المصدر NPR

علماء الآثار الإسرائيليون والفلسطينيون يدّعون ملكيتهم للمواقع التراثية في الضفة الغربية

دانييل استرين

ترجمة وليد يوسف

مقدمة المترجم

معروف أن تاريخ فلسطين القديم الذي كان بين أيدي العلماء لوقت قريب، كان مبنياً على مصدر وحيد، ألا وهو التوراة. ولكن في الثلث الأخير من القرن العشرين، بدأت بعض الأصوات تنادي، هنا وهناك، بأن هذا التاريخ فيه الكثير من الأخطاء. مما جعل لهاث الإسرائيليين يتصاعد، بعد إطباق احتلالهم لكل فلسطين، إلى إطلاق حملات استكشافية آثارية، لكن كلما جرى التنقيب في مكان ما، كانت تأتي النتائج على عكس ما يتوقعون، لكن يتسرب شيء للعلماء بأن ما يجدونه لا ينطبق مع الرواية التوراتية. وهاهم الآن نجدهم، على ألسنة مختصيهم وعلى صفحاتهم ومواقعهم، يعترفون بمشاكلهم وبأنهم يخفون أعمالهم. لكن نعلم أن علم الآثار يعمل بالضوء، وتحت أنظار العالم. لكنهم باختصار، يعرفون ويحرفون، وأكثر من ذلك، يعرفون أنهم يخدمون مشروعاً استيطانيا ً كولونيالياً.

ملاحظة:  نشر المقال بالعنوان الأصلي West Bank, Israeli And Palestinian Archaeologists Both Lay Claim to Heritage In على موقع  الراديو الوطني العام NPR National Public Radio تاريخ 16 شباط\فبراير 2017  https://choice.npr.org/index.html?origin=https://www.npr.org/sections/parallels/2017/02/16/511595881/in-west-bank-israeli-and-palestinian-archaeologists-both-lay-claim-to-heritage

………

إذا كان التاريخ موضع نزاع في الشرق الأوسط، فالنزاع أيضاً قائم في بعض علم الآثار الحالي الذي هو قيد التنفيذ في أعمال التوثيق والحفاظ على بقايا ذلك التاريخ.

يوجد لدى الجيش الإسرائيلي وحدة خاصة بالآثار مسؤولة عن الحفريات في معظم أنحاء الضفة الغربية، أي الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وهي نفسها التي يسعى الفلسطينيون لإقامة دولة مستقلة عليها.

لكن وفقاً لاتفاق إسرائيلي فلسطيني، يجب التفاوض على وضع الضفة الغربية – ومن ضمنها الأشياء التي يتم العثور عليها هناك – في محادثات سلام نهائية. وحتى ذلك الحين، يواصل علماء الآثار العسكريون الحفر- ويمنحون تصاريح التنقيب للأكاديميين الإسرائيليين من أجل الحفر- في الضفة الغربية.

قال بيني هار- إيفن، وهو معاون رئيس الأركان لشؤون علم الآثار في الجيش، بينما كان يمشي بين أنقاض قرية يعود تاريخها إلى القرن الثاني قبل الميلاد: “عملنا أساساً هو الحفاظ على تاريخ المنطقة”.

بجانبه في الموقع نفسه، راح العمال الفلسطينيون الذين يستخدمهم الجيش بوضع الإسمنت لتدعيم صف من الحجارة، لتهيئة الموقع كوجهة سياحية.
يرى علماء الآثار في الجيش أن عملهم بمثابة سباق لإنقاذ حوالي 3000 موقع أثري معروفين في المنطقة. وقال هار- إيفن: “نقوم بالاعتناء بهم، وحمايتهم، ومحاولة منع قطاع الطرق من تدميرهم”.

لكن بعض الجوانب من علم الآثار الإسرائيلي في الضفة الغربية لم يعلن الجيش عنها، وذلك بحسب عالم الآثار الإسرائيلي رافي غرينبرغ من مجموعة عمق شبيه [‏עמק שווה]  ، وهي مجموعة يسارية من علماء الآثار تنتقد أعمال الحفر التي يقوم بها الجيش. وقال غرينبرغ: “إنهم لا ينشرون قائمة الحفريات أو قائمة الحفارات أو قائمة المكتشفات أو حتى مواقع مخازنهم، كل هذا يعتبرونه سراً من أسرار الدولة”.

وتتهم هذه المجموعة اليسارية إسرائيل باستخدام علم الآثار لتعزيز سيطرتها على الضفة الغربية، وقد رفعت دعوى قضائية في المحكمة لمعرفة من هم الأكاديميين الإسرائيليين الذين حصلوا على تصاريح للتنقيب في الضفة، بالإضافة إلى المطالبة بالكشف عن معلومات أخرى.

لكن صدر حكم القاضي الإسرائيلي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأن هوية هؤلاء الآثاريين ستبقى سرية، لحمايتهم من مقاطعة زملائهم في جميع أنحاء العالم الذين يعترضون على التعاون مع الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية.

لذلك يعتقد غرينبرغ طالما أن الموضوع محاط بالغموض والسرية إلى هذه الدرجة، إذاً هناك الكثير من الشكوك حوله. ويقول: “إذا كنتم تظنون أن ما تفعلونه خطأ، فتوقفوا عن فعله. وإذا كنتم تظنون أنه صحيح، إذن أخبروا الجميع عنه” ويضيف: “لكن هذا النهج السائد حالياً لن نسمح به، لأنه يثير الشكوك. فماذا يمكننا أن نقول إذا كان شخص ما لا يتسم بالشفافية؟ من الواضح أن لديهم ما يخفونه”.

وفي مقابلة، طلب عالم آثار من جامعة إسرائيلية ينقب عن الآثار في الضفة الغربية، وله العديد من الكتب المنشورة حول اكتشافاته، عدم الكشف عن هويته خوفاً من أن يؤدي لفت الانتباه إلى مقاطعته أو حظره. وصرّح بالقول: “لا أعتقد أنني أفعل شيئاً خاطئاً. وأعتقد أن كل ما أفعله أنني أنقذ البيانات وحفظها من العبث”.

ويقول علماء الآثار العاملون في الجيش إن عملهم ضروري لحماية المكتشفات التاريخية الهامّة من الضياع في سوق مليئة بلصوص الآثار الفلسطينيين. لكن حمدان طه رئيس هيئة الآثار الفلسطينية السابق يعتقد أن علماء الآثار الإسرائيليين هم الذين يتصرفون مثل لصوص الآثار، وهم الذين يحفرون في الأراضي المحتلة تحت غطاء من جيش الاحتلال بعدم الكشف عن هويتهم. وقال طه: “إنهم يعملون ضمن إطار قانوني لباب النهب المفتوح على مصراعيه، وهؤلاء العلماء يتحولون من علماء آثار وظيفتهم الاسترداد العلمي للماضي إلى البحث عن الكنوز”.

يحتفظ علماء الآثار في الجيش بالقطع الأثرية التي يجدونها في مخازن مخصصة لهم، ويقرضونها أحياناً للمتاحف ومعاهد البحوث لعرضها. وقضت المحكمة الإسرائيلية في نوفمبر/ تشرين الثاني بأنها لن تكشف حتى عن مكان هذه المخازن. كما حكمت أنها لن تكشف عن القطع الأثرية المعروضة ولن تحدد المؤسسات التي تعرضها، وذلك بسبب مخاوف الحكومة الإسرائيلية من أن نشر المعلومات يمكن أن يضر بعلاقات إسرائيل الخارجية ويؤثر على المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، بالإضافة لأسباب أخرى.

يقوم علماء الآثار في السلطة الفلسطينية بإجراء عمليات حفر خاصة بهم في مناطق الضفة الغربية التي يحكمونها، ويتعاونون مع زملائهم الدوليين، لكنهم لا يجرون حفريات مشتركة مع الجيش الإسرائيلي. الفلسطينيون الذين يعملون لصالح علماء الآثار في الجيش الإسرائيلي هم عمال غير منتسبين للحكومة الفلسطينية.

يجادل بعض علماء الآثار الإسرائيليين بأنهم يقدمون خدمة هامة في الضفة الغربية لأنه لا يمكن إجراء الحفريات بالطريقة المهنية نفسها التي يستخدمها علماء الآثار الفلسطينيون، بالإضافة إلى أنهم يتهمون العلماء الفلسطينيين بأنهم غير مؤهلين ويفتقرون للكفاءة. لكن طه يرفض هذه الحجة، ويقول: “هذه حجة رخيصة ولا أريد الرد عليها لأن هذه هي عقلية الاحتلال: أي الهيمنة”.

يعترف طه بالمشاكل: فيقول قد تم هدم بعض المباني التاريخية من قبل مقاولين فلسطينيين خاصين لإعمار مبانٍ جديدة فوقها في الضفة الغربية، وهنا يلقي طه باللوم فيها على قانون فلسطيني قديم لا يوفر الحماية الكافية لمواقع التراث الثقافي. إلّا أن مجال الدراسات الأثرية الفلسطينية في المؤسسات الأكاديمية في الضفة الغربية حديث العهد وآخذ بالتطور. لم تتخلَ السلطة الفلسطينية عن حمدان طه حتى الآن منذ تقاعده من منصبه كرئيس للآثار في عام 2014.

إلى الآن، حسب قول طه، وحتى في أشد أوقات العنف، لم يسمح الفلسطينيون للمواقع الأثرية أن تلقَ المصير نفسه الذي تعرضت له المواقع الآثارية التي دمرتها داعش في سوريا والعراق.

عن وليد يوسف

كاتب و مترجم فلسطيني

شاهد أيضاً

بيان بيدرسون في الذكرى السنوية “للصراع السوري”

في  ذكرى ” الثورة المغدورة”، لا يجد هذا الفَقِيه الأممي ما يقدّمه للسوريين سوى  الإصرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *