وأخيراً ارتقى يحيى السنوار صاحب السيرة الروائية «الشوك والقرنفل» (2004) المولود في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين.
وليس السنوار أول كاتب فلسطيني يستشهد، فقد سبقه، منذ العام 1938، عديدون.
في 1938 ارتقى الشاعر الشعبي نوح إبراهيم صاحب «كنا نغني بالأعراس/ جفرا عتابا ودحية / واليوم نغني بالرصاص/ هالجهادية الجهادية»، بل ويمكن أن نذهب إلى فترة زمنية أسبق تعود إلى العام 1929 حين كتب الثائر عوض النابلسي ليلة إعدامه على جدار زنزانته قصيدته الشعبية الوحيدة التي وصلتنا «يا ليل خلي الأسير تايكمل نواحه».
وربما تكون الذاكرة الفلسطينية ظلت تستحضر شاعراً واحداً ارتقى شهيداً في أرض المعركة في العام 1948 وهو عبد الرحيم محمود صاحب قصيدة «سأحمل روحي على راحتي/ وألقي بها في مهاوي الردى»، ومع أنه لم يكن أبرز شاعر فلسطيني في حينه، كما يرى إحسان عباس، وأن شعره فيه من الهنات والضعف ما فيه، إلا أنه شاعر شهيد والشاعر الشهيد نادر الحضور في الأدب العالمي، ولهذا وضعه عباس إلى جانب إبراهيم طوقان وعبد الكريم الكرمي (أبو سلمى).
عرف عبد الرحيم من شعره واستشهاده، ولكنّ شاعراً آخر قليل الشعر عرف لسبب آخر هو قيادته المعارك ونادراً ما عرف الفلسطينيون أنه شاعر، هو عبد القادر الحسيني الذي ارتقى في معركة القسطل في العام 1948 أيضاً، وسنعرف لاحقاً أنه كتب الشعر، من خلال بعض المقالات التي تناولته شاعراً، مثل مقال الروائي رشاد أبو شاور الذي ظهر في كتابه «مقالات في الأدب الفلسطيني» (2007) ومن خلال الرواية التي كتبتها عنه الروائية سحر خليفة «حبي الأول» (2010).
ولكني أشك في أن أكثرنا حفظاً للشعر يحفظ له بيتاً من شعره، كما يحفظ أغلب شعبنا بيت عبد الرحيم محمود المذكور.
منذ اغتيال غسان كنفاني في بيروت في 8 تموز من العام 1972، صار يحتفل بذكراه سنوياً، وحظي استشهاده بما لم يحظَ به استشهاد أي ممن سبقوه، ويعود السبب بالدرجة الأولى إلى أنه ترك لنا إرثاً أدبياً مميزاً لم يترك مثله أي من الثلاثة المذكورين.
لقد أنجزت مئات الكتب والدراسات والمقالات عن كنفاني، وتناصت مع أعماله عشرات القصص والروايات، وشاع كثير من عباراته شيوع بيت عبد الرحيم محمود، وترجمت أعماله إلى عشرات اللغات العالمية الحية.
ومع أنّ هناك أدباء فلسطينيين آخرين ارتقوا بعد كنفاني إلا أنهم لم يحظوا بما حظي هو به؛ لأنهم لم ينجزوا في الأدب إلا شعراً قليلاً أو مجموعة قصصية أو رواية أو أكثر قليلاً، ومن هؤلاء كمال ناصر وعز الدين القلق وماجد أبو شرار وعلي فودة.
أصدر الأول خمسة دواوين شعرية جمعها إحسان عباس معاً، ولكنّ الجانب السياسي فيه غلب على الجانب الأدبي، وأصدر القلق مجموعة قصصية واحدة «شهداء بلا تماثيل» ونادراً ما التُفت في ذكراه إليها، وأصدر أبو شرار مجموعة «الخبز المر»، ومع أنه أعيدت طباعتها مضافاً إليها بعض القصص، إلا أن الاحتفاء بها ظل قليلاً، وأصدر فودة ديوان شعر أو ديوانين ورواية «الفلسطيني الطيب» إلا أنه ظل في ذكراه قليل الحضور أيضاً، وربما عرفنا عن القلق وأبو شرار أكثر، واستحضرنا في ذكراهما رثاء محمود درويش لهما، فقد شاعت قصيدتاه فيهما أكثر من شيوع نتاجهما، والقصيدتان هما «الحوار الأخير في باريس» و »اللقاء الأخير في روما»، وعلى الرغم من أن فدوى طوقان رثت كمال ناصر شعراً إلا أن ما كتبته لم ينتشر انتشار قصيدتي درويش.
هناك آخرون استشهدوا لم نعرف أنهم شعراء إلا من خلال روايات كتبها روائيون عنهم، مثلهم مثل عبد القادر الحسيني، ومن هؤلاء زياد الخليل.
لقد عرفت عنه من خلال ثلاثية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد/ عابر سرير/ فوضى الحواس» وكنت أظن أنه شخصية مخترعة لولا أن أخبرني الشاعر أحمد دحبور أنه شاعر فلسطيني حقيقي، وحتى اللحظة لم أقرأ شخصياً أياً من أشعاره.
في العام 1987 اغتيل فنان الكاريكاتور ناجي العلي، فحققت رسوماته انتشاراً لافتاً واحتفل بذكرى استشهاده احتفالاً لا يقل عن الاحتفال بكنفاني.
منذ طوفان الأقصى 7 أكتوبر ارتقى العديد من الأدباء. ارتقت هبة أبو ندى وارتقى سليم النفار ورفعت العرعير وفتحي غبن ومحاسن الخطيب وأخيراً يحيى السنوار الذي حقق ما ورد في بيت عبد الرحيم محمود «سأحمل روحي على راحتي».
كتب السنوار رواية واحدة نشرها في العام 2004 حين كان سجيناً ولم يلتفت إليها إلا في العام 2021 حين كتبت عنها، وسرعان ما نسيت، حتى أعدت الكتابة عنها في 7 أكتوبر سلسلة مقالات وخربشات، ما أدى إلى إشهارها وعقد الندوات حولها وكتابة المقالات فيها، بل وإعادة طباعتها، ولقد تناولها صحافيون عالميون كتبوا عنها في كبريات الصحف الأميركية.
«نصر أو استشهاد» هو الشعار الذي يرفعه إبراهيم الشخصية الرئيسة في الرواية وتنتهي باستشهاده، وقد كانت نهاية المؤلف مشابهة، فقد ارتقى في 15/ 10/ 2024.
هل ستخلد هذه الرواية كاتبها كما خلد بيت شعر عبد الرحيم محمود، حتى اللحظة، قائله؟
ننتظر ونرى ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
رحم الله الشهداء!
شاهد أيضاً
عادل الأسطة يقدِّم قراءةً حول تجربة القائد يحيى السَّنوار.. العمل طابق القول
علي البطة دعا الدكتور عادل الأسطة الناقد الأدبي وأستاذ الأدب سابقا في جامعة النجاح، جميع …