الخَوفُ الوُجُوديُّ وخِيَارُ شَمْشُون: تبصُّراتٌ في الخَوْفِ الوُجوديِّ، وتَخْيِيلُوجيا التَّوحُّشِ، وجَمَراتِ التِّقَانةِ الخَبِيْثَة، وخِيَارِ شَمْشُون

قد يذهب بعض المُتَبَصِّرِينَ في ماهيَّة الكائن البشري، وفي طبيعة تكوينه الوجداني والمعرفي والسُّلوكي، من فلاسفةٍ، ومفكرينَ ، وعلماءَ نفسٍ، ومُحَلِّلِينَ ومُعالجين نفسيِّينَ، من منتجي المعرفة ذات الصِّلَةِ، ومِنْ مُوظِّفِيها في تَعرُّف عالم البشَرِ وفَهمه وتفسيرهِ ومواجهَةِ تحدَّياتِه، إلى افتراضِ أَنَّ الخَوفَ، على تَعدُّد مّنابِعه ومُحَفِّزاتِه وأنواعه وأشكاله وهيئَاتِ تَجلِّيْه، وعلى تَبَايُنِ أشكال استجاباتِ المُعَرَّضِيْنَ إليه، والمُتَلبَّسِينَ بِهَ، تلكَ المُتَغَايِرة، أو المُتضَادَّة، منْ حيثُ الطَّبَائِعِ والتَّوجُّهات والمقاصِد، لِتَحَدِّياتِه، وإملاءاتِه، وأخْطارهِ المُتبايِنةِ المستوياتِ ودرجات الشُّمُول، إنَّما هُوَ غريزةٌ منَ الغرائزِ المُتَأصِّلَة في كيانِ هذا الكائنِ الحيوانيِّ البَشَريِّ، وأنَّها تُصَاحِبُهُ، كما تُصَاحِبُ كُلَّ كائنِ حيوانيٍّ، مُذْ لحظَةِ بَدْءِ تشكُّلِهِ جنيناً في رَحمِ أُمِّه، وعلى مدى صيرورةِ تشكُّلِها الغرائزيِّ في كِيانِه، وأنَّها تَظَلُّ، عُقْبَ ميلاده، غَريزةً كامِنَةً في مُكوِّناتِ جسدهِ وفي ثنايا خلاياه، وفي أعماقِ وِجدانِه الشُّعوري والَّلاشُعوري، حتَّى يَظُهَرُ مَا يُحَفِّزها على الظُّهورِ من عوامَلَ ومُسبِّباتٍ تسْتحثُّ بدءَ اشتغالِ، أو حتَّى اندلاعِ، غريزةٍ مُعيَّنَةٍ يَتأسَّس اشتغالها، بالضَرورةِ، على تفاعُلِ أكثر من غريزةٍ تَتَّسِمُ العلاقاتُ القائِمة بينها في كُلِّ حالٍ، بالتَّشابُكِ التَّحفيزِيِّ المُتَبَادلِ.

وثمة من المتبصرينَ في “الخَوفِ المَرَضِيِّ” من حيثُ نشأتِه وأعراضِ أمراضِهِ ومُحفِّراتِ اندلاعِه وعقابيله، من يعتقدُ، خلافاً لمتبصرين آخرين، أنَّ تَشَكُّلَ غريزة الخوفِ، كما غيرها من الغرائز البشرية، لا يقتصرُ على ما ينبعُ من صيرورةِ تكوِّن الكائن البشري جنيناً في رحم أمِّه، أو على ما قد راكمه من خبرة حياتية ومعارف في مرحلتيِّ طفولته الأَوَّلِيَّتِينِ التَّأسيسيَّتين اللَّتين أعقبتا ميلاده، وإنما يمتدُّ في الزَّمن، عبر الوراثة التي هي أشمل وأعم من كونها وراثة بيولوجية فحسبُ، ليشمل كل ما له صلة بتجارب الأسلافِ الحقيقيين، أو المُتَخَيَّلينَ المفترضينَ، وبِخِبراتِهم الحياتيَّة والوجوديَّة، وذلِكَ مُذْ لحظةِ تَجَلِّي حياة سَلَفِهم الأوَّل الذي هُوَ، في تصوُّرِهِم، رأسُ سلالتهم البشريِّة، ومُفتَتَحُ وجودهِم فوق الأرض؛ أي مُنْذُ ما قبلَ ظُهور ما قدِ اصْطَلَحَتْ عُلومٌ من عُلومِ الإناسَةِ على تسميتِه بـ “الإنسان العاقل”.

ولمثل هذا الاعتقاد الذي يبدو أنَّ علوماً ومعارفَ إنسانيَّةً حديثةً قد اعتمدتْهُ فَرْضِيَّةً مُؤَصَّلةً لَم تزلْ تَدْأبُ، منذ أمد ليس قصيراً، على تعزيزِ تأصيلها، علمياً ومعرفياً، من جوانبَ ومنظورات عديدةٍ، ووفقَ مناهجَ مُتَنَوِّعَة، وذلك على نحو سيكون لنتائجه الآخذة في التَّراكم النَّوعي أن لا يفتح أوسع الآفاق، وأعمقها غوراً، أمام عِلْمٍ قَدْ يُدْعَى “أركيلوجيا (علم آثار) الوراثة”، فَحَسْبُ، وإنما سيكون لهُ أنْ يمكننا، في تضافرٍ مع مدركات نفسية ومعرفية ووجدانية أخرى، من إدراك حقيقة “الخَوْفِ الوجُوديِّ المُتَخَيَّلِ” الذي يَعْتُورُ كائناتٍ بشريةٍ، وكياناتٍ، تُوجد في عالمنا الراهن محكومةً بـ”شريعة الغاب ومنطق البقاء للأقوى”، ولا تجد مِنْ سبيل لمواجهة خوفها النَّاجم عن غريزة متأَصِّلةٍ تُغَذِّيْهَا، وتُوَجِّجُها، تَخْيِيلُوجِيَا تهويمية موروثة عن أسلاف مُتَخيَّلينَ، أو حَتَّى عن أسلافٍ حقيقين تؤكد أدلةٌ ماديَّةُ وتاريخيَّة وجودهم مَنْزُوعاً عن استيهاماتِ التَّخييل العُنصريِّ وغاياتِه وأزمنةِ تَوظيفِه، إلا الإغراقَ في جَشَعٍ وتوحُّشٍ بشريَّينِ غرائزيينِ يستهدفان الاستئثارَ بموارد الحياة، والهيمنةَ بإطلاقٍ مُحْكَمٍ على حَيَواتِ كُلِّ “الأغيار” من الناسِ، وعلى مقادير عيشِهم، وماهيَّاتِ وُجودِهِم، ومصائرهم!

وللإغراقِ في الجشَعِ والتَّوحُّشِ الغريزيَّينِ أنْ يُجسِّدَ كُلَّ سَوءاتِ وشُرورِ صُنَّاعِ التَّخْيِيلُوجيا الصُّهيونيَّة العنصريَّة السِّيَاسيَّة الاستحواذيَّة التي جُعِلَتْ “عَقِيْدةً دينيَّة” نُسبَتْ مُكوِّناتِها، ووعودُهَا الدُّنيويَّةُ، إلى إلَهٍ جَشِعٍ وغَيُورٍ، حاقدٍ وحسُودٍ، نافِخِ أبواقٍ وقائدِ غزواتٍ، وربِّ جُنُودٍ اصْطُنِعَ لِيُحَفِّزَ مُعتنقيْهِ على الغزو والهتكِ والفتكِ بِكُلِّ “الأغيار” بقصدِ سَرقَة الأُروضِ، واستلابِ التَّواريخِ والحضارات، وتكثيرِ الأسلابِ والغَنَائِم في أيدي جُندهِ، وفي خزائنِه المُطَلْسَمَةِ، العائدةِ محتوياتِها، في البدءِ والمُنْتَهى، إلى أنبياءَ كَذَبَةٍ، ومُلوكٍ نَهِميْنَ، وحاخاماتٍ مأفونينَ، وقادةَ جُنْدٍ مأزومينَ لِكَونَهم، دائماً وأبداً، رعاديدَ يَجْبُنُونَ عَنْ مُساءَلةِأنفسهم ومواجهةِ عقابيلَ أفعالِهم عليها!

فَهلْ ثَمَّةَ مِنْ مصيرٍ يُعِدُّ مُعْتَنِقُو هذه العقيدة العُنصُريَّة المُتَوحِّشةِ أنفُسَهم لِملاقاتِهِ غيرَ ذاك الذي كانَ أسلافُهم المُتخيَّلُونَ المُتَوَحِّشُونَ القُدماءُ، أو العُنصُريُّون الفاشِيُّونَ المُعَاصرون من نازيينَ وغَيْرهِم، قد لاقُوهُ جرَّاءَ دأبهمِ المحمومِ على تأْجيجِ غريزتيِّ الخَوفِ والتَّوحُشِ في أنْفُسِهم لأداءِ فُروضِ غريزةِ الجَشَعِ الاستحواذي المُتَفَاقِمِ التي تَملَّكَتْهُم فأمْلَتْ عليهم حُرُوبَهُم، وحَفَّزتْ أفعالَهم العنصريَّة العدوانيَّة، وحَدَّدت أنماطَ سُلوكهم التَّوحُّشيِّ في كُلِّ حَربٍ يَشُنُّونَها، وإزاءَ كُلِّ وضْعٍ وحَال؟!

وضمن هذه الأوضاع والأحوال الوضعُ الاستخذائيُّ الاستجدائيُّ الذي سيسودُ حَالَ أنْ يَجدُوا أنْفُسَهم المُمْعِنَةَ في الجشَعِ العُنصريِّ وقد صيَّرها تَوحُّشُهُم المُوظَّفُ لتلبيَة أوامره أحطابَ مَحارقَ كانوا قد دأبوا على إلقاءِ أغيارهم من النَّاس في أُتُنِ سعائرها الجحيميَّة إذْ ما عَادَ لَهَا، وقدِ انكشَفَ أمام وعيِ عُقَلاءِ النَّاسِ أمْرَهُمُ وأَمْرُهَا، من قرابينَ إلَّاهُمُ لتلتهِمَه! فَهل ثَمَّة من شيءٍ غيرُ الفَشَلِ الذَّريعِ مَآلاً أخيراً لا مندوحَة لهم عن إدراكه؟

وهَلْ لَهُم أنْ يَتوافَروا على خيار أخيرٍ يلجؤون إليه سِوى خِيَار شَمْشُونِهُمُ الموروثِ الذي يأخُذُهُم للفَتْكِ بأنفسهُم فيما هم يُمْعِنُونُ في الفَتْكِ بأغيارهم مِنَ الأبرياءِ مِنَ النَّاسِ لِكَونِهم لا يَتخلُّونَ، للحظَةٍ، عن عنصريَّتهِم وحَسَدِهِم وحِقْدِهم، ولا يجدون سبيلاً لاستصال ذُعْرِهِمُ الوجُوديِّ المُسْتَشْري بتفاقُمٍ لا يَنقَطِعُ إلَّا الإمعانِ في إشعال تلك الأُتنِ السّعيرية لِتَسْتأْصِلَ، بأمرِ الوجودِ الحقِّ، وُجُودَهُمْ فيما هي تَعْجَزُ عن إبادةِ أَغيارهم؟!

ومَا غريزةُ الخَوفِ، ولا سيَّما في تجلِّيْها الوجودي المُهيمنِ على كينوناتِ مَنْ تتلبَّسُهُم مَنْ عُنْصِريي البشرِ الجَشِعِيْنَ، والمُمْلِي أَشْكَالَ استجاباتهم السُّلوكيَّة الشَّرطيَّةِ، الحيوانيَّةِ الغَابيَّة المُتَوحِّشَةِ لهذا الخَوفِ الوجوديِّ، إلَّا الغريزةُ الأبرزُ ضِمنَ الغرائزِ المُتشابِكَة التي لا تَعملُ في انفصالٍ عن غريزةٍ، أو عنْ أكثرِ من غريزةٍ من الغرائزِ التي تتصلً صميميَّاً بِها إذْ يتأسَّسُ اندلاعها على فاعليَّة اشتغالها التَّكامُليِّ لتَعمَلَ على تَحْفِيز اندلاعِ الخَوفِ وتُصَيِّره ذُعْراً، وذلك عبر دأبها على إنتاج الدَّوافُعَ والغاياتِ والشُّروطِ الذَّاتيَّة والجمعيَّة التي تُفْضِي، بالتَّضَافُرِ التَّراكُميِّ، إلى اندلاعِ شَتَّى ظَواهرِ “القلقِ الوجوديِّ” الكامِنِ في كينونةِ الكائن البشريِّ إزاءَ الفَقْدِ، أو الموتِ، أو الفناءِ والعَدم، أو حتَّى إزاءَ إدراكٍ وامضٍ، أو خَفِيٍّ، يُؤَكِّدُ استحالة الاستمرار في الوجود بمصاحبَة منظومة تخييليَّة جُعِلتَ عَقيدةً، واعتُبرتْ غايَةُ إيجادِهَا المُسْتَحِيْلَةُ التَّحَقُّقِ أساسَ وجودِ كِيانٍ وظيفيٍّ اصطناعيٍّ يُنْشَدُ إيجَادُهُ، ويجري العَمَلُ، بتوحُّشٍ بشَريٍّ غيرِ مَسْبُوقٍ، على إيجادهِ عبر سلبِ أخرينَ منَ الآخرين من النَّاسِ حقَّ الحياةِ، أو عبرَ الحيلولة دونهم وإمكان الاستمرار في الوجود الحيويِّ في رحابِ أرضٍ لم تَكُنْ إلَّا لَهم، ومَا كانتْ، ولَنْ تَكُونَ، لسُواهُم، أبداً، أو عبْرَ كلا هاتينِ الوسيلتين، وغيرهِما من الوسائلِ والأدواتِ المُساعِدَةِ، ودائماً حسبَ ضروراتِ التَّقّنُّعِ بإنسانيَّةٍ زائفَةٍ، وحسبَ قراءاتٍ مُتَبَدِّلَةٍ لتبدُّلاتِ موازينِ القُوَّةِ، النَّاعِمةِ والخشنَةِ، وأحوال بورصَة التَّحدِّيات والفُرصِ، وأشكال الاستجابات والتَّحالفَات، القائمةِ والمُمكنَة، في كُلِّ وَضْعٍ، وتوقيتٍ، وسياقٍ، وحَال.

وإذْ لا تتحقَّق تلك الغايَةُ الجحيميَّةُ إلا بسلب هذه الأرض، أو تلكَ الأرضِ، وإلَّا باقتلاعِ اهلها منها، إمَّا بقتلهم، أو بتشريدهم في منافي الأرض، بُغيَةَ سَلْبِ كُلِّ حُقوقهم وحُرِّيَاتِهم، وتجريدهِم مِنْ كُلَّ ما يَمْلِكُونَ، فإنَّ إصرارِ أهل الأرضِ وأصحابها الأصليين على البقاءِ في أرضهم ومُقَاومةِ غُزاتِهَا المُستَعمرينَ الآتينَ لاستيطانها من أبعدِ بَعيدٍ؛ وعلى التَّشبُّثِ الجذوريِّ بهذه الأرضِ في ضَوءِ انتمائهم الإنسانيِّ، الوجدانيِّ والثَّقافي المادِّيِّ، الرَّاسخِ إلى تاريخهم وحضارتهم المُتَشَكِّلين من قبلهم في رحابها وفي مداراتِ فَضاءاتها؛ وعلى التَّمسُّك بسرديَّتهم الحضاريَّة، المادِّيَّة التَّاريخيَّة الحقيقيَّة، المُؤَصَّلَة إنسانيَّاً، وغير المَشُوبَةِ بأي قدرٍ من التَّخييل التَّهويميِّ بشأنِ انتمائهم الأصليِّ الأصيل إلى “فِلَسْطِيْنَهُمُ” التي هي مجالهم الوجودي الحيوي الوحيد؛ وعلى مواصلة الدِّفاعِ عن كُلِّ حقُوقهم وحرياتهم الإنسانيَّة مهما تَفَاقَمتْ أشكالُ وأساليبُ انتهاكِهَا من قِبَل الغُزاة الصَّهاينة، أو تصاعدت درجاتُ جسامتها ووحشيَّتِها، إنَّما هُوَ، وحده، ما يُحولُ، على المستويات الحضارِيَّة، والتَّاريخيَّة، والثَّقافيَّة، والاقتصاديَّة، والاجتماعيَّة، والحياتيَّة اليَوميَّة، والسِّياسية الواقعية الأصيلَة، دونَ تَمكينِ هؤلاء الغُزاة من إدراكِ غايَتِهم الخبيثَة، إذْ هُوَ، وحْدهُ أيضاً، ما سَيَتَكفَّلُ بِوَسمِ إمكانَ تحَقُّقِ هذه الغاية، مهما تراكم ما قد يشي ظاهريَّاً، وللوهْلَةِ الأولى بإمكانِهِ، بالزِّيفِ الرَّخْوِ، والاصطناعِ الزَّائل، والبُطْلانِ الكُلِّيِّ، والاستحالةِ الأكيدة.

وأحسبُ أنَّه سَيَكُونُ لاشتغالِ غريزةِ الخَوفِ الوجوديِّ، في الحَالة الصُّهيونيَّة مُجَسَّدةً في “إسرائيلَ” المُقَامَةِ فوقَ أرضِ “فلسطينَ”، وفي قاطنيها من اليهودِ المُصَهينينَ المجلوبينَ لاستيطانِها، أنْ يُمَكِّنَ الخَوفَ، كَحالَةٍ شُعوريَّةٍ تَلبُّسِيَّةٍ نَسَجَتْ التَّخييلوجيا الصُّهيونيَّة أرديَتَها وأَعَدَّت أقنِعتَهَا، من تحقيقِ القَدْرِ الأعْلَى من مَقاديرِ الهيمنَةِ على الكائنِ البشريِّ المائرةِ غَريزةُ الجشَعِ الاستحواذيِّ مصحوبَةً بغريزتيِّ التَّمييزِ العُنْصُريِّ والتَّوحُّش البشريِّ في كيانِهِ الكُلِّيِّ، وفي عقلِه ووجدانِه المحشُوَّيْنِ بتخييلوجيا أسطوريَّة، عُنْصُرِيَّة، سحريَّة غرائبيَّة، لا تتيح لَه، كما لا تتيحُ للكيانِ التَّجْمِيعيِّ الذي تَولَّت هذه التَّخييلوجيا الصُّهيونيَّة تصنيعَهُ بِتَصْيِيرهَا كُلَّ يَهودهِ أعضاءً مُحَوْسَلينَ في مُجتَمِعِ مُرتَزَقَةٍ وشُذَّاذِ آفاقٍ مُجَيَّشٍ، تحقيقَ أيِّ قدرٍ من الوجودِ، مهما ضَئُلَ قَدْرُهُ، إلَّا بِإقدامِهِمَا، عبر إعمالِ ما امتلكَاهُ مِمَّا زوِّدَتهم الحركة الصهيونيَّة والرأسماليَّة الغربيَّة المُتَوحِشَة بِهِ من أساليب التَّوحُّش البشريِّ وأدواته المُعزَّزة بأخبثِ جمراتِ التِّقانَة العسكريَّةِ والاستخباراتيَّةِ الفاتِكَة الحديثةِ، على تعديم وُجُودِ الآخرين من النَّاسِ المستهدفينَ من قِبَلِهما بالتَّطهير العِرقيِّ المصحوبِ باستهدافِ أروضهم ومواردهم بالسَّرقَة والاغتصاب، وحضاراتهم وتواريخهم المرتبطَة، صميميَّاً وعلى مدى الأزمنة، بِهذه الأُروضِ، إمَّا بالتّزوير والاستلابِ والسَّرقَةِ وادِّعاءِ التَّملُّكِ، أو بالتَّدميرِ، والتَّرميدِ، وتعديم الوجود.

وإنَّنا لنُلاحِظُ أنَّ “الخَوفَ الوجوديَّ” المقرونَ بتَوحُشٍ بشريٍّ يَتأتَّى من السَّعي المحمومِ إلى الاحتفاظِ بما تَمَّت سرقَتَه وادُّعِيَتْ ملكيته، إنِّما يَظلُّ محكُوماً بصيرورة التَّحَوُّل إلى “ذُعْرٍ وجوديٍّ” يتملَّكُ الكائناتِ البشريَّةِ الفاشيَّة وكيانِها الاستعماريِّ المُصْطَنَعِ، ابتداءً من اللَّحظَة التي تتواكبُ فيها مُقاومةُ أصحابُ الأرض الأصليينَ المُتَصاعدِة، والمُثابرة الباسِلَة، مَع توالي انكشاف حقيقةِ الصّهيونيَّةِ العنصريَّةِ، ومَع تَبَيُّنِ اتِّساعِ أمْداءَ تَوحُّشِهَا المُتَجَسِّدِ في تَفَاقُمِ الانتهاكاتِ الإسرائيليَّةِ لحُقُوق الإنسانِ الفلسطينييِّ وحرِياتِه الأساسية، كانتهاكاتٍ جسيمةٍ هي، من منظور القانون الدَّولي العام، والقانون الدَّولي الإنساني، والقانون الدَّولي لحقوق الإنسان، جرائم حربٍ وجرائم ضِدَّ الإنسانية لنْ يكونَ لتوالي اقترافِهَا على نحوٍ منهجيٍّ مُنَظَّم من قبلِ حُكومة إسرائيل وجيشها وعصاباتِ مُسْتَوطِنيها ومُرتَزَقَتِهَا، إلا أنْ ينعكِسَ في مرايا مُنظمات حُقُوقِ الإنسانِ الوفيَّة لرسالتها من خلال انعكاسِهِ المُتَواتِرِ في تقاريرها المُوثَّقَةِ، والمُؤَصَّلة: قانونيَّاً، ومعرفيَّاً، وإنسانيَّاً، ومن كُلِّ منظورٍ عقليٍّ ومنهجيٍّ رصينٍ.

ولمزيدٍ من التَّبَصُرُ في التَّشَابُكِ العلائقيِّ القائمِ مَا بينَ الخَوْفِ الوجوديِّ الصَّائرِ، بِفَضْلِ المًقاوَمة الباسِلةِ والانكشافِ المعرفيِّ، ذُعْراً وجُوديَّاً، من جِهَة أولى، وبينَ تَخْيِيلُوجيا العُنْصريَّة مُقرونَةً بـ”الحالَةِ الصُّهيونيَّة”، المُتَوسِّلَةِ بالتَّوحُّشِ البَشَريِّ المُحفَّزِ بالجشَعِ، وبجَمَراتِ التِّقَانةِ الخَبِيْثَةِ الآيلةِ، بلا ريبٍ وفي خَاتِمَة المطافِ، إلى إعْمالِ “خِيَارِ شَمْشونَ” النَّوَويِّ، من جِهَات أُخرى، ستكونُ لنا أكثرَ من مُقاربَةٍ تحليليَّةٍ، وَوِقْفةٍ تأمَّليَّةٍ.

نُشرت هذه التبصُّرات في مجلة “الهدف” عدد تموز (يوليو) 2022

عن عبد الرحمن بسيسو

شاهد أيضاً

بيان بيدرسون في الذكرى السنوية “للصراع السوري”

في  ذكرى ” الثورة المغدورة”، لا يجد هذا الفَقِيه الأممي ما يقدّمه للسوريين سوى  الإصرار …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *