قراءة في كتاب “الأرض الموعودة: خطة صهيونية من الثمانينيات”

إعداد: محمود الصباغ

تستند هذه القراءة إلى مقالة الصحفي الإسرائيلي عوديد إينون* في مجلة “كيفونيم  KIVUNIM” (اتجاهات) التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية في القدس؛ العدد 14 – شتاء 1982، وسرعان ما ظهرت ترجمة إنكليزية لها من إعداد وتقديم إسرائيل شاحاك** نشرت في مجلة الدراسات الفلسطينية (Yinon, Oded (1982a). Shahak, Israel (ed.).Making The Arab World Collapse | Journal of Palestine Studies | University of California Press (ucpress.edu) ) وكذلك في نشرة “وثائق خاصة Special Document” التي تصدرها رابطة خريجي الجامعات الأمريكية العربAssociation of Arab-American University Graduates, 1982. بعنوان “A strategy for Israel in the nineteen eighties”. Translated and edited by Israel Shahak from Oded Yinon’s “A strategy for Israel in the nineteen eighties”. (Special document (Association of Arab-American University Graduates) ;).وظهرت الترجمة العربية للمقالة، في العام 2009، بعد أقل بقليل من ثلاثين عاماً بقليل على ظهور كلا النسختين العبرية والإنكليزية، بعنوان “الأرض الموعودة: خطة صهيونية من الثمانينيات” من ترجمة ليلى حافظ عن نسخة رابطة خريجي الجامعات الأمريكية العرب AAUG ، وتقع في نحو 60 صفحة (انظر، https://archive.org/details/20220618_20220618_1034)، ومن الجدير ذكره أن تفتتح رابطة خريجي الجامعات الأمريكية العرب AAUG سلسلة منشوراتها الجديدة، “وثائق خاصة Special Document”، بمقال عوديد ينون، ويعتبر خليل نخلة، في تقديمه للمقالة، أن ما كتبه عوديد يمثل “بياناً واضحاً  ومفصلاً” لما يدعوه الاستراتيجية الصهيونية في الشرق الأوسط. وتصويراً دقيقاً لـ “رؤية”  النظام الصهيونية الحاكم الحالي[ 1982]  لبيغن وشارون وإيتان للشرق الأوسط بأكمله. وبالتالي، لا تكمن أهميتها في قيمتها التاريخية بل في الكابوس الذي تمثله. (انظر، https://archive.org/details/20220618_20220618_1034). وتنطلق خطة عوديد من ملمحين أساسيين استراتيجيين ينبغي لإسرائيل مراعاتهما:

  • العمل على تحول إسرائيل إلى قوة إقليمية إمبريالية

2) العمل على تحويل المنطقة برمتها إلى دويلات صغيرة عن طريق تفكيك جميع الدول العربية القائمة حالياً.

وسوف يكون معيار التقسيم المكون الإثني أو الطائفي لكل دولةـ، وهذا يعني -على حد قول خليل نحلة- أن تصبح الدول المستقبلية شبيهة بالحالة الإسرائيلية: أي دولة قائمة على التمركز الإثني القومي الديني الطائفي، وسوف تصبح إسرائيل مصدر “الشرعية الأخلاقية” لهذه الدول. وهذه فكرة ليست جديدة، على كل حال، في التفكير الاستراتيجي الصهيوني، حيث تظهر الوقائع التاريخية أن مخطط تجزئة جميع الدول العربية إلى وحدات أصغر كان موضوعاً متكرراً في النقاشات الصهيونية الداخلية،  ( تم توثيق هذا الموضوع على نطاق متواضع للغاية في منشور للرابطة بعنوان: إرهاب إسرائيل المقدس (1980) Israel’s Sacred Terrorism ، من تأليف ليفيا روكاح Livia Rokach)، وتذكر روكاح في مقالتها تلك، بناءً على مذكرات موشيه شاريت، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، الخطة الصهيونية الخاصة بلبنان التي تم إعدادها في منتصف الخمسينيات. والملفت في الأمر أن يحمل أول غزو إسرائيلي واسع للبنان في العام 1978، بين طياته، هذه الخطة بأدق التفاصيل، في حين عمل الغزو الثاني ( حزيران/ يونيو 1982)،  إلى تنفيذ أجزاء معينة من هذه الخطة التي تأمل ألا ترى لبنان فقط، بل سوريا والأردن أيضاً، على شكل أجزاء دول، وليس سراً أن يكون هدف إسرائيل الصهيونية رؤية عالم عربي مكون من شظايا متناحرة فيما بينها يكون خاضعاُ للهيمنة الإسرائيلية. ولتنفيذ هذا المخطط يجب البدء بالعنصر المتفجر في الصراع، أي العنصر الفلسطيني، والحل الأمثل، إسرائيلياً، عدا القتل هو “الترانسفير”، وهي سياسة نشطة وواعية تمارسها إسرائيل منذ العام 1948 وإن كانت تزداد بقوة في حالات الحرب ( مثلما حصل في النكبة 1947-1948 والنكسة 1967)  بما يخدم المخططات الصهيونية بـ “محو فلسطين من فلسطين”. ويرى خليل نخلة أن وثيقة كيفونيم تشير بوضوح إلى أن “الفرص بعيدة المدى” التي كان الاستراتيجيون الصهاينة يفكرون فيها هي ذات “الفرص” التي يحاولون إقناع العالم بها، والتي يزعمون أنها ولدت من غزوهم في حزيران/ يونيو 1982. ومن الواضح أيضاً أن الفلسطينيين لم يكونوا أبداً الهدف الوحيد للمخططات الصهيونية، بل هم يمثلون هدفاً أولياً لأن وجودهم القابل للحياة والمستقل كشعب سوف ينفي الجوهر الوجودي للدولة الصهيونية ومجتمع المستعمرين في فلسطين، وسوف تكون جميع الدول العربية- مجتمعة ومنفردة-،لاسيما تلك التي لديها توجهات قومية متماسكة وواضحة، هدفاً استراتيجياً لإسرائيل، عاجلاً أم آجلاً ، كما توضحها النقاط التفصيلية لوثيقة عوديد. ويختم خليل نخلة تقديمه للوثيقة بالتعبير عن أسفه لغياب استراتيجية عربية وفلسطينية في مواجهة المخططات الاستراتيجية الإسرائيلية، فالغموض وعدم الترابط يشيران إلى عدم استيعاب الاستراتيجيون العرب للخطة الصهيونية في تشعباتها الكاملة، بل أن أقصى ردات فعلهم لا تتعدى الريبة والصدمة كلما انكشفت أمامهم مرحلة جديدة من الخطة الصهيونية، ولعل المثال الأوضح على ذلك تاريخ نشر هذه الوثيقة ( شباط/فبراير 1982) والغزو الإسرائيلي للبنان (حزيران/ يونيو 1982)

فالحقيقة المحزنة، يقول نخلة، هي أنه طالما لم تؤخذ الاستراتيجية الصهيونية للشرق الأوسط على محمل الجد، فإن رد الفعل العربي على أي حصار مستقبلي للعواصم العربية الأخرى سيكون هو نفسه. (انظر، https://archive.org/details/20220618_20220618_1034).

أثرت مقالة إينون في جيل كامل تقريباً من الإسرائيليين وغير الإسرائيليين المعتمين بشؤون المنطقة من صحفيين وأكاديميين وعسكريين ورجال سياسة وغيرهم، كما يقال أن ترجمة شاحاك هي التي دفعت لأن يصبح إينون شخصية معروفة ومشهورة. فعلى  الصعيد الإسرائيلي يؤكد يهوشافاط هركابي مثلاً، على صحة ما رمى إليه إينون، في الوقت الذي أثار عدة شكوك حول ما تقترحه  الوثيقة من دور إسرائيل في تفكيك الدول العربية (Harkabi, Yehoshafat (1989). Israel’s fateful hour. Harper & Row.) فإذا كان تفكك الدول العربية أمراً محتماً، فلماذا ينبغي لإسرائيل أن تجهد نفسها للقيام بذلك؟ أما موردخاي نيسان، الصهيوني البارز والباحث في قسم دراسات الشرق الأوسط في مدرسة روثبيرغ الدولية التابعة للجامعة العبرية في القدس، فيلاحظ أن وثيقة إينون أنتجت موجات من الغضب بقدر ما أنتجت موجات من الفضول أيضاً، ويبدو أن الغضب كان بسبب إثارة الكثير من علامات الاستفهام حول حقيقة دور إسرائيل الإقليمي بالسعي نحو “بلقنة” المنطقة،  ويستدرك نيسان القول بأنه لا يرى مبرراً لمثل هذا الغضب، واعتبره أمر مبالغ فيه من قبل أطراف مازالت تنظر إلى إسرائيل بعين الريبة، ويرى أن اقتراح إينون الواضح بتبني إسرائيل دوراً محرضاً لتفكيك الدول العربية أمر لا مفر منه، وعلى إسرائيل التفكير جدياً بهذا الأمر، على الرغم من أنه قد يولد انطباعاً غير محبذاً عن إمكانية تورط إسرائيل بمثل هذه “المؤامرة الشريرة”، برغم أن ما يطرحه إينون يمثل موقفاً شخصياً، بزعم نيسان، ولا يعبر عن رأي الحكومة الإسرائيلية وسياساتها العامة للمنطقة( Nisan, Mordechai (2002). Minorities in the Middle East: A History of Struggle and Self-Expression. McFarland & Company. ISBN 978-0-786-41375-1.)

أما خارج إسرائيل، فقد ظهرت، في الولايات المتحدة، مراجعات صحفية لترجمة شاحاك (نيوزويك 26/7/1982 [انظر، Helms, Christine M. (1990). Arabism and Islam: stateless nations and nationless. The Institute for National Strategic Studies, National Defense University. ISBN 978-1-428-98192-8.]  وول ستريت جورنال 8/9/1982  [ انظر، Yinon, Oded (1982a). Shahak, Israel (ed.).Making The Arab World Collapse | Journal of Palestine Studies | University of California Press (ucpress.edu) and Making the Arab World Collapse on JSTOR]. كما قام ديفيد واينز، بمراجعة المقال في المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies، فوضع مقالة إينون في سياقها  على ضوء عملين آخرين ظهرا في نفس العام ويشبهان مقالة إينون ( انظر، Waines, David (August 1984). “Review”. International Journal of Middle East Studies. 16 (3): 418–420.) وخلص وينز إلى أن الأمثلة الثلاثة خلقت “مخاوف خطيرة بشأن التطورات الحالية والمستقبلية في الشرق الأوسط”.  ومن الجدير ذكره أن روجيه غارودي استخدم مقالة إينون في النسخة الإنكليزية من كتابه الصادر أصلاً بالفرنسية [ L’Affaire Israel: le sionisme politique ]  للتأكيد على وجهة نظره بأن الحركة الصهيونية قد وضعت، بلا شك، خططاً واضحة لتفكيك الدول العربية وطرد العرب مما تعتبره ” أرض إسرائيل” ( مذكورة في مقالة واينز أعلاه، كما يذكر واينز أن الأمير الحسن بن طلال قد تطرق إلى مضمون المقالة في كتابه السعي نحو السلام [ ظهر بطبعتيه الإنكليزية والعربية في العام 1984]، كما يشير واينز إلى استعراض كريستين موس هيلمز من معهد بروكينغز  لمقالة إينون).   ويصف إيلان بيليج المقالة بأنها “مرآة حقيقية تعكس نمط تفكير اليمين الإسرائيلي في ذروة حكم ([مناحيم] بيغين)  ( Peleg, Ilan (2012). “The Legacy of Begin and Beginism for the Israeli Political System”. In Mahler, Gregory S. (ed.). Israel After Begin. SUNY Press. pp. 19–49. ISBN 978-1-438-41169-9) ، وقام نعوم تشومسكي بإجراء تحليل أكثر دقة للسياق التاريخي حين رأى ضرورة فصل آراء إينون عن وجهة النظرة الصهيونية الرسمية السائدة في ذلك الوقت، في تجسيد “التخيلات الإيديولوجية والجيوسياسية” التي يمكن تعيينها بالخط الذي طوره القوميون المتطرفون في حزب هتحيا، الذي تأسس في العام 1979. علماً أنه لا يمكن نفي الزعم الذي يرى بأن أفكار إينون قد نعثر عليها لدى جزء من التيار الرئيسي للصهيونية العمالية في مرحلة سابقة، ويستشهد تشومسكي بدعم استراتيجية دافيد بن غوريون، إبان قيام الدولة، لسحق سوريا وشرق الأردن، وضم جنوب لبنان، وترك بقاياها الشمالية للمسيحيين الموارنة، وقصف مصر فيما لو فكرت في المقاومة، وحذر تشومسكي من عدم الاعتراض على هذه الأفكار الهامشية منذ ذلك الحين: “إن تاريخ الصهيونية بأكمله ثم تاريخ إسرائيل لاحقاً، لا سيما منذ العام 1967، هو تاريخ التحول التدريجي نحو مواقف أولئك الذين كانوا يُعتبرون سابقاً متطرفين يمينيين. ( Chomsky, Noam (1999). Fateful Triangle: The United States, Israel, and the Palestinians. South End Press. p. 456. ISBN 978-0-896-08601 وظهرت الترجمة العربية للكتاب في العام 1991 بعنوان “المثلث المحتوم: الولايات المتحدة-اسرائيل والفلسطينيون”؛ ترجمة: أحمد عزالدين بركات.) ، وفي استعراضها للتوتر بين مصالح الولايات المتحدة، كدولة عظمى مهيمنة تعتمد على وجود أنظمة لدول إقليمية قوية، ومصالح إسرائيل في وجود أنظمة دول ضعيفة في الشرق الأوسط خارج حدودها، تستشهد فرجينيا تيلي بآراء إينون باعتبارها تؤمن مخرجاً إسرائيلياً لهذه المعضلة، تأخذ بعين الاعتبار مصلحة إسرائيل بالدرجة الأولى، ثم يلي ذلك مصالح الراعي الأكبر[ أي الولايات المتحدة]، ولا تعتبر تيلي أن ما طرحه إينون حالة فريدة ضمن السياقات الصهيونية الإسرائيلية، إذا لطالما رحب زئيف شيف بفكرة تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات ” سنية وشيعية وكردية” (Tilley, Virginia (2010). The One-State Solution: A Breakthrough for Peace in the Israeli-Palestinian Deadlock. University of Michigan Press. ISBN 978-0-472-02616-6.). وفي مرحلة لاحقة استعرضت ليندا هيرد في العام 2005 في اليومية السعودية الناطقة بالإنكليزية Arab News سياسات الرئيس جورج بوس الابن، مثل حربه على الإرهاب وموقفه من أحداث الشرق الأوسط، ومن الحرب العراقية الإيرانية، وصولاً إلى غزو العراق في العام 2003، وخلصت هيرد إلى أن ثمة هناك شيء واحد نعرفه يتمثل في أن “الخطة الصهيونية للشرق الأوسط” التي أطلقها عوديد إينون في العام 1982 قد بدأت تتشكل إلى حد كبير. “فهل هذا محض صدفة؟ هل كان إينون عالم نفس عظيم ليصل إلى تلك الاستنتاجات المذهلة؟ ربما! إنما نحن في الغرب ضحايا أجندة طويلة الأمد ليست من صنعنا، ولا شك أنها ليست في مصلحتنا”. (Heard, Linda S. (29 November 2005). “A Frightening ‘Strategy for Israel'”. Arab News.). ويعتقد تيد بيكر بعد ذلك (2017)، وهو المتخصص في تحليل النزاعات وحل النزاعات في جامعة سالزبوري، بأن خطة إينون قد تم تبنيها وصقلها في وثيقة سياسة في العام 1996 بعنوان استراحة نظيفة: استراتيجية جديدة لتأمين العالم A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm ، كتبتها مجموعة بحثية في معهد الدراسات السياسية والاستراتيجية المتقدمة التابع لإسرائيل في واشنطن. أدار المجموعة ريتشارد بيرل، الذي أصبح بعد بضع سنوات أحد الشخصيات الرئيسية في صياغة استراتيجية حرب العراق التي تم تبنيها خلال إدارة جورج دبليو بوش في العام 2003 (Becker, Ted; Polkinghorn, Brian (2017). A New Pathway to World Peace: From American Empire to First Global Nation. Wipf and Stock. ISBN 978-1-532-61819-2.) ويرى بيكر وزميله بولكينهورن أن  “أعداء إسرائيل” في الشرق الأوسط  يأخذون تسلسل الأحداث – احتلال إسرائيل للضفة الغربية ومرتفعات الجولان وتطويقها لغزة وغزو لبنان وقصفها للعراق والضربات الجوية في سوريا ومحاولاتها لاحتواء القدرات النووية الإيرانية- عند قراءتها في ضوء خطة إينون وتحليل مقالة “استراحة نظيفة”، لتكون دليلاً على أن إسرائيل منخرطة في نسخة حديثة من اللعبة الكبرى، بدعم من التيارات الصهيونية في أوساط المحافظين الجدد الأمريكيين والحركات الأصولية المسيحية. كما خلص الكاتبين إلى أن حزب الليكود يبدو أنه نفذ الخطتين. ويرى تقرير “استراحة نظيفة “أن لدى إسرائيل “فرصة لإقامة علاقة جديدة بينها وبين الفلسطينيين، أولاً وقبل كل شيء، قد تتطلب جهود إسرائيل لتأمين شوارعها “مطاردة حثيثة للفلسطينيين” في المناطق الخاضعة للسيطرة الفلسطينية، وهي ممارسة مُبررة ويمكن للأمريكيين التعاطف معها”. وفي حين أنه يمكن أن يُعزى الاضطراب والفوضى في الشرق الأوسط إلى الانقسام بين العرب، لا يمكن استبعاد احتمال تنفيذ الخطط الصهيونية المعروفة لتقسيم الشرق الأوسط إلى دول مجزأة على حد قول بيكر  بولكينهورن.

من ناحية أخرى، يضع الدبلوماسي السوفييتي الراحل يفغيني بريماكوف، في روايته للسياسة الخارجية الروسية والعرب، وثيقة إينون في سياقها من حيث مضمون ما قاله سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة، جورج بول، في شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بخصوص الغزو الإسرائيلي للبنان 1982 ( Sleiman, André G. (2014). “Zionizing the Middle East: Rumours of the ‘Kissinger Plan’ in Lebanon, 1973–1982”. In Butter, Michael; Reinkowski, Maurus (eds.). Conspiracy Theories in the United States and the Middle East: A Comparative Approach. Walter de Gruyter. pp. 76–99. ISBN 978-3-110-33827-0.) إلى المحادثات مع أرييل شارون، والتي ورد فيها أن هذا الأخير ذكر أن استراتيجيته طويلة المدى تتمثل في “إخراج الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى شرق الأردن.. والسماح فقط بما يكفي منهم للبقاء كعمال” ( المصدر السابق، وكذلك Heard, Linda S. (29 November 2005). “A Frightening ‘Strategy for Israel'”. Arab News.) ولعل ما يطرحه شارون يعبر تماماً عن اعتقاد إينون أن “الخيار الأردني” سوف يكون الحل الأمثل للمعضلة الديموغرافية وسوف يؤدي إلى وضع حد لمشكلة وجود تجمعات كثيفة من الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران 1967.

يرى إسرائيل شاحاك بأن هذه الوثيقة تمثل-باعتقاده- المخطط الدقيق والمفصل لنظام الحكم الصهيوني الحالي [فترة صدور عدد كيفونيم شباط/ فبراير 1982] (لشارون وإيتان) للشرق الأوسط، وهو المخطط الذي يقوم على تقسيم المنطقة بأكملها إلى دويلات صغيرة، وتفكيك جميع الدول  العربية الحالية الموجودة. وسوف أعلق على الجانب العسكري لهذه الخطة في ملاحظة ختامية. ويعتقد شاحاك بوجوب مراعاة عدة هامة أثناء قراءة الوثيقة، حيث تتكرر، عدة مرات، على صعيد التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، مقولة وجوب تقسيم جميع الدول العربية من قبل إسرائيل إلى وحدات صغيرة، فنرى، على سبيل المثال، زئيف شيف، المراسل العسكري لصحيفة هآرتس (وربما الأكثر دراية في إسرائيل حول هذا الموضوع) يكتب عن أن “أفضل” ما يمكن أن يحدث للمصالح الإسرائيلية في العراق هو تفكيكه: ” إلى ثلاث دول، شيعية و سنية وكردية” (هآرتس 6/2/1982). وفي الواقع، لا تعد مثل هذه الأفكار والأحاديث جديدة في إسرائيل، فهذا الجانب من الخطة قديم جداً. ولابد من ملاحظة الارتباط القوي والبارز للتفكير الاستراتيجي الإسرائيلي بفكر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ، لا سيما في ملاحظات المؤلف عوديد إينون. غير أنه بينما يتشدق إينون بفكرة “الدفاع عن الغرب” ضد الخطر السوفيتي، فإن الهدف الحقيقي له، ومن خلفه المؤسسة الإسرائيلية الحالية، واضح تماماً ويتمثل في تحويل إمبراطورية إسرائيل إلى قوة عالمية. أي أن هدف شارون هو خداع الأمريكيين بعد أن يخدع الباقين. وسوف يتوضح للقارىء أن الكثير من البيانات ذات الصلة، في كل من الملاحظات والنص، مشوهة أو محذوفة، مثل المساعدة المالية الأمريكية لإسرائيل، يظهر . الكثير منها مجرد وهم. لكن لا يجب اعتبار أن هذه الخطة غير مؤثرة أو غير قادرة على التحقيق حلال فترة زمنية قصيرة، فالخطة  تقتفي، بأمانة، الأفكار الجيوسياسية التي كانت سائدة في ألمانيا في الفترة ما بين  1890-1933، والتي ابتلعتها هتلر والحركة النازية بالكامل، وحددت أهدافها لأوروبا الشرقية، حيث تم تنفيذ هذه الأهداف، وخاصة تقسيم الدول القائمة، في الأعوام 1939-1941، وولم يحل دون استمراريتها وتوطيدها سوى قيام حالف على نطاق عالمي.

ويجب توضيح ثلاث نقاط مهمة من أجل التمكن من فهم الاحتمالات الهامة لتحقيق هذا المخطط الصهيوني للشرق الأوسط، وكذلك سبب وجوب نشرها. وهذه النقاط هي: أولاً، الخلفية العسكرية للمخطط، ثانياً، ضرورة أن يعرف الجمهوري الإسرائيلي داخل إسرائيل ما يخطط زعمائهم لمستقبل جيرانهم العرب. وثالثاً، التأكيد عل تهافت المزاعم التي ترى في وجود مخاطر خاصة من الخارج في حال  نشر مثل هذه الخطط؟ (والكلام دائما لشاحاك)

أولاً: الخلفية العسكرية للخطة

لم يتم ذكر الشروط العسكرية لهذه الخطة، غير أنه، وفي مناسبات عديدة، كان يتم تقديم “شرح” شيء ما يشبهها مثلها الاجتماعات المغلقة لأعضاء المؤسسة الإسرائيلية، وهنا، ينبغي توضيح هذه النقطة. يُفترض أن القوات العسكرية الإسرائيلية، بجميع أفرعها، غير كافية للعمل الفعلي لاحتلال مثل هذه الأراضي الواسعة المذكور في تفاصيل الخطة. في الواقع، حتى في أوقات “الاضطرابات” الفلسطينية الشديدة في الضفة الغربية، فإن قوات الجيش الإسرائيلي تكون منتشرة أكثر من اللازم،. والجواب على ذلك هو ليس انتشار للقوات العسكرية الإسرائيلية، بل تفصيل نمط حكم يماثل “قوات [سعد] حداد” أو “الجمعيات القروية” (المعروفة أيضاً باسم “روابط القرى”): أي سلطات محلية بأمرة “قادة” منفصلين تماماً عن السكان، وليس لديهم حتى أي بنية إقطاعية أو حزبية (مثل [حزب] الكتائب، على سبيل المثال). إن “الدول” التي اقترحها إينون هي على شاكلة  “حداد لاند” و “جمعيات القرى”، وستكون قواتها المسلحة، بلا شك، متشابهة تماماً. بالإضافة إلى ذلك، فإن التفوق العسكري الإسرائيلي في مثل هذه الحالة سيكون أكبر بكثير مما هو عليه حتى الآن، لذلك فإن أي حركة تمرد سوف تخضع لعقاب قاسٍ، إما بالإذلال الجماعي كما هو الحال في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو بالقصف وتدمير المدن، كما جرى في لبنان (حزيران/ يونيو 1982)، أو كليهما. ولضمان ذلك، فإن الشق العسكري من الخطة، كما تم توضيحه شفهياً، يدعو إلى إنشاء حاميات إسرائيلية في أماكن محورية بين هذه الدول الصغيرة، وسوف تكون هذه الحاميات مزودة بالقوى التدميرية المتنقلة اللازمة. في الواقع، لقد رأينا شيئاً كهذا في “حدادلاند”، ومن شبه المؤكد أننا سنرى قريباً أول مثال على هذا النظام يجري العمل على تنفيذه إما في جنوب لبنان أو في كل لبنان. ومن الواضح أن الافتراضات العسكرية المذكورة أعلاه، وكذلك الخطة بأكملها، تعتمد أيضاً على استمرار انقسام العرب أكثر مما هم عليه الآن، وعلى عدم وجود أي حركة جماهيرية تقدمية حقيقية فيما بينهم. وقد يتم إزالة هذين الشرطين فقط عندما يتم تقديم الخطة بشكل جيد، مع وجود عواقب لا يمكن توقعها.

ثانياً: لماذا من الضروري نشر تفاصيل مثل هذه الخطط في إسرائيل؟

يعود السبب إلى الطبيعة المزدوجة للمجتمع الإسرائيلي اليهودي حيث نرى مقياس كبير جداً للحرية والديمقراطية، خاصة لليهود، بجانب عمليات توسع وتمييز عنصري. وفي مثل هذه الحالة، يجب إقناع النخبة الإسرائيلية اليهودية (لأن الجماهير تتابع ما تعرضه شاشات التلفزيون وخطب  [مناحيم] بيغن). وتكون الخطوات الأولى في عملية الإقناع شفهية، وعندما يصبح الحوار الشفهي غير مقنع ومثمر ، يجب الانتقال إلى المنشورات والمواد المكتوبة لصالح “المُقْنِعين” و “المفسرين” الأكثر غباءً (على سبيل المثال الضباط من ذوي الرتب المتوسطة، وهم عادةً أغبياء بشكل ملحوظ)، حتى يتمكن هؤلاء من” تعلم الأمر” بدرجة أقل أو أكثر، ليقوموا بعد ذلك، بدورهم، في التبشير بها. وتجدر الإشارة إلى أن المجتمع إسرائيل، وحتى مجتمع الييشوف الذي كان سائداً في العشرينيات، يعمل دائماً بهذه الطريقة. وأتذكر  شخصياً جيداً (قبل أن أكون “في المعارضة”) كيف تم شرح ضرورة الحرب، لي وللآخرين، قبل عام من حرب 1956، وضرورة اجتياح “بقية فلسطين الغربية عندما تتاح لنا الفرصة”.. كل هذا تم شرحه في الأعوام 1965-1967.

ثالثاً: لماذا يُفترض عدم وجود مخاطر خاصة من الخارج في نشر مثل هذه الخطط؟

يمكن أن تأتي مثل هذه المخاطر من مصدرين، طالما أن المعارضة المبدئية داخل إسرائيل ضعيفة للغاية (وهو وضع قد يتغير نتيجة للحرب على لبنان)، المصدر الأول هو العالم العربي، بما في ذلك الفلسطينيين، والمصدر الثاني هو الولايات المتحدة. لقد أظهر العالم العربي حتى الآن أنه غير قادر تماماً على إجراء تحليل مفصل وعقلاني للمجتمع الإسرائيلي اليهودي، ولم يكن الفلسطينيون، في المتوسط​​، أفضل من البقية. وفي مثل هذه الحالة، حتى أولئك الذين يصرخون حول مخاطر التوسع الإسرائيلي (وهو أمر حقيقي بما فيه الكفاية) يفعلون ذلك ليس بسبب المعرفة الواقعية والمفصلة، ولكن بسبب الإيمان بالأسطورة. وخير مثال على ذلك هو الإيمان الراسخ بالكتابة التوراتية على جدار الكنيست (غير الموجودة فعلاً) عن النيل والفرات. مثال آخر هو التصريحات المستمرة والكاذبة تماماً، التي أدلى بها بعض أهم القادة العرب، بأن الخطين الأزرقين للعلم الإسرائيلي يرمزان إلى النيل والفرات، بينما هما في الواقع مأخوذان من خطوط شال الصلاة اليهودي (Talit). ويفترض المختصون الإسرائيليون، إجمالاً، أن العرب لن يلتفتوا لمناقشاتهم الجادة حول المستقبل، وقد أثبتت حرب لبنان أنهم على صواب. فلماذا لا يستمرون في أساليبهم القديمة في إقناع الإسرائيليين الآخرين؟. من ناحية أخرى، يوجد وضع مشابه جداً في الولايات المتحدة، على الأقل حتى الآن. فالمعلقون الأكثر جدية هناك، يأخذون معلوماتهم عن إسرائيل، وكثير من آرائهم عنها، من مصدرين. الأول من مقالات الصحافة الأمريكية “الليبرالية”، كتبها، بشكل شبه كامل، معجبون يهود بإسرائيل، والذين، حتى لو كانوا ينتقدون بعض جوانب الدولة الإسرائيلية، فإنهم يمارسون ذاك بدافع من الإخلاص، يشبه ما كان يطق عليه ستالين “النقد البناء”. (في الواقع، أولئك الذين يدّعون أيضاً أنهم “مناهضون للستالينية” هم في الواقع أكثر ستالينية من ستالين نفسه، مع كون إسرائيل إلههم الذي لم يفشل بعد). ويجب الافتراض، في إطار مثل هذه العبادة النقدية، أن إسرائيل لديها دائماً “نوايا حسنة” و “ترتكب أخطاء” فقط، وبالتالي فإن مثل هذه الخطة لن تكون موضع نقاش -تماماً  مثلما أن الإبادات الجماعية التوراتية التي ارتكبها اليهود ليست موضع نقاش كذلك.  المصدر الآخر للمعلومات هو صحيفة جيروزاليم بوست ذات التوجهات “الليبرالية” المماثلة لتلك الصحف الأمريكية. وما دام الوضع القائم يظهر أن إسرائيل “مجتمعاً منغلقاً” حقاً على بقية العالم، لأن العالم يريد أن يغلق عينيه، فإن نشر هذه الخطة وحتى البدء في تحقيقها أمر واقعي وممكن.

…..

*عوديد إينون (1949..) صحفي إسرائيلي في جيروزاليم بوست. عمل سابقاً مستشاراً لأريئيل شارون وملحقاً في وزارة الخارجية الإسرائيلية، باتت تعرف مقالته في الأدبيات السياسية باسم “خطة إينون” والتي غالباُ ما يشار إليها كمثال واضح للرؤية السياسية الصهيونية لدول الشرق الأوسط، ويعتقد أن “خطة إينون” لعبت دوراً في صياغة السياسات الأمريكية للمنطقة في عهد الرئيس جورج بوش الابن، فضلاً عن إذكاء نظرية المؤامرة التي يرى مناصروها أن هذه الخطة تمثل “مؤامرة” كبرى على الأمة العربية والأمة الإسلامية، وتتنبأ بصورة واضحة لمصير المنطقة ضمن العقلية التآمرية ، ويصر أتباع نظرية المؤامرة على أن ما شهدته المنطقة العربية (ومازالت تشهده) من أحداث، منذ صدور المقالة، إنما يعبر عن صدق توقعاتهم بحقيقة المؤامرات التي تحاك ضد الشعوب العربية وبلدانها، بل أن هناك من يرى أن “خطة إينون” طرحت على الإدارة الأمريكية من قبل أعضاء المعهد الإسرائيلي للدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة the Israeli Institute for Advanced Strategic and Political Studies في الإدارة وأنه تم تبنيها من قبل إدارة بوش بعد أحداث 11 سبتمبر، والهدف من ذلك تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة، وبطبيعة الحال دفع الحلم اليهودي المزعوم بإقامة بإسرائيل الكبرى “من النيل إلى الفرات”. وهي العبارة التي  تتردد على أنها من بنات أفكار ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، كما وردت في مذكراته ( مجلد 2، ص 711) بأن  مساحة الدولة اليهودية تمتد: “من نهر مصر إلى نهر الفرات” وهي ذات العبارة التي كررها الحاخام فيشمان، عضو الوكالة اليهودية لفلسطين، التي أعلنها في شهادته، أمام لجنة التحقيق الخاصة التابعة للأمم المتحدة في 9 تموز / يوليو 1947 بقوله أن أرض الميعاد: “تمتد من نهر مصر حتى نهر الفرات ، وتشمل أجزاء من سوريا ولبنان. ” وهكذا، فعند النظر إلى وثيقة إينون في السياق الحالي، فسوف تكون الحرب على العراق، وحرب 2006 على لبنان، وحرب 2011 على ليبيا، والحرب الدائرة على سوريا، ناهيك عن عملية تغيير النظام في مصر، والتطورات في اليمن، والبحرين، وتونس.  ناهيك عن الوضع الفلسطيني بالغ التعقيد والبؤس واليأس… كل هذا، في عيون دعاة نظرية المؤامرة، ليس سوى جزء من المشروع الاستراتيجي الإسرائيلي كما رسمته وثيقة عوديد إينون .

**إسرائيل شاحاك (1933-2001)، إسرائيل من أصول أوروبية (وُلد في بولندة)، عمل أستاذاً  لمادة الكيمياء العضوية في الجامعة العبرية في القدس ورئيساً للرابطة الإسرائيلية لحقوق الإنسان والحقوق المدنية. وهو مؤلف للعديد من المقالات والكتب، ترجم بعضها إلى اللغة العربية، لعل أشهرها ” الديانة اليهودية وتاريخ اليهود-وطأة 300 سنة” وقدم له الراحل إدوارد سعيد، وكتب أخرى مثل ” الديانة اليهودية وموقفها من غير اليهود” و ”  الأصولية اليهودية في إسرائيل” و “من الأرشيف الصهيونية/ وثائق ونصوص” و”أسرار مكشوفة- التسلح النووي والسياسة الخارجية الإسرائيلية” و ” الأرض الموعودة ، خطة صهيونية من الثمانينيات، تأليف عوديد إينون” ( كتب في الأصل بالعبرية وترجمه شاحاك إلى الإنكليزية). عرف عن شاحاك نقده الصريح للحكومة الإسرائيلية وللمجتمع الإسرائيلي، وأثارت كتاباته الكثير ممن الجدل حوله وقد وصفه البعض بمعاداة السامية و بالكاره لنفسه .. إلخ

عن هيئة التحرير

شاهد أيضاً

الصراع على أوكرانيا – الجزء الثاني

في  طبيعة ترابط  السياسات الاستراتيجية للولايات المتّحدة الأمريكية تجاه أوروبا والصين  ومنطقة الخليج . لتكريس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *