سهرة مع إلياس خوري وروايته ” رجل يشبهني ” -القسم العاشر-

XXIV

هل ستكون الدولة الإسرائيلية دولة عابرة ؟ “عابرون في كلام عابر”

ذكرى رحيل الشاعر راشد حسين على الأبواب، ولقد قررت أن أكتب بهذه المناسبة مقال الأحد القادم لدفاتر الأيام الفلسطينية عنه كشخصية روائية، فهو إحدى المرايا الثلاث التي شكلت منعطفا في حياة آدم دنون، وتقاطعت مع حياته، وقد أفرد لها إلياس خوري عنواناً فرعياً هو “المرايا المتقاطعة” وشكلت المرايا صفحات كثيرة امتدت من صفحة 123 إلى صفحة 345، شغلت منها حكاية راشد الصفحات 281 إلى 345 تقريباً وكتبت تحت عنوان “المرآة الثالثة: نائب الفاعل” وللعنوان دلالة .

غير أني صباح اليوم وأنا أتابع الأخبار وأصغي إلى التوحش الإسرائيلي في الضفة الغربية وإلى تهديدات رئيس وزرائهم بالرد بيد قوية وثابتة توقفت أمام الصفحات 25 و 26 و 27 من “رجل يشبهني” وفيها يتوقف آدم دنون / إلياس خوري أمام الصهيونيين العلمانيين الملحدين والعلمانيين العرب والفلسطينيين وكأنه يتساءل إن كان هؤلاء وهؤلاء علمانيين حقا ؟

لم يتورع الصهيونيون العلمانيون عن استخدام تعبير الأرض الموعودة لإضفاء القداسة على مشروع احتلال فلسطين وتحويلها إلى وطن قومي لليهود وطرد شعبها منها. اما العلمانيون العرب والفلسطينيون فحين رسموا فلسطين رسموها على الصليب “كأنها مسيح جديد يصلب على خشبة التاريخ، وبذا محوا صورتهم وتحولوا إلى تفصيل صغير في أحد أسفار كتاب مقدس لا بداية له ولا نهاية”.

ماذا يريد آدم / إلياس أن يقول ؟. يريد أن يقول إن ما جرى وما يجري من صراع منذ بداية النكبة ليس سوى جزء من تاريخ الغزوات على هذه المنطقة “حول فلسطين إلى أرض صراع مفتوح على جنون العنصرية التي تختبئ خلف ادعاءات البحث عن الأبدية”. و: “ليس هذا فقط، بل أريد أن أقول إن هذه، القصة المغمسة بالدم والألم والأسى، لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه آلاف الصفحات عنها، وبجميع اللغات، وهي بالتأكيد لا تعادل الدم الذي سقى أرضها”. ويضيف آدم: “غداً -أي بعد الف عام، ماذا سيبقى من هذا الأسى كله ؟”

يتأمل آدم الحروب الصليبية التي انتهت منذ 800 عام ويرى “أنها كانت بلا معنى، مجرد حفلة من البلاهة الإنسانية ممزوجة بشهوة الدم”. ويتوقف أمام رأي المهووسين دينياً والملوك والباباوات والأسياد الإقطاعيين الذين حشدوا ألوف الفقراء الأوروبيين وساقوهم إلى مذبحة لم ينتج منها سوى اللاشيء، علماً بأن الأسباب الحقيقية تكمن، كما يرى المؤرخون الحصيفون، في الظروف الاقتصادية والسياسية التي حولت شواطئ البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة من الدم.

الآن يعيش الفلسطينيون “هذا اللامعنى الذي صار المعنى الوحيد لحياتنا” كما يرى آدم.

هل دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني ليسا سوى فخ ومجرد خدعة للمشروع الاستعماري؟

صار اليهود الضحية جلاداً، فالجلاد ليس جلاداً دائماً والضحية ليست ضحيةً دائماً. سيصير الجلاد الذي كان ضحية سيصير وهو جلاد ضحية أوهامه، “وسيقوده جنون الهوس بالقوة إلى نهايته”.

كان غسان كنفاني في روايته “عائد إلى حيفا” أنهى الحوار بين سعيد . س وابنه خلدون / دوف بعبارة: “تستطيعان البقاء مؤقتاً في بيتنا، فذلك شيء تحتاج تسويته إلى حرب”. وكان كنفاني يقصد أن الحل لن يعقد إلا بعد أن ينتصر الفلسطينيون في حرب، ليكون الصلح بين ندين كما رأى أيضا أمل دنقل “فما الصلح إلا معاهدة بين ندين في شرف القلب لا تنتقص”.

كأن رؤية كنفاني ورؤية دنقل انتقلت إلى آدم / إلياس: “قلت لدالية إن إسرائيل لن تصير بلداً طبيعياً إلا إذا هزمت مرة واحدة على الأقل.

الشعور بأنك عصي على الهزيمة يحولك إلى وحش.

الهزيمة هي الشرط الإنساني الأول”.

لقد صار آدم مقتنعاً بأن المسار الذي دخلته أرض فلسطين لن يقود إلا إلى خراب الجميع. هل كان آدم يتنبأ بما يجري الآن في فلسطين ؟. هل كان يتنبأ بأن كاهانا سيفرخ بنيامين وبن غفير وسموتريتش؟

الضفة الغربية في هذا الصباح كانت على صفيح ساخن، والقادم لا يبشر بالخير.

في قصيدة محمود درويش “الرمل” يكتب:

” سيأتي سوف يأتي عاشقان

ويقولان: كم كان قصيراً زمن الرمل

ولا يفترقان”.

هل ستكون الحقبة الإسرائيلية في السيطرة على فلسطين “زمن رمل” وسطراً في كتاب التاريخ، وسيكون نتنياهو وبن غفير وسموتريتش عابرين بين الكلمات العابرة؟

استدراك

وأنا أكتب عن “دفاتر آدم دنون” التي كتبها الروائي إلياس خوري عرفت من الشيخ جميل السلحوت عن صدور رواية “ومضة أمل” المكتوبة في العام 1965 والمنشورة في العام2022 عن مكتبة بغداد الثقافية وجسور ثقافية والديوان التلحمي للنشر والتوزيع. ومؤلف الرواية هو حنا جميل رشماوي المتوفى كما قرأت في العام2020 وقد كتبها في1965 في بضعة دفاتر ولم تك مكتملة كما يبدو وكما تقول بعض صفحاتها .

الزمن الكتابي لـ “ومضة أمل” 1965 ومثله الزمن الروائي، فأحداث الرواية تجري بعد النكبة وإحدى شخصياتها الرئيسة لاجئة وهي سعاد، ووالد شخصيتها الرئيسة يحكم عليه في زمن الحكم الأردني بالإعدام شنقاً لتعاونه مع اليهود الإسرائيليين. أما زمن النشر فمتأخر جداً. إنه يبتعد عن الزمنين 58 عاماً تقريباً.

تذكر الرواية بروايات زمنها، وتحديداً بروايات محمد عبد الحليم عبدالله، من حيث تركيزها على الحب والموضوع الاجتماعي، وتعرج على الموضوع الفلسطيني حين تأتي على لجوء سعاد وعملها خادمة اتقاء لغائلة الفقر.

إن قارناها بنتاج غسان كنفاني المكتوب في تلك الفترة “رجال في الشمس” و “ما تبقى لكم” فسنلحظ أنها لا تضيف إلى الرواية الفلسطينية شيئاً ذا بال، ولذلك فلن يفيد منها إلا دارسو الرواية الفلسطينية دراسة توثيقية – أي الذين يرصدون فن الرواية الفلسطينية ويؤرخونه.

قد يكون للرواية قيمة لمن يبحث عن صورة الفلسطيني فيها، فهي تصور فلسطينياً باع ضميره وعمل مخبراً وأثرى من المال الفاسد دون أن يشعر بتأنيب ضمير، فيحكم عليه بالإعدام.

كيف ينظر أبناؤه إلى انفسهم وكيف يتعامل الناس معهم؟

هل العرق دساس وهل لا تلد الحية إلا الحية؟ وكيف يستعيد أبناء الجاسوس حياتهم الطبيعية؟

موضوع مثل الموضوع السابق موضوع حساس لم تعالجه الرواية الفلسطينية بعمق. موضوع أتى عليه أسامة مغربي في روايته “اغتراب” الصادرة في العام 2020 ، وقبله حسام زهدي شاهين في روايته “زغرودة الفنجان” وقد يكون أتى عليه روائيون آخرون. أهدى أسامة مغربي روايته “إلى الأرواح البريئة .. التي ظلمت باسم الحرية”. ( ربما يتذكر المرء وهو يقرأ الإهداء رواية الأسير هشام عبد الرازق “الشمس في ليل النقب” حيث تحقيق الأسرى الفلسطينيين مع أسير لاشتباههم فيه، فيعترف تحت التهديد بما لم يفعل).

في أيام كتابة الرواية كانت مصطلحات الواقعية والواقعية الاشتراكية والواقعية النقدية شائعة، ويبدو تأثر الكاتب بها واضحاً، وهو يبدي رأيه فيها كما في صفحة 202.

كان سمير المترف من أموال والده الحرام يتكبر على الآخرين ولكنه حين أحب سعاد اللاجئة اختلف، وعندما أدين والده بالخيانة وجرد من أمواله صار فقيراً، فتساوى مع سعاد اللاجئة، وصار يراها أكبر منه، فهي لم تتدنس، وتقف سعاد إلى جانبه وتشجعه ليواصل حياته وتطلب منه أن يدع التشاؤم جانباً ليحددا حياتهما معا ويتيقن سمير لأول مرة ان طريق المستقبل مفتوحة ما دامت سعاد الواعية ترافقه في عبورها.

تماماً مثل الروايات الرومانسية العربية في بدايات القرن العشرين.

كما ذكرت فإن الرواية تهم بالدرجة الأولى دارسي فن الرواية الفلسطينية في تطورها، ولا أرى أن لها قيمة جمالية تذكر.

إنها ابنة زمن كتابتها لا ابنة زمن نشرها.

الطريف كما ذكرت ابتداء أن كاتبها الذي لم يحصل تعليما جامعياً أو ثانوياً كتب روايته على دفاتر ثم جاء دور المحققين والناشرين ليكونوا ما كانه إلياس خوري مع دفاتر آدم. دفاتر حنا حقيقية ودفاتر آدم دنون من وحي خيال إلياس خوري.

عن د.عادل الاسطه

شاهد أيضاً

تداعيات حرب 2023/ 2024: تـداعـيـات قـراءة روايـة ابتسام عازم «سفر الاختفاء»

عندما كتبت عن يافا نبهني بعض القراء إلى رواية ابتسام عازم «سفر الاختفاء» (2014). وعندما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *