أفكار منتصف النهار (39): ضحايا السيستم

أصبح مفهوم (السيستم أو النظام) مفهوماً عالمياً في مجالات عديدة خاصة في الطب والحميات الغذائية حيث نجد مئات الفيديوهات تتحدث عن أفضل نظام على المواطن إتباعها، وللحقيقة هذه الفيديوهات مُغرية جداً وتجد لها الكثير من المتابعين والذين ينفذون حرفياً ما يقوله السيد سيستم.

بداية الأهم أن نحكي عن نظام السيستم الخاص بالأطفال حديثي الولادة، وهذا النظام يختلف من دولة لأخرى بشكل كبير يثير القلق، فما تعتبره دولة ما أن نظام طعام الأطفال الرضع بطريقة معينة وإرشادات لا تقبل الجدل، نجد أن دولة أخرى تناقضه تماماً وتعتبره ضاراً. وهذا الخلاف يدفع ثمنه أطفال رضع (حتى عمر ثلاثة أو أربعة أشهر) والأخطر أنه لا يوجد نقاش ولا حوار بين كل طرف متمسك بنظامه عسى أن يصلوا إلى نتيجة موحدة أو متقاربة في المفاهيم إلى حد كبير. في بريطانيا مثلاً ممنوع إعطاء الأطفال حديثي الولادة حتى عمر ثلاثة أشهر سوى الحليب ( حليب الأم أو الحليب الاصطناعي إن كان هناك عائق للإرضاع الطبيعي ) أي ممنوع منعاً باتاً إعطاء الرضيع الماء حتى يتجاوز ثلاثة أشهر ، وممنوع إعطاء اللقاحات حتى نهاية الشهر الثاني  ( في سوريا يُعطى لقاح السل للوليد في المشفى أي من اليوم الأول ) ، الأهم أن هناك قناعة تامة – غير قابلة للنقاش لمن يؤمنون بالسيستم إياه – حتى في الأيام التي يكون فيها الحر شديداً ويتعرق الصغار والكبار كثيراً ويحتاجون للماء فإنه ممنوع إعطاء الماء للرضيع رغم الحر الشديد لأن السيستم يقول أن حليب الأم في حالة الحر الشديد يُصبح مُشبعاً بالماء ، والسؤال ماذا عن الحليب الاصطناعي الذي لا يمكن أن يكون مُشبعاً بالماء !!! وثمة معلومة طبية هامة جداً هي أن جسم الإنسان البالغ يحتوي على ماء أكثر بسبعة أضعاف الماء الموجود عند الرضع والأطفال، لذا نجد الأطفال كثيراً ما يُصابون بالتجفف ويُصبح جلدهم مطاطياً بسبب نقص الماء. والغريب أن الأهل (وغيرهم) المُقتنعين بهذا النظام في بريطانيا ينظرون بفوقية وسخرية لكل طرح مختلف، ويعتبرون أن الطب تطور كثيراً وأن المُعتقدات القديمة خاطئة. وفي حال معاناة الرضيع من مغص شديد يجعله يبكي متألماً فالعلاج هو إعطاء دواء قبل الإرضاع وإذا اقترح أحد من المعارف أو حتى الأطباء بإعطاء الرضيع القليل من اليانسون يهب الأهل بوجه من اقترح إعطاء اليانسون ويتهمونه بالتخلف.

في دول أخرى متقدمة أيضاً السيستم يختلف كلياً إذ يُسمح للرضيع بشرب الماء ويُسمح له في حال المغص بشرب اليانسون أو ماء الزهر ويُعطى الرضع اللقاحات بعد أسابيع قليلة من الولادة خاصة لقاح السل، هؤلاء (الذين يؤمنون دون ذرة تساؤل أو شك بالسيستم) لا يقبلون النقاش أبداً. أي كلا الطرفين مؤمنون مئة بالمئة بالسيستم الذي تعممه وزارة الصحة والأطباء في تلك البلد التي يعيشون فيها. وبرأيي (ورأي الكثيرين) لا توجد قناعات ثابته ممنوع مناقشتها أو حتى السؤال عن دقتها وصحتها فالتهمة والسخرية جاهزتان أن من يطرح أفكاراً تشكك بالسيستم متخلف.

ولا يخفى على أحد كم تمت الدعاية الكبيرة لأدوية وأنظمة حمية وآمن بها الناس وطبقوها ثم تبين بعد فترة أن لها آثاراً جانبية خطيرة جداً، وأن الكثير من الأدوية تم سحبها من الأسواق بعد أن تسببت بأضرار كبيرة (تصل أحياناً إلى الوفاة). القناعة المُطلقة التي لا تسمح بأي استفسار أو نقاش خطأ كبير. لأن التشنج بالأفكار خطأ وخطير

من يجرؤ على نقد حمية الدكتور بيرج صاحب نظرية ( الصيام المُتقطع ) أي يبقى الشخص ( 16 ساعة دون أكل ) ويكون فطوره ثلاث بيضات مع لحوم وأفوكادو وأن يشرب كوباً من القهوة مع ملعقة كبيرة من الزبدة !!وأن يمتنع تماماً عن السكريات والكربوهيدرات ، كثيرون أمنوا بحمية الدكتور بيرج الذي صار نجماً يخشى الكثيرون من انتقاده أو التشكيك به ، وتبين أن هذه الحمية تُرهق الكبد كثيراً لأن كمية الدهون عالية في هذه الحمية , وكثيرون أوقفوها ولم يتحملوها ، لكن الدكتور بيرج صار نجماً بل إن البعض تطوع بالدعاية لحميته وأنشأ على صفحته على فيس بوك نصائح الدكتور بيرج وفيديوهاته .

الفيديوهات الخطيرة هي التي تعد البدينين أنهم باستخدام أعشاباً معينة (لم نسمع بها) يُمكنهم خسارة أكثر من عشرة كيلوغرام من وزنهم في أقل من أسبوع!! وبينت دراسات طبية دقيقة أن تلك الأعشاب قد تسبب داء السكري، وتؤدي لنقص شديد في البوتاسيوم بسبب التبول الكثير (لأن هذه الحميات الضارة تعتمد على خسارة كبيرة للماء في الجسم والبوتاسيوم يُطرح مع البول) وتعرض الكثيرون ممن استخدم حمية الأعشاب إلى حالات إغماء. وتبين في دراسات عديدة أن تلك الكريمات أو الوصفات التي تُستخدم لتفتيح البشرة تحتوي على معدن الزنك وهو معدن يترسب في خلايا البشرة ويؤذيها، ومن المؤسف أنه في أهم شوارع باريس هناك محلات قمة في الأناقة لا تبيع إلا كريمات تفتيح البشرة. الغريب أيضاً أنك لا تستطيع شراء دواء أنتي بيوتيك دون وصفة طبية ولا تستطيع شراء حتى (سيرنغ لحقن إبرة) دون وصفة لأن الصيدلي يخشى أن يكون من يريد شراء (سيرنغ) يريد أن يحقن نفسه بالمخدرات، لكن هذه الصيدليات تبيع كل الأدوية المُنحفة (المُنقصة للوزن) وثمنها باهظ بين (80 إلى 120 يورو) تُباع دون وصفة طبية وثبت أنها تسبب الاكتئاب والانتحار.

نحن نعيش في عصر السيستم الذي يغسل عقول الناس ويجعلهم يؤمنون دون ذرة شك أنهم في قمة التطور العلمي. الرابح الأكبر لهذه الأدوية هي شركات الأدوية وهي من أغنى الشركات في العالم أرباحها خيالية من أدوية السرطان والأدوية المنحفة والكريمات الغنية بالكولاجين الهيالورونيك أسيد (والأسعار خيالية) تتجاوز أحياناً (500 يورو لعلبة كريم 50 ملم) وأخيراً أحب أن أذكر تلك الحادثة فأحد أشهر أطباء القلبية في فرنسا طلبوا منه أن يروج لدواء جديد (هو دواء للضغط لكنه يُطيل الحياة) في أقل من ربع ساعة تكلم البروفسور عن الدواء إياه في محطات فرنسية (ربما غيرها أيضاً) وكانت مكافأته 300 يورو.

نحن في عصر عبادة السيستم. وليذهب المنطق إلى الجحيم.

عن هيفاء بيطار

شاهد أيضاً

أفكار منتصف النهار (39): علاج تناذر ما بعد الصدمة

يحتل موضوع العلاج ما بعد الصدمة اهتماماً كبيراً من قبل اختصاصيين في الطب النفسي وفي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *