جغرافية تسمية الأماكن: اتجاهات جديدة في الدراسات النقدية الطوبونومية

ماعوز عزرياهو، ديريك ألديرمان، روبين روز-ريدوود

ترجمة محمود الصباغ

  1. I. مقدمة

لو قيض لك البحث في خرائط شوارع بغداد التجارية فسوف لن تجد أسماء مثل ” كانال رود” أو “كاليفورنيا” أو “كورس ستريت”، غير أن للجنود الأمريكيين راي آخر في العراق الجديد، حين يعيدون خطوة إثر خطوة رسم أسماء شوارع المدينة بتغيير أسمائها العربية  إلى أسماء إنكليزية.. وهكذا حلت أسماء  “أوكلاهوما”، و”بنسلفانيا” محل أسماء شوارع المنطقة الصناعية في البلدة القديمة المحاطة بالشوارع التاريخية كشارعي الرشيد والخلفاء، ولعل ما قام به هؤلاء الجنود يؤكد ما ذهب إليه الرائد دين ثورموند من فرقة المهام المشتركة السابعة بأن ألفة الاسم تولّد الأمن. وتظهر [خرائط] الجيش وقد نقشت عليها أسماء مثل “مين”، “سيغار” و”ساوث” مكان أسماء الشوارع المألوفة للبغداديين.  ويصف أحد صف الضباط الذي يخدم في القوات الخاصة العاملة في مدينة الفلوجة، غربي بغداد، هؤلاء الجنود [الأمريكان] بقوله “إنهم شبان بعيدون عن الوطن، ويميلون إلى استخدام الأسماء التي تذكرهم به”، رافضاً الإشارة إلى تلك الممارسة وكأنها تحمل في طياتها طابعاً استعمارياً إمبريالياً، فيقول “ليس ثمة ما هو خارق أو شرير في هذا الأمر” (The Sydney Morning Herald, 2003).

لنتذكر ما حدث في أوائل نيسان2003، وبعد أسبوعين فقط من بدلية غزو العراق، عندما سيطرت القوات الأمريكية على مطار صدام الدولي، كيف سارعت القيادة المركزية الأمريكية إلى إعادة تسمية المجمع باسم “مطار بغداد الدولي” (Woznicki, 2003; USA Today, 2003; Hunt, 2005; Pike, 2007a)، ومثلت هذه الخطوة بداية الاحتلال الأمريكي، الذي لا يزال، اليوم، يعيد تشكيل المشهد المكاني لأسماء المواقع الجغرافية في العراق. فقامت قيادة القوات بإطلاق أسماء على قواعدها العسكرية ومعسكراتها يتردد فيها تعابير محددة توحي بمعاني الاستقامة ومجازات العدالة والطهارة، مثل ‘Camp Freedom’ و ‘Camp Liberty’ و ‘Camp Justice’، واستلهمت أسماء أخرى مباشرةً من المعجم الجغرافي الأمريكي، مثل: ‘Camp Arkansas’ وForward Operations Base Manhattan” ، (Pike, 2007b)، وفي محاولة منها لتسهيل التعامل مع المشهد المكاني غير المألوف، عمدت القيادة إلى ابتكار نظام خاص لأسماء مستوحاة من أسماء الشوارع والمعيش الأمريكي وإطلاقها على شوارع بغداد والمدن العراقية المحتلة الأخرى بحث باتت هذه الأسماء تغمر فعلياً خرائط مدينة بغداد، مثل “California Street ” و “Virginia Avenue ” و” Main Street ” (The Sydney Morning Herald, 2003). كما تم إعادة تسمية الطريق السريع الرئيسي المؤدي إلى مطار بغداد باسم “Route Irish “، مع إشارة إلى ‘Fighting Irish’ of Notre Dame ، وغيره العديد من طرق الإمداد الأخرى في جميع أنحاء البلاد والتي تسمت أيضاً بأسماء بعض الفرق الرياضية الأمريكية (Baggio, 2006).

وكان الجنود الأمريكيون أكثر قدرة على التنقل في مناطق العراق المختلفة وفي جعبتهم مجموعة مألوفة من أسماء الأماكن، و”تحديد المواقع” ذات الأهمية المحتملة في نظرهم. ويشرح الرائد دين ثورموند الغرض من ممارسات تسمية الأماكن هذه، في بداية الاحتلال، بالإشارة إلى أنه “من أجل التواصل والأمن والتأكد من أن الجميع كأنهم يعزفون ذات اللحن، فيؤدون واجباتهم دون أي خلل إجرائي” (The Sydney Morning Herald, 2003).

لقد كان يُنظر إلى المشهد المكاني البغدادي، من وجهة نظر المُحتل، وكأنه “معزوفة” مبهمة غير مفهومة، وبالتالي غير عملية، ولابد لفهمها -ومن ثم تأمينها- تحديد طبيعة هذه السيمفونية البغدادية المكانية لتكون ذات ألحان واضحة ومحددة ومثبتة على “نوتة” واحدة، مما ينتج عنها نص “طوبونومي” يعمل كأنه خريطة أراضي يمكن حصرها وقياسها وحسابها.

لم يقتصر الأمر على الأمريكيون وحدهم في إعادة صياغة الطوبونوميا العراقية بعد سقوط النظام السابق، فقد عملت  الجماعات الشيعية البغدادية على إعادة تسمية أسماء الشوارع والميادين والجسور والمساجد والمستشفيات والجامعات وأحياء بأكملها في محاولة منها للتخلص من إرث صدام. وفي الوقت الذي حرصت فيه بعض الفئات على استبدال أسماء الأماكن في المدينة والتي تعود لعهد صدام، أثار جزء من الشيعة مخاوفاً من احتمال أن يؤدي هذا إلى بعض “الاحتكاك” مع الجماعات السنة. لقد فتحت إعادة تسمية شوارع بغداد مساحة للاعتراف بالشيعة، وهي مساحة كانوا محرومين منها ردحاً من الزمن، غير أن هذا أنتج، في ذات الوقت، فضاءً رمزياً يحمل إمكانية زيادة تقسيم المدينة على أسس طائفية في ظل تصاعد التوترات الاجتماعية (Fox News, 2003, Price, 2003; Slevin, 2003). وكما توضح، حالة إعادة تشكيل الطوبونوميا في العراق أثناء الاحتلال الأمريكي، غالباً ما لعبت إعادة تسمية الشوارع والمعالم الأخرى دوراً حاسماً في الإنتاج الاجتماعي لـ “المكان”. ويؤدي الفعل اللغوي لتعيين اسم موقع معين فعلاً أكثر بكثير من مجرد الإشارة إلى “مكان” موجود بالفعل. ويقترح عدد من الباحثين ممن يعملون في ميادين المعرفة المختلفة، بأن فعل التسمية في حد ذاته يعمل بمنزلة ممارسة تنفيذية تستحضر “المكان” الذي يشير إليه من خلال محاولة تثبيت التناقضات العميقة للعمليات الاجتماعية المكانية في النصوص المكتوبة للأسماء التي تبدو أكثر قابلية للإدارة (Palonen, 1993; Yurchak, 2000; Kearns and Berg, 2002; Rose-Redwood, 2008c). بينما  يشير Massey (2005: 54) محذراً، بحق، من خطورة تبني “اتجاه طويل الأمد لترويض النصوص”، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة نبذاً شاملاً، أو حتى  الاستغناء الكامل، عن الروابط بين الفضاء والمكان والجملة النصية textuality.

وعلى العكس من ذلك، يظل التحليل النقدي لسياسات رسم الاسم المكاني أحد أكثر الاستراتيجيات فاعلية لتحدي المزاعم الأساسية لمنح فضاءات معينة هويات ثابتة. كما تعد تسمية الأماكن إحدى الوسائل الأساسية لمحاولة بناء هويات مكانية واضحة التحديد. لذلك، إذا أردنا التشكيك في “ترويض” ما هو مكاني في النص، كما يصر Massey (2005)، فسوف يتطلب هذا تحليلاً نقدياً للصراعات الاجتماعية والسياسية حول اسم المكان والممارسات الطوبونومية المرتبطة بها. ونحن ندرك أن دعوتنا للتركيز مجدداً على جغرافية تسمية الأماكن قد تلقت مبدئياً درجة معينة من الشك. ولكن، وبعد كل شيء، ألم يحاول معظم علماء الجغرافيا النأي بأنفسهم بعيداً قدر الإمكان عن التصور العام بأن الجغرافيا ليست أكثر من حفظ أسماء الأماكن وعواصم الدول؟

وتبدو مثل هذه الشكوك مفهومة بالنظر إلى الطبيعة الغامضة والموسوعية إلى حد كبير لكثير من الدراسات التقليدية المتعلقة بأسماء الأماكن. وهذا ما يفسر بدرجة كبيرة لماذا حققت البحوث المتعلقة بتسمية الأماكن وجوداً هامشياً لها ضمن البحوث الجغرافية ولماذا يُنظر إليه عموماً بوصفه “المجال القديم لدراسة أسماء المواقع الجغرافية والذي لا يُعول عليه كثيراً أثناء عملية تسمية الأماكن” (Goodchild, 2004: 712). وحتى ويلبور زيلينسكي، الذي دافع كثيراً عن دراسات تسمية الأماكن في مجال الجغرافيا، يشتكي من أن “المشهد النظري في دراسة الأسماء يبتعد عمّا هو مطلوب” (2002: 243). ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الارتباط بين دراسات اسم المكان والنزعة التجريبية القديمة، إلا أن هناك دلائل تشير إلى حدوث تغيير جذري حالياً في أبحاث أسماء المواقع الجغرافية. وقد أكد عدد متزايد من العلماء على أهمية فهم تسمية الأماكن كممارسة مكانية متنازع عليها بدلاً من اعتبار أسماء الأماكن مؤشرات شفافة تحدد الأماكن على أنها “موضوعات” أو “قطع أثرية” داخل مساحة جغرافية محددة مسبقاً (Berg and Vuolteenaho, 2009).

وسوف نتبع هنا التحول الأخير في دراسات تسمية الأماكن بعيداً عن تركيزه التقليدي على الاهتمامات الأصولية والتصنيفية، وسوف نتجه نحو استجواب نقدي لسياسة تسمية المكان. وإذا كان من الممكن القول في منتصف تسعينيات القرن الماضي أن “التقدير النقدي للسلطة والإيديولوجيا غالباً ما يكون بعيداً عن مركز الاهتمام في دراسات أسماء المواقع الجغرافية” (Myers, 1996: 237)، فإن هذا لم يعد هو الحال اليوم  حيث أصبحت “السياسة” الآن أحد ابرز الاهتمامات المركزية للمقاربات النقدية لدراسات تسمية المكان.

وقد أدى ما يسمى بـ “المنعطف النقدي” في مجال البحوث المتعلقة بتسمية المواقع الجغرافية إلى إنتاج مجموعة جديدة ومثيرة من الأبحاث، التي تضع دراسة تسمية مثل هذه المواقع في سياق المناقشات الأوسع نطاقاً في الجغرافيا البشرية النقدية. وسوف نبدأ بتقديم سلسلة مختارة من الدراسات المعاصرة حول تسمية المكان في القسم التالي من هذه الدراسة. والهدف من هذا البحث النسبي في الأصول ليس اقتراح نوع من التقدم الغائي أو التلقائي من الدراسات “التقليدية” إلى الدراسات “النقدية” في مجال دراسة تسمية الأماكن. بل من المؤكد أن مثل هذا التوصيف سيكون تبسيطاً مفرطاً، لأنه يحجب تنوع الأساليب المستخدمة في الوقت الحالي في المجال متعدد التخصصات لتسمية الأماكن، والذي يشمل كل شيء، بدءً من النزعة التجريبية غير الاعتيادية لأسماء المواقع الجغرافية التطبيقية وصولاً إلى التصورات النظرية للنقد ما بعد البنيوي، ويمكننا المجادلة في أن مستوى التفاعل الصريح والانعكاسي الذاتي مع النظريات النقدية للفضاء والمكان على مدى العقدين الماضيين قد شكل نقطة تحول مهمة في الأبحاث المتعلقة بتسمية الأماكن، وما نسعى عليه في هذه الجينالوجيا “الانتقائية” تسليط الضوء على هذا التحول نحو آلية تنظير لسياسات تسمية المكان، ونرى في هذه الخطوة إمكانية قلب التصور السائد بأنه يمكن اختزال أسماء المواقع الجغرافية في البحث الموسوعي عن الأصول الأصلية للأسماء مع إمكانية مواجهة الفكرة القائلة بإمكانية إنشاء نظام تصنيف “نهائي” يستطيع فرض ترتيب على التعدد المذهل لأسماء الأماكن. وثمة هناك العديد من الاتجاهات المختلفة التي يمكن أن تسلكها الدراسات النقدية لتسمية الأماكن الهامة في المستقبل.

لقد اخترنا التركيز على ثلاث مقاربات متميزة لفحص سياسات تسمية المواقع الجغرافية.

أولاً، سوف ننظر إلى تسمية الأماكن من منظور الرؤية السيميائية. ثم نستعين، بالدراسات الحكومية للقيام بأداء تنظيري حول تشكيل نظم الجملة الكتابية المكانية كاستراتيجية متكاملة في إنتاج مساحات قابلة للحساب. وسوف نركز اهتمامنا، أخيراً، على قضايا العدالة الاجتماعية من حيث صلتها بتصور أنظمة تسمية الأماكن على أنها “ساحات ثقافية”. وليست هذه الأساليب الثلاثة لدراسات تسمية المكان، بأي حال من الأحوال، متناقضة وذات صفة تبادلية ولا تستهلك مجال الأساليب النظرية المتاحة لنا. ولذلك سوف نسلط الضوء عليها هنا لتوضيح وجهات النظر المتعددة التي يمكن أن توجه السياسة النقدية لتسمية الأماكن، ونأمل أن توسع الدراسات المستقبلية الأفق المعرفي والأنطولوجي والمنهجي للدراسات النقدية لأسماء الأماكن.

II نحو جينالوجيا نقدية في الدراسات المعاصرة للتسمية المكانية

انهمكت دراسة تسمية الأماكن، في معظم فترات القرن العشرين، بتجميع أسماء الأماكن وفهرستها بدلاً من تحليل الممارسة الاجتماعية المكانية لرسم أسماء المواقع الجغرافية بحد ذاتها. وكان رايت (1929: 140) قد استعرض في وقت سابق حجة مماثلة لهذه المقاربة المتعلقة بدراسة تسمية الأماكن بطريقة تشبه مقاربة “جامع النباتات، الذي ينصب اهتمامه الأول على جمع العينات وإصدار البطاقات التصنيفية لها وفهرستها”. ويقترح ، في المقابل، أن “يقوم جامع الأسماء الجغرافية بوضع قوائم بأسماء الأماكن وتفاصيل نتائج البيانات المتعلقة بأصل ومعنى كل اسم”. وتميل مثل هذه الدراسات، من خلال تركيزها الشديد على أصول أسماء الأماكن الفردية، إلى إهمال الصراعات السياسية حول عمليات تسمية الأماكن (Kearns and Berg, 2002). كما يؤكد ويذرز (Withers 2000: 533) بشكل قاطع أيضاً بضرورة، “الانتباه إلى  أن الاهتمام بالاسم وحده، سواء على الأرض أو على خريطة تاريخية، ينطوي على مخاطرة التعرض مع الأهداف وليس مع الوسائل؛ ويتجاهل، أو، في أفضل الأحوال، يقلل من أهمية العمليات الاجتماعية الأساسية في فعل التسمية. ومع نهاية القرن تقريباً، لاحظ زيلينسكي (Zelinsky 1997: 465) بذكاء أن دراسة الأسماء الجغرافية لا تمثل أكثر من “جمع وتصنيف والبحث عن أصول الأسماء، مع ما يتخللها من انتقادات عرضية طارئة حول  الصلات بمجمل  الظواهر البشرية المحيطة”.

ظهر مع منتصف الثمانينيات، عديد من الباحثين عملوا على تحدي مثل هذه الأساليب التقليدية لأبحاث أسماء المواقع الجغرافية (Cohen and Kliot, 1981; Azaryahu, 1986; 1988; Carter, 1987; Ferguson, 1988; Stump, 1988). وقد وضعت الأعمال المبكرة لماعوز عزرياهو (1986 ؛ 1988 ؛ 1990 ؛ 1992 ؛ 1996) حول تسمية الشوارع والهوية السياسية أساس المسائلة النقدية لممارسات أسماء المواقع الحضرية وسياسات إحياء الذكرى. كما لفتت دراسة بول كارتر الكلاسيكية الآن، الطريق إلى بوتاني باي The road to Botany Bay (1987)، الانتباه أيضاً إلى الدور التأسيسي البنيوي للتسمية في إنتاج “الأماكن” مستثمرة بمعناها الثقافي ومعنى السلطة الاجتماعية. يركز كارتر بشكل خاص  على الطرق التي :اخترعت” بها ممارسات التسمية فعلياً مساحات جديدة للاستحواذ الاستعماري. كما يوضح كيف يضع فعل تسمية أماكن معينة في مجال “التداول الثقافي”، وبالتالي “تحويل الفضاء إلى موضوع معرفي، شيء يمكن استكشافه وقراءته (Carter, 1987: 28, 67 ) . لكن واتمور (2002: 68) تشكك في رأي كارتر عن ” أهمية اللغة وتفككها بسبب اهتمامه بالتسمية كممارسة مكانية حاسمة”. . وتؤكد بأن التركيز على استراتيجيات التسمية الإمبريالية -على الرغم من أهميتها- غالباً ما يؤدي إلى محو مفاهيمي لتلك المساحات الأصلية التي لم تخضع للتسمية الإمبريالية المتعمدة (انظر أيضاً Ryan, 1996; Clayton, 2000). وبالنسبة للجزء الأكبر لأهل الاختصاص، تعتبر هذه الانتقادات مبررة، ولكن العديد من القضايا التي أثيرت بشأن مقاربة كارتر تم علاجها على يد باحثين آخرين استكشفوا الصراعات الاجتماعية حول نظم التعبير المكانية المتنافسة (على سبيل المثال، Yeoh, 1992). كما استكشفت دراسات أخرى كيف عملت القوى الاستعمارية، بصورة متكررة، على محو وتعميش أ الاستيلاء على اللفات ونظم  تسمية الأماكن للمجموعات الأصلية المستعمَرة (Bassett, 1994; Herman, 1999.Withers, 2000; Grounds, 2001). وليس من المستغرب أن تكون استعادة اللغة والذاكرة والهوية مصحوبة بمرحلة الاستقلال ما بعد الكولونيالية، وكما كشفت جهود إعادة التسمية هذه، فإن هذه الاستعادة كانت بعيدة عن أي عملية سياسة مباشرة (Berg and Kearns, 1996; Yeoh, 1996; Nash, 1999).

لم يتم في سياقات الدراسات النقدية لتسمية الأماكن، التركيز كثيراً على الاسم بحد ذاته، بل انصب الاهتمام على السياسة الثقافية للتسمية -أي كيف يسعى الناس للسيطرة على عملية التسمية والتفاوض بشأنها والتنافس في عملية التسمية أثناء مشاركتهم في صراعات أوسع تتعلق بالشرعية والرؤية. وكان من الواضح، منذ منتصف التسعينيات، إعادة توجيه كبيرة في دراسات تسمية الأماكن حيث بدأ عدد متزايد من العلماء “بإعادة ربط تحليل اسم المكان بدراسة السلطة” (Myers, 1996: 237). واعتمدت العديد من هذه الدراسات على تحليل كوهين وكليوت (1992) الهام حول تسمية الأماكن كاستراتيجية لبناء الأمة وتشكيل الدولة، وبالتالي التركيز بشدة على كيفية قيام السلطات الحكومية ببناء أنظمة جديدة لإدراج أسماء المواقع الجغرافية. ومن أجل تعزيز مفاهيم  وتصورات معينة تتعلق بتاريخ الأمة وهويتها القومية. كما رصدت الأعمال التي تلت ذلك التغييرات في أسماء المواقع الجغرافية التي ترافقت مع حلقات الصراع الإيديولوجي الرئيسية  وتحولات السلطة في بلدان مختلفة (Azaryahu, 1992; 1997; Faraco and Murphy, 1997; Azaryahu and Golan, 2001; Robinson et al., 2001; Azaryahu and Kook, 2002; Light, 2004; Gill, 2005). وكما يؤكد ويلان (2005: 62)، تعمل تغييرات الأسماء هذه “كتمثيل مكاني للذاكرة والسلطة، مما يجعل روايات محددة عن الأمة قابلة للتنفيذ وتحويل التاريخ المرن والسائب إلى أساطير معقمة تربط  الهوية القومية على الواقع المادي للإقليم الجغرافي”.

وكما سوف يظهر هذا البحث، أثبتت إعادة تسمية الشوارع أنها استراتيجية شعبية شائعة خاصة بغية إزالة علامات الأنظمة السابقة والاحتفاء بمجموعة جديدة من الأبطال والحملات والقضايا (Ferguson, 1988; Palonen, 1993; Azaryahu, 1996; Yeoh, 1996; Faraco and Murphy, 1997; Alderman, 2000; Light et al., 2002; Pinchevski and Torgovnik, 2002; Light, 2004; Rose-Redwood, 2008b). ويشير هذا التركيز في الأدبيات حول تسمية الشوارع إلى القوة التي تتمتع بها أنظمة تسمية الشوارع في تكوين مساحات مألوفة مأخوذة من الحياة اليومية، خاصةً عندما “يستخدم الجميع تلك الأسماء [أسماء الشوارع] ولكنهم نادراً ما يلتفتون لمعناها التاريخي المحدد ولحقيقة انتمائها إلى بنى السلطة” (Azaryahu, 1996: 321). إنها بالضبط عملية استخدام تسمية الشوارع كآلية لـ”تطبيع” الهياكل السلطوية المهيمنة التي سعى علماء نقد أسماء الأماكن إلى تحديها من خلال إثبات عدم الاستقرار التاريخي والظرفي لأنظمة تسمية الأماكن. وفي الوقت الذي أكدت فيه غالبية الدراسات حول سياسات تسمية الأماكن على المسائل المتعلقة بالإيديولوجيا  والنزعة القومية، إلا أن هناك أيضاً مزيد من الاعتراف بانخراط نظم تسمية الأماكن في إنتاج مشاهد مكانية ذات طابع عرقي وجندري وسلعي (Berg and Kearns, 1996; Boyd, 2000; Yurchak, 2000; Kearns and Berg, 2002; Hagen, 2007; Mitchelson et al., 2007; Alderman, 2008; Rose-Redwood, 2008b).

لطالما لعبت القوة التي تولدها تسمية الأماكن دوراً طويل الأمد في الاقتصاد السياسي للترويج للمكان؛ بدءً من التسميات الخاطئة المقصودة لجزيرة غرينلاند وصولاً إلى الممارسات الأكثر حداثة لتسمية التجمعات السكنية والشركات والكازينوهات وحتى تسمية المشافي بأسماء تسويقية (Zelinsky, 1989; Kearns and Barnett, 1999; Raento and Douglass, 2001). ويتم شراء وبيع حقوق تسمية الأماكن بشكل متزايد وكأنها سلع، وتستخدم هذه الميزة لإظهار قوة الشركات، ولخصخصة الفضاء العام والذاكرة (Boyd, 2000; Yurchak, 2000). وبالاعتماد على أعمال بيير بورديو، أشارت الدراسات الحديثة إلى أن الأسماء الجغرافية تعمل كشكل من أشكال “رأس المال الرمزي”، أو وسيلة لخلق التمييز الاجتماعي والمكانة لكل من المجموعات النخبوية والمهمشة وكذلك  اللاعبين الأفراد الرئيسيين (Hagen, 2007; Alderman, 2008; Rose-Redwood, 2008b). ويمكن، بالطبع، تحويل رأس المال الرمزي إلى رأس مال اقتصادي، لكنه غالباً ما يحمل قيمة أكبر حيث يتنافس الناس على الهيبة والنفوذ داخل النظام الاجتماعي والسياسي الأكبر (Forest and Johnson, 2002). وتأتي الطبيعة المتنازع عليها اجتماعياً لأسماء الأماكن من حقيقة أنها نصوص سيميائية قوية مضمنة في  أنظمة معنى وخطاب أكبر يتم قراءتها وتفسيرها والتصرف بناءً عليها اجتماعياً من قبل الناس بطرق مختلفة (Duncan, 1990; Pinchevski and Torgovnik, 2002). فتستحضر الطوبونوميا، وفقاً لثورنتون(1997: 221)، “مجموعة واسعة من الروابط  العاطفية والعقلية والفيزيقية، توضح كيف يتعلم الناس “التفكير” في المشهد المكاني وليس “حوله” فقط”. كما تعتبر أسماء الأماكن على درجة من الأهمية لجهة إنشاء روابط عاطفية  معها والحفاظ عليها، حتى في مواجهة الاغتراب المادي عن هذه الأماكن ذاتها (Kearney and Bradley, 2009; see also Davidson et al., 2005). وترتبط أسماء المواقع الجغرافية ارتباطاً وثيقاً ومتقناً بسرديات وقصص ثقافية كبيرة، وتعمل بمنزلة  “وسيلة لوضع الناس في الأماكن” ومساعدة الجمهور على اتخاذ الأحكام المعنوية والأخلاقية عن أنفسهم وعن الآخرين (Carbaugh and Rudnick, 2006: 167). وكما تُظهر هذه النظرة العامة المحددة للدراسات النقدية لأسماء المواقع، فقد شهد مجال أسماء المواقع الجغرافية تحولاً كبيراً على مدار العشرين عاماً الماضية. حيث تم استكشاف مجموعة متنوعة من الاهتمامات الموضوعية الجديدة، وهناك الآن اعتراف أكبر بأن أبحاث أسماء المواقع الجغرافية يجب أن ترتكز بقوة على المشاركة الصريحة مع النظريات النقدية للفضاء والمكان والمشاهد المكانية.

وسوف ننظر، في الجزء المتبقي من هذه الدراسة، في ثلاثة أطر نظرية متميزة يمكن استخدامها لتقديم تحليل نقدي الممارسات الطوبونومية، وهذه الأطر هي: الدلالات السياسية، ودراسات الحكومة، وأخيراً النظريات المعيارية للعدالة الاجتماعية والمقاومة الرمزية. ويُقصد من هذه المناقشة أن تقدم نظرة عامة تصف بصورة موحية للمقاربات المحتملة للدراسات النقدية للتسمية المكانية. إذ ليس الهدف هنا تقدم نظرة شاملة.

III السيميائية السياسية والاقتصاد الثقافي لتسمية الأماكن التذكارية

تحتل الأسماء والتسميات التي تنتمي إليها مكانة مركزية في أي نظام ثقافي. وتستكشف الدراسات السيميائية، أو دراسة العلامات والدلائل، التواصل الثقافي للمعنى وكيف يتم تشفير وفك تشفير الرسائل المنشورة في حيز التواصل الاجتماعي. ومن الجدير ذكره التنويه إلى التطور اللافت على عدد من التقاليد السيميائية، كأداة للتمعن في نظم الدلالات بأنواعها، وذلك منذ الأعمال الرائدة لكل من فرديناند دي سوسير وتشارلز ساندرز بيرس (Chandler, 2007). ويبدو أن تطبيق المقاربة السيميائية مفيد على وجه الخصوص لدراسة “الطوبونيمات” التذكارية. ويمكن تتبع العلاقة الدلالية بين تسمية الأماكن والسلطة السياسية عبر التاريخ. فتسمية الأماكن باسم مؤسسيها، على سبيل المثال، هو تقليد قديم يعود إلى عصور غابرة. وعلى غرار الإسكندر الأكبر، أطلق على المدن الجديدة في الإمبراطورية الهلنستية والرومانية أسماء الأباطرة. وينطبق الأمر، في أغلب الأحيان، على المستوطنات الجديدة التي تأسست في الغرب الأمريكي والتي حملت ذكرى أسماء قادة سياسيين  ومواطنين بارزين، فضلاً عما حدث في الاتحاد السوفييتي حين أطلق على المدن هناك أسماء أعضاء البانتيون السوفيتي. ففي العام 1924، على سبيل المثال، تغير اسم بتروغراد إلى لينينغراد. وكانت عبادة شخصية ستالين واضحة أيضاً في تسمية عدة مدن باسمه من  بعده في كل من الجمهوريات السوفيتية الست عشرة. وخلال النصف الثاني من القرن العشرين، في عصر السفر الجماعي، تم تسمية المطارات بالمثل على اسم الأبطال الوطنيين.

واعتمد أحد المؤلفين الحاليين، في دراسات سابقة، على عمل أمبرتو إيكو لتحليل الدلالات السياسية في التسمية التذكارية للشوارع، والتي تتضمن التفاعل بين الوظائف الأساسية والوظائف النفعية المتداولة التي تعبر عنها ومجموعة معقدة من الوظائف الثانوية والرمزية “التي تنتمي إليها” (Azaryahu, 1996). وتتضمن هذه الوظائف الثانوية والرمزية قيم ثقافية وأعراف اجتماعية وإيديولوجيات سياسية مرتبطة بالرسالة الرمزية للدلالة السيميائية (Eco, 1986). وتتمثل الوظيفة المستخدمة لأسماء المواقع الجغرافية في تعيين “أماكن” مختلفة كجزء من نظام عام للتوجه المكاني. وتفتح تسمية الأماكن الرسمية من قبل السلطات إمكانية إنشاء أسماء تتوافق، بصفتها التذكارية، مع المبادئ الإيديولوجية القائم عليها النظام الاجتماعي السياسي الحاكم وتتوافق معها، ويضج مثل هذا البعد التذكاري في أسماء الأماكن معنىً إيديولوجياً وأهمية سياسية (Palonen, 1993.Azaryahu, 1996).

ويمكن حدوث تتداخل في الوظيفة التذكارية مع الوظيفة النفعية لأسماء المواقع الجغرافية بل وتعرقلها، وذلك عندما تعطى إحياء الذكرى أولوية على حساب التوجيه. وأحد الأمثلة على مثل هذا الوضع نراه عندما يتم تقسيم طرق مستمرة جغرافياً إلى وحدات أصغر لاستيعاب العديد من الأسماء التذكارية، حيث يتم تعيين كل من هذه الأسماء في جزء متتالي محدد من الطريق بين تقاطعات مجاورة. وسوف يكون الهدف، من وجهة نظر المسؤولين عن منح هذه الأسماء التذكارية، هو زيادة عدد الأسماء الاحتفائية إلى أقصى حد  في تلك المنطقة المفترضة. ولكن الأمر بالنسبة للكثير ممن يتنقلون عبر مدينة ما، لا يعدو أن يكون ممارسة تتحدى الافتراضات “المنطقية” التي تنظر إلى هذا الطريق المتصل كوحدة حضرية واحدة وينبغي تعيينها على هذا النحو. ويعتمد استخدام أسماء الأماكن لأغراض إحياء الذكرى على تقليد مديد عابرة للثقافات، يؤكد أن نطق الأسماء الصحيحة للموتى يسهل التذكر وإحياء الذكرى. ويعتبر إحياء ذكرى ستالينغراد، من منظور سيميائي، علامة مستلهمة بارزة هنا لأن عملية التذكر تستلزم استحضار مجموعة من الاحتفالات الصريحة والضمنية. لقد أطلق على أحد شوارع باريس اسم ستالينغراد Avenue de Stalingrad على اسم المدينة السوفيتية التي أصبحت، بعد الانتصار الحاسم للجيش الأحمر في العام 1943، مجازاً للموقف البطولي والمنتصر. وعلى مستوى تذكاري آخر، يحتفي اسم المدينة بذكرى ستالين. وبصفته، أي الاسم، رمزاً بارزاً لعبادة الشخصية الستالينية، تم تغيير اسم المدينة إلى فولغوغراد في سياق حملة التخلص من المظاهر الستالينية، ومع ذلك تم الاحتفاظ بذكرى ستالين في اسم شارع ستالينغراد Avenue de Stalingrad في باريس. ويظهر الاسم أيضاً في العديد من المدن الأوروبية الأخرى، مثل ليون وبروكسل.

بعد إعطاء اسم تذكاري لمكان ما، يصبح الاسم مرتبطاً أكثر فأكثر بموقعه الجغرافي: فيتحول التاريخ  إلى جغرافيا.  إن أسماء مثل كينيدي، بسمارك، مارتن لوثر كينغ، بن غوريون، قد أتت للإجابة على السؤال “أين” بدلاً من السؤال “من هو”. ونتيجة لتحويل الأسماء التاريخية إلى أسماء أماكن، فتأخذ الدلالة الجغرافية مكانها بينما يصبح وجود المرجع التاريخي غامضاً بعض الشيء لمعظم مرتادي المدينة: “عندما أسمع اسم فريديرك شتراسّه Friedrichstrasse أو أسماء شوارع مشابهة، لا أفكر  في تلك اللحظة على الإطلاق أن الشارع يحمل اسم فريدريش الأول أو أي شخص آخر”( Loewy, 1927: 303). وبصرف النظر عن المنظورات الإيديولوجية الكامنة وراء تسمية الأماكن التذكارية، يبقى المعنى الذي يمنحه الأفراد إلى أسماء الأماكن ويرتبطون بها هو معنى وظيفي أيضاً. وتعتمد أسماء الأماكن، إلى حد كبير، على كيفية تأطير تجارب الأفراد الشخصية لجهة تفاعلهم السيميائي مع المشهد المكاني. وتعتبر الرواية التاريخية التي تقدمها تسمية المكان التذكاري في التواصل الاجتماعي أمراً غاية في الوضوح، بوصفها جزء من “النظام الطبيعي”. وبهذا المعنى، فإن الضعف الواضح للمرجعية التاريخية سوف يعزز، في الواقع، من قوة أسماء الأماكن التذكارية لتقديم رواية معينة من التاريخ لا تكون مألوفة فحسب، بل وبديهية أيضاً. وتتمثل ميزة اسم المكان كوسيلة تذكارية في أنه يحول الخطاب الرسمي للتاريخ إلى تجربة ثقافية مشتركة مدمجة في ممارسات  المعيش اليومي.

وتقدم أسماء الأماكن، بصفتها التذكارية هذه، مخططاً للمكان والزمان التاريخيين اللذان يظهران كنص خرائطي. ويتم تضمين أسماء الشوارع، على سبيل المثال، في منظر المدينة لتشكيل “نصاً مدينياً” معروض في لافتات وخرائط الشوارع (Azaryahu, 1996). والجدير بالذكر أن هذا النص المديني يمثل أولويات الإدارات البلدية والأنظمة السياسية السابقة. كما يُعد نص المدينة، المكتوب على فترات طويلة من الزمن، والذي يتم إعادة كتابته أو الكتابة فوقه في نهاية المطاف، عبارة عن مجموع الإضافات والمحو السابقة، وبهذه الصفة يكون طِرساً palimpsest [لوح مكتوب وممسوح عدة مرات- المترجم]  (Ferguson, 1988; Crang, 1998). ويكون مؤلفي النص المديني، في الغالب، أعضاء غير معروفين في اللجان والمسؤولين المكلفين بتسمية الشوارع والأماكن العامة الأخرى. وتمثل اختياراتهم ظروفاً حضرية طارئة، لكنها تمثل أيضاً التزامات إيديولوجية واهتمامات السياسية للنخب المحلية المسؤولة عن التكوين السيميائي للمدينة.

ولا يمثل نص المدينة، كجغرافيا خاصة للذاكرة العامة، نسخة من التاريخ فحسب، بل يمثل أيضاً أولويات تذكارية وخطابات مهيمنة من فترات سابقة. ويجعل ارتباط الأسماء التذكارية بأنظمة اجتماعية وثقافية وسياسية محددة عرضة للتحولات في الإيديولوجيات السياسية وخطابات التاريخ. والقضية ذات الصلة هنا، هي تأثير تغيير الإدارة المحلية على نص المدينة. حيث يكتسب هذا أهمية خاصة عندما تدعم الإدارة الجديدة أجندة تذكارية تختلف عن سابقاتها. وعندما تكون الاستمرارية مرغوبة، فإن أحد الحلول الممكنة هو التسمية التذكارية للأماكن العامة في الأحياء المبنية حديثاً للتعويض عن أوجه القصور المزعومة أو الحقيقية في الذكرى السابقة. هناك خيار آخر وهو إعادة تسمية المعالم والشوارع والأماكن الأخرى الموجودة. تظهر هذه الظاهرة بشكل بارز في فترات تغيير النظام والتحول الثوري، عندما تكون “إعادة تسمية الماضي” مقياساً للمراجعة التاريخية التي يتم الترويج لها رسمياً. وتنتمي عملية إعادة كتابة نصوص المدينة بدوافع إيديولوجية، إلى جنب عملية هدم الآثار، إلى “ثورة سيميائية” تشير إلى انقطاعات في التاريخ السياسي. وتقوم عملية إعادة تسمية الأماكن، بهدف إعادة بناء البنية التحتية الرمزية للمجتمع، بإدخال التغيير السياسي وإيديولوجية النظام السياسي إلى المجالات الدنيوية للتجربة الإنسانية. وعندما يتم إجراء هذه العملية في سياق تغيير النظام، فإن إعادة التسمية هذه تعتبر بمثابة رسالة قوية، في حد ذاتها، تتمحور حول سيطرة النظام الجديد على البنية التحتية الرمزية للمجتمع. وليس أدل من ذلك، البروز الواضح لـ “التطهير الطوبونومي Toponymic cleansing ” ضمن السياقات القومية، حيث يتم توجيه “إعادة تسمية المشهد المكاني” لزيادة لحمة اللغة القومية بالأراضي القومية عن طريق استبعاد أسماء الأماكن “الأجنبية” (Azaryahu and Golan, 2001). وانتمى “تأميم nationalization ” أسماء المواقع الجغرافية، كإجراء رمزي لبناء الوطن، إلى فترات بناء الأمة وتشكيل الدولة في أوروبا منذ أن تمت ممارسته لأول مرة في اليونان المستقلة عن الدولة العثمانية بعد العام 1830، عندما تم تحويل أسماء الأماكن التركية والسلافية والإيطالية إلى اليونانية Hellenized. ويعد تطهير أسماء المواقع الجغرافية من الأسماء الاستعمارية سمة شائعة في سياقات ما بعد الكولونيالية (Yeoh, 1996). وبناءً على افتراض أن الاقتصاد السياسي للدلالات والتشكيلات الاجتماعية يعبر عن سيمائيات مترابطة بصورة وثيقة، فسوف تستكشف الفرضية السيميائية السياسية الإيديولوجيا باعتبارها شكلاً ثقافياً وسوف تبحث في البعد الاجتماعي والسياسي لهذه الدلالات. وتقدم السيمياء السياسية لتسمية الأماكن رؤى مهمة في دراسة العلاقات بين الطوبونوميا وسياسات التعيين الثقافي. وبذلك، فهي، أي السيمياء السياسية، تلقي الضوء على كيفية ضمان الإجراءات التذكارية لتسمية الأماكن ضمن الجغرافيا السياسية للذاكرة العامة.

IV الحكومة، وأنظمة الكتابة المكانية، وإنتاج الفضاءات القابلة للحساب

تكرس معظم التوصيفات السيميائية لتسمية الأماكن اهتماماً كبيراً للطرق التي تشكل بها الأسماء الجغرافية المشهد باعتباره “نصاً” يمكن من خلاله قراءة الأولويات التذكارية لأي شخص. وكما هو مذكور أعلاه، غالباً ما تتناقض الوظيفة الأداتية للدلالة مع أبعادها التذكارية، حيث يتم اختزال هذه الوظيفة إلى الفكرة المألوفة للحاجة إلى التوجيه المكاني (الدلالة) بينما تتكون الأبعاد التذكارية من عالم أكثر تعقيداً لجهة الارتباطات الرمزية (العلاقة الضمنية أو الإيحاء)، غير أن هذا التمييز الواضح بين (الدلالة) و(الإيحاء) لا يمر دون اعتراض (على سبيل المثالBaudrillard, 1981; Davis, 2005)، ومع ذلك نجد أن منطق الدلالة الأداتية غالباً ما يمر دون مساءلة، بينما يتركز قدر كبير من الاهتمام على سياسات التعيين الثقافي التي تلعب دوراً هاماً، لاشك، في عملية تسمية الأماكن. ومن الأهمية بمكان تطبيق ذات المستوى من التدقيق النقدي على العقلانيات التي تبدو بديهية للحسابات المكانية والتوجيهات الجغرافية حيث تكرست دراسة اسم المكان المتعلقة بالمعاني الاجتماعية للاحتفال والتذكار والهوية الثقافية. ونحتاج، لوضع الأمر بصورة موجزة، إلى تطوير الأدوات النظرية اللازمة لفتح “الصندوق الأسود” للدلالة المكانية كما حدث فعلياً مع الحيز الرمزي لعلاقة الضمنية أو الإيحاء. ولعل نقطة الانطلاق المفيدة لبدء مثل هذا اللقاء بين دراسات اسم المكان النقدي وتحليل سياسات الحساب هي الإقرار باعتبار تسمية المكان جزءً من تاريخ أوسع للتعريف المكاني. ولا يتطلب جينالوجيا التعريف المكاني النظر فقط في تسمية المكان ذاته ولكن أيضاً في كيفية ارتباطه بسلسلة كاملة من الممارسات المكانية مثل ترقيم الشوارع والمنازل، وإنشاء أنظمة اللافتات، ورسم الخرائط العقارية لأغراض إدارة الملكية والممتلكات، وإنشاء الرموز البريدية، وغيرها من التقنيات ذات الصلة بالتسجيل المكاني (الترميز الجغرافي geo-coding). وإذن، فتسمية الأماكن ليست نشاطاً سيميائياً معزولاً، بل هي شكل من أشكال الكتابة المكانية له آثار مادية كبيرة كواحدة من بين العديد من “أجهزة تحديد الهوية” (Caplan and Torpey, 2001).

لقد أصبح بناء نظم التسجيل المكاني ـ منذ القرن الثامن عشر، استراتيجية رئيسية لترتيب الفضاءات الجغرافية، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإنتاج المعارف الحكومية والتعرف المكاني للأفراد الذين يشكلون المجموعة السكانية (Curry et al., 2004; Curry, 2005; Farvacque-Vitkovic et al., 2005; Rose-Redwood, 2006; 2008a; Thale, 2007). لقد أصبح تاريخ العقلانيات الحكومية، وحوكمة السكان، وبناء المساحات القابلة للحساب محوراً مهماً للدراسات الجغرافية الهامة على مدار العقد الماضي (Braun, 2000; Hannah, 2000; 2009; Elden, 2001; 2005; 2007; Blomley, 2003; Pickles, 2004; Crampton and Elden, 2006; 2007; Huxley, 2007; Mayhew, 2009). ويعتمد جزء كبير من هذا العمل على مناقشات ميشيل فوكو (1991 ؛ 2007) حول ما هو حكومي governmentality ، أو العقلانية الحكومية، لا سيما تأكيده على الدور الرئيسي الذي لعبته الإحصائيات تاريخياً في تشكيل المعرفة الحكومية “للسكان”. لقد اهتم فوكو بفهم كيفية ممارسة السلطة من خلال مجموعة تقنيات سياسية تمكن من إنتاج المعرفة، والتي تستهدف كل من الفرد المعيّن والسكان ككل. وركز الجغرافيون الذين شاركوا في إنتاج الأدبيات الأكاديمية حول “دراسات الحكومة” بشكل عام على تاريخ التعدادات السكانية ورسم الخرائط وتقسيم المساحات الجغرافية. غير أن استعمال “العنونة” العددية كتقنية سياسية لم يحظ باهتمام بين المهتمين بعلاقات الفضاء والمعرفة والسلطة (Rose-Redwood, 2006; 2008a). وفي الوقت ذاته، شارك عدد قليل جداً من علماء أسماء الأماكن في الأدبيات المتعلقة بالحكومة وسياسة الحساب. ونود أن نقترح هنا إمكانية الوصول إلى تحليلات هامة، عند تقاطع هذين النمطين من الأدبيات الناشئة، عندما يدور الحديث حول كتابة أسماء الأماكن وأنظمة التعرف الحكومية ومساحات الحساب. وعند ربطها بنظام متسق لأرقام المنازل والرموز البريدية، تصبح أسماء شوارع المدينة عناصر من نظام جغرافي موضعي geolocational regime يمكّن السلطات الحكومية من فرض الضرائب ومراقبة الأمن وتوفير الخدمات لسكانها بسهولة أكبر، مما يسمح للشركات بالاستهداف المكاني للمستهلكين المحتملين باستخدام مختلف نظم المعلومات الجيوديموغرافية المختلفة؛ ودمجها في البنية التحتية المفروضة والمأخوذة كواقع مألوف في المعيش  اليومي. وبينما يمكن لممارسة العنونة العددية للمساحات الجغرافية أن تخدم الغايات القمعية لفرض السيطرة الاجتماعية، فإن التحليل الفوكوي للتقنيات السياسية يهتم أيضاً بكيفية إنتاج هذه التقنيات لأنماط جديدة من الذاتية حيث تصبح المساحات المشفرة جغرافياً شرطاً لإمكانية تحديد مكان “الذات” و “الآخرين” من الناحيتين الاجتماعية والمكانية على حد سواء.

سلّط كرامبتون وإلدن (2006) الضوء على ضرورة تقديم دراسة نقدية لكيفية تأثير تقنيات الحساب العددي على تشكيل سياسات الفضاء منذ القرن السابع عشر. وسعيا، بشكل أكثر تحديداً، إلى إعادة النظر في العلاقات المتبادلة بين الفكر الحسابي والعمل السياسي من خلال استكشاف “جغرافيات التجزىء والحساب الرياضي” (Crampton and Elden, 2006: 681). وإذا ما تمت إعادة صياغة تاريخ تسمية الأماكن كجزء من جينالوجيا العنونة الجغرافية والترميز الجغرافي، فإن أهميتها لمشروع التاريخ المكاني للحساب تصبح أكثر وضوحاً. وهذا ما ينطبق بشكل خاص عند النظر في التنظيم المكاني لمعظم المدن الأمريكية، حيث يتم استخدام أنظمة ترقيم الشوارع كاستراتيجية جغرافية أولية للترتيب المكاني (Baldwin and Grimaud, 1989; Hamlin, 1999; Rose-Redwood, 2008a). ويعد ترقيم الشوارع في المدن الكبيرة والبلدات الصغيرة على حد سواء، أحد أكثر الدلالات البصرية وضوحاً على تضمين مفاهيم “العدد” و”الحساب” في مناحي الحياة اليومية. وينبغي لجينالوجيا تقنيات الحساب المكاني على بينة من خصوصية ظهورها في سياقات تاريخية وجغرافية مختلفة، بما في ذلك المجال الافتراضي للفضاء السيبراني (على سبيل المثال، McDowell et al., 2008). وفي حين أن جميع هذه المشاريع كان لها هدف مشترك يتمثل في إنتاج مساحات “مقروءة” (Scott, 1998)، فإن هذا لا يعني بالضرورة أننا يجب أن نتصور عملية عالمية من “العقلنة rationalization ” المكانية التي تحركها الدولة تشمل العالم بأكمله من عصر التنوير وحتى الوقت الحاضر. وكما يجادل فوكو، بحق، “كلمة عقلنة rationalization كلمة خطيرة، وما يتعين علينا القيام به هو تحليل عقلانيات محددة بدلاً من الاحتجاج دائماً بتقدم العقلنة بشكل عام” (Foucault, 1983: 210، التشديد في الأصل). إن التاريخ المكاني للعنونة العددية شديد الفوضى والتجزئة بحيث لا يتسع لمثل هذه التنظيرات الكبرى على صعيد عالمي. وبغض النظر عن مستوى التحليل، فمن الأهمية بمكان ألا تقتصر جينالوجيا الفضاء القابلة للحساب على مجرد فرض رؤية نظرية مسبقة على “موضوع” التحليل الخاص بها، بل عليها، أي الجينالوجيا، البقاء منفتحة لإعادة الصياغة والتناقض والتحديات الأساسية للأطر النظرية التي تُوجه الاستقصاءات الجينالوجية.

ما نطلبه هنا، إذن، ليس التمسك الصارم بالمنظور الفوكوي بشأن الحكومة – إن وجد شيء كهذا أصلاً. وبدلاً من ذلك، يجب أن يلهم عمل فوكو حول العقلانية الحكومية والتقنيات السياسية مزيداً من البحث المعمق في العلاقة بين رسم أسماء الأماكن وإنتاج مساحات قابلة للحساب بدلاً من بناء قفص مفاهيمي صارم مع كل زخارف القيود النظرية.

Vالعدالة الاجتماعية والمقاومة الرمزية وتسمية المكان كساحة ثقافية

تميل المناقشات حول كيفية تسمية الأماكن ودورها في دلالات تغيير النظام السياسي وإنشاء مساحات خاضعة للحكم تركز انتباهنا على قضايا السيطرة الاجتماعية والسياسية. ولا شك أن عملية التسمية تلقي الضوء على علاقات القوة -كيف تتمتع بعض الفئات الاجتماعية بالسلطة لتسميتها بينما لا يمتلك الآخرون مثل هذه القوة والسلطة- والطريقة الانتقائية التي يعاد بها إنتاج هذه العلاقات لتأبيد هيمنة إيديولوجيات وهويات معينة على غيرها. وعند التأكيد على السيطرة وراء كتابة أسماء المواقع الجغرافية، يجب أن ندرك أيضاً إلى أي مدى يمكن تحدي هذه السيطرة. يركز مجاز “الساحة الثقافية” على قدرة أسماء الأماكن في أن تكون بمثابة مواقع للمنافسة والنقاش والتفاوض حيث تتنافس الجماعات الاجتماعية على حق التسمية، وعلى حد تعبير دون ميتشل (2008: 43)، ” القدرة على تحديد المعاني التي يمكن قراءتها داخل وخارج المشهد”. وسوف يكون لنتائج صراعات التسمية هذه تأثير مباشر على رؤيتها لـ “الواقع” التي ستبدو مهمة اجتماعياً، نظراً لأن المشهد المكاني ليست مجرد نتاج للسلطة الاجتماعية وإنما أيضاً نتاج أدوات أو موارد تحقيقها. وبينما تعترف نظريات الهيمنة بأن الجماعات أو الطبقات المهيمنة تسيطر على إنتاج الفضاء الثقافي، فإنها تصر أيضاً على أن هذه الهيمنة ليست كاملة، ويتم تحديها من خلال إيديولوجيات مضادة للفئات الدنيا. قد تكون المقاومة تصادمية أحياناً، لكنها غالباً ما تكون رمزية تتضمن “الاستيلاء على بعض الموضوعات والدلالات من الثقافة السائدة وتحويلها إلى أشكال رمزية تأخذ معنى وأهمية جديدة” للمجموعات الدنيا التابعة (Cosgrove and Jackson, 1987: 99). ويمكن تفسير تسمية الأماكن كأداة تحدي للإيديولوجيات السائدة وكذلك وسيلة لإدخال معانٍ ثقافية بديلة وسرديات الهوية. ويذهب كادمون (2004) إلى أبعد من ذلك في استخدام مفهوم “حرب التسمية” لوصف مدى استيلاء الجنسيات المهمشة والثقافات اللغوية داخل البلدان على أسماء الأماكن وإعادة كتابتها على الخرائط كجزء من حملات المقاومة. فالخرائط هي أكثر من مجرد مستودعات بريئة لبيانات التسمية. فهي تعمل -من خلال سلطتها النصية والاستخدام المتكرر- على تطبيع طرق معينة لمعرفة وتسمية المشهد المكاني على حساب طرق أخرى (Melville, 2006).

يمكن للمشهد المادي ذاته أن يكون أيضاً موقعاً مهماً لمقاومة التسمية، حيث يشارك الفاعلون والمجموعات الاجتماعية في “التسمية المضادة” للأماكن (Zeidel, 2006: 201). وكما يوضح كل من راينتو وواتسون (2000)، نفذت مجموعات الباسك الراديكالية بعض احتجاجاتها السياسية على أساس إقليمي من خلال تدوين أسماء خاصة بها فوق أسماء الأماكن الإسبانية على اللافتات العامة. ويجادلان بأن “إعادة التصميم اللغوي هذه” تشكل تحدياً مباشراً لسلطة كل من الدولة الإسبانية والمفهوم القومي المعتدل لمجتمع وسياسة وثقافة الباسك” (Raento and Watson, 2000: 727). وحدث نوع مماثل من المقاومة منذ فترة طويلة في إيرلندا الشمالية حيث قام القوميون الإيرلنديون برش كلمة “لندن” بهدف طمسها من لافتات الطرق المؤدية إلى لندنديري (Doherty, 2007). وعندما رفض مسؤولو شيكاغو اقتراحاً بإعادة تسمية شارع مونرو  باسم فريد هامبتون، وهو زعيم منظمة الفهود السود الذي قُتل في ذلك الشارع من قبل شرطة المدينة في العام 1969، سار أعضاء المنظمة في إلينوي إلى بلوك 2300 في مونرو ونشروا لافتات شوارع كتبوا عليها اسم هامبتون (Grossman and Avila, 2006). إن الحالات المذكورة أعلاه لأشخاص يطالبون ويعيدون تدوين المشهد المكاني من خلال ممارسات تسمية الأماكن من مختلف الأنواع تعتبر حالات مؤثرة ومثيرة للذكريات وتساهم في إبراز قضيتهم ورؤيتهم الخاصة، وإن كان ذلك مؤقتاً في كثير من الأحيان. وغالباً ما يتم استخدام تسمية المكان كمقاومة بشكل أكثر دقة، كما هو الحال عندما يستخدم السكان الذين يحتلون موقعاً ما تحت السلطة نظاماً منافساً وغير رسمي لتسمية الأماكن بدلاً من نظام التسمية المعتمد (Yeoh, 1992; Bigon, 2009). إن اختيار عدم استخدام النظام الرسمي لتسمية الأماكن هو ممارسة تعني نوعاً من تقرير المصير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتضمن مقاومة تسمية الأماكن “استخدام طرق نطق بديلة للأسماء المعروفة”، كما يقترح كيرنز وبرج (2002: 286) في دراسة سياسات ما بعد الكولونيالية للاعتراف بالحقوق الثقافية للسكان الأصليين داخل أوتياروا / نيوزيلندا. إن نطق اسم المكان، سواء كان متعاطفاً مع شعب الماوري أم لا، هو فعل اجتماعي لسردية الهوية، وطريقة “لبناء الذات وتحديدها إزاء الآخر” (Kearns and Berg, 2002: 298).

على الرغم من أن مقاومة تسمية الأماكن تتم غالباً من خلال الممارسات والأداء اليومي، يمكن للمجموعات المهمشة استخدام الوسائل الرسمية والسياسية لتحدي ممارسات التسمية المتعمدة. وتتجلى، على وجه الخصوص، طبيعة التسمية المتنازع عليها والقابلة للتفاوض في استخدام كتابة أسماء المواقع لخدمة أهداف الاحتفالات العامة، حيث يكافح الناس لتحديد من له الحق في تحديد ما يتم تذكره (ونسيانه) علناً ورسمياً. وتتجه الأقليات العرقية والإثنية في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بشكل متزايد إلى التسمية كاستراتيجية سياسية لمعالجة استبعادها وعدم تمثيلهم الصحيح ضمن البناء التقليدي السائد الذي يهيمن عليها البيض. وأدت هذه الاستراتيجية إلى إزالة أسماء أماكن تحمل إهانات عنصرية وعرقية وإعادة تسمية الأماكن بطرق تعترف بالأهمية التاريخية للأقليات (Monmonier, 2006).

ففي فينيكس، أريزونا، على سبيل المثال، نجح قادة السكان الأصليين الأمريكيين والمسؤولين الحكوميين المتعاطفين في الضغط من أجل إعادة تسمية سكوا بيك Squaw Peak تكريماً للسيدة لوري آن بيستيوا Lori Ann Piestewa، التي كانت أول جندية أمريكية من السكان الأصليين تقتل في معركة، – قتلت في العام 2003 في حرب العراق. وفسر الكونغرس الوطني للسكان الأصليين الأمريكيين هذه القضية إلى حد كبير من منظور سياسات الهوية، مشيراً إلى أن استخدام  الاسم squaw (والذي يعني من بين عدة أشياء، المرأة، الزوجة، المحاربة الأمريكية الأصلية) كاسم جغرافي هو” مثال على عدم الاحترام والعنصرية تجاه النساء الأصليات، اللائي غالباً ما كن قادة سياسيين واجتماعيين لمجتمعاتنا”. (مقتبس في Kelleher, 2004: 121). تم  تصور إعادة تعريف سكوا بيك كطريقة لتحدي التمييز الجنسي وكذلك للصور النمطية العرقية / الإثنية، مما يدفعنا إلى تأمل الطبقات والمحاور المتعددة للهوية والخلاف في العمل في عملية تسمية المكان. كما نشط الأمريكيون من أصل أفريقي بشكل خاص في استخدام أسماء الأماكن لتحدي التذكارات العنصرية للماضي في المشهد المكاني الثقافي. وللمدارس تاريخ طويل ومن طبيعة صعبة في العلاقات العرقية الأمريكية، ويُنظر إلى إعادة تسمية هذه المؤسسات كوسيلة للتنافس في تحديد التعريفات المعيارية للهوية الثقافية والتاريخية (Alderman, 2002a). وقد نفذ مجلس مدرسة أورليانز باريش في لويزيانا، في أوائل التسعينيات، سياسة مثيرة للجدل للغاية تحظر أسماء المدارس التي تكرم مالكي العبيد وغيرهم ممن لم يحترموا المساواة العرقية. وتمت إزالة أسماء العديد من الشخصيات التاريخية البيضاء (بما في ذلك الرئيس الأول للولايات المتحدة، جورج واشنطن) من المدارس واستبدالها بأسماء تخلد ذكرى الأمريكيين الأفارقة البارزين، بما في ذلك زعيم الحقوق المدنية المقتول مارتن لوثر كينغ جونيور (Dart, 1997 ). وتمثل إعادة تسمية الشوارع باسم مارتن لوثر كينغ المثال الأكثر انتشاراً على جهود الأمريكيين من أصل أفريقي لمنافسة المشهد المهيمن لاسم المكان.

تعتبر تسمية الشوارع شكلاً فعالاً من أشكال المقاومة الثقافية وإعادة تعريفها بسبب قدرتها على لمس وربط مجموعات متباينة -والتي قد لا يتطابق بعضها مع كينغ. ومع ذلك، فإن عملية تسمية الطرق كثيراً ما تتميز بالنقاش العام المكثف حول إرث كينغ وقضايا العرق والعنصرية (Alderman, 2002b; 2006). وبالنسبة للعديد من النشطاء، يأتي تحديد الشارع الأنسب لتسميته باسم  كينغ مع صعوبة إقناع المؤسسة البيضاء بأن اسمه ينتمي إلى الطرق الرئيسية، وأن إرثه له صلة وصدى بحياة الجميع. وفي الممارسة العملية، أدت المعارضة العامة في كثير من الأحيان إلى الفصل بين اسمه في الشوارع الثانوية أو أجزاء من الطرق الأكبر الموجودة بالكامل في المجتمع الأمريكي الأفريقي، مما يعزز في الواقع الحدود العرقية والاقتصادية التقليدية ويعيد إنتاج نفس السيطرة البيضاء على الفضاء العام التي كافح زعيم الحقوق المدنية القتيل من أجل تصحيحها. ولا تقتصر محاولات الحد من الاستهلاك العام لذاكرة كينغ والسيطرة عليه على تسمية الأماكن المادية والملموسة. بل يتم التحكم في اسم مجال الإنترنت martlutherking.org من قبل منظمة عنصرية بيضاء تستخدم عنوان URL لاستضافة موقع ويب يشوه سمعة كينغ (Alderman, 2009). وبالتالي، يمكن استخدام الاحتجاج من خلال التسمية لأهداف رجعية وكذلك تقدمية. ويمكن التفكير في مقاومة أسماء المواقع الجغرافية، كما يقترح كيرنز وبيرغ (2002: 286) بحق، ليس فقط من منظور سياسات الاعتراف التي تتذرع بها المجموعات الهامشية، ولكن أيضاً من حيث المقاومة التي يمارسها أعضاء الجماعات المهيمنة رداً على مثل هذه السياسة. وهذا يؤكد على تعقيد ديناميات السلطة والمنازعة في مجال التسمية. ويمكن لكل من المجموعات المهمشة والمهيمنة الانخراط في صراعات حول ممارسات التسمية، حيث يسعى كل طرف لتشكيل سرديته الخاصة وتمثيل هويته وتاريخه. وتصبح عملية التسمية وإعادة التسمية ميداناً للمواجهة العقائدية والتفاوض، مع انعكاس الديناميات المستمرة للسلطة داخل المجتمع. وبينما نفكر في المكان الذي يمكن أن يحدث فيه مجاز “الساحة الثقافية” في المستقبل، يشير الجدل حول إحياء ذكرى كينغ إلى فائدة تحليل الأسماء الجغرافية من منظور العدالة الاجتماعية وفهم كيفية تسمية الأماكن، كنتاج للعلاقات الاجتماعية غير المتكافئة، لتعزيز أو عرقلة الفرص لتحقيق قدر أكبر من العدالة. وكان ميتشل (2003 ؛ 2008) صريحاً بشكل خاص بإدراج العدالة الاجتماعية في قلب تحليل المشهد الثقافي، حين يقول بأن ما يُرى ويُسمع علناً أمر بالغ الأهمية في تحديد من له الحق في المدينة والأماكن العامة (Mitchell, 2003). ومن الممكن تطبيق المفاهيم الراسخة للعدالة الإجرائية والتوزيعية عند تقويم درجة رؤية الفئات المهمشة والاستماع إليها من خلال عملية تسمية المواقع الجغرافية، ويمكن تطبيق مفاهيم العدالة الإجرائية والتوزيعية  المكرسة

تتضمن إعادة تسمية أماكن معينة إجراءات اتخاذ القرار بالإضافة إلى اعتبارات إيديولوجية (Azaryahu, 1997)، ويجدر التفكير في العوامل القانونية أو غير القانونية المحددة التي تعوق أو تسهل مشاركة المجموعات الثانوية في عملية تسمية الأماكن. حتى عندما يتم إعادة تسمية المشهد المكاني لإشارتها إلى السكان المهمشين سابقاً، ولا يزال من الممكن أن يعمل هذا على الاستبعاد إذا لم يكن لدى هؤلاء السكان صوتاً حقيقياً للتعبير عن كيفية استخدام هوياتهم في عملية التسمية (Herman, 1999; Cowell, 2004). وسوف تتطلب العدالة الإجرائية الأكبر لمجموعات الأقليات تحليل موسعاً لتسليع وخصخصة تسمية الأماكن وكسر القبضة الخانقة التي تمارسها الطبقة والسلطة الاقتصادية على بناء الفضاء العام (Mitchell, 2003). في حالة الولايات المتحدة، يلعب، في الواقع، أولئك الذين يحوزون على الممتلكات على طول الشوارع التي يُحتمل إعادة تسميتها دوراً حاسماً في تغيير الأسماء، ويكون لهم الأسبقية في هذه المسألة على مناشدات أصحاب المصلحة الشرعيين الآخرين مثل أولئك الذين يستأجرون أو يعملون أو ببساطة يسافرون على الطريق. عند استكشاف العدالة الإجرائية لتسمية الأماكن، قد يستفيد الباحثون من إقامة روابط أكبر بين البحوث حول مظالم الحوكمة النيوليبرالية (Macleod, 2002)، و”التبعية الجغرافية” للملكية الخاصة (Blomley, 2005) ، وسياسة المواطنة الحضرية و (الحرمان) من الحقوق (Purcell, 2002). كما يدفعنا النظر في العدالة التوزيعية إلى التفكير في كيفية إعادة بناء مشهد تسمية المواقع الجغرافية بطرق تعكس التاريخ والهويات التي تم قمعها سابقاً وتمنحها صوتاً. فما هو عدد مدارسنا وشوارعنا وجسورنا وملاعبنا وحدائقنا التي تم تسميتها  بأسماء لها علاقة بالأقليات بالضبط؟. ويدفع الاهتمام بالتوزيع أيضاً إلى تحليل السياق المكاني داخل المناطق الحضرية، ودراسة الدرجة التي تعمل بها الأسماء الجغرافية، اعتماداً على موقعها، على تهميش أو رفع الشرعية العامة المتصورة للمجموعات التابعة. ما هو “مكان” بعض الفضاءات العامة المسماة وفقاً لمجموعة المدينة من التوزيعات المكانية على أساس العرق والجندر والطبقة الاجتماعية؟

دون دراسة جادة لهذه المسألة، يمكن للأماكن المسماة على اسم الفئات المهمشة أن تعمل في الواقع على عزل هذه المجموعات وزيادة عزلها (Alderman, 2002a).  وكما يقرر كل من راينتو وواتسون (2000: 728)، تعتبر “التسمية وإعادة التسمية استراتيجيات سلطوية، ويحمل الموقع أهمية خاصة نظراً لأن هذه السلطة لا تُمارَس حقًا إلا عندما ” تُرى” في المكان المناسب”. وثمة هناك، في صميم جهود الأقليات للاعتراف بها علناً من خلال التسمية، عملية إعادة بناء اجتماعي لمقياس إحياء الذكرى والهوية التي تتحدى الحدود الجغرافية والاجتماعية التقليدية (Alderman, 2003). وقد يتعين، في هذا الصدد، على أهل اختصاص تسمية الأماكن، في دراسة كيفية حدوث التسمية، وليس مجرد عمل رمزي، داخل المناطق الجغرافية الأكبر للفرص الاجتماعية والتفاوت وربما تساهم فيها (Bullard and Johnson, 1997). وأخيراً، ينبغي لنا توسيع فهمنا لطبيعة المقاومة الرمزية والنضال الذي تكمن وراء عملية التسمية، من أجل استقصاء قدرة تسمية الأماكن على استخدامها كأداة لتعزيز العدالة الاجتماعية أو إعاقتها. لم تعد رؤية الماضي، التي أصبحت مهمة اجتماعية من خلال تسمية الأماكن، مجرد مسألة” تصحيح سياسي”، كما اقترح العديد من المعارضين، ولكنها باتت رؤية حيوية لتحقيق العدالة في التمثيل الثقافي والسياسي ومنع الإبادة الرمزية للفئات الاجتماعية المهمشة و هوياتهم التاريخية.

VI توسيع أفق الدراسات النقدية لتسمية الأماكن

يخضع، حالياً، مجال أسماء المواقع الجغرافية لعملية إعادة صياغة نقدية، وقد حاولنا نقل بعض الاتجاهات الجديدة المثيرة في دراسات أسماء الأماكن كما تطورت خلال العقدين الماضيين. ولم تعد معظم الأبحاث المتعلقة بأسماء المواقع الجغرافية تتجاهل هياكل السلطة التي تكمن وراء عملية التسمية ولا عن احتمالات المقاومة الرمزية. فإذا ما كان هناك أي شيء، فقد احتلت قضايا “السلطة” و “السياسة” مركز الصدارة، وتخاطر الدراسة المتعلقة بنقد تسمية المكان بأن تصبح دراسات متكررة ويمكن التنبؤ بمحتواها ومقيدة إلى حد ما في استدعائها المتكرر لهيمنة ومقاومة أسماء المواقع الجغرافية (لنقد مماثل للجغرافيا النقدية، انظر: Blomley, 2006). ولا تكمن النقطة هنا في إنكار أهمية الصراعات السياسية حول التسمية، بل الإصرار على أنه يجب علينا توسيع نطاق تحليلنا من خلال النظر في كيفية ارتباط الجانب “السياسي” بالأسئلة الأخرى المستكشفة نسبياً في دراسات تسمية الأماكن.

وأحد الاتجاهات الحديثة، على سبيل المثال، التي لم تحظ بمستوى كافٍ من الاهتمام بين الجغرافيين النقديين والباحثين في مجال تسمية الأماكن، هو تحويل حقوق تسمية الأماكن إلى سلعة (Boyd, 2000; Yurchak, 2000). وفي حين يمكن تتبع العلاقة بين ملكية الممتلكات وتسمية الأماكن إلى زمن بعيد تاريخياً، إلا أنه خلال العقود القليلة الماضية فقط تم اتخاذ عدد من الخطوات الهامة نحو تسليع تسمية الأماكن بالجملة، حيث يتم بيع حق تسمية مكان ما بقيمة مالية مثله مثل أي سلعة أخرى تماماً. وقد بدأت، منذ سبعينيات القرن الماضي، عمليات إعادة تسمية الملاعب الرياضية حول العالم من قبل الشركات الكبرى التي حصلت على حقوق التسمية مقابل مبالغ كبيرة من المال. وأدى ذلك، في السنوات الأخيرة، ببعض المدن والبلدات إلى التفكير في إعادة تسمية الأماكن العامة المختلفة -وفي حالات قليلة نادرة ، مثل Half.com و Oregon و DISH، تكساس، حتى إلى إعادة تسمية المدينة نفسها- للشركات الراعية.

وتثير هذه القضية سلسلة كاملة من الأسئلة المتعلقة بدراسة نقد تسمية الأماكن، ولكن الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو إلى أي مدى قد يكون الناس على استعداد بالفعل لتبني عملية تسليع أسماء الأماكن هذه، لا سيما عندما يتعلق الأمر بتسمية الأماكن العامة، مثل الحدائق والمدارس ومحطات المترو والشوارع. قد يبدو أن مثل هذا الاقتراح منطقياً من الناحية الاقتصادية على المدى القصير للحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة مالية وتسعى إلى تدفقات جديدة من الإيرادات ومالكي العقارات بحثاً عن مجالات وفرص غير مستغلة لجني الأرباح. ومع ذلك، يشكل مثل هذا الاقتراح، أيضاً، مخاطراً جسيمة لمفهوم الفضاء العام كموقع للحياة الاجتماعية يتجاوز العالم التجاري لثقافة الشركات. وبالنظر إلى مثل هذا الاتجاه، فمن الأهمية بمكان النظر في التكاليف الاجتماعية للسماح العشوائي للقيمة التبادلية للاسم بالتفوق على قيمة استخدامه في المجال العام. ونظراً للتسليع المتزايد لأسماء الأماكن، فمن الجدير التفكير بصورة أكثر نقدية في أهمية قيمة استخدام تسمية الأماكن كجزء عضوي من الإنتاج الاجتماعي للأماكن العامة. وهذا ما سوف يؤدي، أيضاً، إلى إعادة توجيه انتباهنا إلى الطرق التي يتم بها تفعيل هذه الأسماء من خلال استخدامها في لغتنا اليومي، مما يوفر إمكانية مقاومة اسم مكان يحظى بموافقة رسمية تم بيعه لمن يدفع سعر أعلى. وإذا ما رفض عدد كافٍ من الأشخاص التعرف على الاسم المُسلَّع، فقد يفقد الاسم الجغرافي الرسمي ذاته بعضاً من قوته الأدائية (Rose-Redwood, 2008c). ثمة مجموعة أخرى مهمة من القضايا تنطوي على مسألة المنهجية. حيث نرى أن هناك اعتراف متزايد بعدم كفاية الاعتماد التقليدي على الخرائط والدلائل الجغرافية والمعاجم لدراسة أسماء الأماكن، ويجب استكماله بمجموعة من الأبحاث الأرشيفية، ومراقبة المشاركين، والمقابلات، والأساليب الإثنوغرافية (Myers, 1996). وتفسح مثل هذه المقاربة المختلطة المجال أكثر لاعتبار مساحة أسماء المواقع الجغرافية ليس فقط كـ “نص” ولكن أيضاً كنتيجة لمجموعة من الممارسات “الأدائية”. إن الهدف من إعادة الصياغة النظرية لتحليل أسماء المواقع الجغرافية ليس استبدال  المجاز النصي بمفهوم الأداء، بل يعني فحص أداء المشهد المكاني بوصفه نصاً بالإضافة إلى نصوص أداء أسماء المواقع الجغرافية. ونأمل، في المستقبل، أن تؤدي العملية المستمرة لإعادة التفكير في الأسس المفاهيمية والمنهجية المستخدمة في دراسات أسماء الأماكن الهامة إلى تقدير أكثر ثراءً لدور ممارسات أسماء المواقع الجغرافية في بناء المساحات الجغرافية للحياة اليومية.

ملاحظات

-العنوان الأصلي: Geographies of toponymic inscription: new directions in critical place-name studies

-المصدر: progress in human geography journal 34(4) (2010) pp. 453–470

المراجع

Alderman, D. 2000: A street fi t for a King: naming places and commemoration in the American South. Professional Geographer 52, 672–84.

Alderman, D. 2002a: School names as cultural arenas: the naming of U.S. public schools after Martin Luther King, Jr. Urban Geography 23, 601–26.

Alderman, D. 2002b: Street names as memorial arenas: the reputational politics of commemorating Martin Luther King Jr. in a Georgia county. Historical Geography 30, 99–120.

Alderman, D. 2003: Street names and the scaling of memory: the politics of commemorating Martin Luther King, Jr within the African American community. Area 35, 163–73.

Alderman, D. 2006: Naming streets after Martin Luther King, Jr.: no easy road. In Schein, R., editor, Landscape and race in the United States, New York: Routledge, 213–36.

Alderman, D. 2008: Place, naming, and the interpretation of cultural landscapes. In Graham, B. and Howard, P., editors, The Ashgate research companion to heritage and identity, Aldershot: Ashgate, 195–213.

Alderman, D. 2009: Virtual place-naming, internet domains, and the politics of misdirection: the case of www.martinlutherking.org. In Berg, L. and Vuolteenaho, J., editors, Critical toponymies: contested politics of place naming, Aldershot: Ashgate, 267–83.

Azaryahu, M. 1986: Street names and political identity: the case of East Berlin. Journal of Contemporary History 21, 581–604.

Azaryahu, M. 1988: What is to be remembered: the struggle over street names in Berlin, 1921–1947. Tel Aviver Jahrbuch für deutsche Geschichte 17, 241–58.

Azaryahu, M. 1990: Renaming the past: changes in ‘city-text’ in German and Austria, 1945–1947. History and Memory 22, 32–53.

Azaryahu, M. 1992: The purge of Bismarck and Saladin: the renaming of streets in East Berlin and Haifa, a comparative study in culture-planning. Poetics Today 13, 352–67.

Azaryahu, M. 1996: The power of commemorative street names. Environment and Planning D: Society and Space 14, 311–30.

Azaryahu, M. 1997: German reunification and the politics of street names: the case of East Berlin. Political Geography 16, 479–93.

Azaryahu, M. and Golan, A. 2001: (Re)naming the landscape: the formation of the Hebrew map of Israel 1949–1960. Journal of Historical Geography 27, 178–95.

Azaryahu, M. and Kook, R. 2002: Mapping the nation: street names and Arab-Palestinian identity: three case studies. Nations and Nationalism 8, 195–213.

Baggio, D. 2006: The dawn of a new Iraq: the story Americans almost missed. In Murphy, D., Groh, J., Smith, D. and Ayers, C., editors, Information as power: an anthology of selected United States Army War College student papers, volume 1, Carlisle

Barracks, PA: US Army War College.

Baldwin, L. and Grimaud, M. 1989: Washington, Montana, the Dakotas – and Massachusetts: a comparative approach to street naming. Names 37, 115–38.

Bassett, T. 1994. Cartography and empire building in nineteenth-century west Africa. Geographical Review 84, 316–35.

Baudrillard, J. 1981: For a critique of the political economy of the sign. St Louis, MO: Telos.

Berg, L. and Kearns, R. 1996: Naming as norming: ‘race’, gender, and the identity politics of naming places in Aotearoa/New Zealand. Environment and Planning D: Society and Space 14, 99–122.

Berg, L. and Vuolteenaho, J., editors 2009: Critical toponymies: contested politics of place naming. Aldershot: Ashgate.

468 Progress in Human Geography 34(4)

Bigon, L. 2009: Names, norms, and forms: French and indigenous toponyms in early colonial Dakar, Senegal. Planning Perspectives 23, 479–501.

Blomley, N. 2003: Law, property, and the geography of violence: the frontier, the survey, and the grid. Annals of the Association of American Geographers 93, 121–41.

Blomley, N. 2005: Remember property? Progress in Human Geography 29, 125–27.

Blomley, N. 2006: Uncritical critical geography. Progress in Human Geography 30, 87–94.

Boyd, J. 2000: Selling home: corporate stadium names and the destruction of commemoration. Journal of Applied Communication Research 28, 330–46.

Braun, B. 2000: Producing vertical territory: geology and governmentality in late Victorian Canada. Ecumene 7, 7–46.

Bullard, R. and Johnson, G., editors 1997: Just transportation: dismantling race and class barriers to mobility. Stony Creek: New Society Publishers.

Caplan, J. and Torpey, J., editors 2001: Documenting individual identity: the development of state practices in the modern world. Princeton, NJ: Princeton University Press.

Carbaugh, D. and Rudnick, L. 2006: Which place, which story? cultural discourses at the border of the Blackfeet Reservation and Glacier National Park. Great Plains Quarterly 26, 167–84.

Carter, P. 1987: The road to Botany Bay: an essay in spatial history. London: Faber and Faber.

Chandler, D. 2007: Semiotics: the basics. Abingdon: Routledge.

Clayton, D. 2000: Islands of truth: the imperial fashioning of Vancouver Island. Vancouver: UBC Press.

Cohen, S. and Kliot, N. 1981: Israel’s place names as a reflection of continuity and change in nation building. Names 29, 227–48.

Cohen, S. and Kliot, N. 1992: Place names in Israel’s ideological struggle over the administered territories. Annals of the Association of American Geographers 82, 653–80.

Cosgrove, D. and Jackson, P. 1987: New directions in cultural geography. Area 19, 95–101.

Cowell, A. 2004: Arapaho placenames in Colorado: indigenous mapping, white remaking. Names 52, 21–41.

Crang, M. 1998: Cultural geography. London: Routledge.

Crampton, J. and Elden, S. 2006: Space, politics, calculation: an introduction. Social and Cultural Geography 7, 681–85.

Crampton, J. and Elden, S., editors 2007: Space, knowledge, and power: Foucault and geography. Aldershot: Ashgate.

Curry, M. 2005: Toward a geography of a world without maps: lessons from Ptolemy and postal codes. Annals of the Association of American Geographers 95, 680–91.

Curry, M., Phillips, D. and Regan, P. 2004: Emergency response systems and the creeping legibility of people and places. The Information Society 20, 357–69.

Dart, B. 1997: History lesson in controversial name change. Atlanta Journal-Constitution 27 November, D1.

Davidson, J., Bondi, L. and Smith, M., editors 2005: Emotional geographies. Aldershot: Ashgate.

Davis, J.S. 2005: Representing place: ‘deserted isles’ and the reproduction of Bikini Atoll. Annals of the Association of American Geographers 95, 607–25.

Doherty, G. 2007: Derry/London + Londonderry: citizenship + public space in Northern Ireland. Projections 6, 156–64.

Duncan, J. 1990: The city as text: the politics of landscape inscription in the Kandyan Kingdom. Cambridge: Cambridge University Press.

Eco, U. 1986: Function and sign: semiotics of architecture.  In Gottdiener, M. and Lagopoulos, A., editors, The city, and the sign: an introduction to urban semiotics, New York: Columbia University Press, 55–86.

Elden, S. 2001: Mapping the present: Heidegger, Foucault, and the project of a spatial history. London: Continuum.

Elden, S. 2005: Missing the point: globalization, deterritorialization and the space of the world. Transactions of the Institute of British Geographers NS 30, 8–19.

Elden, S. 2007: Governmentality, calculation, territory. Environment and Planning D: Society and Space 25, 562–80.

Faraco, J. and Murphy, M. 1997: Street names and political regimes in an Andalusian town. Ethnology 36, 123–48.

Farvacque-Vitkovic, C., Godin, L., Leroux, H., Verdet, F. and Chavez, R. 2005: Street addressing and the management of cities. Washington, DC: World Bank.

Ferguson, P. 1988: Reading city streets. The French Review 51, 386–97.

Forest, B. and Johnson, J. 2002: Unraveling the threads of history: Soviet-era monuments and post- Soviet national identity in Moscow. Annals of the Association of American Geographers 92, 524–47.

Foucault, M. 1983: The subject and power. In Dreyfus, H. and Rabinow, P., editors, Michel Foucault: beyond structuralism and hermeneutics, Chicago: University of Chicago Press, 208–26.

Foucault, M. 1991: Governmentality. In Gordon, C. and Miller, P., editors, The Foucault effect: studies in governmentality, Chicago: University of Chicago, 87–104.

Foucault, M. 2007: Security, territory, population: lectures at the Collège de France, 1977–78 (edited by M. Senellart and translated by G. Burchell). New York: Palgrave Macmillan. Reuben Rose-Redwood et al.: New directions in critical place-name studies 469

Fox News 2003: Shiites renaming Baghdad streets. FoxNews.com 4 August 2003. Retrieved 9 October 2009 from http://www.foxnews.com/story/0,2933,93690,00.html

Gill, G. 2005: Changing symbols: the renovation of Moscow place names. The Russian Review 64, 480–503.

Goodchild, M. 2004: GIScience, geography, form, and process. Annals of the Association of American Geographers 94, 709–14.

Grossman, R. and Avila, O. 2006: On west Monroe, Hampton’s name still resonates. Chicago Tribune 3 March, 1.

Grounds, R. 2001: Tallahassee, Osceola, and the hermeneutics of American place names. Journal of the Academy of Religion 69, 287–322.

Hagen, J. 2007: ‘Pork’ spending, place names, and political stature in West Virginia. Southeastern Geographer 47, 341–64.

Hamlin, F. 1999: Numbers in placenames. Names 47, 233–42.

Hannah, M. 2000: Governmentality and the mastery of territory in nineteenth-century America. Cambridge: Cambridge University Press.

Hannah, M. 2009: Calculable territory and the West German census boycott movements of the 1980s. Political Geography 28, 66–75.

Herman, R. 1999: The aloha state: place names and the anti-conquest of Hawai’i. Annals of the Association of American Geographers 89, 76–102.

Hunt, C. 2005: The history of Iraq. London: Greenwood Press.

Huxley, M. 2007: Geographies of governmentality. In Crampton, J. and Elden, S., editors, Space, knowledge, and power: Foucault and geography, Aldershot: Ashgate, 185–204.

Kadmon, N. 2004: Toponymy and geopolitics: the political use – and misuse – of geographical names. The Cartographic Journal 41, 85–87.

Kearney, A. and Bradley, J. 2009: ‘Too strong to ever not be there’: place names and emotional geographies. Social and Cultural Geography 10, 77–94.

Kearns, R. and Barnett, J.R. 1999: To boldly go? Place, metaphor, and the marketing of Auckland’s Starship Hospital. Environment and Planning D 17, 201–26.

Kearns, R. and Berg, L. 2002: Proclaiming place: towards a geography of place name pronunciation. Social and Cultural Geography 3, 283–302.

Kelleher, W. 2004: A contemporary public naming controversy in Phoenix, Arizona: the changing social perspectives on landmark nomenclature. Names 52, 101–27.

Light, D. 2004: Street names in Bucharest, 1990–1997: exploring the modern historical geographies of post socialist change. Journal of Historical Geography 30, 154–72.

Light, D., Nicolae, I. and Suditu, B. 2002: Toponymy and the communist city: street names in Bucharest, 1948–1965. GeoJournal 56, 135–44.

Loewy (SPD) 1927: Protocol, Berlin municipal assembly. Session on 7 April, 303.

MacLeod, G. 2002: From urban entrepreneurialism to a ‘Revanchist City’? on the spatial injustices of Glasgow’s renaissance. Antipode 34, 602–24.

Massey, D. 2005: For space. London: Sage.

Mayhew, R. 2009: Historical geography 2007–2008: Foucault’s avatars – still in (the) Driver’s seat. Progress in Human Geography 33, 387–97.

McDowell, S., Steinberg, P. and Tomasello, T. 2008: Managing the infosphere: governance, technology, and cultural practice in motion. Philadelphia, PA: Temple University Press.

Melville, A. 2006: Mapping the wilderness: toponymic constructions of Cradle Mountain/Lake St. Clair National Park, Tasmania, Australia. Cartographical 41, 229–45.

Mitchell, D. 2003: The right to the city: social justice and the fight for public space. New York: Guilford.

Mitchell, D. 2008: New axioms for reading the landscape: paying attention to political economy and social justice. In Wescoat, J.L. Jr and Johnston, D., editors, Political economies of landscape change, Dordrecht: Springer, 29–50.

Mitchelson, M., Alderman, D. and Popke, J. 2007: Branded: the economic geographies of MLK streets. Social Science Quarterly 88, 120–45.

Monmonier, M. 2006: From squaw tit to whorehouse meadows: how maps name, claim, and inflame. Chicago: University of Chicago Press.

Myers, G. 1996: Naming and placing the other: power and the urban landscape in Zanzibar. Tijdschrift voor Economische en Sociale Geografi e 87, 237–46.

Nash, C. 1999: Irish place names: post-colonial locations. Transactions of the Institute of British Geographers NS 24, 457–80.

Palonen, K. 1993: Reading street names politically. In Palonen, K. and Parvikko, T., editors, Reading the political: exploring the margins of politics, Tampere: Finnish Political Science Association, 103–21.

Pickles, J. 2004: A history of spaces: cartographic reason, mapping, and the geo-coded world. London: Routledge.

Pike, J. 2007a: Baghdad International Airport [BIAP]: Saddam International Airport. GlobalSecurity. org. Retrieved 9 October 2009 from http://www.globalsecurity.org/military/world/iraq/saddam-iap.htm

Pike, J. 2007b: Iraq facilities. GlobalSecurity.org. Retrieved 9 October 2009 from http://www.globalsecurity.org/military/facility/iraq.htm

Pinchevski, A. and Torgovnik, E. 2002: Signifying passages: the signs of change in Israeli street names. Media, Culture and Society 24, 365–88. 470 Progress in Human Geography 34(4)

Price, M. 2003: Confusion on the streets of Baghdad. BBC News 4 August. Retrieved 9 October 2009 from http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/3122729.stm

Purcell, M. 2002: Excavating Lefebvre: the right to the city and its urban politics of the inhabitant. GeoJournal 58, 99–108.

Raento, P. and Douglass, W. 2001: The naming of gaming. Names, 49, 1–35.

Raento, P. and Watson, C.J. 2000: Gernika, Guernica, Guernica? Contested meanings of a Basque place. Political Geography 19, 707–36.

Robinson, G., Engelsoft, S. and Pobric, A. 2001: Remaking Sarajevo: Bosnian nationalism after the Dayton Accord. Political Geography 20, 957–80.

Rose-Redwood, R. 2006: Governmentality, geography, and the geo-coded world. Progress in Human Geography 30, 469–86.

Rose-Redwood, R. 2008a: Indexing the great ledger of the community: urban house numbering, city directories, and the production of spatial legibility. Journal of Historical Geography 34, 286–310.

Rose-Redwood, R. 2008b: From number to name: symbolic capital, places of memory, and the politics of street renaming in New York City. Social and Cultural Geography 9, 431–52.

Rose-Redwood, R. 2008c: ‘Sixth Avenue is now a memory’: regimes of spatial inscription and the performative limits of the official city-text. Political Geography 27, 875–94.

Ryan, S. 1996: The cartographic eye: how explorers saw Australia. Cambridge: Cambridge University Press.

Scott, J. 1998: Seeing like a state: how certain schemes to improve the human condition have failed. New Haven, CT: Yale University Press.

Slevin, P. 2003: Iraqi name droppers: cities, buildings shake off Saddam’s legacy. Washington Post 4 June, C01.

Stump, R. 1988: Toponymic commemoration of national figures: the cases of Kennedy and King. Names 36, 203–16.

Thale, C. 2007: Changing addresses: social conflict, civic culture, and the politics of house numbering reform in Milwaukee, 1913–1931. Journal of Historical Geography 33, 125–43.

The Sydney Morning Herald 2003: Lost in Baghdad? Take Main Street to Virginia Avenue. The Sydney Morning Herald 15 July. Retrieved 9 October 2009 from http://www.smh.com.au/articles/2003/07/14 /1058034941240.html

Thornton, T. 1997: Anthropological studies of Native American place naming. American Indian Quarterly 21, 209–28.

USA Today 2003: U.S. captures, renames Baghdad airport. USAToday.com 3 April. Retrieved 9 October 2009 from http://www.usatoday.com/news/world/iraq/2003-04-03-swarm_x.htm

Whatmore, S. 2002: Hybrid geographies: natures, cultures, spaces. London: Sage.

Whelan, Y. 2005: Mapping meanings in the cultural landscape. In Ashworth, G. and Graham, B., editors, Senses of place: senses of time, Aldershot: Ashgate, 61–71.

Withers, C. 2000: Authorizing landscape: ‘authority’, naming, and the Ordnance Survey’s mapping of the Scottish Highlands in the nineteenth century. Journal of Historical Geography 26, 532–54.

Woznicki, K. 2003: Saddam International Airport/ Baghdad International Airport: the airport as a symbol and elementary unit of (neo)-imperial world land development. Springerin 2(3). Retrieved 9 October 2009 from http://www.springerin.at/dyn/heft.php?id=35&pos=1&textid=1322&lang=en

Wright, J. 1929: The study of place names: recent work and some possibilities. Geographical Review 19, 140–44.

Yeoh, B. 1992: Street names in colonial Singapore. Geographical Review 82, 313–22.

Yeoh, B. 1996: Street-naming and nation-building: toponymic inscriptions of nationhood in Singapore. Area 28, 298–307.

Yurchak, A. 2000: Privatize your name: symbolic work in the post-Soviety linguistic market. Journal of Sociolinguistics 4, 406–34.

Zeidel, R. 2006: Naming and counter naming: the struggle between society and state as reflected in Iraq and the Arab sector in Israel. Orient 47, 201–17.

Zelinsky, W. 1989: The game of the name. American Demographics 11, 42–45.

Zelinsky, W. 1997: Along the frontiers of name geography. Professional Geographer 49, 465–66.

Zelinsky, W. 2002: Slouching toward a theory of names: a tentative taxonomic fi x. Names 50, 243–62.

عن محمود الصباغ

كاتب ومترجم من فلسطين

شاهد أيضاً

بيان بيدرسون في الذكرى السنوية “للصراع السوري”

في  ذكرى ” الثورة المغدورة”، لا يجد هذا الفَقِيه الأممي ما يقدّمه للسوريين سوى  الإصرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *