كيف يمكن لأي أمريكي أن يقود سيارته من الشاطئ الشرقي إلى الشاطئ الغربي، ومن الشمال إلى الجنوب دون الخشية من المرور في مدن وقرى معينة، لأنه يعتنق رأياً مختلفاً، أو لون بشرة مختلف. وكيف للرئيس الأمريكي القادم أن يتسلم مقاليد الحكم دون الحاجة لأن يكون محاطاً ب ٤٠٠٠ عسكري، وهو أربع أضعاف عدد القوات الأمريكية الحالية في أفغانستان، العراق، وسوريا مجتمعة. هذا هو السؤال.

ليالي الأنس في واشنطن / مقدمات ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية في السادس من كانون الثاني ٢٠٢١

قبل البدء:

حطت طائرتي في مطار جون كينيدي في السادس عشر من نيسان من العام ٢٠١٣، توجهت بعدها مباشرة لأرى التايم سكوير(Time square) الشهيرة، حيث تدق ساعة العام الجديد مع بداية كل عام، ويحتفل فيها الآلاف بينما أشاهدها عبر شاشة التلفزيون الرسمي السوري عاماً بعد عام على مدار ٣٣ عاماً.

في نيويورك – منهاتن تجد القاصي والداني من كل أصقاع الأرض، كل الألوان، كل أشكال الأزياء التقليدية من أقاصي شرق آسيا مروراً بدولنا العربية وصولاً إلى أقاصي المغرب العربي. لا شيء يثير غرابة المارين في الشارع، لا لون الوجه، ولا حجاب الرأس، ولا السروال الذي تمت خياطته وفقاً لأدق تعاليم السنة النبوية، ولا النساء العاريات والرجال العراة في ساحات وشوارع منهاتن، لا السياح الذين وقفوا يلتقطون الصور معهن ومعهم. كانت هذه هي المقدمة التعريفية التي وجدتها تنتظرني في الولايات المتحدة الأمريكية.

أمريكا ما بين ٢٠١٣ – ٢٠١٦:

بعيداً عن منهاتن، شمالاً، تقع مدينة تروي Troy حيث قضيت الأشهر الست الأولى لي في الولايات المتحدة. مدينة صغيرة لدرجة أنه ينطبق عليها المثل القائل “حارتين وشارع”. كان كل أهل المدينة من مركزها حتى الأطراف يعرفون بعضهم بشكل جيد.

المدينة ومركزها مأهولان بالطبقة العاملة والمتوسطة وما دون وصولاً إلى طبقة الفقراء. وكان من الجميل بالنسبة لي أن أجد في هذه المدينة الصغيرة أن مالك البقالية هو رجل يمني، وأن صاحب متجر الإكسسوارات سوداني، وعلى مسير دقيقتين من المنزل يوجد مطعم فلافل لبناني، جميعهم جعلوا حياتي أشد يسراً مع تواضع لغتي الإنكليزية حينها.

في صباح يوم بارد، وبعد أن استمر الثلج يهطل لثلاث أيام متتالية، أشرقت الشمس فمشيت باتجاه المقهى الوحيد لأشتري القهوة كخطوة فعالة تجاه تقمص الحياة الأمريكية التي يختلف فيها معنى وتقليد القهوة الصباحية عن فيروزيات الصباح.

أعجبتني المدينة الصغيرة جداً بما فيها من اختلاط كبير من كافة الأعراق، وأعجبني أيضاً الزواج المختلط ما بين أصحاب البشرة السوداء وأصحاب البشرة البيضاء. إلا أن مزاج شارع برودواي في تلك المدينة في ذلك اليوم لم يكن على ما يرام. فقد امتعض الكثيرون من أن إحدى نساء الحي قد هجرها زوجها، واستنفذت كل محاولاتها لإطعام الأفواه الستة لأطفالها، ولم يكن التأمين الاجتماعي كافياً لسد الحد الأدنى من احتياجاتها، فقررت العمل في سوق الجنس، حيث اتخذت من زاوية أحد الشوارع مركزاً لها ومن السيارات المارة مكاناً للعمل.

لم تكن المهنة غريبة على المجتمع في تلك المدينة، بل ما كان غريباً وأثار خوف الحي وقاطنيه، هو أن عائلة كاملة من الطبقة الوسطى قد انهارت تماماً ولم تجد في الحكومة مؤسسة قابلة على إعانتها، في الواقع، كل الحي أصبح يعرف لاحقاً أن عمل تلك المرأة في الدعارة كان -إلى جانب محاولتها لكسب المال- كان محاولة منها للتظاهر والاعتراض على تردي الأوضاع الاقتصادية في أطراف المدن الكبرى، والتمايز الكبير الذي بدا واضحاً ما بين الطبقات الاجتماعية في المجتمع الأمريكي، والأكثر من ذلك، عدم الثقة بأن الحكومة قادرة على حل كل هذه الإشكالات.

في الوقت نفسه، كانت واشنطن تعاني ما تعانيه. كان أوباما قد وعد ناخبيه بالخروج من العراق، وإذ به يجد نفسه على أبواب حرب جديدة على داعش، فخرج من باب العراق ليدخل من نافذة سوريا، وخسر مجلسي الشيوخ والنواب ما جعل من تنفيذ أجندته الانتخابية أمراً مستحيلاً. أصبح أوباما مكبلاً تماماً أمام ناخبيه الذين بدأ الحزب الديمقراطي بخسارتهم مع ارتفاع الفارق الطبقي والاجتماعي، ما بين المدن وأطرافها، حتى ما بين الأرياف وأطرافها أيضاً، وهو ما وجد فيه ترمب ضالته، فوجّه حملاته الانتخابية للضواحي والأرياف وملأها بصوره، شعاراته ووعوده.

لم يساعد الديمقراطيين أن مرشحتهم هيلاري كلينتون كانت ذات شعبية متدنية لدى الديمقراطيين أنفسهم، مما جعل العديد من الديمقراطيين يعزفون عن الانتخاب، وهو الحظ الذي حالف ترمب وأعطاه دفعة كبيرة تُوّجت بانتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في العام ٢٠١٦.

انتقلت للعيش في واشنطن العاصمة في العام ٢٠١٤، ولحسن الحظ أن طبيعة عملي في مجال التنمية قد فتح لي المجال للتعرف على مؤسسات الحكومة الأمريكية عن قرب، كالبيت الأبيض، وزارة الخارجية، وزارة الدفاع، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وغيرها من المؤسسات كمجلسي الشيوخ والنواب، وما في واشنطن من مراكز دراسات وأبحاث.  كل هذا بدأ يتغير مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

رغم عدم شعبية هيلاري كلينتون، إلا أن أحداً لم يكن يتوقع فوز ترمب. في الحقيقة، بقدر ما كان فوزه مستبعداً، بالقدر ذاته أوضحت الانتخابات القطيعة التي باتت كبيرة ما بين الحزب الديمقراطي وشريحة واسعة من الشعب الأمريكي.
كان يوم انتخاب دونالد ترمب يوماً حزيناً جداً في واشنطن العاصمة، أعتقد بما ليس فيه مجال للشك أن بارات واشنطن قد استنفذت كل ما لديها من كحول في ليلة الانتخابات، كان الناس يبكون في الشوارع من هول الصدمة واستيعابها بعد حالة انكار لم تستمر طويلاً، إذ تم افتتاح عهد ترمب بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.

ترمب في البيت الأبيض:

تمتاز البيروقراطية الأمريكية بالامتداد الأفقي وهيكليتها العمودية المعقدة المقسمة على ثلاث سلطات متساوية القوة هي القضائية، التنفيذية، التشريعية. وكل سلطة كما هي الترجمة للتعبير الأمريكي (branch) يحوي على أقسام فرعية أخرى. هذه البيروقراطية مليئة بالموظفين، حيث يبلغ عدد موظفي الحكومة الفيدرالية وحدها فقط ما يقارب المليونين ومئة ألف موظف مدني تقريباً. وفقاً لأصدقاء ممن عملوا في إدارة أوباما، فإن كل إدارة جديدة تدخل البيت الأبيض تجلب معها ما يقارب الخمسة آلاف (٥٠٠٠) موظفاً جديداً، هؤلاء هم ما يطلق عليهم التعيينات السياسية (political appointees) وهم يتوزعون على كل الوزارات ودوائرها. كان أول ما فعله ترمب، هو تجميد التعيينات السياسية، وبالنتيجة فقد خلق فراغاً في المؤسسات الحكومية على كافة الصعد والرتب، وخاصة في أماكن اتخاذ القرار ليجعلها محصورة بيده فقط. هذه ليست سياسة عشوائية، بل هي امتداد لتيار في الولايات المتحدة الأمريكية يؤمن بدور أقل للحكومة وهو انقسام تقليدي إلى حد ما بين الديموقراطيين والجمهوريين.

أذكر بشكل جلي، أنني مع بداية عهد ترمب، لم أكن قادراً (كما العديد في مجال عملنا) على إيجاد آلية للتواصل مع إدارته، لعدم وجود موظفين للاجتماع بهم، وهي ليست مبالغة قد يوضحها المثال التالي.

في عهد أوباما كانت هناك أقسام متعددة في الخارجية الأمريكية، الأمن القومي، الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بحيث علينا أن نحدد الشخص أو القسم المطلوب للتواصل معهم والاجتماع بهم، فكنا مثلاً نجتمع مع ٧-٨ أشخاص من مكتب سوريا في الخارجية، أو الأمن القومي، أو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. في عهد ترمب، لربما يجتمع ٧-٨ موظفين من كل القسم المعني في الشرق الأوسط إن وجدوا. في الخارجية الأمريكية هناك موظف واحد فقط معين سياسياً ومتاح للاجتماعات التي تخص سوريا على سبيل المثال، بينما كان هناك عدد هائل وفي أقسام متعددة خلال فترة حكم أوباما.

عدد التعينات السياسية القليل وسياسة “تجميد التعيين السياسي” التي افتتح بها ترمب حكمه، هي أيضاً -بالإضافة إلى ما سبق- هي جزء من “وعود” حملته الانتخابية والتي أطلق عليها “تجفيف المستنقع” أو “drain the swamp” والتي أقنع ترمب ناخبيه ولاحقاً مؤيديه أن العاصمة مليئة بالفساد والفاسدين الذين سوف يتخلص منهم، بل أكثر من ذلك هو الوحيد القادر على التخلص منهم.

إفراغ الحكومة من العمل المؤسساتي:

مع تجميد التعيينات السياسية، بدأ الفراغ يبدو واضحاً أكثر في المؤسسات الحكومية من وزارات ودوائر مختلقة. بل وأكثر من ذلك، بدأ ترمب العمل بشكل دؤوب على ملء بعض الفراغات هنا وهناك في الحكومة بتعيين أشخاص ممن يدينون بالولاء له. فأعطى صلاحيات لجاريد كوشنر زوج ابنته إيفانكا، إلى درجة أن وزير الخارجية الأمريكية السابق ريكس تيلرسون شعر بأن كوشنر يمتلك صلاحيات أكثر منه كوزير للخارجية. وبشكل مواز، فإن ترمب قد عين موظفين في كل مؤسسة حكومية مفصلية، يحملون مهمة واحدة، هي مهمة نحن الشرق أوسطيون وتحديداً في سوريا لنا معرفة عميقة بها، ألا وهي “كتابة التقرير” ورفعها للبيت الأبيض حيث يتم مراقبة تحركات الموالين والمعارضين، وهو ما يفسر الاستقالات وعمليات الطرد المتتالية التي اتبعتها إدارة ترمب بشكل كبير جعل معها من الصعب بناء حكومة مستقرة في واشنطن. في الواقع، فقد درجت تسميتهم في دائرة صغيرة في واشنطن بأعضاء المكتب السياسي (Politburo) وهو اللجنة المعينة من قبل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم في الاتحاد السوفييتي سابقاً.

ومن ناحية أخرى، عمل ترمب بشكل مستمر وممنهج على التقليل من شأن المؤسسات الأمريكية عموماً، وأشهر مثال على ذلك هو المؤتمر الصحفي مع الرئيس الروسي بوتين في قمة هيلسنكي في تموز ٢٠١٧، حين قال ترمب بأنه يميل إلى تصديق بوتين وليس أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

مضافاً إلى كل ما سبق، فإن ترمب وجد في العنصريين البيض “White supremacists” نواة من المؤيدين الذين اجتمعت فيهم جملة من الخصال التي جعلت منهم من أشد المعجبين به أيضاً، وهو ما نتج عنه هجمات دموية ضد اليهود في بتسبرغ في ولاية بنسلفانيا، والأمريكيون والمهاجرون من أصول تعود لأمريكا اللاتينية في إلباسّو في ولاية تكساس. وملأ بعض المناصب الحساسة بهم، بل وحاولوا اختراق مفاصل حكومية مختلفة في أكثر من مكان.

مشاهد من الشرق الأوسط في ساحات أميركا:

تمتلك البيروقراطية الأمريكية طاقة كبيرة من المقاومة الذاتية، وهي التي بدأت تحدّ من تأثير ترمب داخل المؤسسات الحاكمة، وذلك من خلال وضع ترمب وطاقمه تحت مجهر أجهزة المساءلة والمحاسبة التي اعتقلت وسجنت العديد من أعضاء الدائرة المقربة من ترمب.

بكل الأحوال، فقد بدأ ترمب بمحاكاة السلوكيات التي تشابه سلوكيات أي حاكم ديكتاتوري. لن أدخل في توصيفها وشرحها كثيراً فهي معروفة جداً وخاصة علاقته مع السعودية، الصين، تركيا، كوريا الشمالية، وكان على وشك بناء علاقة حميمة مع بشار الأسد لو أن الأسد أعطاه ما أراد وأقصد بها إطلاق المحتجزين الأمريكيين في سوريا.

 استخدم ترمب أدوات ديكتاتورية في الحكم، إذ أطلق الحرس الوطني والجيش في الشوارع لإخماد التحركات- الثورة التي اندلعت بشكل واسع مع مقتل جورج فلويد، واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية على امتداد الولايات الأمريكية. بالمناسبة، فقد استخدم ترمب الباصات لنقل الجنود في العاصمة واشنطن، في مشهد سوريالي يذكرنا بالباص الأخضر الذي استخدمه بشار الأسد في سوريا.

الجيش في شوارع واشنطن٦-حزيران-٢٠٢٠

إلا أن أخطر ما خطط له ترمب وحاول السيطرة عليه، هو محاولة سيطرته على سلك القضاء فعين وليم بار على رأس وزارة العدل بمنصب المدعي العام، واعتقد أنه قام بتعيين قضاة في المحكمة العليا من المخلصين له، إلا أن كلاً من بار والقضاة الجدد لم يدعموا أيا من حجج ترمب وقضاياه التي رفعها في محاكم ولايات متعددة حول عدم نزاهة الانتخابات ومحاولة إثبات أنها مزورة، وهو أمر لم يتم إثباته قانونياً، ولكن ترمب نجح بإقناع القاعدة المؤيدة له بأن الانتخابات مزورة وأنه فاز بها، وأن ما يجري هو عملية سرقة لهذا الفوز، أي أقنع جمهوره بنظرية المؤامرة التي حاكها وساعده في حبكها العديد من الفاعلين الاجتماعيين في الأرياف والضواحي، وخاصة الإذاعات المحلية المحافظة وأصبح لها رموزها لدى القاعدة المؤيدة له، وأبرزهم كيو آنون QAnon.

هذه الفقرة المعنونة ب ” مشاهد من الشرق الأوسط في ساحات أميركا” هي من العبارات المستفزة للأمريكيين، وخاصة لأولئك الذين عملوا أو عاشوا حول العالم وخاصة في الشرق الأوسط خلال الربيع العربي، وهو ما سأوضحه في الفقرة التالية.

ليالي الأنس في واشنطن:

منذ وطأت قدما ترمب البيت الأبيض، كانت هناك مقاربات ما بين سلوكه وسلوك رؤوس الأنظمة العربية. كلما تحدثت مع أصدقائي في واشنطن، كانوا يرفضون المقاربة ما بين ترمب والدكتاتورية العربية، هذا الرفض مرده إلى الإيمان بالاستثناء الأمريكيAmerican exceptionalism  وهو اعتقاد بأن الولايات المتحدة لديها مناعة ضد الديكتاتورية وأن النظام أقوى من أن ينهار بسبب رئيس نرجسي يطمح لأن يكون رئيساً إلى الأبد كما بدأ ترمب يروج في حملاته الانتخابية بعد تصويت مجلس الشيوخ على عدم عزله. أعتقد أن هذه الصورة الاستثناء قد اهتزت، وأن اهتزازها سبب صدمة في الشارع الأمريكي ولكل مواطن أو غير مواطن يعيش في أي ولاية من الولايات المتحدة. كان باراك أوباما يرى أن هذا الاستثناء ليس مختلقاً عن الاستثناء البريطاني، أو الإغريقي، والذين زالا كلاهما، لذلك فإن الاستثناء الأمريكي ليس استثناءً.

إن إزاحة ترمب من الحكم عن طريق الانتخابات هو انتصار لثورة السود في أمريكا بكل المقاييس، وهم -أي الأفارقة الأمريكان- من كان لهم فصل القول في فوز بايدن، وهم من كان لهم القول الفصل في انتخابات مجلس الشيوخ التي تتوجت بفوز الديمقراطيين في جورجيا (الجمهورية منذ تسعينات القرن الماضي) وبفضلهم سوف يدخل بايدن البيت الأبيض وبجعبته كل من مجلسي النواب والشيوخ مما سيساعده في البدء في تنفيذ أجندته الانتخابية، والتي سيكون من ضمنها محاسبة المشاركين في محاولة الانقلاب، وإعادة بناء المؤسسات الأمريكية. إذ أنه على ما يبدو بأن سياسية ملء الفراغات التي سببها ترمب خلال السنوات الأربع الماضية غير كافية ولا كفيلة بإعادة أمريكا إلى سيادة العالم، إنها بحاجة إلى إعادة بناء قد يطول أمده، ولن يكون يسير المنال في ظل الانقسام الشديد الذي يعيشه الشارع الأمريكي ومؤسساته الحاكمة.

خلال المظاهرات المنددة بمقتل جورج فلويد

رأي شخصي:

أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تجاوزت هذه الأزمة وأثبتت أنها لا تزال دولة يحكمها القانون، وأن الضرر الذي تسبب به ترمب وإدارته قد تم احتواؤه مع خسارته للانتخابات، ومع خسارة الحزب الجمهوري كلاً من مجلسي النواب والشيوخ. وأن السلطات القضائية لعبت الدور المنوط بها وتم إعطاء الصلاحيات كاملة للقوى الأمنية بتفكيك الميليشيات المسلحة وإنهاء هذه الظاهرة، ومحاسبة كل من تورط مع هذه الميليشيات والذين قد يكون من بينهم (كما هو واضح) أعضاء في مجلس النواب، ولربما موظفون في الأجهزة الحكومية. ولكن الدرس الذي سوف يقضي الأمريكيون وقتاً طويلاً البحث به هو أنه لا استثناء، وأن انتخاب ترمب آخر سوف يودي بالولايات المتحدة وديمقراطيتها قبل أن يودي بالعالم، لذلك سيتم البحث كثيراً عن آليات تضمن عدم تكرار ما حدث، وهذه كله ممكن.

التحدي الأكبر، هو كيف يمكن إعادة بناء الوطنية الأمريكية موحدة في المجتمع الأمريكي في إطار الاختلاف وآليات معالجته في سياق الدستور، وإلا فأن هذا الاستثناء سيكون سريع الانهيار في حال تكرار تجربة مشابهة في ظروف مماثلة. والسؤال الذي سوف يبدأ الأمريكيون بالبحث عن إجابة له، هو كيف يمكن لأي أمريكي أن يقود سيارته من الشاطئ الشرقي إلى الشاطئ الغربي، ومن الشمال إلى الجنوب دون الخشية من المرور في مدن وقرى معينة، لأنه يعتنق رأياً مختلفاً، أو لون بشرة مختلف. وكيف للرئيس الأمريكي القادم أن يتسلم مقاليد الحكم دون الحاجة لأن يكون محاطاً ب عشرين ألف جندي، هو أربع أضعاف عدد القوات الأمريكية الحالية في أفغانستان، العراق، وسوريا مجتمعة. هذا هو السؤال.

عن نضال بيطاري

كاتب فلسطيني

شاهد أيضاً

بيان بيدرسون في الذكرى السنوية “للصراع السوري”

في  ذكرى ” الثورة المغدورة”، لا يجد هذا الفَقِيه الأممي ما يقدّمه للسوريين سوى  الإصرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *