محو المشهد المكاني الفلسطيني من إسرائيل والأراضي المحتلة من خلال الاستيلاء والتدمير المنهجي للأراضي والمباني بذريعة ضمان الأمن أو إفساح المجال للمستعمرات الاستيطانية الإسرائيلية. وتلقي هذه المواجهة الرمزية وتداعياتها على الفضاء ضوءً جديداً على هذا الصراع المعاصر وفشل محادثات السلام.

ولاينبغي أن يُفهم المشهد المكاني، في هذه الدراسة على كل حال، على أنه سياق طبيعي، بل باعتباره “مشهداً إثنياً (Appadurai 1991)، أي بنية اجتماعية وسياسية تنتجها -وتهدف إلى إنتاج- ثقافة وطنية وهوية. لا ترى هذه المقاربة في الأرض على أنها أرض تطالب بها دولتان بقدر ما تعتبرها عنصراً رمزياً حاسماً لبناء الهوية والذاكرة عند الفلسطينيين والإسرائيليين على حدٍ سواء، وبالتالي فهي مقاربة تاريخية آملُ، من خلالها، تسليط الضوء على علاقات القوة والأدوات التي اكتسبت من خلالها هذه التمثيلات الواقع المادي في الفضاء. ومن هنا، سوف أبدأ بمناقشة موجزة حول تمثل الغرب المسيحي لفلسطين كأرض مقدسة، مما ساهم في تسهيل قيام خطاب صهيوني في الفضاء. ثم سأتطرق إلى الإجراءات المختلفة (التكنولوجية أو السياسية أو الخاصة) التي اتخذتها إسرائيل لتشكيل مشهد مكاني جديد تماماً يتماشى مع أساطيرها. وسوف أستعرض، أخيراً، الاستراتيجيات الفلسطينية الهادفة إلى مقاومة هذا المشهد المكاني الجديد وإعطاء نفسها صوتاً تاريخياً من خلال سرديات الذاكرة التي تحيي مشهداً مكانياً تجاوزه المشهد المكاني الصهيوني الآن. فالشجرة، على سبيل المثال -رمز لجذور الشعب في الأرض- تحتل مكانة مركزية في تمثلات وسياسات كلا الجانبين.

من الأرض المقدسة إلى الأرض الموعودة

يجادل ميتشل (1999، 248) بأن الأرض المقدسة هي أعظم سراب جماعي أنتجه الخيال البشري على الإطلاق. علاوة على ذلك، حوّل الصهاينة هذا السراب إلى واقع من خلال جعل دولة إسرائيل التجسيد الجغرافي لأرض الميعاد. تشكل التمثلات المسيحية صورة فلسطين وسكانها. وعلى الرغم من امتلاك هذه البقعة الجغرافيّة تاريخ طويل في تعريفها كأرض مقدسة، كما يشير وايتلام (1996)، فإن هذا التعريف كتبه الغرب المسيحي وإسرائيل. يتم التعرف على سكان هذه الأرض والآثار المادية التي تركوها وراءهم في إطار الخطاب الكتابي فقط. وبدأ، نتيجة لذلك، إنكار وجود الفلسطينيين في القرن التاسع عشر(2). ولعب الباحث الأمريكي إدوارد روبنسون دوراً رئيسياً في إعادة بناء ما أسماه “المشهد التاريخي الأصيل لفلسطين” (وردت في  Silberman 2001, 103 ). حدد روبنسون، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عشرات المواقع التوراتية، التي صنفها باستخدام طريقة تجريبية empirical (بعكس الأساليب الدينية المستخدمة لتحديد المواقع). واتفقت النتائج التي توصل إليها بين جغرافيا الأرض المقدسة ومفهوم “التاريخ الوضعي positive history “.  كان عمله الأول في مراكبة خارطة فلسطين القديمة على الخارطة الحديثة (ثم) من أجل تحديد موقع الكنوز المخفية.  وهكذا, وضع، منذ البداية، أساس شروع جديد يدمج البحث والدين والسياسة، أي علم الآثار التوراتي. وبعد العمل الرائد لروبنسون، تم تدريب العديد من الباحثين من جنسيات مختلفة في هذا التخصص، ويرجع الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى صندوق استكشاف فلسطين الذي تأسس في لندن في العام 1865.

ينظر علم الآثار التوراتي إلى المشاهد المكانية الفلسطينية على أنها تمثلات حية وخالدة للمشهد المكاني الموصوف في الكتاب. يدرك الخيال العلمي والفني والشعبي السكان ويصورهم ويصور حياتهم اليومية على أنها قصص رمزية  واستعارات توراتية(3). ونتج عن هذه المقاربة ارتباط القرى بالمواقع التوراتية التي لم يتم تحديدها حتى الآن، وفي تفسير أنماط حياة وسلوك الفلسطينيين كوسيلة لفهم دور الموضوعات والمواد الأثرية المكتشفة أثناء الحفريات. لذلك تم تصوير الثقافة الريفية في فلسطين على أنها مجمدة في الزمن. كان العلماء مهتمين بها فقط باعتبارها بقايا ثقافية من العصور التوراتية. أثّر هذا التمثيل سلباً، بفضل انحيازه الكتابي والاستشراقي(4)، على المخرجات التاريخية والأثرية. وسوف تعمل لاحقاً آثاره الاجتماعية والسياسية، علاوة على ذلك، ضد الفلسطينيين. وانبثق عن هذا التمثل  “انقسام أساسي في المشهد المكاني  المادي لإسرائيل بين الماضي والحاضر، الحديث والبدائي، العربي واليهودي” (Silberman 2001, 107). كما مهد الطريق لقبول المشروع الصهيوني، ومن ثم تنفيذه. ولم يكن من الصعب، بوجود خطاب توراتي يخدم كنقطة التقاء بين التفكير التاريخي والأثري الأوروبي والصهيوني، تحويل الأرض المقدسة إلى أرض الميعاد لإسرائيل. تأثرت جدوى فكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض” في المجالين الأكاديمي والسياسي بشكل مباشر بالبحث الذي بنى الماضي التوراتي في الوقت الذي تجاهل فيه تماماً الوجود التاريخي ودور السكان الأصليين والفلسطينيين المعاصرين بخاصة. لقد تطورت تمثيلات فلسطين، في مطلع القرن العشرين، مع الموجات الأولى من المستوطنين اليهود والحركة الصهيونية التي اكتسبت زخماً، ونمت هذه التمثيلات فلسطين في اتجاهين.

أولاً، كان الخيال الكتابي لا يزال حياً للغاية بين المسيحيين بالطبع، ولكن أيضاً بين اليهود.  كان المشهد المكاني  الشرقي (أو حتى الاستشراقي)، في عشرينيات القرن الماضي، من الموضوعات المفضلة للرسامين اليهود. فصوّر هؤلاء مشاهد قديمة تتماشى مع رؤى التاريخ الكتابي أكثر مما تتماشى مع  الواقع الحالي (Manor 2003)، فكانت صورهم أدوات قوية حين وضعوا وطناً وهمياً في مكان جغرافي حقيقي. ثانياً، من الملفت للنظر أن أعمال أولئك الفنانين النادرة المتعلقة في المشهد المكاني “الصهيوني” ليس لها بعد استشراقي إطلاقاً. بل كانوا يصوّرون الأراضي التي تم الاعتناء بها جيداً ويستعرضون فكرة “غزو الصحراء”. بالإضافة إلى ذلك، تظهر الصور والبطاقات البريدية انقساماً واضحاً بين العرب واليهود  لدرجة أن المجموعتين لا يبدو أنهما ينتميان إلى ذات المساحة أو الإطار الزمني. فيظهر الفلسطينيون في هذه الصور  أفراداً  كبار السن، وانطوائيين، ويرتدون ملابس تقليدية، ويتواجدون في أماكن قاحلة ويقومون بأعمال ذات صدى توراتي (راعٍ يرعى قطيعه، رجل عجوز على حمار، إلخ.) وبعبارة أخرى، يتم تصويرهم على أنهم خارج الزمن، بينما يتم تصوير الصهاينة على أنهم يمثلون الحاضر، والمستقبل على وجه الخصوص، فهم : شباب، مجتهدون، وبملامح حداثية بارزة، وغير منفصلين عن الخيال الكتابي، ولكن بدلاً من تمثيلهم على أنهم رموز توراتية حية فقدت سياقها وتأريخها، يظهرون على أنهم رواد يجددون العلاقة مع أرض أجدادهم، من خلال انهماكهم الشاق في أعمال الزراعة التعويضية (Oren 1995). لقد ركزت عناوين مجموعات البطاقات البريدية، من تلك الفترة، على مواضيع مثل (“نبني فلسطين”) وكانت التعليقات على الجانب الخلفي تشير إلى العمل في الأرض أو إعدادها لبناء مجتمع يهودي جديد يوحد الشتات (Moors and Wachlin 1995, 17).

حوّلت الصور النمطية المرئية، التي تصور الصهيونية على أنها تجسيد للعلاقة الجديدة بين البشر والطبيعة، المشهد إلى استعارة قوية عملت لصالح إنشاء دولة عبرية. لقد دافعت الصهيونية عن ولادة جديدة، وليس عن العودة إلى الماضي. وتوضح المواقع التي اختارها المهاجرون الجدد هذا الموقف، حيث يعيش ما يقرب منهم 80٪ في المدن، وتأسست، بدءً من العام 1882، المجتمعات الزراعية في السهل الساحلي، الذي يحتفظ بمكانة هامشية في التاريخ اليهودي. وبالتالي، اتبعت عمليات شراء الأراضي استراتيجية لتشكيل منطقة جغرافيّة سياسية، وليس لمحاكاة العودة إلى الماضي. ويشهد التناقض النسبي للصهاينة تجاه المواقع التاريخية لليهودية على هذه الحقيقة (Dieckhoff 1996, 165). اعتمدت هذه النهضة، من بين أمور أخرى، على إنشاء ارتباط ذي مغزى بين الأرض، والمشهد المكاني، والطبيعة، وانبعاث الأمة، واعتمدت كذلك على فكرة أن قدرة الرواد في صياغة المشهد المكاني بصورة أفضل (Selwyn 1995, 114). فأصبحت الطبيعة، التي تم تشكيلها وفقاً للإيديولوجية الصهيونية، بالتالي، مكوناً رئيسياً في بناء الهوية. وهكذا فقدت فلسطين مكانتها ككيان ملموس ومعاصر لعدم النظر إليها إلا من منظور السرديات الدينية المسيحية واليهودية. وفي الواقع، تم وضعها في زمانية مزدوجة كمكان للأصل، كما يصوره السرد التوراتي، وكمكان مستقبلي منظور، سواء كان هذا المكان  يوتوبيا دينية تتحدث عن نهاية الزمان أو كمكان يمثل الرؤية الصهيونية الأكثر إلحاحاً.

1948: حين غلّفت إسرائيل فلسطين

لم يكن للصهيونية السياسية، في مراحل نشأتها الأولى، أي توجه نحو منطقة بعينها، ولم تختر فلسطين لأسباب دينية، بل بسبب الارتباط التاريخي بأرض يمكن أن يتشكل فيها المصير القومي لليهود. وإذن، كان الارتباط بالإرث التاريخي للإقليم، وليس بقدسية الأرض (Dieckhoff 1996, 161). وكانت الخطة التالية، بعد اختيار فلسطين، تتمثل في ضمان وجود قاعدة جغرافية هناك عن طريق شراء الأراضي للمهاجرين، والأهم من ذلك، توفير أساس شرعي لإضفاء الطابع الجغرافي الإقليمي على “الأشخاص الذين لا يملكون أرضاً” وإنشاء دولة إسرائيل(5). وشدد أنصار الصهيونية، في سبيل تحقيق، على فكرة أن الطبيعة، والأرض على وجه الخصوص، هما مصدران للخلاص وشيء بحاجة إلى الخلاص. وتم تصوير الأرض بأنها فارغة، مقفرة، وتتوق إلى عودة سكانها العبرانيين القدماء (Zerubavel 1995, 215). ويعكس تفسير حرب العام 1948 هذا الخطاب تماماً، الذي تجاهل الفلسطينيين تماماً وصوّر الحرب على أنها حرب من أجل “الاستقلال” (עצמאות) ضد البريطانيين و “التحرير” من نير الوجود المبعثر (שיחרור) (Pappé 1997, 31). بعبارة أخرى، تم تصوير الحرب على أنهاـ ببساطة، نضال ضد الاستعمار مصحوباً بعودة المنفيين. وسرعان ما وضعت إسرائيل هذه الرؤية للأحداث موضع التنفيذ، عبر سياسات تهدف إلى محو دلالات الوجود الفلسطيني.

لا تتناول هذه الورقة علم التأريخ أو العلوم السياسية أو كتم أي تعبير يتطرق إلى الهوية أو الثقافة الفلسطينيتين، اللتان تكثفتا بشكل خاص بعد حرب العام 1967 واحتلال الأراضي الذي أعقب ذلك(6). إنما تسعى هذه الدراسة إلى تحري السياسات العامة والخاصة المختلفة التي تستهدف بالتغيير الجذري والمستدام للمشهد المكاني من أجل ضمان أن يعكس فقط الوجود والهوية اليهوديتين. كان التفسير الصهيوني للنزوح الجماعي الفلسطيني بمثابة الإطار النظري لسياسات تطوير الأراضي. وقد فُسّر على أنه نزوح طوعي، وفي بعض الحالات، بأمر من القادة الفلسطينيين، مما عزز فكرة أن الفلسطينيين كانوا مهاجرين وصلوا مؤخراً من دول أخرى ولا يحملون أي ارتباط بالأرض. وظل هذا التمثيل دون اعتراض عملياً  ردحاً من الزمن، باستثناء ما كان يقوله الفلسطينيون أنفسهم. وقد اعتبرت سرديتهم، في العموم، غير مبررة.  في حين أنها تبدو اليوم كما لو أنها تتحدى ” التاريخ الجديد” لإسرائيل. ومع ذلك، لا يزال هذا التمثيل، أي التفسير الصهيوني للنزوح الفلسطيني الجماعي، يلقى صدىً ومؤيدين له، ولا تزال تتبناه بعض الأوساط الأكاديمية(7).

لم تعفِ هذه النسخة من التاريخ إسرائيل من أي مسؤولية عن “مشكلة اللاجئين” فحسب، بل إنها رسّخت أسطورة مركزية للإيديولوجية الصهيونية، ألا وهي أسطورة أرض بلا شعب. في الواقع، تم إفراغ القرى الفلسطينية ثم تدميرها بشكل منهجي عشية  قيام الدولة. وأصبح هذا التدمير، منذ حزيران \ يونيو 1948، تكتيكاً سياسياً لمنع اللاجئين من العودة إلى ديارهم. استمر الأمر حتى في أواخر العام 1948 حين بدأ المجتمع الدولي يمارس ضغوطاً على إسرائيل للمساح بعودة الفلسطينيين، وفي أيار \ مايو 1949، قررت الحكومة محو وطمس جميع القرى المتبقية(8). وعلى النقيض من الأضرار الجانبية المتوقعة من أي حرب عادية، يصف “فلاح” (1996) نزاع العام 1948 بأنه “حرب شاملة” بسبب الإبادة المنسقة والمنهجية للمشهد المكاني الفلسطيني. وكشفت دراسته المتعمقة حول الثقافة المادية الفلسطينية عن اختفاء مساحات المعيش والمباني الأخرى التي يمكن أن تشهد على الماضي الفلسطيني. كانت المنشآت التي بقيت قائمة عبارة عن مدارس أو خانات أو أديرة (ذات علاقات مباشرة مع الدول الأوروبية) أو مبانٍ جذابة تعتبر غير عربية (بنيت، على سبيل المثال، خلال الحروب الصليبية)(9). وأنشأت مستوطنات زراعية جديدة في أعقاب هذا الدمار. فظهرت بين عامي 1948 و 1949 ، 170 مزرعة، و130 أخرى في العام التالي(10). وتوسعت المزارع القائمة لتضم أراضٍ من القرى العربية المجاورة. تمتعت هذه المزارع بأهمية عسكرية وسياسية لأنها أقيمت بشكل عام في مناطق تنتمي إلى دولة عربية وفقاً لخطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة في العام 1947. وفي غضون عامين فقط، أعيدت هيكلة الفضاء الفلسطيني بالكامل لتحقيق هدفين: السيطرة على الأرض، ومحو الأماكن كافة، التي تمثل التاريخ العربي للمنطقة. ومع مسح الأرض الواضح الآن، بات بالإمكان زرع هوية جديدة. وهكذا كلفت مجالات الآثار والجغرافيا ورسم الخرائط بتأميم المشهد المكاني بحيث يعكس المشروع الصهيوني ويشرعنه. إن الرؤية الصهيونية للفضاء المحتل، ولا سيما الصلة المباشرة بين الحاضر والماضي، أصبحت “حقائق موضوعية” من خلال الارتباط بالأرض، والتي عززتها، بدورها، من خلال منحها واقعاً مادياً شبه فوري. وهذا يعكس فكرة “الوطن كمشهد مكاني homescapes” (Azaryahu 2002, 149) حيث تحول الوطن بفكرة مجردة إلى واقع يمثله بقدر ما ينتجه. ويعتبر قانون الآثار الإسرائيلي للعام 1978 مثال جيد لممارسة تضع قدماً في السياسة والقدم الأخرى في البحث العلمي. تم تطبيق القانون فقط على الأشياء المادية المصنوعة قبل العام 1700 أو تلك ذات القيمة التاريخية. لذلك فقد استبعدت بالكامل ثلاثمائة عام من التاريخ. باستثناء عدد قليل من المباني التي بناها أوائل الرواد اليهود، ولم يعتبر القانون أي مبنى تاريخي آخر من ذلك الوقت كقطعة أثرية بحاجة إلى الحفاظ (Benvenisti 2000, 305). علاوة على ذلك، وفي انتهاك صارخ للقانون، تم تدمير بعض الآثار الفلسطينية التي شُيدت قبل العام 1700 دون تفكير ولو للحظة. وهكذا اختفى الشعب الفلسطيني من فضاء وتاريخ ما بات يشار إليه منذ العام 1948 باسم الفضاء والتاريخ “الإسرائيلي”(11).  أما فيما يتعلق بالحفريات في القدس، فتسلط أبو الحاج (1998) الضوء على الدور المركزي الذي يلعبه علم الآثار في إنتاج ثقافة مادية تجعل المشهد المكاني يتماشى مع جوانب معينة من التاريخ بينما يتجاهل الآخرين. كما لعب علم الآثار، مثله مثل العديد من المجالات العلمية، دوراً في الصراع من خلال إنتاج دلالات ملموسة تبرر المزاعم السياسية والثقافية. وبطريقة ما لعب رسم الخرائط دوراً مشابهاً أيضاً، فقد رفضت السلطات البريطانية، الطلبات الصهيونية بوضع أسماء عبرية لبعض المواقع. وكانت الخارطة التي رسمها البريطانيون، في الأربعينيات من القرن الماضي، تحتوي على حوالي 200 اسم عبراني فقط، تنتمي إلى مستعمرات يهودية. بخلاف بعض أسماء المواقع الدينية التي كان لها بالفعل أسماء إنجليزية (مثل القدس\ جيروزاليم والخليل\هبرون)، كانت أسماء الأماكن مكتوبة باللغة العربية. وبمجرد إنشاء دولة إسرائيل، بُذلت جهود كبيرة لنشر الخرائط التي عكست التغييرات الجذرية التي حدثت في الفضاء واستخدمت الأسماء العبرية للطرق والمواقع والأنهار وغير ذلك. وكان لهذا غرض مزدوج: استعادة أسماء المواقع في الكتاب المقدس، ومراعاة المصالح القومية الناشئة. ومن المفارقات أن العديد من الأسماء الحالية مشتقة من اللغة العربية. فالأسماء المشتقة من العهد القديم والمصادر التاريخية اليهودية تبلغ 174 اسماً فقط (Azaryahu 2002, 159). ويعتقد المؤرخون وعلماء الآثار الكتابيون أن أسماء المواقع العربية المعاصرة هي تشويه للأسماء القديمة. واستخدم تكتيكين في التسمية: ترجمة بعض الأسماء العربية إلى العبرية، وإنشاء أسماء جديدة على أساس المطابقة الصوتية homophony مع كلمات عربية. وعلى أي حال، غيرت آلاف الأسماء معناها. وهذا بحد ذاته محو عالم ليحل محله عالم آخر. وأصبحت الأسماء، كما يشير بنفينيستي (2000، 38-9)، حقيقة واقعة بمجرد إدخالها على الخريطة. على الرغم من أن اللجنة المشرفة على هذا العمل زعمت أنها لم تغير أي خصائص مكانية للخرائط، إلا أنها اعترفت بحذف “الآثار غير المرئية”. ومع ذلك، لا تظهر العديد من القرى الفلسطينية على الخرائط على الرغم من وجود آثار مرئية لها.

ظهر لبعض الأماكن له اسم جديد يظهر بجانبه رمز “الخراب القديم”. وبمجرد أن تغطي الطبيعة أو الزمن هذه “الآثار القديمة”، تختفي الرموز. لذلك، “استمرت عملية دمج” الخريطة الحالية “مع” الخريطة العبرية ” طالما استمرت إزالة جميع علامات الاستيطان في القرى العربية المهجورة. وهكذا تم مسح “الأنقاض التي لم يبق منها أثر مرئي” من الخريطة – مع أسمائها” (Benvenisti 2000, 42). نُشرت، في أوائل الستينيات، خريطة جديدة للبلاد تحتوي فقط على أسماء الأماكن باللغة العبرية وتصور واقعاً مختلفاً تماماً. لم تكن هذه الخريطة مجرد أداة للسيطرة على الأراضي، ولكن الأهم من ذلك أنها كانت وسيلة لحرمان من يفتقرون إلى القدرة على تسمية الأشياء ومن ثم جعلها موجودة: عدم وجود اسم عربي يعني عدم وجود فضاء عربي. تم اختيار الأسماء وفقاً لمبدأين. ركز أحدهما على “الاستمرارية” الكتابية(12) والآخر على الحداثة والزاوية القومية. ومن المثير للاهتمام، أن انتصار الليكود في العام 1977 أدى إلى تغييرين: تم إعطاء الأولوية للأسماء التي تبدو توراتية بدرجة أكبر، وتم تغيير اسم الضفة الغربية، التي كانت محتلة منذ عشر سنوات، إلى يهودا والسامرة فور فوز الليكود. أعيدت تسمية الكثير من جغرافية الضفة الغربية باللغة العبرية للإشارة إلى الكتاب المقدس ووطن الأجداد. على الرغم من أن 20٪ فقط من الأسماء في إسرائيل لها دلالة توراتية، فإن هذه النسبة في الضفة الغربية تصل إلى 47٪ (Cohen and Kliot 1992, 666). لذلك، بعد مرحلة العبرنة التي تهدف إلى تأميم الفضاء، جاءت مرحلة تهويد المشهد المكاني من أجل إضفاء معنى ديني عليه. وتوضح هذه الممارسة القوة التي تأتي مع تسمية المكان. فعلى الرغم من عدم ضم الضفة الغربية رسمياً، إلا أن إسرائيل قامت بأعمال رمزية وحقيقية توحي بغير ذلك. فاقتصرت، على سبيل المثال، العديد من الطرق لليهود فقط واستولت الدولة على العديد من قطع الأراضي. ومن الواضح أن القصد كان الاستيلاء على الأرض. ارتفعت، في أعقاب الأحداث السياسية للعام 1977، مخصصات أراضي المستعمرات الاستيطانية بشكل كبير. مثلت هذه لسياسة حل المفارقة الجغرافيّة  للموجة الأولى من المهاجرين الصهاينة، الذين اختاروا الاستقرار في السهل الساحلي بدلاً من التلال “التوراتية”.

قام وايزمن وسيغيل (2004، 86) بتحليل المبادئ الكامنة وراء وضع وهندسة هذه المستعمرات وحددا جانباً استراتيجياً أساسياً بالإضافة إلى الجانب الديني. وهم يجادلون بأن هذه المستعمرات ليست أماكن إقامة ولكنها تشكل شبكة واسعة من “التحصينات المدنية”. بعد توزيعها في جميع مواقع المشهد المكاني، فسوف تستخدمها الحكومة الإسرائيلية لفرض سلطتها على الفلسطينيين في غياب المؤسسات الرسمية (مثل الجيش أو قوة الشرطة). في الواقع، يمكن تشبيه هذه المستوطنات باحتلال قمم التلال. بالإضافة إلى حقيقة أنها تلبي حاجة أمنية من خلال توفير مراقبة شاملة للوديان حيث تقع القرى الفلسطينية، فإنها تساعد في إنشاء منطقتين جغرافيتين وطنيتين تتداخلان على طول محور عمودي ورمزي. على حد تعبير روتبارب (2004، 52): أعلاه، “يهودا والسامرة”، أرض المستوطنات والبؤر العسكرية، والطرق الالتفافية والأنفاق، وتحت، “فلسطين”، أرض القرى والبلدات، والطرق الترابية، والمسارات. [هذه] الطريقة التي ينظر فيها الإسرائيليون إلى المكان الذي يعيشون فيه، والتي بدورها ترسم قيمهم أنفسهم: المراقِبون مقابل المراقَبين، غيتو ديكارتي مقابل محيط فوضوي، ثقافة مهددة مقابل “صانعي الصحراء” (على حد قول بن غوريون)، المدينة مقابل المحيط، المستقبل والماضي مقابل الحاضر، اليهود مقابل العرب. لذلك استبدل الفضاء الفلسطيني بالفضاء الإسرائيلي. وتغير لمشهد المكاني، ودُفنت القرى أو أحاطت بها المستوطنات، ورُسمت الخرائط بأسماء أماكن جديدة. هذه هي التداعيات الجغرافيّة لأي انتصار سياسي وعسكري على الآخر. بدون اسم، وبدون تاريخ ولا جغرافيا، تم اختزال “الآخر الفلسطيني” ليكون بمثابة تعارض لشرعية إسرائيل نفسها. يشير بنفينيستي (2000، 47) إلى أن السبب وراء قيام إسرائيل بمثل هذه الجهود المضنية للقضاء على التاريخ غير العبري هو أنها كانت تدرك تماماً ارتباط الفلسطينيين العميق بأرضهم. قد تكون الذاكرة الفلسطينية هي الأثر الملموس الوحيد للماضي الذي لم تتمكن إسرائيل حتى الآن من القضاء عليه. يخلق اللاجئون ويعيدون إنشاء أرضهم ومشهدهم المكاني، من خلال الروايات والعادات، وتشمل الاستراتيجيات الرمزية الفلسطينية لاستعادة الوجود في الماضي والحاضر والمستقبل استخدام خرائط ما قبل العام 1948 (تُعتبر الآن “تاريخية”) ، واستخدام الأسماء العربية للقرى المدمرة بدلاً من أسمائها اليهودية الحالية، والاستمرار في استخدام أسماء الأماكن القديمة(13). وقد لعبت الأشجار دوراً محورياً في هذه الأحداث باعتبارها علامات ورموز تشير إلى تجذر كلا الشعبين في الأرض.

“شجرة مقابل شجرة”

قد يبدو اقتلاع الأشجار أمراً ملفتاً للانتباه لدى مقارنته بتدمير عدة مئات من القرى،. وثمة سببين يجعلان من هذا الأمر له أهمية خاصة: أولاً: يعتبر كل من التشجير، وإزالة الغابات، والغرس، والاقتلاع طرق فعالة لتحويل المشهد المكاني على المدى الطويل، والاستيلاء على الفضاء، وتأكيد الهيمنة عليه؛ وثانياً: ترمز الشجرة إلى جذور الناس في الأرض. وتعتبر في هذا السياق، وسيلة للذاكرة الوطنية ومقياساً لملكية الأرض المتنازع عليها. تشيد العديد من الأغاني الشعبية الفلسطينية بأشجار الزيتون والبرتقال، وغالباً ما ترتبط الأشجار التي تعتبر مقدسة بمواقع الدفن. لقد أصبحت الشجرة رمزاً رئيسياً لمقاومة الصهيونية، حيث أن أشجار الزيتون، والصبار، أو أي أشجار قديمة أخرى لديها القدرة على تحديد الأماكن والعودة إلى الأرض المدفونة تحت المشهد المكاني الإسرائيلي. تأخذ الأشجار، بالنسبة للصهاينة، معنى مختلف. فهي تمثل ،أولاً، عملية إعادة زرع ناجحة للوطن “القديم” واستمرارية رمزية بين الماضي، كما هو موصوف في التوراة، والحاضر. وثانياً، يعتبر اقتلاع الأشجار وسيلة لتطهير الأرض من أي علامة من علامات التاريخ الفلسطيني قد تتحدى قيام الأمة العبرية. فاقتلاع شجرة شخص آخر لزرع شجرة هو، لاشك، عمل رمزي قوي. ومن المثير للاهتمام أن الرمز ذاته أصبح ملمحاً مركزياً في هوية وذاكرة كلا الشعبين، وإن بطرق مختلفة. ثمة ثلاثة أنواع من الأشجار ذات قيمة رمزية كبيرة. النوع الأول: الصبار، التي غالباً ما زرعها الفلسطينيون على حدود قطع الأرض والقرى. لا تزال أشجار الصبار شديدة المقاومة وتغطي الأرض على الرغم من المحاولات الإسرائيلية لاستئصالها. ترمز الشجرة إلى الوجود المسبق بالإضافة إلى صمود الجذور الفلسطينية في مواجهة الشدائد. وكلمة صبار مشتقة في العربية من “الصبر” و”شجرة الصبار”. وغالباً ما ترمز شجرة الصبار إلى النضالات الوطنية والذاكرة الجماعية في الأدب(14) والأفلام(15) واللوحات(16) والموسيقى(17). وأصبحت ترمز، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلى اليهود المولودين في فلسطين لتمييزهم عن المولودين في الخارج و الذين هاجروا إليها(18). لم تمثل أشجار الصبار الحقوق المشروعة لهؤلاء اليهود في الأرض فحسب، بل جسدت أيضاً الشخصية الصهيونية الجديدة: بمعنى شخصية صلبة وشائكة من الخارج، ناعمة من الداخل، مرنة للغاية، ومتجذرة بعمق في أرض الميعاد. أما النوعين الآخرين من الأشجار فهما البرتقال والزيتون، اللذان يعتبران أيضاً رمزاً في كلتا الثقافتين. قام الفلسطينيون بزراعة أشجار البرتقال الأولى في المنطقة وصدّروا ثمارها قبل أن يصبح برتقال يافا هو التصدير الإسرائيلي الرائد. وترمز شجرة الزيتون (وهي الشجرة التوراتية بامتياز)، بسبب عمرها المديد، إلى الارتباط بماضي الأجداد. ولأشجار الزيتون قيمة رمزية كبيرة للفلسطينيين لسببين: أولاً هي جزءً عضوي من ثقافة إقليمية موغلة في القدم، فضلاً عن تمتعها بقدر كبير من المرونة بسبب عمق جذورها؛ وثانياً هي الأشجار التي يقتلعها الإسرائيليون في أغلب الأحيان، وبالتالي فهي تمثل محنة الفلسطينيين والتي، على الرغم من المحاولات العديدة التي يبذلها المحتل لامتلاكها بطريقة أخرى، تقاوم وتظل متجذرة في الأرض. وعلى هذا تعتبر الأشجار موضوعاً رئيسياً في مزاعم كلا الشعبين في حقهم الشرعي بملكية الأرض. فيلجأ، بالتالي، الفلسطينيون والإسرائيليون، على حد سواء إلى الطبيعة كمصدر للشرعية الجغرافية. وهنا لا تكون الأشجار دلالة رمزية فقط. بل نراها تلعب دوراً في الصراع نفسه. فمن أجل الاستيلاء على مكان الآخر في الفضاء، يجب يتم اتباع سياسة غبر مهادنة في اقتلاع الأشجار ثم إعادة زرعها. لم تكن سياسة تدمير القرية التي بدأت في العام 1948 كافية لمحو الوجود الفلسطيني وتطهير كافة آثار هذا الوجود  وتاريخه من المشهد المكاني، لذلك تبنت إسرائيل إجراءات الطوارئ (Mitchell 1999, 250). فصدر، في العام 1948، قانون يمكّن وزارة الزراعة من مصادرة الأراضي البور وتسليمها إلى مزارع آخر. كان هذا القانون وسيلة لمصادرة الأراضي الفلسطينية قبل صدور قانون أملاك الغائبين (1950)، الذي سمح بتأميم أراضي وممتلكات بمليارات الدولارات(19). وسلمت الحكومة الإسرائيلية، في العام 1948، 500000 دونم لمزارعين يهود حتى يتمكنوا من “جعل الصحراء تزهر وتتفتح” (Benvenisti 2000, 158). ونظراً لكونه ضرورة لتحديث الزراعة حسب المزاعم الإسرائيلية، فقد جعل نقل الأراضي هذا من شبه المستحيل عودة المزارعين الفلسطينيين، بسبب انتزاع مصادر رزقهم. تم تنظيف فضائهم من جميع الأشجار لأن الأشجار كانت بمثابة تذكير مرئي بأن الأرض لم تكن في الواقع مقفرة ولكنها كانت ملكاً للسكان الذين كانوا يعتنون بها. غير أن هذه الإجراءات اثبتت أنها غير كافية، على الأقل بسبب ضغوط المستوطنات الزراعية والرغبة المتزايدة في الاستيلاء على الأراضي من القرى العربية المجاورة، ونتيجة لذلك، أعلن أن أراضي الفلسطينيين في مناطق عديدة مناطق مغلقة، مما منع أصحابها الفلسطينيين من رعايتها وجني محاصيلهم. وبمجرد أن أصبحت أرضهم بور بسبب الإهمال، استولت الحكومة عليها و سلمتها لليهود. كما تعمدت السلطات، في بعض الحالات، غض النظر عن إتلاف المحاصيل من أجل جعل الأراضي الزراعية بور وبالتالي تصبح جاهزة ومؤهلة للمصادرة في أقرب قت أقرب. تم اقتلاع عشرات الآلاف من الدونمات من بساتين الزيتون من الأرض.

بالتوازي مع هذا التطور، حُرثت عشرات القرى الفلسطينية أو غُرست بالأشجار، فلم يعد من الممكن التعرف عليها. وظهرت العديد من الغابات الصغيرة بين الحقول المزروعة كدليل على ازدهار الطبيعة. في الواقع، غالباً ما كانت تلك الكتل من الغابات تخفي بقايا القرى. لقد علمت مؤلفة هذه الدراسة أثناء سفرها مع أحد كبار السن الفلسطينيين في سيارة أجرة مدى أهمية “خرائط الذاكرة”. وبعد أن عرفت الركاب على موضوع بحثي بدؤوا يصفون الجغرافيا التي تم محوها من المشهد المرئي. وقد اكتشفت على طول الطريق من غزة إلى القدس، منظراً بدو مخفياً الآن، لكنه ما زال حياً في ذاكرة سكانه السابقين. معظم الغابات المزروعة كانت برعية الصندوق اليهودي القومي، الذي رعى العديد من المبادرات التي بدأت في أوائل القرن العشرين. بدأ الصندوق، في البداية، بزراعة أشجار الفاكهة لأنها عززت معنى الخلاص من خلال العمل الزراعي وتمكن، بالتالي، من الحفاظ على المستوطنات الزراعية الأولى. كانت رمزية غرس الأشجار أكثر أهمية خلال تلك الفترة لأنها دلت على إعادة الروابط بالأرض وعززت شرعية المزاعم الصهيونية. وتوضح الأحداث التي وقعت في غابة هرتزل، والتي بدأ غرسها في العام 1906، مدى قوة رمز غرس الأشجار. فوفقاً لكارول باردينشتاين (1999) ، استأجر المهندس الزراعي المسؤول عن غرس الغابة عمالاً عرب. مما اثار حنق واحتجاج العمال اليهود فنظموا مسيرة للمطالبة بالحق في زراعة الأشجار. واقتلعوا خلال المظاهرة الشتلات [التي زرعها العرب] قاموا بزراعتها بأنفسهما مرة أخرى. وفي النهاية تم تلبية مطالبهم.

كان الهدف الرئيسي من غرس الأشجار، بعد العام 1948، محو الآثار المادية للمشهد المكاني الفلسطيني وغرس جذور الهوية والذاكرة اليهودية. واليوم، يستمر الصندوق القومي اليهودي في ترسيخ أسطورة الأرض الخالية من الناس. كما يذكر موقعه على الإنترنت: “لم تكن الغابات والمتنزهات دائماً جزءً من المناظر الطبيعية في أرض إسرائيل(20). وجد الرواد اليهود الأوائل الذين جاءوا إلى أرض إسرائيل في نهاية القرن التاسع عشر أرضاً مقفرة لم تؤمن لهم ظلالاً على الإطلاق(21)”. تُصوِّر جميع أدبيات الصندوق القومي اليهودي الصهاينة على أنهم الملاك الشرعيون للأرض، على عكس السكان الذين كانوا موجودين مؤقتاً فقط، وأهملوا الأرض، وتسببوا في تصحرها. ويضم أرشيف صور الصندوق على صور “قبل” و “بعد” العودة الصهيونية. تظهر هذه الصور الصهيونية بالصورة الإيجابية عينها: لقد عدنا، قمنا بإخصابها، فهي، بالتالي من حقنا. (Bardenstein 1999, 158–9)

وأصبح، اليوم، غرس الأشجار نشاطاً وطنياً تقريباً، إن لم يكن طقساً إلزامياً. في المدارس، خلال العطلات، لإحياء ذكرى حدث أو وفاة، يتم تشجيع الإسرائيليين واليهود في الخارج، وحتى السياح على زرع شجرة. يعبر أحد مواقع الصندوق القومي اليهودي على الإنترنت الذي تم إنشاؤه في العام 2003 في ذكرى حرب 1973 بشكل جميل عن رمزية زراعة الأشجار: قام موقع الصندوق القومي اليهودي” كيرين كيميت” بزراعة 220 مليون شجرة منذ العام 1908، أو ثلاثة ملايين ونصف المليون سنوياً. زرع الأشجار يثبت ملكيتنا لهذه الأرض. هذه الأرض لها مالك واحد يطورها ويزرعها [. . .] هناك حاجة لزراعة 20 مليون شجرة إضافية لإعادة تشجير النقب [. . .] كل يوم تُزرع فيه شجرة هو يوم نصبح فيه أكثر تجذراً في أرض أجدادنا(22).. هنا، للأشجار معنى رمزي مزدوج، فهي لا تمثل أصحاب الأرض فحسب، بل تمثل أيضاً عملهم وقدرتهم على جعل الصحراء تتفتح، أو بالأحرى تزدهر مرة أخرى، حيث يقال إن النقب بحاجة إلى إعادة تشجير. هذه الرمزية تنزع الشرعية عن المطالبات الفلسطينية لأنها تصورهم على أنهم المتسببين في تصحر الأرض بسبب قلة العناية والتعلق بالأرض. وبما أن الخلاص يأتي من العمل وينعكس العمل في المشهد المكاني من خلال الأشجار المزروعة حديثاً، فإن الطبيعة تلعب دوراً رئيسياً في بناء الهوية الإسرائيلية. وفي سياق مماثل، تنظم، كل عام، جمعية حماية الطبيعة في إسرائيل (SPNI) مئات الجولات في الريف والقدس للطلاب والكبار (المدنيين والعسكريين على حد سواء). ويشرح الموقع الإلكتروني لهذه المنظمة غير الحكومية(23)، التي لها علاقات وثيقة مع الحكومة، بأن هدفها هو تعزيز “الاحترام والحب وفهم الطبيعة والأرض”. لجعل التاريخ الطبيعي والتاريخ الاجتماعي يبدوان مرتبطين ارتباطاً جوهرياً، فهي تدعو الناس إلى أن ” نحوا السياسة جانباً وتقدموا للحفر في التاريخ والأنثروبولوجيا والبيولوجيا”. تعزز هذه الجولات من النزعة الوطنية، في الواقع كما يوضح سيلوين (1995 ، 119-22)، من خلال التعلم العملي أثناء الاتصال المباشر بالأرض والتاريخ الاجتماعي القديم والمعاصر والهندسة المعمارية مع التركيز على النقاط الاستراتيجية مثل “الحرب من أجل الاستقلال” أو المستوطنات الحديثة. تكاد الجولات لا تذكر العرب. هناك القليل من الإشارات إلى المصريين (فيما يتعلق بحرب العام 1948) وإلى الأفندي، أي كبار ملاك الأراضي العرب الذين باعوا قطع الأراضي للمستوطنين الأوائل. تشجع المحادثات التي يتم تقديمها خلال هذه الجولات الأحكام الأخلاقية بين الذات -التي هي جيدة – والآخر – الذي هو سيئ ومدمر للطبيعة والثقافة، ويعتبر الفلسطينيون، من بين آخرين، تجسيداً لهذا الآخر, وهكذا  تُصوَّر إسرائيل على أنها  المختص الوحيد والوصي الشرعي على الطبيعة.

يترابط في إسرائيل، الدفاع عن الدولة والدفاع عن الطبيعة وتشير الكلمة العبرية הגנה هاغاناه، في الواقع، إلى كليهما. ويُعتقد أن حماية المشهد المكاني هي أضمن طريقة لحماية الأمة، ولهذا السبب تصنف الحكومة الإسرائيلية عمل جمعية حماية الطبيعة في إسرائيل SPNI على أنه جهد حربي (Selwyn 1995, 131). في الواقع، أصبحت الأشجار رهانات حرب، لا سيما في المراحل الأولى من الانتفاضة الأولى. فقد أضرم الفلسطينيون النار في العديد من الغابات، بين عامي 1988 و 1990، بأوامر من قادتهم، وقد تسبب هذا في خسارة مالية لإسرائيل، غير أن  تدمير الفلسطينيين للأشجار المزروعة بشكل غير قانوني في أراضيهم للتغطية على قراهم بمثابة عمل رمزي لإبادة المحتل. وكان رد فعل الإسرائيليين قويا على ما اعتبروه تحدياً لهويتهم الوطنية. وادعى البعض منهم أنه يمثل رغبة الفلسطينيين غير المبررة في التدمير، بدلاً من تفسير الأمر على أنه عمل سياسي  مما جعل إسرائيل تبدو مالكاً أكثر شرعية للأرض (Zerubavel 1996, 85). ونشرت بعض الصحف لإسرائيلية رسما  كاريكاتورياً لعرفات يزهر فيه وهو يُصدر شهادة “حرق الأشجار” لمحرقي الأشجار على غرار شهادات غراس الأشجار الصادرة عن الصندوق القومي اليهودي (Bardenstein 2005).

تضمن رد الفعل الإسرائيلي عنصرين متعارضين جذرياً ولكنهما، رغم ذلك، مكمّلان لبعضهما البعض. أولاً، أطلق الصندوق القومي اليهودي بسرعة حملة “شجرة مقابل شجرة” في إشارة إلى القول التوراتي “العين بالعين”. من أجل تغيير المشهد المكاني بشكل واضح، كما شجع الجمهور على إعادة زراعة شجرة مقابل كل شجرة تم نزعها. وبما أن الغابات الإسرائيلية الجديدة أثبتت من هو مالك الأرض، فليس من قبيل المصادفة أن يقع اختيار التشجير على مواقع القرى الفلسطينية القديمة. وفي غضون ذلك، اقتلعت عشرات الآلاف من الأشجار الفلسطينية في الأراضي المحتلة(24). أشجار الفاكهة القديمة في المقام الأول. ربما كانت العناية التي تتطلبها هذه الأشجار مازالت تشكل تذكيراً واضحاً للغاية بأن الأرض لم تكن مقفرة قبل وصول المزارعين اليهود. كان معظمها من أشجار الزيتون، وأعيد زرع أكثرها قوة في المستوطنات اليهودية. وعندما لا يتمكنوا من اقتلاع الشجرة لسبب أو لآخر، يستخدمون المنشار لقطع الشجرة من أصلها. لكن هذا لم يكن له الأثر المتوقع، إذ بعد فترة بدأت براعم جديدة تنبت من جذوع الأشجار، وبدت أشجار الزيتون كأنها ترمز إلى صمود الفلسطينيين أمام محاولات إسرائيل تدميرهم. تعني الشجرة التجذّر في الأرض،  وهي بكل المقاييس رمزاً طبيعياً للجذور الاجتماعية والثقافية للشعب. وكان الغرض من ما يسمى بالسياسة “البيئية” هو اقتلاع شعب من جذوره لزرع شعب آخر مكانه. أثرت هذه الممارسات على المشهد المكاني بطريقتين: تصحر الأراضي الزراعية الفلسطينية(25)، وتشجير الأراضي الإسرائيلية. هذه التغييرات في المشهد رسخت رمزياً الصهيونية. كان الإسرائيليون قادرين على تكريس ملكيتهم على الأرض من خلال التحكم في المساحة وتفوق قيمهم من خلال خلق دليل مرئي على أنهم وحدهم من يستطيعون جعل الصحراء تزدهر. والآن، كيف يتناسب هذا الوضع مع عملية أوسلو، التي كانت تهدف إلى إحلال السلام وقبول وجود مشترك لم يعد حصرياً على هذه الأرض؟ لا أقصد هنا تحديد كل تعقيدات هذه العملية(26) ولكن أود استكشاف النقاط التي أثيرت أعلاه بعمق أكبر من خلال فحص الرواية الصهيونية ونقشها في المشهد خلال هذه الفترة بإيجاز.

الأرض مقابل السلام

ركزت عملية أوسلو(27) على مبادلة الأرض بالسلام. غير أنه ثبت صعوبة تنفيذ مثل هذا التبادل، لاسيما، في هذا الجزء من العالم. ورغم تركيز وسائل الإعلام على أي اتفاق محتمل أو استئناف للمحادثات أو تقدم على الأرض، من النادر أن يتم ذكر الواقع اليومي في هذه المجالات(28)،  ناهيك عن الجوانب الرمزية الكامنة وراء هذا الواقع. يبدو المشهد المكاني أكثر شفافية من السياسيين.

أقامت إسرائيل، منذ بدء عملية أوسلو، ثلاث مستوطنات جديدة رسمياً (و42 مستوطنة بشكل غير رسمي) في الأراضي الفلسطينية، وبذلك يصل العدد الإجمالي للمستوطنات الرسمية إلى 145 مستوطنة (أو 200 إذا تم تضمين المستوطنات غير القانونية التي تبدو الآن مزروعة  بثبات). وارتفع عدد المساكن في هذه المستوطنات بين أيلول 1993 وتموز 2000، بنسبة 52.5٪(29). في موازاة ذلك، استولت إسرائيل على الأراضي المحيطة باسم “التوسع الطبيعي”. واشتدت العملية  الاستعمارية منذ الانتفاضة الثانية. فبعد خمسة أيام فقط من إعلان انسحابها أحادي الجانب من قطاع غزة في 20 شباط 2005 ، وافقت الحكومة على 120 مستوطنة غير قانونية وأعلنت عن خطط لبناء أكثر من 6000 منزل في الضفة الغربية في العام 2005. واستولت بين عامي 1995 و 1997، على أكثر من 20 ألف دونم من أجل بناء حوالي ثلاثين طريقاً لربط المستوطنات بإسرائيل. وتمت الموافقة، في العام 1998، على إنشاء 12 طريقاً جديداً. تتراوح  دوال بعضها ما بين 50 إلى 100 متر. ومع ذلك  فهي محاطة بمناطق أمنية محظورة على الفلسطينيين، مما يزيد عرضها الإجمالي إلى 200 متر (Fouet 2000). أدت هذه الطرق إلى تدمير العديد من المزارع وعزل المزارعين الفلسطينيين عن أراضيهم. مما يجعل هذا الفضاء التشرذم غير صالح للسكن من الناحية الاجتماعية. وبالإضافة إلى الإجراءات الحكومية، ارتكب المستوطنون أنفسهم انتهاكات عديدة، بما في ذلك اقتلاع الأشجار وإتلاف المحاصيل. وفي بعض الأحيان، تتحول مواجهاتهم مع الفلسطينيين إلى أعمال عنف، مما يؤدي إلى إصابات أو حتى خسائر في الأرواح. ومع ذلك، وبفضل وضعهم خارج الأراضي، لا يخضع المستوطنون للقضاء الفلسطيني. وتتغاضى السلطات الإسرائيلية، في معظم الحالات، عن أفعالهم. ويشير تقرير دوداي (2002) حول تطبيق القانون على المستوطنين في الأراضي المحتلة، إلى إدانة 7٪ فقط من الإسرائيليين ممن قتلوا فلسطينيين، ونضف هذه الحالات كان يتم إغلاقها، أو عدم التحقيق فيها، ومعظم العقوبات كانت رمزية(30). ويجيز القانون الإسرائيلي، في كثير من الحالات، تدمير الأراضي الفلسطينية. ففي مقال نُشر في صحيفة “هآرتس” في 23 كانون الثاني (يناير) 1999، يروي الصحفي ج. ليفي قصة المزارع الفلسطيني عايش أبو حلوان، من بيت ديجان، في شرق نابلس في الضفة الغربية، يقول ليفي أن أبو حلوان هذا زرع في العام 1987 حوالي 600 شجرة زيتون وقام برعايتها لمدة اثني عشر عاماً. وفي العام 1999، أمرت السلطات الإسرائيلية بإتلافها باعتبار الأرض زرعت بشكل غير قانوني، على الرغم من حقيقة أن أبو حلوان يمتلك الأرض. وبسبب التربة الصخرية في هذه المنطقة، تبدأ أشجار الزيتون في الإنتاج فقط بعد اثني عشر عاماً. وعندما كان أبو حلوان على وشك جني أولى ثمار عمله الطويل، “اكتشفت” السلطات الإسرائيلية فجأة أن الزرع غير قانوني. هنا مرة أخرى، يبدو أن الفكرة هي إظهار من هو سيد الأرض. ومع بداية الانتفاضة الثانية، ازداد الوضع سوءً. فدمت المزيد والمزيد من قطع الأراضي واقتلع المزيد والمزيد من الأشجار. بالإضافة إلى ذلك، ما فتئت إسرائيل تمارس عقاباً جماعياً. ففي قطاع غزة وحده، قام الجيش الإسرائيلي بتجريف أكثر من 7000 دونم بين 29 أيلول 2000 و 14 شباط 2001 ، كان 80٪ منها أرضاً مزروعة (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 2001). وقد لاحظت مجموعات الدفاع عن حقوق الإنسان التي تبحث في هذه الأعمال اليومية أن تدمير الأراضي يرتفع خلال موسم الحصاد.

أخيراً، منذ حزيران 2001، منع جدار طوله 660 كيلومتراً الفلسطينيين من دخول إسرائيل. وفي تموز 2004، حكمت محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد هذا الإجراء الأحادي الجانب من قبل الحكومة الإسرائيلية.

يبلغ ارتفاع الجدار 8 أمتار، وتحده منطقة أمنية تمتد على مسافة 50 متراً من كل جانب وبني مت نسبته 90٪ منه على أراضٍ استولت عليها السلطات من الفلسطينيين، تمت تعريتها تماماً من الأشجار والنباتات. يمنع وجود الجدار الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم وبحصرهم في تجمعاتهم العمرانية من مدن وقرى، فضلاً عن تغيير الفضاء بشكل جذري. علاوة على ذلك، أعادت حكومة أرييل شارون، في 8 تموز 2004، وبهدوء العمل بقانون أملاك الغائبين للعام 1950، الذي شرّع سلسلة من مصادرة دون تعويض، عن  الأراضي والمباني تي عزل الفلسطينيون عنها بسبب الجدار. كما نقلت صحيفة هآرتس،  في 21 كانون الثاني 2005،  عن ميرون بنفنستي قوله إن نصف ممتلكات القدس الشرقية معرضة للمصادرة.

باختصار، تواصل الدولة العبرية إضفاء الطابع الجغرافي على التاريخ والهوية الإسرائيلية عبر مزيج من القيم الإيديولوجية والصهيونية، من خلال الاستفادة من رسم الخرائط وعلم الآثار، وسياسات تطوير الأراضي وغيرها من الممارسات العامة والخاصة، سواء نفذتها القنوات القانونية أو بالقوة من خلال آليات الفرض. تنكر هذه العملية شرعية وحتى وجود الماضي الفلسطيني، الذي تم محوه حرفياً من الخريطة. ومن الواضح أن الأرض والمشهد المكاني ليسا في قلب الصراع فحسب، بل أيضاً هما في قلب  التمثلات الرمزية الفلسطينية والإسرائيلية. ويعتمد المشهد المكاني والأرض، كخلفية للهويات الوطنية لكلا الشعبين، على الثقافة أكثر من اعتمادهما على الطبيعة، حيث إنهما يعمل على الجانبين كوسيط بين الماضي والحاضر، بين الذاكرة والنسيان. يتم نقش الرموز الإسرائيلية في الفضاء كدليل مرئي على الحيازة، بينما يتم نقش الرموز الفلسطينية في ذاكرتهم الجماعية.

ولا تزال المفارقة قائمة: في محاولة محو كل آثار الماضي الفلسطيني وإرساء شرعيتها، قامت إسرائيل -بطرقها ومستوطناتها وزراعتها المكثفة وغاباتها وجدارها- بتغيير المشهد بالكامل. لم تعد الطبيعة تشبه التصورات اليهودية التي كان يُقصد بها التعبير عن الاستمرارية بين الماضي التوراتي والحاضر. وكما يقول رافي سيغال وإيال وايزمان (2003 ، 92): الشيء ذاته الذي يجعل المشهد “توراتياً” أو “رعوياً” – أي أنماط الاستيطان التقليدية وزراعتها في المدرجات وبساتين الزيتون والمباني الحجرية ووجود المواشي- هو الشيء الذي ينتجه الفلسطينيون الذين جاء المستوطنون اليهود ليحلوا محلهم. ومع ذلك، أولئك الذين يزرعون “بساتين الزيتون الخضراء” ويجعلون المشهد توراتياً هم أنفسهم مستبعدون من البانوراما. فالفلسطينيون حاضرون هنا لإنتاج المشهد ثم بعد ذلك يختفون.

…..

العنوان الأصلي: Erasing Palestine to Build Israel: Landscape Transformation and the Rooting of National Identities

الكاتب: Christine Pirinoli

المصدر:https://www.cairn-int.info/article-E_ETRU_173_0067–erasing-palestine-to-build-israel.htm?contenu=article

Uploaded on Cairn-int.info on 07/07/2014 https://doi.org/10.4000/etudesrurales.8132

هوامش

1- ما لم يذكر خلاف ذلك ، يشير هذا المصطلح هنا إلى فلسطين التاريخية.

2- لمزيد من المعلومات حول التمثيلات والممارسات الغربية وسياسات القوة للدول للسيطرة على المواقع الدينية، انظر، Silberman (1982).

3- قام Moors (2001) بتحليل صور فلسطين المتداولة بين أواخر القرن التاسع عشر و 1948 وأظهروا كيف تحولت فلسطين إلى “متحف حي” بدلاً من دراستها في ضوء معالمها التاريخية والمعاصرة.

4- للمزيد حول التحيز التوراتي في التاريخ، انظر، Whitelam (1996).  وبخصوص علم الآثار، انظر، Abu El-Haj (1998) and Glock (1995)، وللمزيد عن انحياز المستشرقين في الإنتاج العلمي والأدبي، انظر، Said (1980).

5-حققت هذه السياسة نجاحًا محدودًا. في عام 1948 ، كان اليهود يمتلكون 7٪ فقط من الأراضي الفلسطينية (Farsoun and Basso 1998, 78).

6- لمزيد من المعلومات حول كيفية انعكاس ذلك في البحث الأكاديمي ، انظرKimmerling and Migdal (2003), Pappe (1997), Said and  Hitchens (1988), and Whitelam (1996). لمزيد من المعلومات حول القمع الإسرائيلي للثقافة الفلسطينية، أو في بعض الحالات، إعادة الاستيلاء عليها، انظر، Abu-Hadba (1994) and Benvenisti (1983).

7- فعل ذلك على سبل المثال Peters (1984) في عمل حديث له، والذي، بعد أن أشاد به بعض النقاد، اتهمه Finkelstein (1995, 22) بأنه من بين “أكثر عمليات الاحتيال إثارة التي تم نشرها عن الصراع العربي- الإسرائيلي “. نقلاً عن وثائق أرشيفية دحض Finkelstein (1995) and Said and Hitchens (1988) مزاعم بيتر. لمعرفة المزيد عن أسطورة الهجرة الجماعية الفلسطينية، انظر، Flapan (1987)

8- تم الاستشهاد بأرقام مختلفة. أحصى Morris (1987) 369 قرية، بينما أحصى الكتاب الفلسطينيون الآخرون ما يصل إلى 480 قرية. يزعم الخالدي (1992, xix) أنه تم إفراغ 418 قرية، 382 منها دمرت بالكامل تقريباً. بقيت سبع قرى فقط سليمة إلى حد ما وأعيد توطينها من قبل اليهود.

9-  كانت هذه القرى في الغالب عبارة عن قرى بناها البريطانيون.

10- أو 300 في أقل من ثلاث سنوات. بالمقارنة، تم إنشاء 243 مستعمرة زراعية خلال 66 عاماً من الهجرة اليهودية إلى فلسطين قبل إنشاء دولة إسرائيل (Benvenisti 2000).

11- تم هذا المحو أيضاً من خلال المصطلحات المستخدمة للإشارة إلى الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل. عندما لا يمكن إبعادهم، أصبحوا “عرب إسرائيليين”. أولئك الذين صودرت ممتلكاتهم أو الذين حُرموا من بعض الحقوق المدنية تمت الإشارة إليهم باسم “الغائبين”.

12- هذا في الواقع استمرارية وهمية تربط الأزمنة التوراتية بالدولة العبرية الجديدة، لأنها تتجاهل تماماً  كل ما حدث بينهما.

13 عمل الدباغ (1966) والخالدي (1992) عبارة عن مجموعات موسوعية لمعلومات تاريخية وديموغرافية وجغرافية وبيئية عن القرى التي اختفت، وقدما مواقع هذه القرى على الخريطة. وهي تشمل أيضاً روايات مباشرة لفلسطينيين يصفون تخطيط قراهم المدمرة.

14- لمعرفة المزيد عن رمزية الأشجار في الأدب والشعر الفلسطيني والإسرائيلي ، انظر Bardenstein (2005).

15- مشاهدة الفيلم الوثائقي عن الذاكرة الفلسطينية بعنوان الصبار للمخرج السويسري باتريك بيرج (2000).

16- قام بلاطة (2001) بتحليل لوحات عاصم أبو شقرة لأشجار الصبار وفحص معناها في الفن الفلسطيني والإسرائيلي.

17- فرقة فلسطينية واحدة تسمى sabrîm (جمع صبر). موسيقاها مستوحاة من الفولكلور، وتصف كلماتها الحقائق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الضفة الغربية.

18 مصطلح صابرا sabra، وهو نسخة مشتقة من تسابار tzabar العبري، يستخدم أيضاً في الفرنسية للإشارة إلى الصهاينة المولودين في فلسطين وإسرائيل لاحقاً.

19-  كان تعريف أملاك “الغائبين” واسعاً جداً. ويشمل ذلك أي شخص كان يعيش في دولة عربية، أو ترك مكان إقامته العادية في إسرائيل، أو كانت ممتلكاته تقع في مكان تحت سيطرة القوات العاملة ضد إقامة إسرائيل، انظر،(Abu Hussein and McKay 2003, 70) . ووفقًا لـ Kimmerling and Migdal (2003) ، تمت، بموجب هذا القانون، مصادرة 40٪ من الأراضي الفلسطينية، أي ما يعادل 2 مليون دونم (وحدة قياس عثمانية مستخدمة في المنطقة وتساوي 1000 متر مربع).

20- هذا هو المصطلح العبري لـ “أرض إسرائيل”. يشير هذا المصطلح إلى جميع الأراضي التي كانت في وقت ما جزءً من إحدى الممالك اليهودية. بالإضافة إلى كل فلسطين التاريخية ، فهي تضم أيضاً جزءً من الأردن الحديث.

21- للتشديد من المؤلف: http://192.116.234.203/kkl/ french / profile.asp

22- انظر، www.kkl-sud.org/print.php?sid=237

23- انظر، www.mcjc.org/ MJTRAVEL/MJtis001.htm

24- يكشف التحديث رقم 6 الخاص بحقوق الإنسان عن اقتلاع أكثر من 160 ألف شجرة في الضفة الغربية من ديسمبر 1987 إلى مارس 1993 (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان 2001).

25- يرجع هذا التصحر أيضاً إلى سياسة إدارة المياه في إسرائيل، والتي تحد بشكل كبير من استخراج المياه أو نقلها أو مرافقها أو استهلاكها في الأراضي المحتلة (Selby 2003).

26- قام بذلك آخرون على جانبي الطيف السياسي. انظر على سبيل المثال Botiveau (1999) and Giacaman and Dag Jrund Lonning (1998).

27- تمثلت بداية عملية أوسلو في المصافحة بين ياسر عرفات واسحق رابين في 13 أيلول\ سبتمبر 1993، في واشنطن في حفل التوقيع على إعلان المبادئ الذي سيكون بمثابة إطار للمحادثات. على الرغم من أن فشل كامب ديفيد الثاني في تموز\ يوليو 2000 كان بمثابة نكسة كبيرة، إلا أن العملية لم تنته رسمياً حتى أيلول\ سبتمبر التالي عندما تم إعلان الانتفاضة الثانية.

28- لمزيد من المعلومات عن تدهور الظروف المعيشية أثناء عملية أوسلو ، انظر Roy (1999). من أجل لمحة عامة عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي منذ الانتفاضة الثانية ، انظر, Bocco et al (2003).

29- تم الاستشهاد بهذه الأرقام في تقرير لمنظمة السلام الآن الإسرائيلية غير الحكومية بعنوان “الإسكان يبدأ في المستوطنات منذ اتفاقية أوسلو” القدس، كانون الأول\ ديسمبر 2000. بين +كانون الأول\ ديسمبر 1993 وحزيران\ يونيو 1999 ، زاد عدد السكان بنسبة 52٪ ، حيث بلغ 72 النسبة المئوية المتوقعة بحلول نهاية العام 2000.

30 – يذكر التقرير حالة مستوطن حُكم عليه بالسجن ستة أشهر في خدمة المجتمع بعد إدانته بقتل طفل فلسطيني يبلغ من العمر 11 عاماً.

مصادر البحث:

Abu El-Haj, Nadia. 1998. “Translating Truths: Nationalism, the Practice of Archeology, and the Remaking of Past and Present in Contemporary Jerusalem.” American Ethnologist 25:166-88.

Abu-Hadba, Abdel Aziz. 1994. “How Zionist Authorities Dealt with Palestinian Folklore.” In Folk Heritage of Palestine, edited by Sharif Kanaana, 55-92. Birzeit: Research Center for Arab Heritage.

Abu Hussein, Husayn and Fiona McKay. 2003. Access Denied: Palestinian Land Rights in Israel. New York: Zed Books.

Appadurai, Arjun. 1991. “Global Ethnoscapes: Notes and Queries for a Transnational Anthropology.” In Recapturing Anthropology: Working in the Present, edited by Richard G. Fox, 191-201. Santa Fe, NM: School of American Research Press.

Azaryahu, Maoz. 2002. “Homelandscapes: Zionist Landscapes of a Hebrew Homeland. Three Cases.” In Homelands: Poetic Power and the Politics of Space, edited by Ron Robin and Bo Strath. Oxford: Peter Lang.

Bardenstein, Carol. 1999. “Trees, Forests, and the Shaping of Palestinian and Israeli Collective Memory.” In Acts of Memory: Cultural Recall in the Present, edited by Mieke Bal, Jonathan Crewe, and Leo Spitzer, 148-70. Hanover, NH: University Press

of New England.

Bardenstein, Carol. 2005. Cultivating Attachments: Discourses of Rootedness in Palestine/Israel. Stanford, CA: Stanford University Press.

Benvenisti, Meron.1983. Israeli Censorship of Arab Publications: A Survey. New York: Fund for Free Expression.

Benvenisti, Meron. 2000. Sacred Landscape: The Buried History of the Holy Land since 1948. Berkeley, CA: University of California Press.

Bocco, Riccardo, Matthias Brunner, Isabelle Daneels, Jalal Husseini, Frederic Lapeyre, and Jamil Rabah. 2003. Palestinian Public Perceptions on their Living Conditions. Geneva: IUED.

Botiveau, Bernard. 1999. L’état palestinien. Paris: FNSP.

Boullata, Kamal. 2001. “Asim Abu Shaqra: The Artist’s Eye and the Cactus Tree.” Journal of Palestine Studies 30:68-82.

Cohen, B. Saul and Nurit Kliot.1992, “Place-Names in Israel’s Ideological Struggle over the Administered Territories.” Annals of the Association of American Geographers 82:653-80.

al-Dabbagh, M. M. 1966. Bilâduna Filastîn (Palestine, our homeland), VIII: al-diyâr al-ghazziyya (Gazan villages). Beirut: Dâr al-Talîea.

Dieckhoff, Alain.1996. “Les dilemmes territoriaux d’Israël.” In L’international sans territoire, edited by Bertrand Badie et Marie-Claude Smouts, 159-70. Paris: L ’Harmattan.

Dudai, Rona. 2002. Tacit Consent: Israeli Policy on Law Enforcement towards Settlers in the Occupied Territories. Jerusalem: B’Tselem.

Falah, Ghazi. 1996. “The 1948 Israeli-Palestinian War and Its Aftermath: The Transformation and De-Signification of Palestine’s Cultural Landscape.” Annals of the Association of American Geographers 86:256-85.

Farsoun, Samih and Christina Zacharia. 1998. Palestine and the Palestinians. Oxford: Westview Press.

Feld, Steven and Keith H. Basso, eds. 1996. Senses of Place. Santa Fe, NM: School of American Research Press.

Finkelstein, Norman. 1995. Image and Reality of the Israel-Palestine Conflict. New York: Verso.

Flapan, Simha. 1987. The Birth of Israel: Myths and Realities. London: Croom Helm.

Fouet, Sylvie. 2000, “La Palestine d’Oslo au quotidien.” In Palestiniens et Israéliens: Le moment de vérité, edited by Jean-Paul Chagnollaud, Régine Dhoquois-Cohen, and Bernard Ravenel, 25-36. Paris: L’Harmattan.

Giacaman, George and Dag Jrund Lonning, eds. 1998. After Oslo: New Realities, Old Problems. London: Pluto Press.

Glock, Albert. 1995. “Cultural Bias in the Archaeology of Palestine.” Journal of Palestine Studies 24:48-59.

Khalidi, Walid. 1992. All That Remains: The Palestinian Village Occupied and Depopulated by Israel in 1948. Washington, DC: Institute for Palestine Studies.

Kimmerling, Baruch and Joel S. Migdal. 2003. The Palestinian People: A History. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Manor, Dalia. 2003. “Imagined Homeland: Landscape Painting in Palestine in the 1920s.” Nations, Nationalism 9:533-54.

Mitchell, William J. T. 1999. “Landscape and Idolatry: Territory and Terror.” In The Landscape of Palestine: Equivocal Poetry, edited by Ibrahim Abu-Lughod, Roger Heacock, and Khaled Nashef, 235-54. Birzeit: Birzeit University Publications.

Moors, Annelies. 2001. “Presenting Palestine’s Population Premonitions of the Nakba.” The MIT Electronic Journal of Middle East Studies 1:15-27.

Moors, Annelies and Steven Wachlin. 1995. “Dealing with the Past, Creating a Presence: Picture Postcards of Palestine.” In Discourse and Palestine: Power, Text, and Context, edited by Ilham Abu Ghazaleh, 11-26. Amsterdam: Het Spinhuis.

Morris, Benny. 1987. The Birth of the Palestinian Problem, 1947-1949. Cambridge: Cambridge University Press.

Oren, Ruth. 1995. “Zionist Photography, 1910-1941: Constructing a Landscape.” History of Photography 19:201-10.

Palestinian Center for Human Rights. 2001. “Uprooting Palestinian Trees and Leveling Agricultural Land.” Fifth Report on Israeli Land Sweeping and Demolition of Palestinian Buildings and Facilities in the Gaza Strip. Ramallah.

Pappé, Ilan. 1997. “Post-Zionist Critique on Israel and the Palestinians: The Academic Debate.” Journal of Palestine Studies 26:29-43.

Peters, Joan. 1984. From Time Immemorial: The Origins of the Arab-Jewish Conflict over Palestine. New York: Harper and Row.

Rodman, Margaret C. 2003. “Empowering Place: Multilocality and Multivocality.” In The Anthropology of Space and Place: Locating Culture, edited by Denise Lawrence- Zuñiga,, 204-23. Oxford: Blackwell.

Rotbarb, Sharon. 2004. “Homa Oumigdal: Mur et tour, matrices de l’architecture israélienne.” In Une occupation civile: La politique de l’architecture israélienne, edited by Rafi Segal and Eyal Weizman, 39-58. Paris: Éditions de l’Imprimeur.

Roy, Sara. 1999. “De-Development Revisited: Palestinian Economy and Society since Oslo.” Journal of Palestine Studies 28:64-82.

Said, Edward W. 1980. L’orientalisme: L’Orient créé par l’Occident. Paris: Seuil. [Originally published in English as Orientalism, New York: Vintage Books, 1978].

Said, Edward W. 1999. “Palestine: Memory, Invention, and Space.” In The Landscape of Palestine: Equivocal Poetry, edited by Ibrahim Abu-Lughod,  Roger Heacock, and Khaled Nashef, 3-20. Birzeit: Birzeit University Publications.

Said, Edward W. and Christopher Hitchens. 1988. Blaming the Victims: Spurious Scholarship and the Palestinian Question. London: Verso.

Segal, Ravi and Eyal Weizman. 2004. “La montagne: Principes de la construction sur les hauteurs.” In Une occupation civile: La politique de l’architecture israélienne, edited by Ravi Segel and Eyal Weizman, 77-99. Paris: Éditions de l’Imprimeur.

[Originally published as “The Mountain: Principles of Building in Heights,” in A Civilian Occupation: The Politics of Israeli Architecture, edited by Rafi Segal and Eyal Weizman, …. Tel Aviv: Babel, 2003].

Selby, Jan. 2003. Water, Power and Politics in the Middle East: The Other Israeli-Palestinian Conflict. London: Tauris.

Selwyn, Tom. 1995. “Landscapes of Liberation and Imprisonment: Towards an Anthropology of the Israeli Landscape.” In The Anthropology of Landscape: Perspectives on Place and Space, edited by Eric Hirsch and Michael O’Hanlon, 114-34. Oxford: Clarendon Press.

Silberman, Neil A. 1982. Digging for God and Country. New York: Knopf.

Silberman, Neil A. 2001. “Structurer le passé: Les Israéliens, les Palestiniens, et l’autorité symbolique des monuments historiques.” In Les usages politiques

du passé, edited by François Hartog and Jacques Revel, 99-115. Paris: EHESS.

Whitelam, Keith W. 1996. The Invention of Ancient  Israel: The Silencing of Palestinian History. London: Routledge.

Zerubavel, Yael. 1995. Recovered Roots: Collective Memory and the Making of Israeli National Tradition. Chicago, IL: The University of Chicago Press.

Zerubavel, Yael. 1996. “The Forest As a National Icon: Literature, Politics, and the Archeology of Memory.” Israel Studies 1:60-99.

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

بيان بيدرسون في الذكرى السنوية “للصراع السوري”

في  ذكرى ” الثورة المغدورة”، لا يجد هذا الفَقِيه الأممي ما يقدّمه للسوريين سوى  الإصرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *