تداعيات حرب 2023 / 2024 :هل تصرخ غزة : يا وحدنا ؟!

أثار شريط فيديو ، عن 8000 فلسطيني من فلسطين التاريخية سافروا إلى الأردن لحضور حفل غنائي يحييه وائل كفوري ، أدرجه في 15 / 8 ناشط فيسبوكي على صفحته ، وهو د. بلال شبير ، أثار موجة من ردود فعل غاضبة تشبه تلك التي أثارها شريط فيديو آخر عمم في ٩ / ٦ عن مسبح مختلط في رام الله ، وبلغت هذه الردود قمتها بكتابة مواطن من غزة أنه غزاوي لا فلسطيني وأن فلسطينيي الضفة الغربية والقدس والمناطق الفلسطينية في بقية فلسطين لا يمتون لغزة بصلة .

عندما أدرجت شريط الفيديو من صفحة شبير على صفحتي قرأت تعليقات تعمق الشرخ في المجتمع الفلسطيني ما دفعني لحذفه والتعليقات معا ، علما بأنني تساءلت إن كان الشريط حقيقيا أم أن الهدف من نشره هو تشويه فلسطينيي المناطق المحتلة في العام 1948 .

عندما قارنت ردود أفعال الأدباء هناك في حرب 1967 وحرب 1982 والانتفاضة الأولى بردود أفعال الأدباء اليوم لاحظت فرقا بينا ، فلم نقرأ الآن نصوصا أدبية مثل تلك التي قرأناها في الفترات السابقة ، وغالبا ما كتبت وأنا أسترجع شجاعة توفيق زياد عبارة ” وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ” ، بل وكثيرا ما اقتبست من اشعاره ومن أشعار محمود درويش وغيرهما ، لأنني وجدتها تعبر عما يجري .

طبعا علينا ألا ننسى أن 8000 مواطن من 2 مليون رقم لا يذكر ، وكثيرون من أهلنا هناك كانوا يوضحون ما يمرون به وما يتعرضون له وتأثير أي احتجاج يبدونه على بقائهم في سكناهم ، وما زال ما جرى في حيفا في العام 2921 حين وقفوا ضد حرب غزة في حينه باديا واضحا ظاهرا حيث تعرضت بيوتهم لهجمات اليهود المتطرفين فأشعلوا النار في عدد منها .

ومن يتابع موقف أهل قطاع غزة من موقف أهل الضفة الغربية والقدس وفلسطين 1948 يجد تباينا واختلافا ؛ فقسم منهم يحذرنا من الانجرار إلى ما جروا إليه وقسم آخر يشتم ويعير ويكرر عبارة أهل القدس في حصار الشيخ جراح والاعتداء على الأقصى ” وين صواريخك يا غزة؟ ” .

هل صار الفلسطينيون مثل جحا عندما أخبر إن ” العاطل ” منتشر في مدينته فرد : بعيد عن حيي ، فلما وصل العاطل إلى حيه رد : بعيد عن بيتي ، فلما بلغ بيته رد : بعيد عن قفاي ؟

ومنذ بدايةالحرب الدائرة حاليا كثيرا ما تكررت حكاية الثيران الثلاثة المشهورة التي اختصرت في المثل ” أكلت يوم أكل الثور الأبيض ” . هل صارت غزة الثور الأبيض وستصبح الضفة الغربية الثور الأسود ، علما بأن الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر لم تهدأ ، وفلسطينيو 1948 الثور الأحمر ؟

في آذار كتبت تحت عنوان ” العالم بعيدا عن غزة والضفة الغربية ” لافتا إلى أن الحياة هناك تجري كما لو أن لا شيء يحدث في غزة .

ذكرني ما سبق بأن تعدد المواقف واختلافها وتباينها ليس بالجديد في حياة الفلسطينيين منذ العام 1048 ، وغالبا ما دب النزاع بينهم بسبب مواقفهم واختلافها مما يحدث وردود أفعالهم إزاء ما تفرضه المتغيرات والأحداث على أرض الواقع ، وهذا ما انعكس في نصوص أدبية فلسطينية عديدة كان غسان كنفاني رصد بعضها في كتابه ” أدب المقاومة في فلسطين المحتلة ” .

في مقابلة أجريت مع إميل حبيبي قبل وفاته ونشرت في مجلة ” مشارف ” أتى على موقف الحزب الشيوعي من العمال الفلسطينيين في المصانع والمزارع الإسرائيلية وقام بمراجعة له بعد تجربة 45 عاما ومما قاله :

” ربما أكون أول من نجح في وقف خطئنا الكبير والأساسي وهو أننا عادينا كل من وجد عملا ليعتاش منه في إطار المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ” ( ع 9 حزيران 1996 ) .

بعد حزيران 1967 وإقدام قسم من أبناء الضفة الغربية على العمل في المناطق المحتلة في العام 1948 كتبت فدوى طوقان قصيدة ” تفاءل معي ” التي أهدتها للشاعر عبد اللطيف عقل تتهكم فيها على اؤلئك العمال . هنا بدأ المجتمع الفلسطيني ينقسم على ذاته بين مؤيد لخطوة العمال ومعارض لها ، ومع الاحتكاك مع الفلسطينيين هناك صرنا نقرأ عن فلسطينيين وفلسطينيين آخرين مختلفين وهو ما عبر عنه القاص توفيق فياض في قصته ” أبو جابر الخليلي ” (1977) التي اتهم فيها أبو جابر ” عرب إسرائيل ” بأنهم إما شيوعيون – والعياذ بالله – وإما جواسيس ، وصرنا نلاحظ الفرق واضحا في سلوك أبناء المجتمع الفلسطيني اتكاء على مكان إقامته .

رصد التغيرات على بنية المجتمع الفلسطيني في الداخل بعد 1993 رصدها كتاب عديدون منهم عزمي بشارة وامتياز دياب . الأول في روايته ” حب في منطقة الظل ” ( 2005 ) والثانية في تقريرها / ريبورتاج ” أن نكون معا ” ( مجلة الكرمل ربيع 2005 / عدد 83 ) . ويلحظ المرء في العملين المذكورين ما آل إليه الناس بعد اتفاقات أوسلو . لقد تحول أكثرهم من مناضلين مسيسين إلى بشر استهلاكيين ، وهذا ما أدى في العقد الأخير إلى تفشي الجريمة الاجتماعية بينهم ، فصاروا مختلفين .

هل ما سبق يسهم في إثراء تفسير سبب الصمت وعدم التحرك لمساعدة أهل قطاع غزة – مساعدة إنسانية ليس أكثر – إلا في الأسبوعين الأخيرين ؟

كتابات كثيرة قد تنجز في الموضوع والحكي كثير وإن كان دافعه الغضب ويغلب عليه الانفعال .

نشرت في صحيفة الأيام الفلسطينية (25 آب 2024)

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

من الهيمنة إلى الحصار الرمزيّ.. إسرائيل في كمين السردية الفلسطينية

لم تقتصر المعركة مع الاستعمار الصهيوني، منذ وجوده في فلسطين، على احتلال الأرض والعدوان العسكري، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *